هل تنظيم وقتك هو الحل؟

5 دقائق
إدارة الوقت

ملخص: غالباً ما تكون إدارة الوقت التقليدية عديمة الفعالية في التغلب على أعباء العمل الكبيرة وتقليل الضغط، فتركيزها على العمل بفعالية يدفعنا إلى قبول مزيد من المهام. يتمثل النهج الأفضل في تقليل عدد المهام التي نتسلمها في المقام الأول، ووضع قواعد محددة لاختيار فئات الأعمال التي لن نقوم بها، وإنشاء أنظمة مثل تحديد يوم معين لا نعقد فيه أي اجتماع.

 

يشكّل الشعور واسع الانتشار بعدم امتلاك الوقت الكافي على الإطلاق، مصدراً أساسياً للضغط. ونتيجة لذلك، يلجأ كثير منا إلى اتباع أساليب مختلفة لإدارة الوقت. فنحاول ضغط اجتماعاتنا التي تحتاج إلى ساعة من الزمن وتحويلها إلى اجتماعات سريعة تستغرق نصف ساعة عن طريق اتباع أساليب العمل بفاعلية، أو نحشر المهام الأصغر في فراغات جدول المواعيد كي نقلص الوقت غير المنتج. لكن، ولأجل المفارقة، غالباً ما تؤدي أساليب إدارة الوقت إلى زيادة الضغط الذي نواجهه بدلاً من تقليله، فمع زيادة الفاعلية نفسح مجالاً لمزيد من المهام ونشعر بضغط أكبر. عندما نشعر بأننا غارقون في العمل سنستفيد أكثر من معالجة الأسباب الأساسية المتمثلة في ضخامة حجمالمهام والقرارات وعوامل تشتيت الانتباه.

فخ إدارة الوقت

كان انتقالنا إلى العمل عن بعد على إثر انتشار جائحة “كوفيد-19” تجربة طبيعية مهمة توضح التناقض في إدارة الوقت. إذ يقول أكثر من ثلاثة أرباع الموظفين إن العمل من المنزل ساعدهم في توفير الوقت وتحديداً الوقت الذي كانوا ينفقونه في المواصلات والسفر، ويقول نحو نصف الموظفين العاملين عن بُعد إن إنتاجيتهم ازدادت.

على الرغم من هذه المكاسب التي أبلغ الموظفون عنها بأنفسهم فيما يتعلق بتوفير الوقت وزيادة الإنتاجية، فإن البيانات من شركة “أتلاسيان” (Atlassian) لبرمجيات الشركات، تبين أن يوم العمل المتوسط قد أصبح أطول بمقدار 30 دقيقة في جميع أنحاء العالم، وهو عكس ما نتوقعه بالنظر إلى استخدام الموظفين لأوقاتهم على نحو منتج أكثر. وما زاد المسألة تعقيداً، أن الثلاثين دقيقة الإضافية في العمل نشأت في أغلب الحالات على حساب الوقت المخصص للراحة في المساء.

تعدنا إدارة الوقت بأننا سنتمكن من تخصيص وقت لكل ما يجب علينا فعله على نحو مريح إذا عملنا بفاعلية أكبر. ومع ذلك، فإن إدارة الوقت أشبه بحفرة على الشاطئ، فكلما اتسعت أكثر، زادت كمية المياه التي تتدافع لملئها. في عالم تسوده المطالب المحتملة اللا نهائية تعتبر ساعة الفراغ ضمن جدول أعمالك دليلاً على أنه بإمكانك القفز إلى مشروع آخر أو تسلم دور آخر.

أنا لا أقول إن إدارة الوقت ليست ذات قيمة، فالإنتاجية مهمة، لكن في عالم ينتشر فيه الاحتراق الوظيفي نحتاج أيضاً إلى استراتيجيات لتقليص حجم العمل بدلاً من مجرد تكييفه. فيما يلي 3 خطوات يمكنك اتخاذها للنجاة من الفخ:

1. قلّص حجم المهام

تمثل قائمة المهام الواجب أداؤها اتفاقاً يقول: “سأتولى أمر تحديث الميزانية من أجل اجتماع الأسبوع المقبل” أو “سأشتري طعاماً للعشاء وأنا عائد إلى المنزل” أو “سأرسل لك مجموعة الشرائح المحدّثة في وقت لاحق الليلة”.

ما إن نعقد الاتفاق حتى يبدأ تنفيذ البنود الواردة فيه بتوليد الضغط علينا، وإذا اضطررنا إلى خرقه أو تغييره، فإننا نولّد ضغطاً إضافياً بسبب حاجتنا إلى إجراء المحادثة الصعبة وشعورنا بالذنب لتخييب أمل شخص ما. لتقليل الضغط الناجم عن حجم المهام، احرص على وضع حدّ لعددها مقدماً والالتزام به حتى لا تجبر على تغيير الاتفاق لاحقاً. يعتمد وضع هذا الحدّ على طبيعة المهام التي تزيد حجم مجموعة الأعمال التي يجب عليك أداؤها، هل هي مهام توكل إليك أو هي مهام تتخذ بنفسك القرار بأدائها؟

بالنسبة للمهام الموكلة إليك، فكر في الأولويات لا في الوقت. عندما يطلب منك أحد مدرائك أداء مهمة، قد يفاجأ بجواب مثل “لا أملك الوقت لأدائها”، لذا استعض عنه بطرح السؤال التالي: “ما درجة الأولوية التي تريد مني منحها لهذه المهمة مقارنة بالمهام س وع وص؟” بذلك تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد: أولاً، حمّلت مديرك مسؤولية تحديد الأولوية بدلاً منك. وثانياً، حولت الحديث من اختيار أحد خيارين إلى نقاش تعاوني لتحديد الخيار الأهم.

أما بالنسبة للمهام التي تتخذ بنفسك القرار بأدائها، ففكر في جدول مواعيدك أولاً، فنحن غالباً ما نحمّل أنفسنا فوق طاقتها لأننا نبالغ في التفاؤل عندما نفكر في قدراتنا. إذ ننظر إلى جدول المواعيد ونرى بعض الفراغات فنفكر أننا سنتمكن من إنجاز المهمة الإضافية قبل نهاية الأسبوع، ثم ينتهي الأسبوع ونفاجأ بأننا مضطرون إلى تغيير الاتفاق.

تكمن الصعوبة في أن جدول مواعيدك لا يبين عادة سوى الأعمال التي تؤديها بالتزامن مع زملائك، كالاجتماعات والاتصالات الهاتفية ومواعيد اللقاءات لاحتساء القهوة والدردشة وما إلى ذلك. إن قائمة الأعمال الواجب عليك إنجازها؛ عبارة عن قائمة موازية من الاتفاقات مع موظفين آخرين على أداء أعمال غير متزامنة (مهام تؤديها وحدك وليس في نفس وقت عمل الآخرين)، وهي مهام تتطلب وقتك. ما الحل؟ ادمج جدول مواعيدك مع قائمة الأعمال التي يجب عليك أداؤها من خلال تخصيص الأوقات المتاحة على جدول المواعيد لأداء أعمال القائمة. وعندما تحصل على صورة كاملة عن التزاماتك، ستتمكن من رؤية قدرتك الحقيقية قبل أن توافق على تولي مهمة جديدة.

2. استبدل القواعد بالقرارات

تميز العام الماضي بسلسلة لا نهاية لها من القرارات: هل أرسل أولادي إلى المدرسة؟ هل يمكنني زيارة والديّ؟ هل العودة إلى المكتب آمنة؟ إن الاستمرار في مواجهة قرارات تعود بتبعات خطيرة ومعلومات منقوصة قد يؤدي إلى ما يدعوه العلماء “الحمل الإدراكي الزائد”، أي عندما تتفوق متطلبات العمل الذهني الذي يجب علينا أداؤه على قدرتنا على التعامل معها. يزيد الحمل الإدراكي الزائد احتمالات ارتكاب الأخطاء ويسهم بدرجة كبيرة في الشعور بالإرهاق.

يمكنك البدء بتقليص الحمل الإدراكي من خلال اعتماد قاعدة قطعية بدلاً من القرارات. على سبيل المثال، يخبرنا علم إدارة خسارة الوزن أن قول “لن أتناول الطعام بعد الساعة 7 مساء” فعّال أكثر من قول “سأحدّ من الأطعمة التي أتناولها بعد الساعة 7 مساء”، فالجملة الأخيرة تخلق عدداً لا يحصى من القرارات اللاحقة: “هل يمكنني تناول كوب اللبن هذا؟ ماذا عن قطعة فاكهة؟” أما القاعدة القطعية المتمثلة في عدم تناول الطعام بعد الساعة 7 مساء، فتغلق الباب أمام كل هذه الخيارات نهائياً، ولن نضطر إلى اتخاذ أي قرار.

يقول المؤلف وصاحب المدونة الصوتية الناجح تيم فيريس عن هذا المفهوم: “إنه تحديد القرار الوحيد الذي يزيل 100 قرار”، وبالنسبة إلى فيريس، كان هذا يعني تأسيس قاعدة عدم قراءة أي كتاب منشور حديثاً في عام 2020. فبعد أعوام قضاها غارقاً في طلبات المؤلفين ووكلاء إعلامهم المتلهفين لقراءة عشرات الكتب التي صدرت حديثاً أو توشك على الصدور أو مراجعتها أو نشر دعاية لها كل أسبوع، حررته هذه القاعدة الشاملة من مئات القرارات التي كان عليه اتخاذها بشأن كل كتاب يعرض عليه.

كما اشتهر ستيف جوبز بالقرار الذي اتخذه بارتداء نفس الملابس كل يوم ليتخلص من الإجهاد الناجم عن قرار اختيار اللباس الذي سيرتديه كل صباح. ووضع جون ماكي، المدير الإداري في شركة “هيدريك آند ستراجلز” (Heidrick & Struggles) الكندية للبحث عن المسؤولين التنفيذيين، قاعدة عدم حضور أي اجتماع في يوم الجمعة. فبعد عجزه عن حماية الوقت المخصص للعمل الذي يحتاج إلى التركيز الشديد باتخاذ قرارات فردية حول الاجتماعات التي يقبلها والتي يرفضها، خصص يوماً من الأسبوع ليتمكن من التركيز.

3. استخدم النظام وليس قوة الإرادة من أجل تقليل العوامل المشتتة للانتباه

تسبب العوامل المشتتة للانتباه في انحرافنا عن مسار إنجاز مهامنا واتخاذ أهم القرارات. تسهم عوامل تشتيت الانتباه بدرجة هائلة في شعورنا بالإرهاق لأنها تحرمنا من الشعور بأننا نحرز تقدماً في المهام التي تشكل مصادر ضغط.

عندما تحاول استخدام قوة الإرادة لمنع عوامل تشتيت الانتباه كوسائل التواصل الاجتماعي مثلاً، فأنت تصارع بذلك جيشاً من أعظم العقول في جيلنا؛ تركز هذه العقول بشدة على استغلال ما يسميه شون باركر، الرئيس المؤسس لشركة “فيسبوك”، “نقطة الضعف في علم النفس البشري” لسرقة جزء من اهتمامك. يتغلب النظام على قوة الإرادة دائماً فيما يتعلق بتشتيت الانتباه.

أسس عدة قادة عملت معهم في الشركات فترات في أثناء النهار يقطعون خلالها اتصال أجهزة الكمبيوتر بالإنترنت كي يتمكنوا من التركيز. وحدد آخرون مواعيد ثابتة لاجتماعات وجيزة لمدة 30 دقيقة يمكن لأفراد فرقهم حضورها لتوضيح الأسئلة والحصول على التوجيهات. أدى ذلك إلى انخفاض كبير في عدد الموظفين الذين يطلبون أخذ بضع دقائق من وقت مدرائهم خلال اليوم.

امتنعت كاثي إنغلبرت، الرئيسة التنفيذية في شركة “ديلويت”، عن وضع مواعيد لاجتماعات متتالية، وطلبت من مساعدتها ترك 10 دقائق بين الاجتماع والآخر لما أسمته “دقائق التفكير”. كانت هذه الاستراحة السريعة المخصصة لاستعادة نشاطها تضمن عدم تشتيت انتباهها بالتفكير فيما ستفعله خلال الاجتماع التالي قبل نهاية الاجتماع الأول، أو التفكير فيما جرى ضمن الاجتماع الأول عندما تدخل إلى الاجتماع التالي.

في جميع هذه الحالات، لا يتمثل الحل في زيادة الفعالية من أجل إتاحة المجال لمزيد من المهام والقرارات وعوامل تشتيت الانتباه، بل التبسيط هو الضرورة الواضحة. قلل عدد المهام التي يمكنك أداؤها واستعض عن القرارات بالقواعد واتبع نظاماً للحدّ من العوامل المشتتة للانتباه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .