هل يتطلب إحداث التغيير وجود السلطة أم القيادة؟

2 دقائق
متطلبات التغيير الناجح
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قبل أكثر من 150 عاماً، كان إجناتس سيملفيس، وهو كبير الأطباء في قسم أمراض النساء في مستشفى صغير في هنغاريا، قد أجرى أبحاثاً معمقة حول تأثير النظافة والتعقيم في الحد من الأمراض والالتهابات وحول متطلبات التغيير الناجح المتعلقة بهذا الأمر. ما دفعه إلى وضع نظام صارم لغسل اليدين، وتمكّن من القضاء تقريباً على حمى الرضع التي كانت مرضاً شائعاً في ذلك الوقت.

وفي عام 2005، كان جون آنتيوكو يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة “بلوك باستر”، وهي عملاق تأجير أفلام الفيديو الشهير. ومع ذلك، وعلى الرغم من هيمنة الشركة، فقد استشعر بقدوم خطر قاتل يتمثل في خدمات بث الفيديو عبر الإنترنت وفي بعض المنافسين الأذكياء من قبيل شركة “نتلفيكس”، ما حدا به إلى إطلاق برنامج طموح لإلغاء غرامات التأخير في إعادة الأفلام وللاستثمار في تقنيات الإنترنت.

لكن الأمور قادت هذين الرجلين إلى نهاية غير سعيدة.

إذ إن سيملفيس، كان الوسط الطبي قد عزله، وتوفي في مستشفى للأمراض العقلية، والمفارقة أن السبب كان جرثوماً التقطه في أثناء خضوعه للعلاج الطبي. أما آنتيوكو، فقد طرده مجلس إدارة الشركة، في حين تخلّى خليفته عن كل الإصلاحات التي شرع بها، علماً أن شركة “بلاك باستر” أعلنت إفلاسها عام 2010.

صحيح أن الآراء القيّمة التي قدمها كل من سيملفيس وآنتيوكو تبدو واضحة اليوم، إلا أنها لم تكن تبدو كذلك في وقتهما. ففي حالة سيملفيس، كان الاعتقاد الشائع هو أن المرض ناجم عن حالة عدم توازن في الرطوبة، أما في حالة آنتيوكو، فإن التهديد الذي شكّلته أفلام الإنترنت بدا بعيداً ولا يبرر التخلي عن الأرباح على المدى القصير.

المبالغة في تقدير قوة النفوذ

على الرغم من أن المنصبين اللذين كانا يشغلانهما والسلطة التي كانت في يديهما، فلم يتمكّنا من التغلب على وجهة نظر الأكثرية. فنحن نميل إلى المبالغة في تقدير قوة النفوذ، حيث يبدو الأمر لنا دائماً بأنه لو كان لدينا قدر أكبر قليلاً من السلطة، أو كان لدينا المزيد من البيانات لدعم آرائنا، فإننا سنكون قادرين على إقناع الآخرين بقوة أكبر، وبأننا سنكون قادرين على دفع هذه الآراء قدماً. ومع ذلك، فإن الشخصين المذكورين لم يكونا من المتمتعين بالسلطة فحسب، بل كانت بحوزتهما كل الحقائق، وكانا مستعدين للتضحية بحياتهما المهنية. ومع ذلك فشلا.

ثمة نموذج يسمى “نموذج العتبة” خاص بالسلوك الجماعي، يتوقع بأن الأفكار تترسخ في الأكثريات المحلية الصغيرة؛ والعديد من الناس يتوقفون هناك ولا يمضون أبعد من ذلك، لكن البعض يُشبعون هذه القطاعات المحلية ومن ثم ينتقلون إلى المزيد من المجموعات التي تتسم بالتردد من خلال الروابط الضعيفة. وما يحصل في نهاية المطاف هو نوع من التأثير المتدحرج.

أفضل مثال عملي معروف لنموذج العتبة، هو ذلك الذي طوّره إيفريت روجرز (إي إم روجرز)، والذي تحصل فيه مجموعة صغيرة من المبتكرين على فكرة، وتلقّنها إلى مجموعة أكثر تردداً نوعاً ما من المتبنين المبكرين لهذه الفكرة والذين ينتمون إلى الأكثريات المحلية. وبالنسبة للأشخاص المتحفظين والصامتين ضمن هذه المجموعات، فإنهم يكتشفون أنهم قليلون مقارنة بالآخرين ويبدؤون بالتأقلم. وبعد مرور فترة غير طويلة، يجد معتنقو الفكرة الجدد أنفسهم وقد نقلوا الفكرة إلى المجموعات الاجتماعية الأخرى التي ينتمون إليها. وتتواصل العملية حتى تكون الفكرة قد نمت وتطورت خارج نطاق المجموعة الأصلية التي آمنت بها وأطلقتها. وفي نهاية المطاف، حتى أكثر الأشخاص تشككاً وتأخراً في الانضمام إلى الفكرة يجدون أنفسهم وقد باتوا من المؤمنين بها.

الآن أصبح بإمكاننا أن نرى السبب الحقيقي وراء فشل كل من سيملفيس وآنتيوكو، فضلاً عن غيرهم من كبار المدراء التنفيذيين الطموحين. فعوضاً عن السعي إلى قيادة مجموعة شغوفة من المبتكرين المستعدين لتبنّي أفكارهم، وبناء حركة في هذا الاتجاه، اعتمد هؤلاء على سلطتهم لإحداث تغيير شامل من خلال إجبار غير المقتنعين على العمل ضد قناعاتهم. وبدلاً من العمل الدؤوب لبناء أكثريات محلية، فقد حاولوا إخضاع مجموعات بأكملها.

لطالما كانت السيطرة ولا تزال وهماً. وهذا هو السبب الذي يجعل التغيير دائماً يتطلب القيادة وليس السلطة. فإذا ما أردت إحداث تغيير حقيقي، فليس السلطة والنفوذ هما ما تحتاجه، وإنما أنت بحاجة إلى الأشخاص الذين يسعون إلى الإطاحة بهما. فهذه هي متطلبات التغيير الناجح.

اقرأ أيضاً: إرشاد الراغبين بالتغيير.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .