كيف تحضر للتجارب في شركتك وتتعلم منها؟

14 دقيقة
shutterstock.com/GaudiLab
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع ستيفان ثومك، الأستاذ في “كلية هارفارد للأعمال”، ومؤلف كتاب “الأعمال القائمة على التجارب: القدرة المدهشة لتجارب الأعمال” (Experimentation Works: The Surprising Power of Business Experiments) وصاحب المقالة المقبلة المنشورة في مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” (HBR) بعنوان “بناء ثقافة التجارب” (Building a Culture of Experimentation).

يقول ستيفان ثومك، إنه ورغم أن إجراء التجارب يضيف قيمة هائلة للشركات، فإن كبار رجال الأعمال كثيراً ما يتجاهلون نتائج هذه الاختبارات ويبنون قراراتهم وفق حدسهم. صحيح أن استخدام اختبارات أ/ب على كميات ضخمة من المعاملات تُعد ممارسة شائعة في “جوجل” (Google)، و”بوكينغ دوت كوم” (Booking.com)، و”نتفليكس” (Netflix)، إلا أنّ توماك يؤمن أنه حتى الشركات الصغيرة يمكنها إجراء التجارب وكسب ميزة تنافسية. وقد أوضح توماك طريقة تقديم التجارب وإجرائها والتعلم منها، وكيفية غرس عقلية التفكير التجريبي داخل مؤسستك.

إليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

النص:

كيرت نيكيش: مرحباً بكم في برنامج “آيديا كاست” الذي تقدمه “هارفارد بزنس ريفيو”. معكم كيرت نيِكيش.

المنهج التجريبي مسألة مفروغ منها في العلوم، فبعد التوصل إلى فرضية، سواء كانت حول آلية حركة السُّحب الممطرة أو طرق موت خلايا الجسم، يتعين عليك إجراء تجربة لاختبار الفرضية. فهناك منهج، يُسمى المنهج العلمي، لا بد من اتباعه لاختبار فرضيتك مراراً وتكراراً حتى تتأكد من حصولك على النتيجة نفسها كل مرة كدليل على صحة فرضيتك، أو على الأقل، لحين ظهور متغيرات جديدة، أو تغيير المعطيات الأساسية.

يفتقر حقل الأعمال إلى هذا المنهج التجريبي، وينصب اعتماده على الخبرات، وعلى حدس المدراء والقادة. وهذا في رأي ضيفنا اليوم أمر مؤسف، لأنه لم يزل أمامنا الكثير من الخطوات الواجب قطعها لإعداد التجارب، واختبار النتائج، وتقديم خدمات ومنتجات أفضل للزبائن، حتى في أكثر القطاعات الابتكارية، وهو ما يتجاوز آفاق منهجية اختبارات أ/ب المتبعة داخل الشركات التكنولوجية العملاقة.

ضيفنا اليوم ستيفان ثومك، الأستاذ في “كلية هارفارد للأعمال”، ومؤلف كتاب “الأعمال القائمة على التجارب: القدرة المدهشة لتجارب الأعمال” وصاحب المقالة المنشورة في مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” بعنوان “إقامة ثقافة التجارب” شكراً على حضورك ستيفان.

ستيفان ثومك: شكراً لك على استضافتي.

كيرت نيكيش: سنبدأ حوارنا بأن أؤدي دور رجل الأعمال، ونزعم أنني صاحب العمل. ما الذي يدعونا إلى التوسع في اعتماد المنهج التجريبي في قطاع الأعمال؟

ستيفان ثومك: يتمثل السبب الأول في قدرته على إضافة قيمة هائلة. سأضرب لك مثالاً بمحرك البحث “بينغ” (Bing) التابع لشركة “مايكروسوفت” (Microsoft). خطرت لأحد العاملين على “بينغ” فكرة حول طريقة عرض الإعلانات، وكان رأي المدير أنها غير واعدة، فما كان منهم إلا أن نحُّوها جانباً، لكن الموظف أصرّ على تنفيذ فكرته.

لم يلبث الموظف أن قرر إجراء تجربة لاختبار الفكرة على نطاق محدود. وعندما أجرى الاختبار، أسفر هذا التغيير الطفيف، الذي استغرق بضعة أيام من العمل، عن زيادة في الإيرادات بقيمة تتجاوز 100 مليون دولار في تلك السنة وحدها، وسيكون هناك المزيد من الإيرادات مع الوقت طبعاً. في الواقع كانت تلك التجربة الأكثر نجاحاً في “بينغ”.

إذاً، ما الذي صنع الفارق؟ حسناً، ما صنع الفارق هو أن الموظف كان يتمتع بالسلطة الأساسية أو الصلاحيات اللازمة لإجراء التجربة وإطلاقها واختبارها، فالحقيقة أن التجربة هي ما يُخبرك بما ينجح وما لا ينجح، وليس…

كيرت نيكيش: وليس المدراء.

ستيفان ثومك: وليس المدراء. تكمن المشكلة في أننا غالباً ما نُطلق أحكاماً خاطئة على الكثير من الأفكار المبتكرة، خصوصاً تلك التي تتعلق بتوقع سلوك الزبائن. فلماذا لا نلجأ، إذاً، إلى إجراء التجارب وندعها تُطلعنا على ما ينجح وما لا ينجح، بدلاً من اتباع حدسنا أو آرائنا الشخصية؟

كيرت نيكيش: وما إجابة هذا السؤال؟ لماذا لا يتبع المسؤولون هذه المنهجية؟

ستيفان ثومك: حسناً، هناك الكثير من الأسباب وراء عدم اتباعها على نطاق واسع، فالبعض يُجرون تجارب بسيطة لأنهم ينظرون إلى التجربة باعتبارها شيئاً أشبه بالمحاولة، مجرد محاولات سطحية ولتجربة شيء ما. غير أنّ هذا لا ينتمي للمنهج التجريبي، من المنظور العلمي، كما أنهم لا يُجرون الكثير من المحاولات، إما لأنهم لا يملكون البنية التحتية اللازمة لإجراء العديد من الاختبارات، أو لأنهم لا يملكون الأدوات اللازمة، وربما لارتفاع تكلفة إجرائها، أو ربما يقررون أن أحداً لن يهتم بالنتائج التي سوف يتوصلون إليها بعد إجرائهم للاختبارات.

كيرت نيكيش: هذا صحيح. هل يبالغ المدراء في تقديراتهم للجانب السلبي للتجارب ويستهينون بالجانب الإيجابي؟

ستيفان ثومك: أعتقد أنهم يبالغون أحياناً في القلق بشأن مخاطر إجراء التجارب، ولأسباب وجيهة، فعلى سبيل المثال، لو أن موقعك الإلكتروني يحظى بالكثير من الزوار، فربما لن ترغب في إطلاق تجربة قد ينتج عنها خسارة زبائن يزورون موقعك.

كيرت نيكيش: هذا صحيح، إذا فشلت التجربة.

ستيفان ثومك: إذا فشلتْ التجربة وإذا لم تكن لديك قواعد للتوقف أو زر إيقاف، وما إلى ذلك، أو ربما عوامل تفادي المخاطر، فإن ذلك يُعد أيضاً ضرباً من خوض المجهول. وللأمانة، فإن الاعتراف بالجهل بأمر ما يتطلب التحلي ببعض التواضع، أعني حضور اجتماع لإطلاق تجربة ما ولدى كل من الحاضرين بعض الفرضيات حول نتائج التجربة، ثم تتقدم وتقول “أنصتوا إليّ رجاءً، بصراحة شديدة إنني لا أعلم ما قد تؤول إليه التجربة، دعونا نكتشف معاً”.

كيرت نيكيش: رغم أنني أتلقى أجراً أكبر، وأنني في موضع المسؤولية، فأنا أيضاً لا أعلم.

ستيفان ثومك: بالضبط. كلما ترقيت، كان أجرك أكبر، وكلما زادت مدة خبرتك، كان أجرك مقابل اتخاذك القرارات الصعبة، وأنت تسعى لتكون صانع القرار، وتقع على عاتقك مسؤولية إنشاء مؤسسة تعمل بآليات مختلفة يمكنها اتباع تلك المنهجية.

وبالمناسبة، فحديثي لا يقتصر على عالَم الإنترنت، وإنما يشمل عالم الواقع، حيث تُجري الشركات التجارب، وحتى حينها يتعين عليها اتخاذ القرارات المهمة، وفي بعض الأحيان تكون تلك القرارات مكلفة للغاية، والتجارب هي وسيلة البت فيما يجب تنفيذه وما يجب تركه.

شركة “كولز” (Kohl’s) مثلاً، وهي كما تعلم أحد أكبر متاجر التجزئة، تعاقدت مع شركة استشارية، وظيفتها الأساسية عمل تحليلات تكاليف، بعد الانتهاء التقوا بالإدارة العليا، وقالوا لهم لقد تبين لنا أن بإمكانكم توفير الكثير من المال إذا أخرتم موعد فتح متاجركم ساعة واحدة، فأصبح الوضع كالتالي: أنت من يُدير هذه الشركة وعليك اتخاذ القرار، فهل يجب تأخير موعد الفتح؟ من السهل حساب النفقات التي سيتم توفيرها، لأنه أمر بسيط وسريع، ولكن من الصعب الإجابة عن السؤال المهم، ما أثر ذلك على الأرباح؟ هل سوف تتراجع المبيعات إذا أخرنا موعد الفتح ساعة؟ إذاً، كيف سوف تتخذ هذا النوع من القرارات؟

يمكننك أن تستمر في إجراء تحليلات بعد أخرى، لكنك لن تعرف النتيجة إلا بعد التنفيذ، حين تُجري الاختبار، وهذا ما فعلوه في هذا المثال، لقد أجروا تجارب محدودة أعدوا خلالها مجموعة من الاختبارات، أخروا موعد الافتتاح لمدة ساعة وراقبوا وانتظروا، وفي نهاية التجربة كانت النتيجة أن الفارق ليس كبيراً.

كيرت نيكيش: حتى الآن فكلانا متفقان، دعني أسألك عن كيفية إعداد تجربة؟ هل من قواعد محددة؟

ستيفان ثومك: أولاً هناك الأدوات. فقد أنشأتْ الكثير من الشركات التي تحدثتُ عنها في كتابي بنيتها التحتية الخاصة بها، وأعدت أدواتها الخاصة، لأنها عندما بدأت قبل سنوات عدة، لم تكن الأدوات متوافرة. انظر مثلاً إلى “أمازون” (Amazon) أو “مايكروسوفت” و”نتفليكس” أو “بوكينغ” (Booking)، وهناك غيرها الكثير، جميعها قررت الاعتماد على نفسها.

كيرت نيكيش: إذاً، تعرف الشركات بوجود أسئلة ترغب في الحصول على إجاباتها، وقد توصل المسؤولون إلى الطريقة الملائمة.

ستيفان ثومك: لقد تبين لهم أن ذلك سيمنحهم ميزة تنافسية، إذا تمكنوا بطريقة ما من إجراء العديد من الاختبارات، بدلاً من الاعتماد على الكثير من التخمينات الخاطئة، وبالتالي بدؤوا في الاستثمار في البنية التحتية. في شركة “مايكروسوفت”، على سبيل المثال، لديهم مجموعة كبيرة جداً تختص في الأساس بتشييد البنية التحتية، يصل قوامها – حسب آخر ما بلغني – إلى 85: 90 شخصاً لا عمل لهم إلا تشييد البنية التحتية.

الخبر الجيد أنه، ومنذ سنوات قليلة، ظهرت أدوات مساعدة بإمكانها الاضطلاع بهذا الدور، سواء في فضاء الإنترنت أو في عالم الواقع، وهو ما سوف يرفع عن كاهلك الكثير من الأمور المتعلقة بالإحصاءات وما إلى ذلك، وبالتالي صار الأمر أكثر سهولة مما كان عليه من 5 أو 10 سنوات مثلاً.

كيرت نيكيش: هل ترى أن بناء ثقافة جوهرها التجربة أمر مختلف بعض الشيء؟

ستيفان ثومك: أعتقد أنه أصعب من شراء الأدوات أو بنائها، لأننا نتعامل اليوم مع سلوكيات ومعتقدات وأعراف وما إلى ذلك من أمور.

كيرت نيكيش: إذا فشلت الشركات في بناء ثقافة التجريب، فكيف يؤثر ذلك عليها؟ ما الأثر الذي شهدته ولاحظته بنفسك؟

ستيفان ثومك: حسناً، في الأحوال التقليدية، تقرر الشركة إجراء التجارب، فنهرع إلى إجرائها، ونسلم النتائج للمجموعة التي طلبت منا إجراء التجربة، ثم لا يحدث أي شيء، أو يقررون تحدي نتائج التجارب، بداعي أن خطأ ما قد ارتُكب بكل تأكيد.

أتذكّر قصة شخص غاضب اتصل بأحد بائعي الأدوات، واشتكى من أن الأداة بها عطب، فما كان من هذا الشخص إلا أن أجرى تجربة، والتي أثبتت أنك إذا أعطيت الزبائن خيارات أقل في الإعدادات، فستحصل على أداء أفضل. تتعارض هذه النتيجة مع البديهة، لأننا نؤمن بوجود تقديم أكبر عدد ممكن من الخيارات للزبائن.

لذا، أبدى انزعاجه الشديد من النتيجة، واتصل بهم واشتكى من خلل في الأداة. لا شك أن الأداة بها خلل ما دامت النتيجة لا تتوافق مع الخبرة التي اكتسبها ومع ما ظل يمارسه لفترة طويلة، وهذا هو ما أوصلنا إلى هذا الوضع.

كيرت نيكيش: إلى أي مدى تؤكد إمكانية الوصول إلى رؤى ثاقبة جديدة عبر التجارب، لا يستطيع المرء الوصول لها بمفرده؟

ستيفان ثومك: حسناً، هناك شركة اسمها “بوكينغ دوت كوم” لا بد أن معظمنا قد تعامل معها يوماً ما. في الواقع هي أكبر منصة لحجوزات الفنادق على مستوى العالم، إذ يجري عليها حجز أكثر من 1.5 مليون غرفة فندقية يومياً. إنها منصة تواصل ثنائية، أو هكذا نسميها، يقع الموردون في أحد جانبيها وهم مشغلو الفنادق مثلاً، وعلى الجانب الآخر هناك زبائن من أمثالنا بطبيعة الحال.

تنفذ شركة “بوكينغ” كماً هائلاً من التجارب، فهم يُجرون في تقديري أكثر من 30,000 تجربة في العام الواحد، وقد قيل لي إن تقديراتي أقل من الواقع، ولكن تلك هي تقديراتي على أية حال. إنها شركة رائعة حقاً، وناجحة للغاية، تبلغ أرباحها الإجمالية أكثر من 90%، ومع ذلك لا يملكون أي أصول، بل إنهم حقيقةً لا يملكون أياً من أماكن الإقامة، لذا فهو قطاع فائق التنافسية أيضاً.

إذاً، كيف ينجحون؟ الإجابة أنهم يجرون الكثير من التجارب، وقد رسخوا ثقافة تجريبية، فإجراء التجارب أمر لا غنى عنه مثل التنفس، يقومون به كل يوم، أعني أنه لا غنى عنه، عزيزي كيرت، يجب أن تتأمل هذه الأرقام، حتى إذا أجريت عدداً قليلاً من التجارب، فأنا أعني أنها تُجري أكثر من 100 تجربة جديدة يومياً. يجب أن تكون شركتك قادرة على مجرد وضع العديد من الفرضيات.

كيرت نيكيش: على ذكر عدد المعاملات التي تُنفذ عبر “بوكينغ دوت كوم” يومياً، ما علاقة ذلك بإجراء التجارب؟ وهل سينجح ذلك مع الشركات التي لا تتعامل مع هذا القدر من البيانات؟

ستيفان ثومك: نعم، ستنجح تلك المنهجية حتى مع الشركات التي تُنفذ معاملات أقل بكثير، كل ما هنالك أنّ العمليات الحسابية الرئيسة سوف تتغير، أي أنّ مهمة الخوارزميات ستختلف اختلافاً جذرياً. في الواقع إذا كانت أحجام العينات كبيرة جداً، مثل بيانات استخدام شبكة إلكترونية مثلاً، فستتمكن من ضبطها جيداً. يمكنك إجراء تغييرات صغيرة جداً جداً، ثم يُمكنك اكتشاف ما إذا كانت هذه التغييرات تسببت في حدوث شيء ما، كلما تقلص حجم العينة، كانت التغييرات أكبر، فيما ندعوه بقوة التجربة. عليك أن تمنح القوة للتجربة، قوة إحصائية، وهذا ما أنصح به الشركات الصغيرة التي تُجري تجارب أكبر قليلاً.

ما يحدث حقيقة، على نحو ما جرى في شركة “آي بي إم” (IBM)، أنهم عندما بدؤوا في اتباع هذه المنهجية، اكتشفوا أنهم يملكون عدداً ضخماً من المواقع الإلكترونية، وبالتالي كانت بعض المواقع تحظى بعدد ضئيل من الزيارات، ولكنهم لا يحتاجون إلى هذه المواقع كلها، ما أدى إلى قرار الدمج، فقالوا لأنفسهم “نحن لا نحتاج حقاً إلى هذه المواقع، لذا سنلجأ إلى الدمج، وبالتالي نحصل على المزيد من الزيارات في عدد أقل من المواقع، ما يسمح لنا بعد ذلك بإجراء المزيد من التجارب”.

كيرت نيكيش: أتساءل أحياناً إذا ما كانت هناك شركات أو قطاعات لا علاقة لها بالتكنولوجيا الموجهة إلى المستهلك ولا تربطها صلة بالمؤسسات العلمية أو شركات الأدوية، فتبدو التجارب أمراً غريباً حقاً؟

ستيفان ثومك: حسناً، أعتقد أن الشركات المرموقة في قطاع الصناعات الإبداعية، التي يسود فيها الاعتقاد أن كل شيء يقوده أشخاص مبدعون. لنضرب مثلاً بقطاع الترفيه، انظر إلى ما فعلته شركة “نتفليكس”. تحقق “نتفليكس” أرباحاً ضخمة، رغم عملها في قطاع إبداعي، ولكنه مدفوع كلياً بالتجربة. وأعتقد أن ذلك كان بمثابة نداء صحوة للعاملين بقطاع الترفيه، لأنك عندما تعمل بهذا القطاع وتدير شركة “نتفليكس”، تصبح جزءاً من منظومتها القائمة على التجريب. إنهم يُجرون قدراً هائلاً من الاختبارات، لأنهم يريدون معرفة ما يصلح وما لا يصلح. وبالمناسبة، فإن إجراء الاختبارات والحصول على النتائج لا يعني أنه يجب عليك اتباع النتيجة بلا تدبر، لأن بعض الأسباب الوجيهة والاستراتيجية تدعو في بعض الأحيان لعدم تنفيذ ما أسفرت عنه التجربة.

كيرت نيكيش: هذا صحيح. فهناك مقايضات مقابل المزايا أياً كانت…

ستيفان ثومك: قد تكون هناك مقايضات، وربما تكون هناك مخالفات تعاقدية مثلاً أو أمور من هذا القبيل. الحقيقة أن التجارب تضفي الشفافية على القرارات، لذا، لا يمكننا التظاهر أننا نجريها لأنها في صالح الزبائن، أو لأنها في مصلحة المشاهد، أو شيء من هذا القبيل، لأن وظيفتها إضفاء الوضوح على ذلك كله، فالتجارب تبين لنا ما هو مناسب للمشاهد، ولكن ربما كانت هناك أسباب أخرى تؤدي للتراجع عن تنفيذ ما تمليه نتائجها. وأعتقد أن إضفاء الشفافية على القرارات والإجراءات له قيمة كبيرة نوعاً ما، ويسمح لشركة مثل “نتفليكس” بالعمل والنجاح في قطاع إبداعي ينتهج النهج التجريبي.

لا أقصد بحديثي هذا، الانتقاص من قيمة موهبة الإبداع، لأنها بالغة الأهمية، لكنها لا تُحقق اليقين في سياق صناعة القرار، فأنا أرى أن موهبة الإبداع والحدس عنصر مهم من النهج التجريبي، لأنه يسمح لنا بوضع الفرضيات. عليك يا كيرت أن تتساءل: من أين تنشأ هذه الفرضيات؟

كيرت نيكيش: نعم، الإنسان هو من يضع الافتراضات، الإنسان هو من يطرح الأسئلة أو يتوصل إلى الأفكار.

ستيفان ثومك: بالتأكيد. ما أقصده أن إجراء هذه التجارب، التي كانت جميعها بسبب فرضيات قدمتها مجموعات المنتجات، وهذه الفرضيات توصل إليها أشخاص، فمن أين حصلوا على الأفكار؟ حسناً، يحصلون عليها من حدسهم أحياناً، فهي عبارة عن رؤى ثاقبة.. مفاجآت وأنت تعرف مفاجآت الزبائن، أموراً اعتقدوا أنها صحيحة، ثم يلاحظون شيئاً لا يتناسب تماماً مع ما يعرفونه، أي إنها بمثابة مختبرات تقيس قابلية التنفيذ.

أعني أن هذه الشركات كلها تُجري أبحاثاً نوعية، تفعل ما تفعله الشركات الأخرى، لكنها تفعله بغرض توليد الفرضيات التي يتم اختبارها بعد ذلك بصرامة، على عكس المؤسسات الأخرى التي تضع الفرضيات وتنتقل مباشرةً إلى تنفيذها.

كيرت نيكيش: هذا صحيح. الأمر يستند إلى أفضل مَن يُجيد التحدث أمام العامة، أو أفضل من يُجيد العرض في الاجتماعات بدلاً من…

ستيفان ثومك: أجل، أجل، الأمر كذلك بالفعل، وفي مجالنا، هناك كلمة نصف بها هذا الشخص، ندعوه “فرس النهر”.

كيرت نيكيش: فرس النهر؟

ستيفان ثومك: بلى، رأي الشخص الذي يحصل على أكبر راتب. فرس النهر. والجميع يعلم خطورة أفراس النهر.

كيرت نيكيش: أعتقد أن الكثير من المسؤولين التنفيذيين على الأرجح لا يعرفون مقدار التجارب التي يجب إجراؤها، فكيف تعرف ما سوف تختبره وما يجب أن تتركه دون تدخل؟

ستيفان ثومك: بلى، عليك أن تُمكِّن العاملين من اتخاذ هذا القرار، والحقيقة القائمة الآن، حسبما أرى، أن غالبية الشركات تُجري القليل من التجارب. لذا، لا أرى ما يدعو إلى القلق البالغ حيال إجراء العديد من التجارب. نعم، ربما تكون هناك مرحلة تُجري فيها العديد والكثير من التجارب، لأنك تحتاج إلى مؤسسة يمكنها استيعاب تلك المعرفة كلها، وتلك النتائج الناجمة عن هذه الاختبارات. هذا صحيح. وعلينا أن نتفكر في ذلك، ولكنني لا أظن أن تلك مشكلة في غالبية الشركات اليوم، فهم يجرون التجارب، ولكن ليس بالقدر الكافي.

كيرت نيكيش: إذا كنتَ ستبدأ تطبيق هذه المنهجية في شركة ما للمرة الأولى، فهل ستحاول تطبيقها على مستوى الشركة ككل؟ أم ستحاول البدء بفريق أو قسم واحد، ثم التوسع تدريجياً؟

ستيفان ثومك: هناك طرق مختلفة لتنظيم فرق التجريب في مؤسستك. هناك ثلاثة نماذج أتحدث عنها في كتابي، أولها نموذج يمثل نهجاً أكثر مركزية، ويعتمد في الأساس على تعيين مجموعة مركزية مسؤولة عن التجارب، وهي أشبه بمؤسسة خدمية، يستطيع أي موظف من أي من وحدات العمل التوجه إليهم، وطلب إجراء تجربة، فينفذونها له ويبلغونه بالنتائج.

كيرت نيكيش: هذا مثير للاهتمام.

ستيفان ثومك: هذا هو النموذج الأول، وكثير من الشركات تبدأ بهذه الطريقة، لأنهم غير متأكدين إلى حد ما من نجاح الأمر، وقد لا يعتقدون أن الشركة مستعدة للقيام به على نطاق واسع.

كيرت نيكيش: ربما يُخفف ذلك من حدة التدريب ويتيح لهم إجراء اختبارات محدودة دون الحاجة إلى الانخراط بصورة كلية في المسألة…

ستيفان ثومك: بالضبط. ولديك بعض الخبراء يعملون على ضمان عدم ارتكاب أحدهم سلوكيات حمقاء. ثم هناك النموذج الثاني، وهو أسلوب لامركزي، لا مركزي بالمرة. وفيه نُعطي موظفينا الاستقلالية التامة، ونسمح لأي شخص تقريباً بإجراء التجارب، ونتوقف تماماً عن ممارسة المركزية.

بالطبع، عليك أن تثق في موظفيك عند اتباعك هذا النموذج. عليك أن تتأكد من قدرتهم على ذلك، وهي بالطبع طريقة للتوسع في استراتيجية التجريب بسرعة، ولكن ما يحدث في الواقع أنك عندما تبدأ في تطبيق هذا النموذج، فإنك تنشر خبرائك كلهم في أرجاء الشركة، فيصبحون مشغولين للغاية، وهو ما يؤدي إلى فقدان التركيز على بناء القدرات، بسبب حاجتك الدائمة إلى التحسن المستمر. وفي ظل غياب منهجية منسِّقة لتحقيق هذه الغاية، سيقوم كل شخص بالأمر على طريقته.

ما توصلتْ إليه الشركات هو أنها تنتقل من المركزية إلى اللامركزية، وأنها ترغب في توسيع نطاق العمل، ولكنها سرعان ما أدركت أنها تحتاج إلى نهج أكثر تنسيقاً، ومن ثم إنشاء ما أسميه “مركز التميز”. وهو نموذج هجين، لأنك تمتلك مجموعة مركزية مسؤولة عن تطوير القدرات وقدرات التجريب، وتعرف في الوقت ذاته الأدوات التي يجب استخدامها، وتقدم أفكاراً تتجاوز حدود الأفكار التقليدية.

ولكن في الوقت نفسه، يمكنك إخراج الأشخاص من تلك المجموعة والدفع بهم في الوحدات التنظيمية المختلفة التي تقوم بذلك، وهم موجودون أساساً للمساعدة أيضاً، ووجدتْ الشركات أن هذه المنهجية حل وسط جيد جداً، لأنها من ناحية، تتيح تمكين الموظفين من القيام بأمور بمفردهم، وفي الوقت نفسه يوجد أيضاً شخص يمتلك هذه القدرة بشكل مركزي.

كيرت نيكيش: كيف تعرف أن المنهجية قد نجحت؟

ستيفان ثومك: أنت تعرف الطريقة التي تنجح بها، أعتقد أنها اختبار ثقافي. دعني أخبرك بحقيقته. يتمثل هذا الاختبار في أن تحضر اجتماعاً وتناقش قراراً وأنت تعلم متى يكون ناجحاً، سواء عندما يسأل أحدهم: أين التجربة؟ أو عندما يدخل شخص ما إلى غرفة الاجتماعات ويقول: إليكم التجربة. عندما تُجري هذه المناقشات كل يوم دون اضطرارك إلى طلب هذه الأشياء، ودون اضطرارك إلى الضغط لتحقيق هذه الأمور، فأنت تعرف ما يُكتب له النجاح.

إنها عملية حسابية. وعندما تحضر اجتماعاً، فلا يمكنك أن تتوقع دائماً من الموظفين إجراء بعض التحليلات المالية، إنه أمر مسلَّم به، ويجب أن يكون كذلك. يجب أن يكون الأمر مثل إدارة أصل مالي، يجب أن يكون إجراء التجارب حقيقة مسلماً بها، يجب أن تُجري تجربة، فإن لم تفعل، فلن تستطيع اتخاذ قرار.

كيرت نيكيش: لنفترض أنك فرد واحد، سواء كنت مديراً، أو كنت موظفاً بالخطوط الأمامية، لكنك مقتنع بالفكرة، ومدرك لقيمة التجارب وتريد لشركتك إجراء المزيد منها، فماذا تفعل كمحاولة لغرس ثقافة التجريب في مكان لا يزال جديداً نسبياً؟

ستيفان ثومك: ما تستطيع فعله كموظف أولاً وقبل كل شيء هو رفع الوعي لدى من حولك.

كيرت نيكيش: ماذا تعني بذلك؟

ستيفان ثومك: هذا يعني أن تشرح لزملائك قيمة التجريب والتجارب، وأعتقد أن عليك أيضاً، في الوقت نفسه، محاولة تنفيذ بعض التجارب في النطاقات التي تقع ضمن صلاحياتك. أتدري، أحياناً أرى الصعوبات ولكنني أسمع من يقولون: حسناً، أفهمك، لكنهم يسبقونني بمستويين، إنني غير متأكد من أنهم يفهمونني. فماذا أفعل؟ أطلب منهم دائماً أن يبدؤوا بتجارب صغيرة، فالبدايات الصغيرة تقود لاعتياد الأمر، وقد تحدثتُ مع المؤسسات التي بدأت بهذه الطريقة بالفعل، ثم أصبحتْ أكبر وأكبر، قالوا بدأنا بإجراء تجربة واحدة، وذهبنا إلى الاجتماع وأخبرنا الحاضرين بما أظهرته لنا التجارب وما إلى ذلك، واتبعوا نتائجها، وبدؤوا تدريجياً في إدراك قيمتها. كل ما عليك هو اتخاذ الخطوة الأولى. لا داعي للانتظار.

كيرت نيكيش: أي نوع من المدراء هو الناجح في شركة تتبنى ثقافة التجريب؟ لأن المدير الناجح في الماضي ربما كان هو الشخص صاحب الخبرة، أو الذي يملك الحدس، أما الآن، وفي سياق إجراء التجارب، ما نوعية المدير الذي يتفوق ويتقدم في مؤسسة لديها ثقافة تجريبية؟

ستيفان ثومك: يمكنك طرح السؤال بالصيغة التالية، إذا كان كل شيء محكوماً بالتجارب، بالاختبارات، فما هو دور المدير على أي حال؟ إنني أقسّم دوره إلى ثلاثة أدوار مختلفة يجب عليه القيام بها.

يتمثل الدور الأول في إيجاد تحدٍّ كبير، فنحن لا نريد شركة تُجري التجارب بعشوائية أو تلقائية ودون توجه محدد، وبالتالي توجد حاجة إلى أن يكون تحدياً كبيراً. قد يتمثل التحدي الكبير، على سبيل المثال، في تحقيق أفضل تجربة للمستخدم في القطاع الذي نعمل به، ومن ثَم يُمكن تقسيم هذا التحدي الكبير إلى أجزاء مختلفة يمكن معالجتها بعد ذلك بفرضيات تُختبر، لذا يمنحهم المدير برنامجاً محدد المعالِم، برنامجاً منهجياً يهدف لتحقيق هدف أكبر. ذاك هو التحدي الأكبر.

أما الدور الثاني الذي أعتقد أنه يجب على المدراء الاضطلاع به خاصة في بيئة كهذه، فيتجسد في تحديد موارد النظم والتصاميم التنظيمية التي تسمح بإجراء التجارب على نطاق واسع. أنت تعرف تلك الأمور، أعني أنّ الأمور لا تحدث من تلقاء نفسها، بل يجب عليك الاستثمار في الأدوات، يجب أن تتأكد من توافر التصميم التنظيمي الصحيح في البداية، ثم يمكنك إدخال التغييرات اللازمة في حال لم ينجح الأمر. لذا يتعين عليك التفكير في هذا الأمر أيضاً. يتعين عليك التأكد من توافر الأنظمة اللازمة كلها، حتى يتمكن شخص مثل ذاك الموظف في “مايكروسوفت” من الضغط على زر ليبدأ التجربة. إذا وجد الموظفون أن الإعداد لتجربة يستغرق أسابيع وأسابيع، فما احتمالات تنفيذها على نطاق واسع؟ لن تُنفَّذ أبداً. لذا عليك تيسير الأمر، كما يتعين عليك تمكين الموظفين لتحقيقه، يجب عليك تطبيق الديموقراطية على التجارب.

أما الدور الثالث، فيتمثل في ضرورة أن يكون المدير مثالاً يُحتذى. يجب أن يُطبِّق القواعد ذاتها على نفسه، لذا، إذا أراد من موظفيه تنفيذ اختبار، أو إجراء تجربة قبل اتخاذ القرار، يتعين عليه أن يطبق بنفسه القواعد ذاتها. عندما يحضر اجتماعاً ويقترح مساراً للعمل ويقول أحدهم “هذا رائع، سنجري اختباراً ونُعلِمك بما يحدث”، يجب أن يتحلى بالقدر الكافي من التواضع ليقول “حسناً، شكراً جزيلاً، لنجري هذه التجربة وبسرعة”. لذا يجب عليه أن يتصرف وفق القواعد نفسها، عليه أن ينفِّذ عين ما يطلب من موظفيه القيام به. وهذا نمط مختلف في القيادة.
كيرت نيكيش: شكراً جزيلاً لك يا ستيفان، ربما سوف نجري بعض التجارب في برنامجنا أيضاً.

ستيفان ثومك: شكراً لك، لقد سعدت بلقائك.

كيرت نيكيش: ستيفان ثومك، أستاذ بـ”كلية هارفارد للأعمال”، ومؤلف كتاب “الأعمال القائمة على التجارب: القدرة المدهشة لتجارب الأعمال” وصاحب المقالة المنشورة في مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” بعنوان “إقامة ثقافة التجارب” يمكنكم مطالعة المقالة في عدد مارس/آذار – أبريل/نيسان 2020 بمجلة “هارفارد بزنس ريفيو” وعلى موقع HBR.org.

أنتجتْ هذه الحلقة ماري دوي، وقدّم لنا المساعدة التقنية روب إيكارت، وكان مدير الإنتاج السمعي في البرنامج آدم باكولتز. شكراً لكم على الإصغاء إلى برنامج “آيديا كاست”. معكم كيرت نيِكيش.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .