الكفاءة الثقافية: ميزة استراتيجية جوهرية

4 دقائق
الكفاءة الثقافية
shutterstock.com/VectorMine
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

السؤال الذي يحاول المؤلفون الإجابة عنه من خلال هذه المقالة هو: ما أهمية الكفاءة الثقافية عند وجود كثير من المحتوى المنشور حول الذكاء الثقافي والحساسية الثقافية والتنوع والاحترام وغيرها من أشكال المحتوى المعزز الأخرى حول التطبيقات الثقافية، فلماذا الحديث عن الكفاءة الثقافية؟ ما الكفاءة الثقافية وما الذي يميّزها عن غيرها؟ وما القيمة التي تضيفها إلى الطبيعة المعقّدة لإدارة التنوع الثقافي في أماكن عملنا وحياتنا وقيادته؟

تكمن الإجابة في فكرة أن التعقيد يتم تقديمه من خلال التنوع بشكل أفضل من الاعتماد على الخبرة فقط. ولعلّ الفكرة الأهم تكمن فيما كشفه بحثنا بالفعل، وهي إمكانية اعتبار الكفاءة الثقافية ميزة تنافسية داخلية ضمن المؤسسات. تختلف هذه الميزة التنافسية عن النهج الذي تتبعه الشركات عادة في تمييز نفسها عن الشركات الأخرى والمتمثّل في التركيز على المتغيرات الثلاثة لعرض القيمة، وهي سهولة الإجراءات والقدرة على الاقتناء والفعالية.

كما أنها ميزة يصعب تقليدها، على خلاف قدرة المنافسين على تقليد أساليب الآخرين الاستراتيجية، أو تقليد منتجاتهم أو خدماتهم المقدمة، فذلك النهج لا يُسفر إلا عن تمايز ضئيل. وهناك عدد كافٍ من الأمثلة التي تُثبت هذه الفكرة في عالم الأعمال بالفعل. على سبيل المثال، تنافست كل من شركتي يونايتد بارسل سيرفس (United Parcel Service) وفيديكس (FedEx) على نهج “تسليم الطرود في الوقت المحدد”، في حين تمثّل وجه الاختلاف الدقيق بينهما في السعر فقط. ويواجه بعض العلامات التجارية العالمية المشهورة المصير نفسه، مثل كوكاكولا وبيبسي، إضافة إلى ماكدونالدز وبرغر كنغ.

وعلى المؤسسات بالتالي تبنّي نهج جديد ومختلف تماماً لتعزيز القدرة التنافسية الشاملة المستدامة.

الكفاءة الثقافية: تعريف

لفهم معنى الكفاءة الثقافية، علينا مقارنتها بالتعاريف المُثبتة بالفعل والمرتبطة بالثقافة.

المصالح الثقافية: تشير إلى الأشخاص المهتمين بجوانب معينة من ثقافات غير ثقافاتهم.

الوعي الثقافي: يرتبط ارتباطاً أساسياً بمستوى فهم الاختلافات بين الجنسيات والثقافات.

التفهّم الثقافي: تعزيز الوعي بالثقافة في محاولة لفهمها بهدف تطوير علاقات بين الثقافات والاستفادة من قوة تلك العلاقات.

الذكاء الثقافي: يستند إلى البحث المشهور عالمياً الذي أجراه الراحل غيرت هوفستيد، عند التفكير في خيارات دخول أسواق جديدة في حالات توسيع المصالح والعمليات التجارية لتشمل بلداً (مضيفاً) آخر. وهو يشير إلى قدرة الفرد على التعاون بنجاح مع أشخاص ذوي خلفيات ثقافية متنوعة لتلبية الاهتمامات والتوقعات المشتركة التي تتطلّبها مؤسسة عالمية.

الكفاءة الثقافية: هي التطبيق الناجح للمصالح والوعي والتفهم والحساسية والذكاء الثقافي. وتُعتبر الكفاءة الثقافية في سياق هذه المقالة أحد مكونات خلق ميزة تنافسية داخلية يصعب تقليدها.

“قطرة حبر”

يشبّه المؤلفون الكفاءة الثقافية “بقطرة حبر في كوب من الماء”. وهي عبارة عن سلوكيات توجّه كيفية العمل مع الآخرين، داخلياً وخارجياً، وتكوّن ثقافة المؤسسة وتعزز ميزتها الاستراتيجية داخلياً في الوقت نفسه.

كيف يمكن تبنّي الكفاءة الثقافية ؟

يتطلّب ترسيخ الكفاءة الثقافية في الحمض النووي لمؤسسة ما اتباع نهج تحوّل مزدوج يتيح مواصلة الأعمال الأساسية ويضمن استمراريتها، ويدمج الكفاءة الثقافية في مضمار القدرة التنافسية في الوقت نفسه. ومن المهم في الواقع تبنّي هذا النهج المزدوج لاستكشاف طرق دمج الكفاءة الثقافية في الأعمال التجارية، وتجنب زعزعة الأعمال في الوقت نفسه. وتُعتبر إعادة تنظيم مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs)، وابتكار مؤشرات جديدة، وإعادة تصميم مقاييس بطاقة قياس الأداء المؤسسية (Organizational Scorecard)، بعض المكونات الهيكلية الضرورية لتموضع الكفاءة الثقافية كميزة تنافسية داخلية.

الأداء المالي

ويعرض الشكل مصفوفة قياس لتحديد مؤشر الكفاءة الثقافية (CCI) لأي مؤسسة، ويوجّه مسار رحلة تحوّل الكفاءة الثقافية.

ترسيخ الكفاءة الثقافية في المؤسسات

يبدأ ترسيخ الكفاءة الثقافية بإجراء تقييم على تصميم المؤسسات من الناحية الهيكلية بهدف إعادة تصميم النهج الذي تتبعه المؤسسات في توجيه السلوكيات المرتبطة بأداء وظائفها وأعمالها وعملياتها. ويجب أن يتحول التركيز من تخصيص الموارد إلى النتائج المقاسة من خلال مصفوفة قياس مؤشر الكفاءة الثقافية.

الذكاء الاصطناعي والكفاءة الثقافية

هناك وجهات نظر وآراء عديدة أثيرت حول التحديات والفرص التي تواجهها الكفاءة الثقافية عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي. تركز الآراء على كل من الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري في إطار الكفاءة الثقافية.

ومن بين الأوصاف المؤكدة للذكاء:

الذكاء البشري: يُعرّف عموماً بأنه القدرة على حل المشكلات المعقدة أو اتخاذ القرارات بنتائج تفيد صانعها. وقد تطور هذا الشكل من الذكاء خلال الحياة ليتكيّف مع البيئات المتنوعة.

الذكاء الاصطناعي: هو قدرة الكمبيوتر، أو الروبوت الذي يتحكم فيه الكمبيوتر، على أداء المهام التي يؤديها البشر عادة لأنها تتطلب ذكاءً وفطنة بشريين. وهو بمعنى آخر محاكاة للذكاء البشري باستخدام آلات مبرمجة هدفها التفكير مثل البشر وتقليد أفعالهم.

وترتكز وجهة نظر المؤلفيْن وآراؤهم على أنه إذا طُوّر الذكاء الاصطناعي ليفكر مثل البشر ويقلّد أفعالهم، فمن سيقرر ماهية الأفكار والسلوكيات التي سيقلدها؟ ما هو نموذج التفكير البشري والإجراءات التي ستمثّل مخطط عمل الذكاء الاصطناعي؟ هل سيكون لكل أمة أو ثقافة أو جنسية أو قبيلة أو مجموعة متنوعة من البشر نماذج تفكير خاصة بهم؟ وكيف سيتطور الذكاء الاصطناعي في تلك الحالة؟ إذا لم نُثبت، بصفتنا بشراً، في تاريخنا ووجودنا على الأرض أننا قادرون على التعايش مع الآخرين ومع الطبيعة، وعلى الاتحاد وليس فقط على التفرقة، وعلى فتح الحدود بدلاً من نصب الحواجز، وأننا خُلقنا لندعم بعضنا بعضاً في العطاء والمشاركة؛ فأي جزء من أفعالنا وأفكارنا ذكي إذاً؟

إذا كانت الكفاءة الثقافية تعني التطبيق الناجح للمصالح والوعي والتفهم والحساسية والذكاء الثقافي، فيجب أن تكون بُعداً رئيساً يضاف إلى تطوير الذكاء الاصطناعي. والسبب هو أن جوهر الكفاءة الثقافية لا يعني تفوّق ثقافة على أخرى، بل يعني تعلّم ثقافة من ثقافة أخرى. في الواقع، تتحدى الكفاءة الثقافية الحركات الانفصالية والتفوّق القومي بحسب المعتقد والثقافة وعدم رغبة بعض الناس في التعلم بعضهم من بعض، وتهدف إلى ربط وجهات النظر العالمية المعقدة حول الأفكار والاختلافات الثقافية المنهجية المتأصلة التي تعزز الاعتقاد بالتفوق على الآخرين، وإلى إيجاد طرق للتعايش.

القدرة التنافسية هي القدرة على ابتكار منتجات وخدمات متمايزة، لكنها عادة ما تكون سهلة التقليد. أما ما يصعب تقليده، فهو خلق ثقافة مؤسسية داخلية قائمة على “الكفاءة الثقافية” ترتبط بحمض المؤسسة النووي وتشكّل سبب تفردها وتميّزها. لقد أصبح العالم أكبر وأكثر تعقيداً، لا سيّما من حيث إنشاء المؤسسات واستدامتها وتنميتها. وناقش المؤلفون في هذه المقالة بأن تجاوز هذه الطبيعة المعقّدة يرتبط بالتنوع ولا يعتمد على الخبرة فقط. وشرحوا دور الكفاءة الثقافية في خلق تمايز داخلي مقارنة بخلق تمايز في المنتجات والخدمات الخارجية، فالمؤسسات التي تعزز قوة كفاءتها الثقافية الداخلية تصبح متمايزة بحق، وقد تطوّر ميزة داخلية يصعب تقليدها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .