دراسة تبين كيفية إيجاد أفكار جديدة داخل الشركة وخارجها

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اشتهر بيل جوي الشريك المؤسس لشركة “صن ميكروسيستمز” (Sun Microsystems) بمقولته” “لا يعمل كل الأشخاص الأذكياء لديك”. 

تدرك الشركات هذا الأمر. لذلك يحاول الكثير منها الاستفادة من إمكانيات “الابتكار المفتوح” من خلال تشجيع موظفيها على استطلاع أفكار جديدة وسط الشركاء الخارجيين، مثل الجامعات ومراكز البحوث والمنافسين والزبائن. وتستخدم شركات متنوعة مثل بروكتر آند غامبل و”هنكل” (Henkel) و”ليغو” (Lego) و”بوش” (Bosch)، مستطلعي التكنولوجيا لاستقاء الأفكار من مصادر خارجية. 

تشير الكثير من البحوث إلى أنه يمكن لتعريض الموظفين لطيف واسع من الشركاء الخارجيين أن يُفضي إلى مزيد من الابتكار في الشركة. ولكن إذا قضوا وقتاً طويلاً في البحث عن أفكار جديدة خارج شركتهم، قد يؤدي ذلك إلى انتقاص العمل الذي يضطلعون به داخل شركتهم. سيتاح لهم على سبيل المثال وقت أقل لحضور الاجتماعات الداخلية والتحدث مع الزملاء والاطلاع على بريدهم الإلكتروني. لذا، بينما قد يزيدون احتمالات الابتكار المستقبلي، فإن الوقت الذي يمضونه بعيداً عن أنشطة الشركة قد يؤثّر سلباً على إنتاجيتها الحالية.

أجرينا بالشراكة مع دايفيد جان من “كلية إمبيريال كوليدج لندن(Imperial College Londonبحثاً ميدانيّاً في شركة “آي بي إم” لمعرفة ما إذا كان البحث عن أفكار جديدة خارج الشركة قد أدى إلى مزيد من الابتكار فيها. درسنا 615 موظفاً من الشركة كانوا إما من مجموعة المهندسين المميزين (Distinguished Engineers) أو من المرشحين لعضوية أكاديمية التكنولوجيا (Academy of Technology) – وهما هيئتان تضمّان كبار الخبراء الفنيين مكلّفتان تكليفاً صريحاً بالبحث عن أفكار جديدة. تُنتج هاتان المجموعتان من الخبراء معاً قدراً كبيراً من براءات الاختراع الخاصة بشركة آي بي إم، التي تُمثّل مجالاً مهماً بالنسبة لها؛ إذ كانت الشركة المؤسسة الأكثر نشاطاً في تسجيل براءات الاختراع في أميركا طيلة السنوات الـ 24 الأخيرة، حيث منح موظفوها عام 2016 أكثر من 22 براءة اختراع في اليوم وأصبحت الشركة الأولى التي تتجاوز 8,000 براءة اختراع مسجّلة في سنة واحدة.

يُعطى كبار الخبراء الفنيون ذوي الأداء العالي هؤلاء قدراً كبيراً من الاستقلاليّة فيما يتعلّق بطريقة بحثهم عن الأفكار الجديدة والأشخاص الذين يتفاعلون معهم وطريقة قضاء أوقاتهم. وشرح لنا أحد الخبراء ذلك قائلاً: “يتمثّل عملُنا في اكتشاف ماهية [الابتكار] التالي وغربلة كل الأشياء الممكنة وتحديد تلك التي ستكون ذا أهمية لشركة آي بي إم من بينها، ومن ثمّ المضيّ ومعرفة ما يحصل بالفعل والعودة مع توصيات. لماذا نعتقد أن ذلك مهم، وكيف نعتقد أن ذلك سيجري وأين يمكن للشركة أن تندمج”.

استطلعنا آراء هذه المجموعة لمعرفة كيفية تخصيصهم لوقتهم داخل الشركة وخارجها في آن معاً. وبينما ركّز بعض الخبراء على مجموعة محدودة من الشركاء قائلين (“أنا أتحدث مع الزبائن فقط“)، ركّز الآخرون على خيارات أوسع نطاقاً قائلين: “تحدّثنا مع جميع الأشخاص الذين استطعنا التفكير بهم والذين كانوا ذوي شأن في مجتمع التكنولوجيا لمحاولة معرفة وجهات نظرهم حوله وما اعتقدوا أنه سيفضي إليه، بدلاً من الجلوس في مباني شركة آي بي إم والتكهّن”.

غالباً ما كوّن هؤلاء الخبراء علاقات مع الزبائن والمستخدمين، ثم مع شركاء العمل الذين عملوا في شركات أخرى لا تُشكّل منافسة مباشرة. وكوّن العديد منهم أيضاً علاقات مع مستشارين وأشخاص من شركات منافسة ومن الجامعات. قِسنا اتّساع الشبكات الاجتماعية الخارجية الخاصة بكل فرد وفقاً للأنماط المختلفة للمصادر الخارجية التي تفاعلوا معها. ثم قيّمنا ارتباط اتساع الشبكة الخارجية لكل شخص بالابتكار اللاحق الناجم عنه في شركة آي بي إم، من قبيل كمية براءات الاختراع التي أنتجها الفرد ونوعيتها. 

وجدنا وبشكل مفاجئ أن المصادر الأكثر شيوعاً لإلهام الأشخاص الذين شملتهم دراستنا بأفكار جديدة تمثّلت في زملاء عملهم داخل الشركة بدلاً من خارجها. وعلى عكس نظريات الابتكار المفتوح الحالية، لم يكن الأشخاص ذوي الشبكات الخارجية الوسع نطاقاً أكثر ابتكاراً من الأشخاص ذوي الشبكات الخارجية المحدودة. إذ اعتمد كثير من الخبراء بشكل رئيس على الشبكات الداخلية وبقيوا مُبتكرين. ولفهم هذه الأحجية بشكل أفضل، درسنا كيفية تخصيص الأشخاص لأوقاتهم بين مصادر معلوماتهم داخل شركة آي بي إم وخارجها.

اكتشفنا أن الخبراء ذوي الشبكات الخارجية واسعة النطاق كانوا أكثر ابتكاراً فقط عندما خصصوا وقتاً واهتماماً كافيين لتلك المصادر. على سبيل المثال، كان الأشخاص الذين تفاعلوا مع ثمانية أنماط مختلفة من الشركاء أكثر ابتكاراً إذا خصصوا نصف وقتهم خارج المؤسسة. وأبلغ أولئك الذين خصصوا وقتاً أطول لتنمية العلاقات الخارجية عن نتائج أعلى في الابتكار، سواء من حيث كمية براءات الاختراع أو نوعيتها. أما عندما كوّن الأشخاص شبكة علاقات خارجية واسعة النطاق دون أن ينفقوا وقتاً كافياً في تعلّم كيفية استخدام المعلومات التي اكتسبوها، فاقت تكاليف الابتعاد عن المؤسسة والانغماس في إقامة العلاقات الخارجية المنفعة الناجمة عن تحديد أفكار جديدة. 

يعدّ هذا الاكتشاف مهماً، إذ يحرص العديد من المدراء على فكرة مفادها أن إقامة العلاقات وتشكيل روابط خارجية من شأنها أن تُعزّز انسياب الأفكار وتُحفّز الابتكار. ويتمثّل ما توصّلنا إليه في أنه كي يتحقق ذلك، يتعيّن على الموظفين تخصيص قدر كاف من الوقت والاهتمام من أجل إقامة علاقاتهم الخارجية وإدامتها. وفي بعض الحالات، كان الأشخاص الذين ركّزوا على التعلّم من زملائهم داخل الشركة مبدعين بالقدر ذاته. 

لم يُخصّص حوالي 30% من الذين شملتهم الدراسة والذين تمتّعوا بعلاقات خارجية واسعة النطاق وقتاً كافياً من أجل التعلّم من هذه العلاقات. وكان يمكن أن تكون حالة هؤلاء الأشخاص أفضل لو عملوا على توطيد العلاقات مع زملائهم داخل الشركة. إذ إن تمضية الوقت داخل الشركة مهم أيضاً من أجل فهم احتياجات الابتكار الخاصة بالشركة ومعرفة كيفية تطوير الأفكار المبتكرة وتنفيذها.

وبالاستناد إلى ما سبق وبحوث ذات صلة، حدّدنا بعض الطرق التي يستطيع المدراء من خلالها ضمان تحقيق الموظفين الذين يبحثون عن أفكار جديدة خارج الشركة لأقصى استفادة من وقتهم وشبكات علاقاتهم بأساليب يرجح أن تُعزّز الابتكار. 

أولاً، لا يحتاج كل موظف إلى تنمية شبكة علاقات خارجية واسعة النطاق من أجل الابتكار. إذ تحتاج كل شركة إلى مجموعة من المبادرين في مجال التواصل والأشخاص الماهرين الذين يفهمون الأعمال الداخلية الخاصة بمؤسستهم. وفي الشركات الكبيرة، كثيراً ما يصبح الأشخاص راسخين في وظائفهم الخاصة، وبالكاد يتفاعلون عبر الأقسام. ويجب أن يشجّع المدراء إقامة العلاقات داخل الشركة وخارجها بوصفها مصدراً مهماً للتعلم. وتتمثّل الخطوة الأولى في تحقيق هذا الأمر في اكتشاف النهج الأفضل بالنسبة للموظفين الحاليين وتحديد شبكات العلاقات المحتملة داخل المؤسسة. 

ثانياً، تستغرق تنمية شبكات خارجية واسعة النطاق وقتاً أطول مما يدرك الأشخاص وتتضمّن مقايضات معينة. وتُظهر الأبحاث التي أجريناها أن العديد من الأشخاص قد يسيؤون تخصيص وقتهم من خلال محاولة توسيع نطاق شبكات علاقاتهم الخارجية دون تخصيص الوقت الإضافي اللازم ليتعلّموا فعلاً كيف يستطيعون الاستفادة من الأفكار التي يتوصّلون إليها. وفي هذه الحالة، يتكبّد الموظفون جميع تكاليف التعارف دون أن يتمتّعوا بفوائده؛ ويخلقون روابط ضعيفة دون أن يعودوا بالفائدة على الشركة. ويستطيع المدراء معالجة هذا من خلال تثبيط “إقامة العلاقات بهدف إقامتها فحسب”، وتشجيع الموظفين على إيجاد روابط جوهرية تدعم إدماج المعرفة الخارجية في عملهم ضمن الشركة. 

ثالثاً، بما أن تعزيز العلاقات المثمرة مع شركاء خارجيين يستغرق وقتاً، يمكن أن يصبح الموظفون الذين يقومون بذلك أكثر بعداً عن الشركة التي يعملون فيها. وينبغي على الشركات بالتالي أن تضمن ألّا يُخصّص هؤلاء الموظفون الوقت لإقامة العلاقات خارج الشركة فقط، بل لمنح الأولوية لاستيعاب ما يتعلّمونه وتطبيقه أيضاً، ونشر هذه المعرفة داخل الشركة. أخبرنا كثيرون أنهم لم يمتلكوا وقتاً كافياً للتفكير فيما تعلّموه واستيعابه وكيفية تطبيقه على الشركة. ويعدّ هذا الأمر مهماً من أجل ربط المعارف الخارجية مع أولئك الذين يقضون قسطاً أكبر من وقتهم وهم يعملون في الشركة. وبالتالي، قد يرغب المدراء في جمع “المبادرين الفاعلين في مجال التواصل” الخارجيين مع زملائهم الأكثر تركيزاً على الداخل للحصول على أفضل ما في كلا العالمَين؛ والاستفادة من الاستقاء الخارجي للأفكار وربطه مع سماسرة داخليين ماهرين يستطيعون ربما توجيه تطبيق الأفكار الجديدة بشكل أفضل.

ثمّة العديد من الطرق التي يمكن أن يكون البحث عن أفكار خارجية مفيداً بوساطتها من أجل الابتكار. وعلى الرغم من ذلك، تشير النتائج التي توصّلنا إليها إلى أنه لا يمكن للمرء أن يعزو المزايا الشاملة إلى الاستطلاع دون مراعاة تكاليف الفرص البديلة. وينطوي الوقت المستغرق في إقامة علاقات خارج الشركة على وقت أقل بهدف معرفة الاحتياجات الابتكارية الخاصة بالشركة. وإذا كان شخص ما يُوجِد شبكة علاقات واسعة النطاق دون التفكير في كيفية تطبيق ما تعلّمه، فسيكون من الصعب إدراك مكاسب إقامة العلاقات. وتستطيع الشركات تخفيض هذه التكاليف من خلال تشجيع الموظفين على قضاء بعض الوقت في إقامة علاقات مع زملائهم الداخليين، في حين تدعم المستطلعين ذوي محور التركيز الخارجي من أجل توطيد علاقاتهم الخارجية والاستفادة منها بهدف تشجيع الابتكار داخل الشركة. 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .