كيف يؤثر العمر والنوع على تطوير الذات؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لماذا يبالغ البعض في إبداء الأسلوب الدفاعي عند تلقي تعليقات نقدية بينما يتلقاها آخرون بصدر رحب؟

للإجابة عن هذا السؤال، عملنا سابقاً على جمع البيانات حول سبل تفاعل الأفراد مع التعليقات النقدية الموجهة إليهم، وأطلقنا على نزعة الفرد إلى إبداء الأسلوب الدفاعي مسمى “الإثبات” (لوجود ما يسعى هذا الشخص لإثباته)، وأطلقنا على قبولها مسمى “التحسين” (حيث يميل الشخص للاعتراف بالحاجة إلى إجراء بعض التحسينات)، ومن هذا المنطلق يمكن القول بوجود تشابه كبير، وإن كان لا يصل إلى حد التطابق، بين هذين المفهومين وبين ما يعرف بعقلية “الثبات” وعقلية “النمو” التي توصلت إليها كارول دويك الأستاذة بـ “جامعة ستانفورد”.

حيث يوجّه أصحاب عقلية النمو كل تركيزهم إلى إجراء التحسينات والتعلم والعمل، بينما يفترض أصحاب عقلية الثبات أن قدراتنا تعتمد بصورة أساسية على المواهب والسمات الفطرية التي يصعب تغييرها. ويسعى النوع الأول إلى اجتياز المواقف المليئة بالتحديات ويرحبون بالتعليقات حتى وإن كانت تعليقات نقدية، فيما لا يدخر النوع الثاني جهداً لإثبات قدراتهم للآخرين والبرهنة على مهاراتهم الحالية، ويميلون إلى تجنب التعليق على أعمالهم ونقدها، وعادة ما يختارون القيام بالمهمات التي يمكنهم إتمامها بنجاح ليظهروا بمظهر جيد.

أجرينا دراسة تفصيلية لما يقرب من 7,000 تقييم ذاتي، مع التركيز على الأسئلة التي تهدف إلى قياس مدى الميل نحو “الإثبات” في مقابل “التحسين”، فعلى سبيل المثال، طرحنا سؤالاً عما حدث في آخر مرة تلقوا فيها تعليقاً سلبياً: هل اعترضوا عليه أم استمعوا إليه بعقل متفتح؟ هل أخذوا الأمر على محمل شخصي أم لا؟ وعندما قدّم لهم صديق مقرب بعض التعليقات التصحيحية، هل شككوا فيها، أم رجحوا صحتها؟ وكيف كان تصورهم لوصف زملائهم لهم، من حيث الاعتراض على التعليقات التصحيحية، أو قبولها بصدر رحب؟

لقد صممنا التقييم بحيث يكون تقييماً ذاتياً للتطوير الشخصي، سعياً للحد من الحافز الذي قد يدفع البعض إلى “الظهور بمظهر جيد أمام الآخرين” وهو ما يظهر عادة لدى أصحاب عقليات “الإثبات”، فقد وجدنا أن 8.3% ممن أجروا هذا التقييم أظهروا ميلاً شديداً نحو “الإثبات”، بينما أبدى 8.4% منهم توجهاً مزدوجاً، وأبدت النسبة المتبقية، وتبلغ 83%، ميلاً نحو “التحسين”.

قد تبدو النتائج غير متوازنة إلى حد ما، فقد أظهرت في النهاية أن المشاركين في هذا التقييم كانوا، حسب التعريف، مهتمين بتطوير أنفسهم، لذا كان ميل غالبيتهم نحو “التحسين” أمراً طبيعياً. ونظراً لأنه تقييم ذاتي، فلنتفق أن معظمنا يحب أن يرى نفسه شخصاً يستجيب بلطف وبموضوعية لكافة التعليقات. (مرجع: في البحث الأصلي الذي أجرته دويك على أطفال صغار، تبين لها أن 40% منهم يمتلكون عقلية الثبات، و40% يمتلكون عقلية النمو، و20% منهم لم يحسموا أمرهم بعد).

ومع ذلك، كانت البيانات كافية جداً لمساعدتنا في تحديد ثلاثة عوامل أثرت في عقلية المستجيبين:

العمر. مع تقدمنا في السن، نمر بعملية تطور تدريجي من عقلية إثبات الذات إلى عقلية تطوير الذات. يعرض الرسم البياني التالي التغييرات مع مرور الوقت. وقد يرجع هذا إلى أننا مع تقدمنا في السن أصبحنا ببساطة أكثر إدراكاً للذات، وهو ما قد يؤثر أيضاً في شيء له علاقة بالثقة بالنفس، وهو العامل الثاني الرئيس الذي اكتشفناه.

الثقة بالنفس. توجد علاقة رائعة ومعقدة بعض الشيء بين الثقة بالنفس وتطوير العقلية. يصف الرسم البياني أدناه ما يحدث للثقة بالنفس مع تقدم الأشخاص في السن. لاحظ أن الذكور يُظهرون تحسناً بالثقة بالنفس حتى أوائل الأربعينيات من أعمارهم، ويواجهون انخفاضاً في منتصف العمر، ثم يشهدون ارتفاعاً في الثقة بالنفس مجدداً حتى منتصف الخمسينيات من أعمارهم. وعند الوصول إلى هذا العمر (منتصف الخمسينيات)، تبدأ ثقتهم بأنفسهم تميل إلى الانخفاض. ومن ناحية أخرى، فالنساء يبدأن حياتهن بقدر أقل من الثقة بالنفس، في حين يُظهرن زيادات مطردة من منتصف العشرينيات حتى منتصف الستينيات من أعمارهن، وينهين مسيرة حياتهن بمقدار أكبر من الثقة بالنفس مقارنة بالرجال.

وفي كثير من الأحيان عندما يقاوم الأشخاص التعليقات ويتصدون لها، فإنهم يسعون إلى إقناع الآخرين بأنهم على قدر عالٍ من الثقة بالنفس. تخبرنا النتائج بأن الأمر مختلف: في واقع الأمر، الأشخاص الذين يحرصون على رفض التعليقات ربما يفتقرون إلى الثقة بالنفس. (وبطبيعة الحال، لمسنا هذا الميل على أرض الواقع، وهو ليس قاعدة مطلقة، ولا شك أننا نستطيع جميعاً أن نفكر في أمثلة لأفراد على درجة عالية من الثقة بالنفس ويتحلون أيضاً بمواقف دفاعية تجاه التعليقات. وتوجد العديد من البحوث الأكاديمية التي تدعم الحجة القائلة بأن الإفراط في الثقة بالنفس ينتج عنه كافة الآثار السلبية). تبيّن الأرقام السالبة في الرسم البياني أدناه الاتجاه نحو “إثبات الذات”، وتبيّن الأرقام الموجبة الاتجاه نحو “تطوير الذات”. أفضل مؤشر يمكن أن نجده عند الأشخاص الذين لديهم توجه نحو “إثبات الذات” كان افتقارهم إلى الثقة بالنفس. أما أولئك الذين حصلوا على أعلى الدرجات من النسبة المئوية للثقة بالنفس فكانوا، على الأرجح، لديهم توجه نحو تبني عقلية تطوير الذات.

بل إن بعض هؤلاء الأشخاص الأقل ثقة بأنفسهم قد يعانون من متلازمة المحتال، وهي الخوف من عدم قدرتهم على أداء المهام الموكلة إليهم، وأنهم في نهاية المطاف سيُكتشف أمرهم وسيفشلون. فربما في قرارة أنفسهم ينتابهم شعور بأن منتقديهم لا يهددون آراءهم فحسب، بل يهددون أيضاً مسيرة نجاحاتهم المهنية. ويبدو أن الفرد منهم يفكر في ذلك الأمر على هذا النحو “إذا لم أكن ذكياً أو مؤهلاً، فلا يوجد شيء يمكن أن أفعله حيال ذلك، وفي النهاية سيُكتشف أمري ثم أفشل”. فالخيار الوحيد يتمثل في التفاني في الموقف الدفاعي.

النوع: كما وجدنا أيضاً أن النساء أكثر ميلاً إلى تبني عقلية “إثبات الذات” مقارنة بالرجال، ولاسيما في بداية مسيرتهن المهنية. توجد بضعة أسباب محتملة لهذا الرأي. على سبيل المثال، ينشأ النساء على أن يكنّ أقل ثقة بالنفس، في حين ينشأ الرجال على الثقة المفرطة بالنفس. وتتعرض العديد من النساء لما وصفته جوان وليامز لتحيّز “أثبتي كفاءتك باستمرار”، حيث التشكك في كفاءتهن بشكل مستمر (وغير منصف).

ومن حسن الحظ، وجدنا أيضاً أن النساء يتحولن إلى عقلية “تطوير الذات” مع تقدمهن في السن. ومن المرجح أيضاً أن يتمتع الرجال الأكبر سناً بعقلية “تطوير الذات” مقارنة بالرجال الأصغر سناً، رغم أن التغيير ليس بالقدر نفسه من المبالغة. وبحلول أوائل الستينيات من عمر المرأة، تصبح أكثر ميلاً لتبني عقلية “تطوير الذات” مقارنة بنظرائها من الذكور.

التحول إلى عقلية تطوير الذات

استناداً إلى العديد من البحوث التي أُجريت في مجال العلوم الاجتماعية، ندرك أن تغيير سلوك الشخص أسهل من تغيير مواقفه. ومن المؤكد أن العقلية – سواء كانت عقلية “إثبات الذات” أو عقلية “تطوير الذات” – تمثل مجموعة معقدة من المواقف. نوصي بأن يبدأ أي شخص يرغب في التحرك نحو النمو أو تطوير العقلية بطلب التعليقات من الزملاء. احرص على أن تبدأ بكمية صغيرة من التعليقات، وتدريجياً زد من مقدارها واحرص على استمرارها. سوف تعلم أن المعلومات التي تكتسبها مفيدة، ورغبتك في طلب هذه التعليقات سترفع من قيمتك أمام الآخرين.

كما يمكن للمدراء أن يساعدوا مرؤوسيهم للانتقال من عقلية متصلبة إلى التوجه نحو النمو من خلال تقديم النوع المناسب من التعليقات بكل دقة. وبدلاً من الإشادة بالمواهب غير المستغلة والذكاء، يُفضل الاعتراف بالعمل الجاد والمثابرة والمرونة والثناء عليها. ومثال على ذلك، بدلاً من القول “التقرير الذي قدمته وفقاً لنظام الإنتاج المعتمد رائع”، قل عبارة مثل: “شكراً على العمل الجاد في إعداد التقرير وفقاً لنظام الإنتاج المعتمد، فجهدك أتى ثماره حقاً”. في الواقع مثل هذه التعليقات تترك تأثيراً مزدوجاً، يتمثل في تشكيل عقلية الفرد، فضلاً عن غرس قدر أعظم من مشاعر الثقة بداخله، ومن شأن ذلك أن ييسر له قبول التعليقات النقدية من وقت لآخر.

نتفق بشدة مع كارول دويك. إن عقلية النمو هي الأساس لأي عملية ناجحة لتطوير الشخصية. وتشير الأدلة التي نقدمها إلى أن الأشخاص قادرون على التغيير، ولكن لكي يتسنى لهم ذلك يتعين عليهم أن يكفوا عن “إثبات الذات” وأن يبدؤوا في البحث عن سبل “تطوير الذات”.

فالنجاح الوظيفي يكون مدفوعاً بقدرة الشخص على التعلم والتكيف باستمرار مع عالم متغير. ويقودهم تنفيذ هذه الأمور إلى التحلي بعقلية صحيحة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .