القائد المتنقل هو الموهبة الجديدة التي تطمح الشركات إلى جذبها

10 دقائق
القائد المتنقل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قابلتُ تانيا قبل سنوات في شركة عالمية، حيث قادتْ وحدة أعمال وحظيت بسمعة طيبة بصفتها موجهة رائعة. قالت لي باعتزاز واضح وهي تشرح منهجها في الإدارة، بينما كنا نسير عبر مكتب مفتوح صاخب: “ما لا يغيب عن ذهني على الإطلاق هو أن هؤلاء الأفراد هم أفضل المواهب في العمل. بإمكانهم أن يعملوا في أي مكان آخر، إذا اختاروا ذلك. وأنا متأكدة من أن الكثيرين منهم سيفعلون ذلك، في نهاية الأمر”.

كنت أعرف أن ما تقوله صحيح بخوصوص القائد المتنقل. فمنافسو شركة تانيا كانوا يحاولون باستمرار قنص الموظفين العاملين في وحدتها واستمالتهم للعمل معهم. ومع ذلك، لم يكن في نبرة صوتها أي تهكم، وتابعت قائلة: “كل واحد منهم قيمته كبيرة ويصعب استبداله، لكن لا يمكنني غرس الولاء فيهم، سيسخرون مني. كما أني لا أستطيع أن أرفع أجورهم. كل ما يمكنني أن أعدهم به هو أنهم في أثناء عملهم هنا سينمون ويتطورون مهنياً أكثر من أي مكان آخر. وعندما يغادرون، سيكونون قادة أينما ذهبوا”.

هذا الوعد الذي تقطعه تانيا للعاملين معها، بقولها إن العمل معها اليوم سيجعلهم قادة في أي مكان آخر في الغد، هو في صميم استراتيجيات إدارة المواهب لدى العديد من الشركات. ولقد قاد الإقبال عليها والإيمان بها إلى ظهور جامعات الشركات والجامعات الخاصة، وكلها تعد بتحويل المواهب إلى قادة، وهو أكثر من مجرد وعد بالتعلم، إنه وعد بالتحول، بأن يؤدي العمل في الشركة إلى تغيير جوهرك وقيمتك وليس فقط أسلوب قيادتك، بطرق ستدوم إلى ما بعد فترة عملك لديها.

على الرغم من الجوانب المقلقة لهذا الوعد (كتبتُ أنا وجينيفر جينيفر بتريليري من “إنسياد” عن ذلك من قبل)، فإنه يحظى بجاذبية قوية. ومن ثم، يتدفق الموهوبون إلى المؤسسات التي توفر لهم هذه الفرصة، مع ما يتصل بذلك من تكاليف مثل الرسوم الدراسية أو ساعات العمل الطويلة أو المداخيل الضائعة، لما يرون أنه استثمار في مستقبلهم. لكن “التحول” يظل وعداً غامضاً في أحسن الأحوال، وهراء ولغواً في أسوأ الأحوال. من هو الذي يتحول، وإلى ماذا وكيف؟ ما الفائدة من كل هذا للأفراد ومؤسساتهم وشركاتهم؟

شرعتُ أنا وجنيفر في البحث عن إجابة عن هذه الأسئلة مع جاك وود من كلية الأعمال الدولية الصينية الأوروبية “سي إي آي بي إس” (CEIBS)، في دراسة حول تجارب المدراء الشباب في كلية دولية لإدارة الأعمال سنسميها “بلو” (Blue). تظهر الدراسة التي نُشرت في المجلة الفصلية للعلوم الإدارية الصادرة كل ثلاثة أشهر، لماذا يجذب الوعد المواهب المتنقلة ويحفزها، تلك المواهب التي تطمح الشركات إلى توظيفها، وكيف يربط هؤلاء الأفراد بالشركة حتى بعد رحيلهم عنها.

تكشف النتائج التي توصلنا إليها أن “القائد المتنقل” هو المكافئ المعاصر لـ “رجل الشركة” القديم، إنه المثل الأعلى المنشود والمتطلب والصعب الذي يعزز كلاً من المسيرة المهنية للأفراد الملتزمين به ومكانة الشركات التي تنتهجه.

يوطِّدُ السعيُ وراء القيادة المتنقلة الرابط بين الأفراد الطامحين إليها والمنظمات التي تعد بها، وهو ما يزكي التزام الأول حتى لو لم تقدم الأخيرة عضوية طويلة الأجل. ولكن رفع مرتبة أولئك الأكثر قدرة على الانتقال، يضغط على المواهب للاستمرار في الحركة، ويخاطر بتخفيض قيمة الأفراد الذين لا يفعلون ذلك.

لقد حددنا أيضاً طريقين تتعارض كل منهما مع الأخرى يتبعهما الأفراد سعياً إلى اكتساب قابلية التنقل. تشير دراستنا إلى أنه إذا استثمرت الشركات في واحدة منهما فقط، أو طلبت أن يتبع الفرد كلتيهما في الوقت نفسه، فإنها سوف تُنفر أو تفرض ضغوطاً على مجموعة من أفرادها الأكثر قيمة.

سعياً وراء القيادة المتنقلة

اخترنا “بلو” موقعاً بحثياً لأنها وعدت باختيار أفضل المواهب وتحويلهم إلى قادة، واستخدَمتْ الأساليب المستخدمة على نطاق واسع في شركات الأعمال التجارية لفعل ذلك. ونظراً لأنها أقل من بيئة أكاديمية تقليدية وأكثر من مخيم تدريب للمدراء التنفيذيين، لم يقبل برنامج شهادة الماجستير في إدارة الأعمال لدى شركة “بلو” سوى المدراء ذوي الخبرة، وعرّضهم لجرعات كبيرة من التفكير المعزز (تدوين اليوميات، التوجيه) والممارسة (مشاريع في شركات حقيقية).

بدا أن “بلو” قادرة على الإيفاء بوعدها. وتنافس المتقدمون للحصول على مكان في البرنامج يجذبهم تركيزه على نموهم الشخصي والمهني. واصطفت الشركات لتوظيفهم. باختصار، كانت “بلو” نموذجاً مثالياً لتلك المؤسسات التي تستضيف الأعضاء مؤقتاً لكنها تعدهم بتحويلهم بشكل دائم، عبر تطويرهم، إلى نوع القادة الذي يريدون أن يصبحوا عليه وترغب شركات أخرى في توظيفه. وكان المشاركون فيها من المدراء المميزين والطموحين والمدراء المتنقلين الذين تخوض الشركات من أجلهم حروب اقتناص المواهب.

تابعنا 55 من هؤلاء المدراء مدة سنة واحدة. لقد استثمر الجميع وقتهم وأموالهم وكان لديهم القليل من اليقين بشأن ما يخبئه لهم المستقبل بعد تخرجهم من “بلو”، باستثناء المزيد من التنقلات. قال لنا أحدهم، وقد سبق له أن عمل في قطاعين وثلاث دول قبل الانضمام إلى برنامج الشركة:

لقد كنت دائم التنقل، وفقاً للمسار الذي تتجه إليه السوق والاتجاهات التي نراها في الأعمال، فأنا منفتح جداً على تجربة أمور مختلفة. لا أشعر مطلقاً بأنني متعلق أو أسيرُ قطاعٍ ما أو وظيفةٍ معينة. وأفكر دائماً في نفسي أنني اكتسب مهارات، وليس بالضرورة أنني أشغل وظيفة. آمل أن أتمكن بعد اكتساب كل هذه المهارات من الحصول على كل ما أحتاجه لتولي أي وظيفة أجدها في طريقي.

أصحاب المواهب مثل هذا الفرد يرتبطون بشكل فضفاض بالمؤسسات التي يعملون فيها وتشهد مسيرتهم المهنية تحولات متكررة، إما للضرورة أو عن اختيار. والصورة السلبية للأفراد الذين يتبعون مثل هذه المسيرة المهنية تصورهم على أنهم غير ملتزمين بشكل تام، وأنهم يقفزون من وظيفة إلى أخرى ومن شركة إلى أخرى، ويبدلون انتماءاتهم. أرباب العمل، في هذه الصورة، هم أكثر بقليل من محطات خدمة، حيث يتوقف المرء فترة كافية للتزود بالطاقة والإمدادات اللازمة لرحلة الطريق الدائمة لمهنة متقنة ومصممة بشكل يتواءم مع احتياجات الفرد.

لكن النتائج التي توصلنا إليها ترسم صورة مختلفة. فبدلاً من الصورة التي تصورهم على أنهم ليسوا هنا ولا هناك – معلقون بين أصحاب العمل السابقين واللاحقين، والإنجازات والطموحات – كان الأفراد الذين درسناهم هنا وهناك. لقد شاركوا بشكل كامل في أنشطتهم وعلاقاتهم في “بلو” لأنهم اعتبروها نموذجاً مصغراً لعوالمهم الخارجية. واستخدم أحد المشاركين الاستعارة ليعبر عن الطريقة التي يرى من خلالها قيمة المؤسسة:

يمكنك تعلم العيش في الغابة بثلاث طرق: يمكنك أن تقرأ عنها في كتاب، ثم تذهب إلى تلك الغابة لترى كيف تسير الأمور. قد لا تقرأ كتاباً وتذهب مباشرة إلى الغابة. أو يمكنك قضاء بعض الوقت في حديقة الحيوان لتفهم كيف تتصرف الحيوانات، مع إدراكك أنه ليس العالم الحقيقي، ولكنك تتعلم قليلاً عن النمر قبل أن يهجم عليك. المجيء إلى “بلو” يشبه العيش في حديقة الحيوان مدة عام.

كلما نجحت “بلو” في أن تشكل نموذجاً مصغراً للعديد من أماكن العمل الأخرى، زاد عدد الذين استثمروا فيها وعملوا بجد وافترضوا أن المهارات والعلاقات التي ينسجونها هناك ستكون مفيدة وستستمر بعد أن يذهب كل منهم في طريقه.

فبدلاً من السعي لإيجاد وتيسير الانتقال إلى وظيفة أحلام مستقبلية واحدة، يشارك الأفراد الذين شملهم بحثنا في مشروع أوسع ولكنه ذو فائدة مباشرة: صياغة “الذات المتنقلة” التي تحظى بتقدير في “بلو” وأبعد منها: الذات في دور القائد. كان الطموح لأنْ “يصبح الفرد قائداً” اختصاراً لأن يكون مسؤولاً عن مصيره وله معارف مهمون في قطاع الأعمال ومفيداً للآخرين، حتى في حالة عدم وجود مرسى ووجهة وسلم مهني تقليدي يرتقيه في شركة واحدة.

في نهاية العام قال أحد المشاركين: “إنه أمر مريح للغاية. إذا وجدت نفسي في وضع لا يشعرني ما أقوم به بالسعادة، فعليَّ أن أستبق الأمور وأفعل شيئاً ما وأغيِّر… لدي ثقة أكبر في قدرتي على القيام بذلك، ولا أعتقد أنني كنت سأحصل على هذا لو أنني ذهبت إلى شركة أخرى بدلاً من المجيء إلى “بلو””. لاحظ ما يجده هذا الشخص مريحاً: ليس أنه عثر على وظيفة، ولكنه شعوره بالثقة الكافية لترك وظيفة يشغلها. وما يجعل “بلو” تتفوق في نظره على غيرها من خياراته المهنية الأخرى هو أنها عززت قابليته للانتقال من وظيفة إلى أخرى. وكما أوضح مشارك آخر: “في “بلو” تمكنت من التعرف على أفراد من جميع أنحاء العالم، وهذا سيعطيني الإحساس بأنني أستطيع دائماً الاعتماد على شخص ما”. إذا أمكنك فعل ذلك هناك، على ما يبدو، يمكنك الذهاب إلى أي مكان، وأن تمد جذورك في كل مكان.

طريقان نحو التنقل: الصيد والاستكشاف

اتخذ السعي وراء قابلية التنقل (في رداء القيادة) شكلين مختلفين. كان لدى بعض الأفراد، الذين اصطلحنا على تسميتهم “الصيادين”، رؤية واضحة عما يتطلعون إليه، لكنهم رأوا أنهم يفتقرون إلى الكفاءة والمعارف التي من شأنها أن توصلهم إلى ذاك المكان. قال أحدهم: “سوف تساعدني “بلو” في فهم ما إذا كنت سأتمكن من تحقيق ذاتي في منصب كبير في شركة عالمية”. كان الآخرون، الذين أطلقنا عليهم تسمية “المستكشفين”، أقل ثقة بشأن ما أرادوا فعله، وفي بعض الأحيان، من يكونون بالفعل. لقد رأوا أنهم يفتقرون إلى الوضوح والشجاعة لشق طريقهم بأنفسهم. قال أحدهم:

آمل أن تتيح لي “بلو” التقدم خطوة إلى الأمام. لا أعرف ما هذه الخطوة. أود أن أفكر في أن هناك طريقة جديدة تماماً للتفكير في نفسي والتفكير في حياتي والتفكير في كيف سأواجه مسألة العمل، وهي لا تقتصر على التغلب على نقاط ضعفي فقط. إنه شيء لا أراه الآن وسأراه بعد “بلو”.

كانت هذه الأهداف والمخاوف المتباينة أكثر من مجرد تأملات خاصة. لقد أثرت في كيفية مشاركة الأفراد من كل فئة وتفاعلهم مع الآخرين ومع المؤسسة: صياغة مسارهم في “بلو” ونوع الذات المتنقلة التي اتخذوها في نهاية المطاف، وبحثهم عن عمل.

نظر الصيادون إلى الآخرين بصفتهم نماذج يحتذى بها ومصادر للرأي والتقييم، وإلى المؤسسة كساحة للتدريب. كانت “بلو” في نظرهم قيِّمة لأنها كانت تشبه ما يسمى “العالم الحقيقي” وإن كانت أكثر تسامحاً منه. لقد وصفها أحدهم بأنها “مكان آمن لارتكاب الأخطاء”. قدَّر الصيادون الفرص واستثمروا فيها لممارسة مجموعة متنوعة من المهارات وطرق مختلفة للظهور وإثبات حضورهم. “لقد كانت تجربة مرهقة حقاً”، كما أوضح أحدهم متحدثاً عن محاكاة عملية تجارية، “لكن النتيجة كانت ممتازة في النهاية. [كان الأمر] أشبه بالنظر إلى نموذج مصغر ورؤية كيف تعمل الأشياء وكيف لا تعمل”.

اعتبر المستكشفون الآخرين مصدراً للاحتكاك والدعم، والشركة بمثابة عدسة مكبرة. كانت “بلو” في نظرهم قيِّمة لأنها تشبه “العالم الواقعي”، ولكنها تزيد انكشافهم. وقال أحدهم إنه عندما يكون الفرد “مكشوفاً تماماً”، على حد تعبيره، فهذا ييسر عليه معرفة نفسه. وأوضح آخر: “ماضيَّ لم يتغير، أنا لست إنساناً آخر. لكن الكثير من الأشياء أصبحت أكثر وضوحاً لي”. لقد قيّم المستكشفون، واستثمروا أكثر من أي شيء آخر في فرص التفكير في طريقة الظهور التي تعبر عنهم حقاً، وعلى حد تعبير أحدهم: محاولة “إظهار من أكون بطريقة واحدة للجميع”.

ركز الصيادون على تنمية المرونة، أي القدرة على التواصل مع مجموعات مختلفة، والتكيف مع متطلبات العديد من المؤسسات والشركات. هذا ما عنته لهم قابلية التنقل، أن يكونوا “أكثر تنوعاً، وأكثر عالمية… وقادرين على تولي أي منصب في أي مكان”، كما أوضح أحدهم. على العكس من ذلك، سعى المستكشفون إلى تعزيز قدرتهم على الحزم. لقد عنت لهم قابلية التنقل التعرف على “شغفهم الداخلي”، كما وصفه أحدهم، واختيار المجموعات والشركات التي تسمح لهم بالتعبير عنه والعمل على تطويره. وقال آخر: “راسلتني العديد من الشركات لتعرض علي مناصب مهمة، لكني رفضت كل هذه العروض”، وأضاف: “لقد كنت أحاول فعلاً وعن وعي أن أضع نفسي في وضع صعب وأتأكد من أنني لا أحصل على هذه الأنواع من الخيارات السهلة، لأنها في بعض الأحيان مغرية للغاية”.

أن تصبح في الوقت نفسه حازماً ومرناً، وأن تتخذ من ذاتك الحقيقية مرسى راسخاً مع قابليتك للتكيف مع الظروف المختلفة، فهذا يبدو مثالياً في سوق عمل تيسر الانتقال الوظيفي، ولقد أكدت “بلو” على الجمع بينهما في منشوراتها الترويجية ومناهجها التدريسية. لكن من المستغرب أن أياً من المدراء الذين شملهم بحثنا لم يحاول السعي لتحقيق كلا الهدفين. ما بدا جيداً على الورق لم يكن جذاباً، أو حتى صالحاً للتطبيق من الناحية العملية. وجد الصيادون قيمة قليلة في تأمل الذات الذي شجعت عليه “بلو”، واعتبر المستكشفون أن وتيرة الممارسة هناك ليست أكثر من مجرد لهو.

بينما تحدث الكثير من الأفراد عن معاناتهم جراء الخوف من عدم الاستفادة من الفرص المتوفرة في عالم “بلو” الواسع والصاخب، فقد أضاعوا في الواقع، وإن لم يكن عن وعي، جزءاً كبيراً من الفرص والعلاقات التي هيأتها لهم المؤسسة. قد يبدو الأمر للوهلة الأولى غير سوي، وهي استراتيجية أدت إلى تآكل العائد على استثمارات المشاركين. ومع ذلك، كشف تحليل أعمق أنه يخدم وظيفة محددة. إن تركيز انتباههم وانتباه غيرهم على أنواع مميزة ومتناقضة ساعد هؤلاء الأفراد على التركيز على مجموعة واحدة من الأهداف والمخاوف الواضحة، فقللوا الغموض الذي كان سمة ثابتة للمؤسسة ولمسيرتهم المهنية من بعدها. لقد أعطاهم ذلك شعوراً بأنهم يسيرون في الاتجاه الذي يرغبون فيه، وإن لم يكن نحو وجهة واضحة، وبمجموعة من الاتصالات الداعمة. ربما كانوا متنقلين لكنهم لم يكونوا بلا هدف ولم يكونوا وحدهم. وهذا جعل كل الجهد الذي تطلبته منهم “بلو” يستحق العناء.

خلص أحد المشاركين إلى القول: “في السابق، اعتقدتُ أنني كنت أكثر ارتباطاً بالأفراد والأماكن والشركات، والآن أعتقد أنه يمكنني الذهاب إلى أي مكان”. وقال آخر: “قبل “بلو” كانت شركتي أكثر قدرة على تقرير وجهتي التالية، في حين أعتقد الآن أنني استعدتُ زمام أموري، ويمكنني أن أضع خيارات بشأن المكان الذي سأذهب إليه”.

هذه المشاعر السائدة في عيّنتنا تكشف عن فوائد السعي وراء اكتساب القيادة المتنقلة والوعود التي تحفل بها. فيما يخص الفرد، يمكن للقب أن يكون بمثابة حماية في وجه عدم اليقين المخيم على المهن المعاصرة، ووسيلة للاستعداد لتقلب أسواق العمل. الشركات المستعدة لتقديم مثل هذه الفرصة، مثل “بلو” ستصبح أماكن جذابة ومختارة. وكلما زاد عدد الأفراد المشمولين في بحثنا، المؤمنين بما تعدهم به “بلو” بالحصول على ميزة قابلية التنقل، زاد مستوى التزامهم بعملهم لديها، وامتنانهم أيضاً. فهل هناك، في عصر ندرة المواهب وانعدام الثقة في المؤسسات، شركات لا ترغب في جذب أفضل الأفراد وتعزيز التزامهم وإذكاء ولائهم على المدى الطويل؟

مضاعفات تطوير القادة المتنقلين

في حين يحتاج المرء إلى توخي الحذر من التعميم لدى التعامل مع دراسة من نوع تلك التي أجريناها، والتي قامت على فحص متعمق لشركة واحدة، تقدم نتائجنا أفكاراً ورؤى مفيدة لقادة الشركات الساعية إلى جذب المدراء الموهوبين وتطويرهم، ممن يتابعون وظائف متنقلة.

تشرح النتائج سبب استبعاد بعض الأفراد لفرص التعلم نفسها التي يجدها الآخرون قيّمة، وتكشف سبب وجوب أن يتخطى الموجّهون الانجذاب العام إلى ما هو مفيد وذو صلة. لقد عد الصيادون في عينتنا التعلم ذا صلة إذا حققوا منه فائدة على الفور، أما المستكشفون فعدوه كذلك إذا كان كاشفاً لخبايا كفيلة بإدهاشهم. افتراض أن جميع المواهب تسعى إلى المرونة سوف يُنفر أولئك الذين يتوقون إلى اكتشاف الذات، والعكس صحيح. يجب أن توفر مبادرات تطوير القيادة وتدعم كلا المسارين وأن تسمح للأفراد باختيار طرقهم.

تلقي الدراسة الضوء أيضاً على السبب الذي يجعل العديد من الشركات تعاني من نقص في القادة على الرغم من أنها تستثمر في تطوير القيادة. إذا كان السعي وراء القيادة يتعلق بمواءمة عمل الفرد الحالي في الشركة مع عمل الفرد في المستقبل في مكان آخر، فإن ما يتم إهماله هو مستقبل الشركة نفسها. يمكن أن يؤدي التشجيع على قابلية التنقل إلى نتائج عكسية على الأفراد أنفسهم: إذ أظهرت أبحاث أخرى أن الموظفين البارعين يميلون إلى التقليل من مستوى أدائهم بعد انتقالهم إلى شركات جديدة. ومع ذلك، فإن الشركات التي تستثمر في تطوير القيادة مع التركيز على الاستبقاء والتقدم الداخلي قد لا تكون جذابة للمواهب الطموحة. القيادة المطورة في مثل هذه الشركات قد لا تشعر أنها متنقلة بما فيه الكفاية.

تقترح دراستنا أن الشركات التي تدعم مفهوم قابلية التنقل تولد تماهياً قوياً لدى الأفراد، وهذا التماهي أو الهوية هو الولاء الذي يمكن أن يتخطى مدة بقاء هؤلاء الأفراد فيها. في نهاية الأمر، قد تكون الشركات التي تركز على البقاء هي الشركات التي يسهل تركها. هذه النتيجة المركزية تنطوي في الظاهر على مفارقة وتطرح مزيداً من الأسئلة.

إذا كان القائد المتنقل هو رجل الشركة الجديد، فهل يؤدي هذا القائد القدوة الجديد إلى التحيز ضد المواهب الأقل قدرة على الحركة، أو على الأقل تلك التي تبدو مرتبطة بوظيفة أو شركة أو موقع جغرافي واحد؟ هل المؤسسات التي تعد بقابلية التنقل – بأن تجعل حياة العمل المتنقلة أكثر احتمالاً وأقل وحدة وأكثر تركيزاً من خلال زيادة ثقة المدراء الموهوبين وقدرتهم وفرصهم – تثبط عن غير قصد تطوير الالتزام بمكان واحد أو غاية واحدة أو مؤسسة واحدة؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد يكون خطيراً على الشركة: هذه هي بالتحديد الالتزامات التي تجعل القادة جديرين بالثقة.

المدراء التنفيذيون من أمثال تانيا، التي أشرت إليها في بداية هذا المقال، يستخدمون الوعد بالقيادة المتنقلة لجذب الموهوبين إلى شركاتهم وتحفيزهم وبناء شبكات قيمة من الخريجين خارج جدران الشركة. ومع ذلك، فإن التحدي الذي يواجهه القائد المتنقل وهؤلاء المدراء التنفيذيون وتواجهه الشركات هو تعزيز قابلية التنقل دون تخفيض مستوى الولاء، والتأكد من أنهم في أثناء تطويرهم لقادة الغد، فإنهم لا يستنزفون المواهب في شركاتهم.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .