لتدريب أفضل للعاملين، حدد مواطن الصعوبة في عملهم

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل تتخيل أن شركة ما قد تنفق آلافاً أو حتى ملايين الدولارات، عاماً بعد عام، دون أن تعرف العائدات التي ستحققها من هذه المبالغ؟ العجيب هو أنه عندما يتعلق الأمر بتدريب العاملين وتطويرهم، فإن العديد من الشركات ستغامر وتفعل ذلك.

قال 55% من التنفيذيين المشاركين في استطلاع للرأي عام 2014، إن العائق الرئيسي أمام الاستثمار في التدريب يكمن في أنهم لا يعرفون كيفية قياس النجاح في هذا الاستثمار. وقال 49% منهم إنه كان من الصعب في هذا الأمر ضمان “العائدات على الاستثمار” (ROI). وفي استطلاع آخر، قال 87% من التنفيذيين إنهم لا يستطيعون حساب العائدات الكمية على الأموال التي تُستثمر في التعليم. وباختصار، لا تمتلك الشركات ما يكفي من المعرفة حول ما إذا كانوا ينفقون أكثر أم أقل من اللازم في هذا المجال. ويعتبر هذا الأمر حاسماً عندما يتعلق بتوظيف حديثي التخرج، حيث يضطر أرباب العمل هنا إلى القبول بفكرة أن مستويات عالية من الإنهاك ومستويات منخفضة من الإنتاجية والكفاءة أمر عادي.

وهنا، ليس من الصعب تحديد الأسباب الكامنة وراء نقص هذه المعرفة. بدايةً، يمكن القول إن أصحاب العمل لا يجمعون عادة معلومات تتعلق بأداء الأفراد أو يحللونها، ولا حتى يحددون، كمياً، التكلفة العالية التي تنتج عن الدوران الوظيفي، أي ترك العاملين لمناصبهم. لكن رغم ذلك، يمكن تحسين هذا الوضع.

أسست شركة “ماكنزي آند كومباني” (McKinsey & Company)، حيث يعمل كلانا، مؤسسة “جينيريشن” (Generation)، وهي مؤسسة غير ربحية لتوظيف الشباب، وتعتمد الأخيرة على هذا التقييم المتعلق بعدم معرفة أصحاب العمل لهذه المعلومات. إذ تأسست “جينيريشن” عام 2015، وهي موجودة في 5 دول (الهند، وكينيا، والمكسيك، وإسبانيا، والولايات المتحدة)، وقد دربت 11 ألف خريج ووظفتهم في وظائف للمبتدئين في 4 قطاعات للعمل: الرعاية الصحية، والتكنولوجيا، والمبيعات، والمهن التي تتطلب مهارات خاصة مثل التمريض والسباكة وغيرها.

وبمجرد التحاق الخريجين بوظائفهم، تبدأ مؤسسة “جينيريشن” مرحلة أخرى من عملها، إذ تقيس أداءهم مقارنة بأقرانهم، من خلال المقاييس التالية: الإنتاجية، وتوفير التكاليف المتعلقة بالتوظيف والتدريب، والكفاءة، والبقاء في العمل، والسرعة في الترقية. ويمكن تحويل هذه المقاييس إلى تقدير للعائد على الاستثمار بالنسبة لصاحب العمل الذي يدفع بالمقابل لمؤسسة “جينيرشن” بناءً على عائد الاستثمار الذي يحققه من توظيف الخريجين الذين ترشحهم له المؤسسة. في النهاية، ينصب هدفنا على إثبات القيمة الاقتصادية للتدريب الذي نقدمه، مما يمكننا في مؤسسة “جينيريشن” من التقاضي من أرباب العمل ما يكفي لجعلنا مكتفين ذاتياً على نحو كليّ.

إن أحد أهم ما نسعى إليه في تدريبنا هو أن نحدد، في وقت مبكر، التحديات التي يواجهها الموظفون وتدفعهم لترك مناصبهم، وهو أمر مكلف لأصحاب العمل. وبالتالي، نصمم برامجنا التدريبية على نحو مناسب لمعالجة هذه التحديات، وهكذا يمكننا تقليل نسبة الدوران الوظيفي، وتوفير أموال أصحاب العمل.

على سبيل المثال، نقوم بتدريب مساعدي التمريض في الولايات المتحدة والهند للعمل في المستشفيات ودور الرعاية، وهي أعمال ذات طبيعة مرهقة وتوقعات عالية، وكذلك احتمال الدوران الوظيفي فيها مرتفع. ويدفع لنا أصحاب العمل مقابل التالي: إذ قدّرنا أن تكلفة الدوران الوظيفي المرتفع تضاهي الراتب المتقاضي لثلاثة إلى أربعة أشهر كل عام عن كل منصب.

وعند تصميم برامجنا التدريبية لهذه الفئة، حددنا، في البداية، الأنشطة والمهام المسببة للإنهاك، التي تميز بين أصحاب الأداء المرتفع وأولئك ذوي الأداء المتدني، وإدراجها على مخطط لحساب عائدات الاستثمار. على سبيل المثال، من أصل 30 مهمة يقوم بها مساعد الممرض خلال يوم العمل، تعتبر 7 منها فقط من المهام المنهكة فعلاً. إحدى هذه المهام، مثلاً، هي مراقبة المريض وكتابة تقرير عن التغييرات في حالته. ولقد وجدنا أن أداء هذا العمل على نحو جيد يتطلب أن يتمتع مساعد الممرض بالقدرة على الجمع بين مهارات تقنية، مثل معرفة ما الذي يجب مراقبته تحديداً وكيفية كتابة النتائج، ومهارات سلوكية تتعلق بالحكم المناسب والتعاطف مع المريض. لذلك، تقدم “جينيريشن” تدريبات مكثفة تدمج القدرات التقنية والسلوكية والعقلية في أداء كل مهمة. إن ثلاثة أرباع التدريب لدينا هو تدريب عملي، حيث نطبق الممارسة العملية من خلال أداء الأدوار ودراسة الحالة والمحاكاة. وأخيراً، نُخضع المشاركين لبيئة العمل الواقعية في مراحل مبكرة من خلال الجلسات التي تُعقد مع شركائنا في العمل.

وتمكنا، من خلال التركيز على المهام الأكثر تأثيراً في هذا النطاق، من تكثيف فترة التدريب إلى 8 أسابيع لتحضير الخريجين للنجاح. وكان هدفنا هو أن نثبت لأصحاب العمل قيمة هذا التدريب فيما يتعلق بالإنتاجية، والكفاءة، والبقاء في العمل، وهي بدورها عوامل يمكن ترجمتها لتقدير حساب العائد على الاستثمار.

وقد خلُص تحليل أجرته كل من “غالوب” (Gallup)، وهي شركة أبحاث مستقلة، وفريق البحث الخاص بنا، إلى أن كل مساعديي الممرضين الهنديين الخاضعين لتدريب مؤسسة “جينيريشن” – علماً أن 97% منهم قد حصلوا على عروض عمل بعد التدريب – استطاعوا توفير 10% من وقت مناوبة مشرف التمريض مقارنة بالمساعدين الآخرين من غير خريجي المؤسسة. كما وجد أرباب العمل في الولايات المتحدة والهند انخفاضاً في تكاليف التوظيف والتدريب بنسبة 70%، وكذلك ارتفاعاً في نسبة بقاء العاملين على رأس عملهم بمقدار 80% خلال 90 يوماً، في وقت كان المعيار دون 60%. يقول 90% تقريباً من المشرفين إن أداء خريجي مؤسسة “جينيريشن” يوازي بل يتجاوز أداء أقرانهم من الجهات الأخرى.

لا عجب، إذاً، في أن أصحاب العمل بدؤوا يدفعون لمؤسسة “جينيريشن” لاستقطاب المزيد من مساعدي التمريض من خريجيها، مما منح هذه المؤسسة القدرة على التمويل المستدام بدلاً من الاعتماد على التمويل الخيري. بالإضافة إلى ذلك، ونتيجة للمهارات الخاصة التي يتمتع بها خريجو “جينيريشن”، أنشأ أصحاب العمل مساراً مهنياً متسارعاً خاصاً بمساعدي الممرضين من خريجي هذه المؤسسة. كما أفاد هذا النموذج التدريبي الطلبة أنفسهم، إذ وجد خريجو البرنامج ازدياداً في دخلهم عن السابق بمقدار 4 أضعاف في الولايات المتحدة و6 أضعاف في الهند.

ويشير النجاح الذي حققناه إلى ضرورة أن تنظر الشركات إلى الموظفين المبتدئين بوصفهم مصدراً للقيمة لا للتكلفة، وكذلك ضرورة تقييم العائد المحتمل على الاستثمار بالنسبة للتوظيف الجديد استناداً إلى ذلك. ولا يقتصر النقاش حول أن هذا الإجراء سيساعد فئة الشباب في إيجاد فرص عمل فقط، رغم أنه بطبيعة الحال سيفعل ذلك، إلا أنه أيضاً سيحسن من مستوى الأداء بطرق يمكن قياسها. ورغم أن مصطلح “الفوز” (win-win)، أي تحقيق المنفعة للطرفين، هو مصطلح متداول لدرجة الإفراط في عالم الأعمال، ولكنه في حالتنا هنا يعتبر مناسباً تماماً. إذ إن التدريب المستوحى من المعطيات والبيانات بالنسبة لمناصب بداية التعيين – أي لحديثي التخرج – يمكنه حقاً أن يفيد كلاً من العاملين وأصحاب عملهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .