كيف نواجه وباء زيكا عن طريق الدروس المستقاة من وباء إيبولا؟

5 دقائق
مكافحة وباء زيكا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أعلنت منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع فيروس “زيكا” حالة صحية طارئة عامة. فوفقاً لمعلومات غير مؤكدة، يتسبب فيروس “زيكا” بصغر الرأس، أي أن يولد الأطفال برؤوس صغيرة ونمو غير طبيعي للدماغ، ويتسبب كذلك في حدوث الشلل لدى البالغين. فكيف يمكن مكافحة وباء “زيكا”؟

ينتشر الفيروس انتشاراً واسعاً عبر مناطق أميركا الجنوبية والوسطى بحالات مؤكدة في أكثر من 20 دولة. تتوقع منظمة الصحة العالمية أن يصيب الفيروس 4 ملايين شخص تقريباً بحلول نهاية العام. كما يمكن أن ينتشر في مناطق أخرى من العالم مع أعداد كبيرة من المسافرين من وإلى المنطقة.

استراتيجية رباعية لاحتواء فيروس “زيكا”

واجهنا تحدياً مشابهاً قبل أكثر من عام عندما تفشى وباء “إيبولا” وخرج عن السيطرة. في ذلك الوقت، طلب منا (رانووديفاباكتوني) رئيس غينيا، وهي إحدى الدول الثلاث الأكثر تضرراً، المساعدة في تطوير استراتيجية وطنية لاحتواء الوباء. وبناء على تجربتنا في محاربة وباء “إيبولا”، نقدم استراتيجية رباعية لاحتواء فيروس “زيكا”.

لا يوجد لقاح أو علاج لفيروس “زيكا”، كما هو الحال بالنسبة لإيبولا، ومن المرجح ألا يتوفر علاج لعدة أعوام. سيتطلب إيقاف هذا الوباء تعطيل “سلاسل انتقال الفيروس بالعدوى”. في حالة “إيبولا” الذي ينتقل عبر السوائل الجسمانية (مثل الدم والبراز)، يتطلب الأمر وضع نظام استجابة لتحديد الأشخاص المصابين حديثاً بمجرد ظهور الإشارة الأولى للمرض ثم وضعهم في الحجر الصحي قبل أن يصيبوا أشخاصاً آخرين.

بينما قد يتطلب التحكم بفيروس “زيكا” والذي ينتقل من خلال البعوض، والعلاقات الحممية على ما يبدو، إزالة البعوض في مناطق وجود الفيروس وعزل المصابين فوراً وخاصة عن الحوامل. وهذا يتطلب التأكد من استخدام الناس طارد الحشرات والنوم تحت ناموسيات معالجة بمبيدات حشرية (تشبه تلك التي ساعدت في تقليل إصابات الملاريا بصورة كبيرة في إفريقيا)، والقضاء على الظروف التي تساعد على نمو البعوض مثل المياه الراكدة والمخلفات في الهواء الطلق. ولكن بسبب عدم ظهور إشارات مرضية على 80% من المصابين، ولأن البعض الآخر يظهر أعراضاً غير محددة مثل الحرارة والآلام الجسدية، من الصعب تحديد المصابين بفيروس “زيكا” وبالتالي تحديد المناطق التي يجب إجراء هذه التدخلات فيها.

تحدد الآن الدول المتضررة المناطق المحلية المعرضة للخطر بالبحث عن الأماكن التي تسجل معدلات عالية من الأطفال المولودين برأس صغير، ولم يكن ذلك إلا بعد وقوع أضرار جسيمة فعلياً. تحاول بعض الدول الآن احتواء “زيكا” بتوصية النساء عموماً بعدم الحمل وبأن تتخذ المجتمعات إجراءات وقائية ضد البعوض. ولكن تنفيذ هذه الإجراءات عبر دول بأكملها سيتطلب تغييرات جذرية في المواقف والسلوكيات وتوزيع كميات كبيرة من سلع مكافحة البعوض وتحديد النسل. (على سبيل المثال، تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من نصف حالات الحمل في المنطقة غير مقصودة). ستكون هذه الأساليب فاعلة جزئياً على نطاق واسع، إذ ستحدث حالات الحمل بالتأكيد وسيبقى بعض البعوض على قيد الحياة.

وبالتالي نحتاج إلى وضع نظام استجابة أدق وأكثر تركيزاً إلى جانب هذه الجهود المبذولة على نطاق واسع.

1- تحديد المناطق المعرضة للخطر من خلال إجراء اختبارات واسعة النطاق

يجب فحص جميع المرضى الذين يظهرون أعراضاً تدل على الإصابة في مناطق وجود “زيكا” عن طريق فحص الدم للتمكن من تحديد المناطق المعرضة للخطر بسرعة. يساعد التطوير السريع لأدوات التشخيص سهلة الاستخدام في مراكز الرعاية على تحسين هذا النهج.

يتطلب تشخيص “زيكا”، كما هو الحال مع “إيبولا”، إجراء اختبار تفاعل البلمرة المتسلسل، وهو اختبار مختبري يتطلب أداة خاصة ومختصين، وبالتالي يصعب نشره على نطاق واسع وبصورة لامركزية. من أهم أخطاء التعامل مع وباء “إيبولا” هي عدم القدرة على التحقق من الاختبارات التشخيصية السريعة ونشرها سريعاً، والتي كان من الممكن أن يقوم بها العاملون في المجال الصحي من غير المختصين لتشخيص الإيبولا خلال دقائق عن طريق وخزة أصبع فقط. وكانت لتسمح باكتشاف حالات الإصابة في وقت مبكر وبكبح انتقال الفيروس بصورة أسرع. إذن، كان من الممكن أن تساعد هذه التشخيصات على إنهاء الوباء في وقت أبكر بكثير، ولكنها لم تنتشر أبداً لعدم الإجماع على طريقة استخدامها، ولعدم وجود عملية تحقق ترتكز على التقييمات المختبرية بدلاً من اختبار الحالات الواقعية حيث كان أداء هذه الاختبارات أفضل بكثير.

ولذلك يجب أن تكون الأولوية العاجلة الآن هي تطوير اختبار مشابه لفيروس “زيكا” والتنسيق الاستباقي ودفع العجلة للأمام بتمويل مخصص وعملية تحقق سريعة بهدف تقييم اختبارات جديدة في المجال بأسرع قدر ممكن. وفي الوقت ذاته يجب تجهيز المختبرات الحالية في المستشفيات الإقليمية وشبه الإقليمية عاجلاً لتشخيص فيروس “زيكا” عن طريق الاختبارات التشخيصية السريعة لتبدأ مراقبة انتشار الفيروس فوراً.

2- اتخاذ تدابير تحكم محددة الهدف

بوجود معلومات حول أماكن انتقال فيروس “زيكا”، يمكن إجراء تدخلات مكافحة البعوض والعزل في تلك المناطق بصورة حازمة. يجب توزيع الناموسيات وطاردات الحشرات على جميع المنازل، وتحديد الظروف البيئية المؤدية إلى تكاثر البعوض، وإبعاد الأشخاص المصابين بالفيروس عن الحوامل والأوساط التي يمكن للبعوض فيها أن يتغذى عليهم.

يتطلب تنفيذ هذه الاستجابة المركزة أنظمة صحية فاعلة ومحلية. في حالة وباء “إيبولا”، كانت الأنظمة الصحية في الدول المتضررة في غربي إفريقيا بالكاد تعمل وخاصة على المستوى المحلي. وبالتالي كان علينا ابتكار نظام استجابة مواز وخاص بفيروس “إيبولا” يتطلب الكثير من الوقت والمال، كل هذا بينما يستمر الوباء بالتفشي.

بينما الآن تملك العديد من الدول المتضررة من فيروس “زيكا” أنظمة صحية أقوى نسبياً. في البرازيل، وهي الدولة الأكثر تضرراً على سبيل المثال، هناك شبكة من العيادات المحلية المربوطة بالعاملين في مجالات الصحة المجتمعية الذين يتنقلون من منزل إلى آخر لمعالجة المشاكل الصحية. يجب أن تهتم هذه الأنظمة الصحية المحلية بالتحكم بالوباء والبحث عن حالات الإصابة المحتملة مع تقديم خدمات الاستشارة والمراقبة عن قرب للحوامل بهدف تقليل خطر الإصابة. وينبغي نشر المزيد من المختصين وبرامج التدريب والموارد لتقوية الأنظمة الحالية لإجراء التدخلات اللازمة لكبح انتشار فيروس “زيكا”.

3- منع تفشي الوباء

عندما بدأ تفشي وباء “إيبولا” في دول غربي إفريقيا كان الفيروس مرتكزاً في بضعة مجتمعات محلية، وكما حدث في 24 حالة تفشي للإيبولا قبل ذلك، وكان يمكن حصره والانتهاء منه سريعاً. على أي حال، عندما استعصى فيروس “إيبولا” على جهود الاستجابة المبكرة وأصبح وباء متفشياً محلياً، تحول حينها إلى وباء عالمي حقيقي تصعب استعادة السيطرة عليه.

يعد فيروس “زيكا” منذ الآن وباء متفشياً إلى حد ما. ولكن يجب أن تسعى كل الجهود إلى حصر الفيروس في مواقعه الحالية وإيقاف انتشاره في مناطق جديدة. وبمجرد تحديد منطقة معرضة للخطر، يجب أن يُفحص الأشخاص المسافرين خارج المنطقة في مراكز التشخيص. يحسن التشخيص في مراكز الرعاية، والذي تحدثنا عنه أعلاه، القدرة على تطبيق هذا النهج جداً.

4- دمج الأبحاث بالإجراءات الفورية

حاولنا السيطرة على وباء “إيبولا” حتى مع بقاء العديد من الأسئلة الحرجة دون إجابة. وبعد آلاف الإصابات وأكثر من عامين في محاولة محاربة الوباء، لم نتعلم ما يكفي حول فيروس “إيبولا” لعدم القدرة على إجراء أبحاث فاعلة إلى جانب جهود السيطرة على الوباء.

لدينا المزيد من الأمور غير الواضحة حول فيروس “زيكا” التي بحاجة إلى إيضاح سريعاً إن كان هدفنا احتواء الوباء. هل يسبب فيروس “زيكا” فعلاً حالة صغر الرأس والشلل كما نظن؟ إن كانت شكوكنا صحيحة، هل الجميع معرضون للخطر أم فقط الأشخاص الذين يحملون صفات معينة؟ علينا أن نتعلم من الأخطاء التي ارتكبناها عند التعامل مع “إيبولا” وأن نفكر في طريقة دراسة الأسئلة البحثية إلى جانب العمل على السيطرة الفورية على الفيروس. وهذا سيتطلب بالتأكيد دعم الإمكانات البحثية للجامعات والمعاهد المحلية، وهو مجال استثماري مهم لم نقم به في أثناء معالجة فيروس “إيبولا”.

وفي نهاية الحديث عن كيفية مكافحة وباء “زيكا”، ينبغي أن تمكننا هذه الاستراتيجية الرباعية من استباق هذا الوباء المتفشي ومنع ما يبدو الآن انتشاراً حتمياً لفيروس “زيكا” عبر العالم. في خضم فوضى وباء “إيبولا”، ساعد النهج واضح الرؤية في تعطيل “سلاسل العدوى” على كبح النمو السريع للوباء. يجب علينا الاستفادة من الدروس التي تعلمناها من أزمة “إيبولا” وتوظيف استراتيجية منهجية ملموسة للحد من انتشار وباء “زيكا”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .