مستقبل مشرق للشركات متعددة الجنسية إذا عرفت من أين تؤكل الكتف

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في الآونة الأخيرة، نستمع إلى العديد من المراقبين للوضع الاقتصادي يزعمون، بسبب النزعة المتنامية نحو القومية الاقتصادية، أن وضع العولمة ليس فقط في حالة تراجع، بل إنه على وشك الفناء. من المؤكد أن التصويت على خروج بريطانيا من “الاتحاد الأوروبي”، وانتخاب دونالد ترامب، فضلاً عن شعبية العديد من السياسيين الأوروبيين من أقصى اليمين، كانت عوامل تثير أسئلة مهمة حول مستقبل التجارة الحرة. لكن المستقبل الصحي للشركات متعددة الجنسيات ليس موضع شك، فمستقبلها واعد، وكل ما تحتاجه هو أن تتكيف مع بعض الحقائق الجديدة.

بداية، دعونا نضع جانباً فكرة أن العولمة في حالة احتضار. إذا أخذنا بالحسبان كل المقاييس المهمة، باستثناء تجارة السلع، فسنجد أن العولمة تزدهر وتنمو بقوة، وأن هذا الانخفاض المستمر في تجارة السلع والمنتجات هو أمر طبيعي يسبق أي تغيرات في المشهد السياسي.

بدأ الأمر برمته بعد فترة وجيزة من وقوع الأزمة المالية العالمية في عام 2008. وبحسب بيانات “البنك الدولي”، حققت تجارة السلع نمواً ملحوظاً، حيث ارتفعت إلى 26% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2008، من 16% في عام 1990. ولكن منذ 2008، أخذت النسبة تنخفض باطراد لترسو الآن على ما يزيد قليلاً عن 21% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وفي الحقيقة، لا علاقة للسياسة بعجز تجارة السلع عن مواكبة النمو الحاصل في الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وإنما تشير أصابع الاتهام إلى عوامل أخرى تتضمّن انتهاء حالة ازدهار البضائع، وارتفاع الأسعار في الصين، والنمو المتباطئ في الاقتصادات التي تعتمد على الاستيراد كثيراً، وانتشار الأتمتة أكثر من أي وقت مضى، والحاجة الملحة إلى سلاسل توريد أقصر استجابةً للطلب المتزايد من العملاء.

وستصبح العديد من تلك العوامل أشد وضوحاً في السنوات القادمة. وتشير هذه الحقيقة – إضافة إلى الضجة السياسية المتنامية لتشجيع التصنيع المحلي- إلى أن تجارة السلع ستكون محركاً أضعف في سلسلة التكامل العالمي في العام 2025 مما هي عليه اليوم.

ويرتكب المراقبون العاديون خطأ عند النظر إلى تكامل الاقتصاد العالمي من منظار تجارة السلع فقط. في الواقع، يعد التكامل الاقتصادي ظاهرة متعددة الأبعاد، وتشمل تجارة السلع، وتجارة الخدمات، والاستثمارات العابرة للحدود، وتدفق البيانات. وهذه العوامل الثلاثة الأخيرة هي التي سيستمر ازدهار التكامل الاقتصادي العالمي من خلالها. فقد نمت تجارة الخدمات باطراد من نسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام 1990 إلى 6.7% في الوقت الحالي. وعلى نحو مماثل، نجد أن حجم أسهم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغ قيمة 33.6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو أعلى من أي وقت مضى. وفيما يتعلق بالعامل الأخير، فبحسب تقرير صادر عن شركة “ماكنزي آند كومباني” (McKinsey & Company)، فإن تدفق البيانات عبر الحدود حالياً هو أكثر بمقدار 20 مرة عما كان عليه في عام 2005.

وباختصار، عند النظر إلى الأمر عبر منظار أكبر، نجد أن التكامل الاقتصادي العالمي لا يزال أمراً قائماً. ولكن بنيته تتغير، ففي حين كانت تقوده التجارة في السابق، نجده يُقاد اليوم بالاستثمار. لذلك لا ينبغي أن نقلق من بعض الإجراءات الأخيرة التي يربطها البعض، خطأ، بتراجع التكامل الاقتصادي العالمي. على سبيل المثال، يمكننا النظر إلى دعوة الرئيس ترامب لشركة “تويوتا” لزيادة إنتاجها في الولايات المتحدة بدلاً من استيراد المزيد من أماكن أخرى باعتبارها أمراً رمزياً، فمثل هذه الدعوات هدفها استجماع القوى فقط.

إن المشاركة الاستراتيجية للشركات متعددة الجنسية واضحة، سواء الغربية منها مثل شركة “جنرال إلكتريك”، و”سيمنز” (Siemens)، أو الآسيوية مثل “هواوي” و”تاتا غروب” (Tata Group). وتحتاج هذه الشركات لمضاعفة توطين عملياتها في كل سوق رئيسية. قد تبقى التصاميم والمواصفات قياسية موحدة في كل الأسواق إلى حد كبير (كما في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي والهواتف الذكية، على سبيل المثال) أو ربما تختلف وفقاً لكل سوق (كما هو الحال في منتجات الترفيه والأغذية). وفي كلتا الحالتين، يجب أن يصبح الإنتاج الحقيقي للسلع والخدمات أكثر محلية.

وفي هذا السياق، نجد أن الزعماء السياسيين على استعداد دوماً للسماح لقوى السوق أن تمليَ وتفرض إلى أي حد يمكن أن تكون تصاميم المنتجات والخدمات وميزاتها عالمية المستوى أو محلية. ولكن، يهتم هؤلاء القادة فيما لو كانت الشركات ستجلب استثمارات أو توفر فرص عمل، وكذلك يهمهم فيما لو كانت تلك الشركات الأجنبية ستصبح بمثابة مواطن مساهم في بلادهم بدلاً من العمل مثل شركة سائحة.

من التحذيرات الواضحة التي تُوجَه لفكرة زيادة تعميق عمليات التوطين، هي أن حجم السوق يجب أن يكون كبيراً بما يكفي لتمكين عمليات فعالة واسعة النطاق. ففي حين تنطبق هذه الفكرة على الاقتصادات الكبيرة كما في الصين والهند أو البرازيل، قد يختلف الحال في أماكن أخرى كما في المملكة العربية السعودية أو تايلاند. وفي تلك الأخيرة، سيكون من الأفضل للشركات متعددة الجنسية التفكير في التوطين على المستوى الإقليمي بدلاً من المحلي.

ويمكن أن ينتج عن هذا التوطين الأعمق للشركات متعددة الجنسيات فوائد إضافية، إذ إن تقليل الاعتماد على تقلبات العملة يزيد من المرونة، كما ينبغي أن يُمكّن ذلك الشركة من توظيف مواهب محلية أفضل وتقوية علاقاتها مع الحكومات المحلية. ويعزز كلا العاملين من تنافسية الشركة مع الشركات الرائدة المحلية الأخرى.

وضع جيف إمليت، الرئيس التنفيذي لشركة “جنرال إلكتريك”، النقاطَ على الحروف في خطابه الافتتاحي في “جامعة نيويورك” (إن واي يو)، عندما أشار إلى أن مستقبل الشركة العالمي يعتمد على تعميق التوطين. وهذا لا يعني بالضرورة أن شركة “جنرال إلكتريك” تحتاج إلى إعادة وضع استراتيجيتها الرقمية لكل سوق، لكنه بطبيعة الحال يعني أنه ينبغي عليها زيادة حجم استثمارها وإنتاجها المحلي أكثر مما هو الحال عليه الآن في كل سوق من الأسواق الرئيسية. وعلى كل شركة كبرى اتباع نفس النهج.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .