6 مبادئ للقادة تساعدهم على التكيّف مع الظروف المختلفة

26 دقيقة
التكيف مع الظروف
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إليك هذا المقال الذي يتحدث عن التكيف مع الظروف تحديداً. اضطر جاك بريتشارد أن يغيّر حياته كلياً ليبقى على قيد الحياة. قال له الطبيب المختص في جراحة القلب أن الخضوع لعملية جراحية ثلاثية في القلب وتناول الدواء قد يساعدانه، ولكن ليس هنالك أي حل تقني قد يعفي بريتشارد من مسؤوليته في أن يغير عاداته التي لطالما عاش حياته بأكملها وفقاً لها. كان عليه أن يقلع عن التدخين وأن يحسن نظامه الغذائي وأن يؤدي التمارين الرياضية ويترك وقتاً للاسترخاء لكي يتذكر أن يتنفس بشكل أعمق يومياً. كان أطباء بريتشارد قادرين على توفير الرعاية التقنية والدعم له، ولكن هو فقط من كان يستطيع أن يغير عاداته المتأصلة لتتحسّن صحته على المدى الطويل. اتخذ الطبيب دوراً قيادياً ليؤدي مهمة دفع المريض لتبني تغييرات سلوكية جذرية؛ وكان جاك بريتشارد مسؤولاً عن تكيفه مع ذلك واكتشاف أي من التغييرات عليه أن يتبنى وكيفية إدخالها إلى حياته اليومية.

نجد الشركات اليوم أمام تحديات مشابهة لتلك التي واجهها بريتشارد وطبيبه فهي تواجه تحديات تكيّفية. إذ تتسبب التغييرات الحاصلة في مجالات المجتمع والأسواق والزبائن والمنافسات والتكنولوجيا حول العالم بإرغام المؤسسات على توضيح قيمها وتطوير استراتيجيات جديدة وتعلم طرق جديدة للعمل. وتكون المهمة الأصعب أمام القادة الذين يريدون إحداث تغيير، في معظم الأحيان، هي دفع الأشخاص داخل المؤسسة إلى القيام بالأعمال التكيفية.

يتحول التكيف مع الظروف المختلفة إلى حاجة ملحة في حالات مثل أن نشعر بالتهديد تجاه مبادئنا العميقة وحين تصبح القيم التي حققت لنا النجاح ذات أهمية أقل وحين تنبثق وجهات النظر المنطقية والتي تشكل في نفس الوقت منافسة لنا. إننا نشهد على التحديات التكيفية كل يوم وفي كل مستويات مكان العمل – حين تعمل الشركات على إعادة البناء أو إعادة الهندسة، وحين تطوّر أو تنفذ إحدى الاستراتيجيات أو حين تدمج أعمالها مع آخرين. كما أننا نشهد على المزيد من التحديات التكيفية حين يواجه قسم التسويق صعوبة في العمل مع قسم العمليات، وحين لا يسفر عمل الفرق متعددة الاختصاصات عن نتائج جيدة، أو حين يتذمر كبار المسؤولين التنفيذيين “إننا غير قادرين على تنفيذ مهامنا على أكمل وجه”. عادة ما تكون المشاكل التكيفية مشاكل تنظيمية دون حلول جاهزة.

يعتبر تحفيز المؤسسة لكي تكيّف سلوكياتها من أجل الازدهار في بيئات العمل الجديدة أمراً حاسماً. إذ ستنهار أي شركة في وقتنا الحالي إن لم يحصل هذا التغيير. بالفعل، إن دفع الناس لكي يقوموا بمحاولة التكيف مع الظروف المختلفة هو دليل على مكانة القيادة في عالم تسوده المنافسة. ومع ذلك، نجد أنه من الصعب للغاية بالنسبة للعديد من كبار التنفيذيين أن يكونوا قادة وأن يقوموا بما هو أكثر من مجرد أن يقدموا الخبرات السلطوية. لماذا؟ وجدنا سببين. الأول، لكي يحدثوا التغيير المنشود، يجب على المسؤولين التنفيذيين أن يكسروا النمط السلوكي الذي اعتادوا عليه: وهو تقديم القيادة على شكل حلول. إن هذه النزعة طبيعية في الواقع لأن العديد من التنفيذيين يصلون إلى مناصبهم السلطوية من خلال تفانيهم في تحمل المسؤوليات وحل المشاكل. ولكن، حين تواجه الشركة تحدياً تكيفياً، يجب أن تُحوّل مسؤولية حل المشاكل إلى العاملين فيها. لا يكمن حل التحديات التكيفية في الجناح التنفيذي للمؤسسة بل في الذكاء الجمعي لموظفيها من جميع المستويات، والذين يحتاجون لاستخدام بعضهم البعض كموارد، وأن يتجاوزوا الحدود ويتعلموا السير على طريقهم الخاص لإيجاد هذه الحلول.

لا يكمن الحل للتحديات التكيفية في الجناح التنفيذي للمؤسسة بل في الذكاء الجمعي لموظفيها من جميع المستويات.

السبب الثاني هو أن التغيير التكيفي أمر يثير القلق بالنسبة للأشخاص الخاضعين له. على أولئك الأشخاص أن يأخذوا أدوار جديدة ويكونوا علاقات جديدة ويتبنوا قيم وسلوكيات جديدة ويؤدوا عملهم عن طريق مقاربات جديدة. يتردد العديد من الموظفين في مسألة تحمل الجهود والتضحيات الموضوعة على عاتقهم، وعادة ما يتوقعون من كبار التنفيذيين أن يتحملوا حِمل تلك المشاكل بدلاً منهم. ولكن يجب أن تصبح هذه التوقعات طيّ النسيان. يجب على القادة أن يطرحوا الأسئلة الصعبة بدلاً من أن يفعلوا كما هو متوقع ويوفروا الإجابات فحسب. وبدلاً من حماية الموظفين من التهديدات الخارجية، يتعين على القادة أن يسمحوا لهم باختبار قساوة الواقع ليحفزوهم على تبني التكيف مع الظروف المختلفة. بدلاً من أن يوجّه القادة الموظفين في أدوارهم الحالية، عليهم أن يدفعوهم للابتعاد عنها كي تتطور العلاقات الجديدة. بدلاً من تخفيف الصراعات، على القادة أن يركزوا على تلك المشاكل. وعوضاً عن الاستمرار بنفس الوتيرة القديمة، على القادة أن يتحدّوا “الطريقة التي اعتادوا أن يؤدوا أعمالهم من خلالها” ويساعدوا الآخرين على التمييز بين القيم الثابتة التي لا تقبل التغيير والممارسات التاريخية العتيقة التي يجب التخلي عنها.

بناء على خبرتنا التي حصلنا عليها من المدراء في جميع أنحاء العالم، نقدم لكم ستة مبادئ لقيادة التكيف مع الظروف المختلفة:

“الخروج إلى الشرفة” وتحديد التحدي التكيفي وتنظيم القلق والحفاظ على اهتمام منضبط وإعادة العمل إلى الموظفين وحماية أصوات القيادة من الأسفل. سنتحدث عن هذه المبادئ مع أمثلة عن التغير التكيفي من شركة كيه بي إم جي (KPMG) هولندا، وهي شركة خدمات احترافية.

اخرج إلى الشرفة

جاءت عظمة اللاعب إرفين “ماجيك” جونسون في قيادة فريق كرة السلة خاصته جزئياً من قدرته على التوفيق بين اللعب بمهارة ورؤية مشهد اللعبة بأكمله في ذهنه، وكأنه واقف في قاعة الصحافة أو على شرفة مطلة على الملعب. لعب بوبي أور الهوكي بالأسلوب نفسه. وقد لا يستطيع اللاعبون الآخرون أن يدركوا أنماط اللعب على نطاق أكبر كما يفعل كل من جونسون وأور بسرعة خاطفة، لأنهم ينغمسون في اللعبة كثيراً لدرجة أنها تأخذ كل تفكيرهم. ويكون تركيزهم مقسماً على الحركات السريعة والتلامس الجسدي وأصوات الجماهير والتوتر الناجم عن حاجتهم للأداء المثالي. في عالم الرياضة، قد لا يتمكن معظم اللاعبين ببساطة من الانتباه إلى اللاعبين الذين بإمكانهم أخذ التمريرة، أو من لم يتمكن من صد الكرة، أو كيف يعمل المدافعون والمهاجمون سوية. بينما يلاحظ اللاعبون مثل جونسون وأور هذه الأمور ويسمحان لملاحظاتهم بأن تقود أفعالهم.

يتعين على قادة الأعمال أن يكونوا قادرين على ملاحظة الأنماط كما لو كانوا على شرفة. إن كونهم منشغلين تماماً بميدان العمل لا يجدي نفعاً لهم. على القادة أن يروا سياقاً للتغيير أو أن ينشؤوا واحداً. عليهم أن يعطوا الموظفين إلماماً تاماً بتاريخ المؤسسة والجوانب الإيجابية في ماضيها، إلى جانب فكرة عن قوى السوق التي تعمل اليوم والمسؤولية التي يجب أن يتحملها الناس اليوم من أجل بناء المستقبل. يجب على القادة أيضاً أن يكونوا قادرين على تحديد الصراعات الدائرة من أجل القيم والسلطة، وأن يتعرفوا على أنماط تجنب العمل ويراقبوا غيرها من ردود الفعل العديدة الوظيفية والمختلة وظيفياً اتجاه التغيير.

قد يتحول القائد بسهولة ومن دون قصد إلى أسير للنظام من دون امتلاكه حرية التحرك ذهاباً وإياباً بين ميدان العمل والشرفة، للتأمل يوماً بعد يوم ولحظة بعد لحظة في الطرق العديدة التي يمكن من خلالها لعادات المؤسسة أن تخرب التكيف مع الظروف المختلفة. إن بقي تركيز القادة موجهاً فقط على ميدان العمل، فستكون ديناميات التغيير التكيفي معقدة أكثر من أن يتمكنوا من تتبعها، ناهيك عن أن يستطيعوا التأثير بها.

لقد صادفنا العديد من القادة، الذين نناقش بعضهم في هذه المقالة، والذين تمكنوا من قضاء جزء كبير من وقتهم الثمين على الشرفة ووجّهوا مؤسساتهم من خلال التغيير في آن واحد. وبدون هذا المنظور، لكانوا ربما لم يتمكنوا من دفع الناس للاتباع التكيف مع الظروف المختلفة. وبالتالي، فإن الخروج إلى الشرفة هو شرط أساسي لاتباع المبادئ الخمسة التالية.

تحديد التحدي التكيفي

حين يهدد الفهد مجموعة من حيوانات الشمبانزي، نادراً ما ينجح الفهد في الحصول على فريسة ضالة. تعلمت حيوانات الشمبانزي كيفية الاستجابة لمثل هذا التهديد. ولكن حين يقترب منها رجل يحمل بندقية أوتوماتيكية، تفشل الاستجابات الروتينية خاصتها. تواجه حيوانات الشمبانزي خطر الانقراض في عالم مليء بالصيادين ما لم تتعلم كيفية الاستجابة لهذا التهديد الجديد. على نحو مشابه لما سبق، حين تفشل الشركات في التعلم بسرعة كيفية التكيف مع الظروف والتحديات الجديدة، من المرجح أن تواجه نوعها الخاص من الانقراض.

لنأخذ بالاعتبار قضية الخطوط الجوية البريطانية المعروفة جيداً. أدرك الرئيس التنفيذي كولن مارشال بعد ملاحظة التغييرات الثورية في قطاع الطيران خلال الثمانينيات الحاجة الواضحة إلى تحويل شركة الطيران، التي تحمل لقب “الأسوأ على الإطلاق” الذي أطلقه عليها ركابها، إلى نموذج مثالي لخدمة العملاء. لقد فهم أيضاً أن هذا الطموح سيتطلب أكثر من أي شيء آخر إحداث تغييرات في القيم والممارسات والعلاقات في جميع أنحاء الشركة. لا يمكن للمؤسسة التي يتشبث أفرادها بالصوامع الوظيفية ويركزون على إرضاء رؤسائهم أكثر من إرضاء العملاء أن تصبح “شركة الطيران المفضلة في العالم”. كان مارشال بحاجة إلى تحويل المؤسسة إلى مؤسسة مكرسة لخدمة الأشخاص، تعمل على الثقة واحترام الفرد ويجري فيها العمل الجماعي من دون حدود. كان يجب أن تتغير القيم كلياً في جميع أنحاء الخطوط الجوية البريطانية. كان على موظفيها أن يتعلموا التعاون فيما بينهم وتطوير شعور جماعي بالمسؤولية تجاه مسيرة وأداء شركة الطيران. حدّد مارشال التحدي التكيفي الأساسي وهو: توليد الثقة في جميع أنحاء المؤسسة. إنه أحد أوائل المسؤولين التنفيذيين الذين قرروا جعل مهمة “توليد الثقة” أولوية.

ليقود مارشال الخطوط الجوية البريطانية، كان عليه أن يمنح فريقه التنفيذي إلماماً كاملاً بطبيعة التهديد الناتج عن شعور الزبائن بعدم الرضا اتجاه الشركة. هل كان ذلك يشكل تهديداً تقنياً أم تهديداً تكيفياً؟ هل ستكون نصائح الخبراء والتعديلات ضمن الإجراءات الروتينية الأساسية كافية، أم هل سيضطر جميع العاملين في الشركة إلى تعلم طرق جديدة في تأدية الأعمال وتطوير كفاءات جديدة والبدء بالعمل جماعيّاً؟

باشر مارشال وفريقه بتحديد تحديات المؤسسة بتفصيل أكبر، وبحثوا في ثلاثة أماكن. أولاً أصغوا إلى أفكار ومصادر قلق الناس داخل وخارج المؤسسة، حيث أجروا مقابلات مع أطقم الطائرات، وجالوا في مركز الحجوزات الذي يتسع لـ 350 شخصاً في نيويورك، وتجولوا في منطقة تنظيم الأمتعة في طوكيو وزاروا ردهة المسافرين في كل المطارات التي ذهبوا إليها. كانت أسئلتهم الرئيسة تشمل، من برأيكم عليه أن يغير قيمه ومبادئه ومواقفه أو سلوكياته من أجل تحفيز  التطور في الشركة؟ ما هي التغييرات اللازمة في أولويات الشركة ومواردها وطاقاتها؟ ما التضحيات الضرورية ومن عليه أن يضحي بها؟

ثانياً، نظر مارشال وفريقه إلى النزاعات كأدلة وكأعراض للتحديات التكيفية. كانت سبل التعبير عن النزاعات في الوظائف مجرد ظاهرة سطحية؛ توجب عليهم تشخيص جذور النزاعات الكامنة وراءها. كانت النزاعات حول المشاكل التقنية ظاهرياً كالإجراءات الروتينية والجداول الزمنية وخطوط السلطة في الواقع تنوب عن صراعات ضمنية حول القيم والمبادئ.

ثالثاً، وقف مارشال وفريقه أمام مرآة معنوية، وأدركوا أنهم كانوا يجسدون التغييرات التكيفية التي تواجهها المؤسسة. في بداية عملية التغيير التي جرت في الخطوط الجوية البريطانية، ذُكرت القيم والمبادئ السلوكية المنافسة لمرات عديدة أمام الفريق التنفيذي وبطرق معطِّلة تسببت بإعاقة قدرات باقي الشركة للتعاون في مختلف المجالات والوحدات لإجراء التبديلات الضرورية. يعجز أي مسؤول تنفيذي عن تجاهل حقيقة أن فريقه يعكس أفضل وأسوأ قيم وعادات الشركة، وبالتالي فهو يوفر نظرة ثاقبة إلى طبيعة التكيّف مع الظروف المختلفة الواجب تأديته في المستقبل.

وهكذا، كانت عملية تحديد التحديات التكيفية أمراً حاسماً في سعي الخطوط الجوية البريطانية لتصبح شركة الطيران المفضلة في العالم. كان قادة الشركة بحاجة لأن يفهموا أنفسهم ويفهموا موظفيهم ومصادر النزاع المحتملة لإيجاد الاستراتيجية المناسبة للنجاح. اكتشف مارشال أن عملية تطوير الاستراتيجيات بحد ذاتها تتطلب عملاً تكيفياً.

تنظيم القلق

يولد التكيف مع الظروف المختلفة القلق. يجب على القائد، قبل أن يوكل الموظفين بتحديات لا يوجد لها حلول جاهزة، أن يدرك عدم قدرة الناس على تحمل وتعلم أكثر من استطاعتهم في مدة محددة. في الوقت نفسه، عليهم أن يشعروا بالحاجة إلى التغيير حين يقدم لهم الواقع تحديات جديدة. لكنهم لن يتمكنوا من تعلم كل ما هو جديد وهم في حالة من الارتباك، إن القضاء على التوتر بأكمله يتسبب بإلغاء الدافع لاتباع التكيف مع الظروف المختلفة. القيادة سيف ذو حدين، لأنه يجب على القائد أن يوازن بدقة ما بين فرضه شعور الحاجة إلى التغيير على الناس وشعورهم بالارتباك اتجاه التغيير في آن واحد.

ينبغي على القائد أن يتولى ثلاث مهمات رئيسة ليساعد في الحفاظ على مستوى منتج من التوتر. سيسمح له التزامه بهذه المهام أن يحفز الناس من دون إعاقتهم. أولاً، يجب على القائد أن ينشئ ما يدعى باسم بيئة متراصة. لكي يتمكن من استخدام التجانس الذي يشبه ما يحصل في حلّة الضغط، عليه أن ينظم الضغط عبر رفع الحرارة بينما يسمح في نفس الوقت لبعض البخار بالهروب. إن تجاوز الضغط قدرة الحلّة قد يحصل انفجار. ولكن لا يمكن طهي أي شيء من دون بعض الحرارة.

 قد تكون البيئة المتراصة في المراحل المبكرة من التغيير المؤسسي “مكاناً” مؤقتاً يهيّئ فيه القائد الظروف المناسبة للمجموعات المتنوعة لكي تتناقش فيما بينها حول التحديات التي تواجهها، وتضع إطاراً للمشاكل والتحاور بشأنها، وتوضيح الافتراضات الكامنة وراء وجهات النظر والقيم المتنافسة. بمرور الوقت، يمكن التطرق للمزيد من المشكلات على مراحل عندما تصبح جاهزة لذلك. فعلى سبيل المثال، حدث التحول من التركيز على القضايا الداخلية إلى التركيز على العملاء في الخطوط الجوية البريطانية على مدى أربع أو خمس سنوات وعالج قضايا مهمة بشكل متتال: بناء فريق تنفيذي موثوق والتواصل بتنظيم مجزأ لحد كبير وتحديد مقاييس جديدة للأداء والتعويضات وتطوير أنظمة معلومات متطورة. تعلم الموظفون على جميع المستويات أثناء ذلك تحديد ما يجب تغييره وكيفية تحقيق ذاك التغيير.

بالتالي، يجب على القائد أن يضع تسلسلاً ووتيرة للعمل. عادة ما يوصل كبار المدراء فكرة أن كل شيء مهم. يبدؤون بالمبادرات الجديدة دون إيقاف النشاطات الأخرى، أو يبدؤون بالكثير من المبادرات الجديدة في آن واحد. إنهم يربكون ويشتتون الأشخاص الذين يجب عليهم تحمل مسؤولية العمل.

التكيف مع الظروف

خلال عملية تنظيم توتر الموظفين، يواجه القائد عدة مسؤوليات أساسية وقد يضطر لاستخدام سلطته بطرق مختلفة اعتماداً على نوع الحالة في العمل.

ثانياً، على القائد أن يكون مسؤولاً عن الاتجاه والحماية والإرشاد وإدارة الصراع وتشكيل القواعد. (راجع المنشور “التكيف مع الظروف المختلفة يشترط وجود القيادةللقيادة”). إن تحمل هذه المسؤوليات والوفاء بها أمر مهم أيضاً للمدير في المواقف التقنية أو الروتينية. لكن القائد المشارك في التكيف مع الظروف المختلفة هو من يستخدم سلطته لإنجاز تلك المسؤوليات بطريقة مختلفة. يقدم القائد الاتجاه للمؤسسة من خلال تحديد التحدي التكيفي الموجود أمامها وتأطير الأسئلة والقضايا الرئيسية. يحمي القائد الأشخاص عبر إدارة وتنظيم المعدل الذي يجري من خلاله التغيير. ويرشد القائد الموظفين إلى أدوار ومسؤوليات جديدة من خلال توضيح حقائق الأعمال والقيم الأساسية. يساعد القائد على كشف النزاعات، ويرى أنها أحد الدوافع للإبداع والتعلم. أخيراً، يساعد القائد المؤسسة في الحفاظ على هذه القواعد التي يجب أن تملكها ويساعدها في تحدي تلك التي تحتاج إلى التغيير.

ثالثاً، يجب أن يكون للقائد وجود مهيمن ورباطة جأش؛ قد يكون تنظيم التوتر المهمة الأصعب أمام القائد، فهو يحتمل ضغوط كبيرة لاستعادة التوازن. يصطدم الناس بالقادة الذين يحاولون ضبط ضغوط العمل الشاق والمليء بالنزاعات مثلما ترتطم الجزيئات بقوة على جدران حلّة الضغط. على الرغم من أن القيادة تتطلب فهماً عميقاً لآلام التغيير – المخاوف والتضحيات المتعلقة بعمليات إعادة التنظيم الكبرى – إلا أنها تتطلب أيضاً القدرة على ضبط النفس والحفاظ على التوتر في حدود مناسبة وإلا قد يضيع الضغط اللازم والحافز الضروري للتعلم والتغيير.

يجب على القائد أن يملك الكفاءة العاطفية الكافية لتحمل عدم اليقين والإحباط والألم. كما عليه أن يطرح أسئلة صعبة من دون أن يشعر هو بالتوتر الزائد. سيتفحص الموظفون والزملاء والعملاء بدقة كل الدلائل الشفوية وغير الشفوية التي تعكس قدرة القائد على الحفاظ على رباطة جأشه. عليه أن يكون واثقاً أثناء التواصل، تلك الثقة التي تدل على أنه هو وموظفوه قادرون على التعامل مع جميع المهمات المستقبلية.

الحفاظ على اهتمام منضبط

يقدم مختلف الناس داخل المؤسسة ذاتها تجارب وافتراضات وقيم ومبادئ وعادات مختلفة لعملهم. إن هذا التنوع له قيمة كبيرة لأن الابتكار والتعلم ثمرتان تنتجان عن الاختلافات. لا يتعلم أي أحد شيئاً من دون أن يكون منفتحاً لوجهات النظر المتناقضة. مع ذلك، لا يزال المدراء على جميع المستويات غير راغبين بمعالجة وجهات نظرهم المتنافسة بشكل جماعي – أو قد يكونوا عاجزين عن ذلك. إنهم يتجنبون غالب الوقت إيلاء الاهتمام إلى المشاكل التي تقضّ مضجعهم. لكنهم يستعيدون التوازن في الحال، وعادة عن طريق مناورات يتجنبون من خلالها العمل. يتعين على القائد أن يدفع موظفيه إلى مواجهة المقايضات الصعبة في القيم والإجراءات وأساليب العمل والسلطة.

هذه القاعدة صحيحة بالنسبة لمن هم في قمة المؤسسة كما هي صحيحة لمن هم في وسطها أو على الخطوط الأمامية. في حقيقة الأمر، إن لم يتمكن الفريق التنفيذي من تمثيل التكيف مع الظروف المختلفة، ستضعف المؤسسة. إن لم يكن كبار المدراء قادرين على تحديد المشاكل المسببة للخلافات ومعالجتها، كيف يمكن لباقي الموظفين في المؤسسة أن يغيروا سلوكهم ويجددوا علاقاتهم؟ كما أخبرنا جان كارلزون، المدير التنفيذي الأسطوري لنظام الخطوط الجوية الاسكندنافية “ساس” (SAS): “أحد المهام الأكثر إثارة للاهتمام في القيادة هي دفع الأشخاص في الفريق التنفيذي إلى الإصغاء والتعلم من بعضهم البعض. يمكن للناس من خلال التحاور أن يبتكروا حلولاً جماعية حين يتفهمون افتراضات بعضهم البعض. عمل القائد هو أن يكشف عن النزاعات ويستخدمها كمصدر للإبداع”.

يجب على القائد أن يضع تسلسلاً ووتيرة للعمل. عادة ما يوصل كبار المدراء فكرة أن كل شيء مهم. إنهم يربكون ويشتتون الأشخاص الذين يجب عليهم تحمل مسؤولية العمل.

بسبب تفشي حالة تجنب العمل التي تشهدها المؤسسات، يجب على القائد أن يتصدى لعوامل اللهو التي تمنع الناس من التعامل مع القضايا التكيفية. يجب توقع جميع أشكال تجنب العمل، كالتضحية بالآخرين والنكران والتركيز فقط على مشاكل اليوم التقنية أو مهاجمة الأفراد بدلاً من مهاجمة ما يمثلونه من وجهات النظر، حين تبدأ إحدى المؤسسات بتبني التكيف مع الظروف المختلفة. يجب تحديد عوامل اللهو كلما وجدت بحيث يتمكن الناس من التركيز من جديد.

يتعين على القائد أن يتدخل عندما يحل الصراع العقيم مكان الحوار، وعليه أن يدفع الفريق للعمل على إعادة تأطير المشاكل. عليه أن يعمّق الحول عن طريق طرح أسئلة، كما عليه أن يفكّك المشاكل إلى أجزائها بدلاً من ترك الصراع مستقطباً وسطحياً. كما يتعين على القائد أن يصقل إحساس الفريق بالمسؤولية اتجاه صنع المزيد من الوقت للمضي قدماً عندما يشغل الناس أنفسهم بإلقاء اللوم على القوى الخارجية أو الإدارة العليا أو عبء العمل الثقيل. عندما يلجأ أفراد الفريق إلى حماية المساحة الخاصة بهم، يجب على القادة أن يبرزوا أمامهم الحاجة إلى التعاون. ينبغي على الناس أن يكتشفوا قيمة التشاور مع بعضهم البعض واستخدام بعضهم البعض كموارد في عملية حل المشكلات. على سبيل المثال، يستخدم أحد الرؤساء التنفيذيين الذين نعرفهم الاجتماعات التنفيذية، حتى تلك التي تركز على القضايا التشغيلية والتقنية، كفرص لتعليم الفريق كيفية العمل الجماعي على المشكلات التكيفية.

بالطبع، من النادر أن نجد أحد المدراء يتجنب التكيف مع الظروف المختلفة. بشكل عام، يشعر الناس بالتناقض حول هذا الموضوع. يرغب الموظفون بتجنب الشعور بالتوتر الناتج عن إحراز تقدم في المشكلات الصعبة أو الارتقاء إلى مستوى قيمهم المتجددة والواضحة على الرغم من رغبتهم الكبيرة في ذلك. تماماً كما يرغب ملايين المواطنين الأميركيين بتخفيض عجز الموازنة الفيدرالية، ولكن ليس عن طريق التخلي عن دولارات الضرائب أو المزايا أو الوظائف خاصتهم. قد يعتبر المدراء أيضاً التكيف مع الظروف المختلفة أولوية ولكنهم يواجهون صعوبة في التضحية بطرقهم المألوفة في ممارسة الأعمال التجارية. يحتاج الناس إلى القيادة لمساعدتهم في الحفاظ على تركيزهم على الأسئلة الصعبة. الاهتمام المنضبط هو عملة القيادة.

إعادة العمل إلى الموظفين

يملك كل من هو في المؤسسة وصولاً خاصاً إلى المعلومات التي تأتي من منظوره الخاص. قد يرى كل شخص حاجات وفرص مختلفة. عادة ما يكون أولئك القادرين على تنبؤ تغيرات السوق مبكراً يعملون عملاً أقرب لحدود المؤسسة الخارجية، ولكن ستزدهر المؤسسة لو تمكنت من استمداد تلك المعلومات لتستخدمها في صنع القرارات التكتيكية والاستراتيجية. حين لا يتصرف الناس وفقاً لمعرفتهم الخاصة والمميزة، تفشل الشركات في التكيّف.

يبحث الموظفون في كثير من الأحيان عن سلسلة القيادة، متوقعين من الإدارة العليا أن تواجه تحديات السوق التي هم أنفسهم مسؤولين عنها. بالفعل، فإن ما يجعل هذا الاعتماد على الغير أسوأ هو مصادر التوتر الأكبر والمستمرة أكثر التي تصاحب التكيف مع الظروف المختلفة. يميل الناس في تلك الحالة إلى أن يصبحوا مغيبين، ويتخذ كبار المدراء الذين يفخرون بأنهم من يحل المشكلات إجراءات حاسمة. قد يساعد هذا السلوك على استعادة التوازن على المدى القصير ولكنه يؤدي في نهاية الأمر إلى شعور الرضا عن النفس وعادات تجنب العمل التي تحمي الناس من تحمل المسؤولية والعناء والحاجة إلى التغيير.

إن دفع الناس لتحمل المزيد من المسؤولية أمر صعب التنفيذ. الأمر لا يقتصر فقط على اعتياد الموظفين الأدنى مرتبة على أن يُقال لهم ما عليهم فعله، بل العديد أيضاً من المدراء معتادون على معاملة مرؤوسيهم وكأنهم آلات تتطلب أن يتحكم بها أحد ما. الإدارة بحاجة لأن تتعلم كيفية دعم الموظفين بدلاً من التحكم بهم إن كانت ترغب في السماح لموظفيها بأخذ المبادرة في تحديد وحل المشاكل. ويجب على الموظفين بدورهم أن يتعلموا تحمل المسؤولية.

الإدارة بحاجة لأن تتعلم كيفية دعم الموظفين بدلاً من التحكم بهم. ويجب على الموظفين بدورهم أن يتعلموا تحمل المسؤولية.

شجع جان كارلزون الآخرين على تحمل المسؤولية في نظام ساس (SAS) عبر وضع ثقته بهم وإبطال مركزية السلطة. ينبغي على القائد أن يسمح للآخرين بتحمل أعباء المسؤولية. يقول حول ذلك: “يكمن السر في أن تدعهم يكتشفون المشكلة. لن تكون ناجحاً إن لم يحمل موظفوك إدراكهم للمشكلة والحل في داخلهم”. سعى كارلزون لتوسيع نطاق العمل تحقيقاً لهذه الغاية.

على سبيل المثال، أمضى كارلزون ما يصل إلى 50% من وقته خلال أول عامين له في نظام الخطوط الجوية الاسكندنافية وهو يتواصل مباشرة مع الناس في الاجتماعات الكبيرة وبشكل غير مباشر في مجموعة من الطرق المبتكرة: عبر ورشات العمل وجلسات العصف الذهني وتمارين التعلم والنشرات الإخبارية والكتيبات والظهور في وسائل الإعلام العامة. لقد وضح من خلال مجموعة متنوعة من الأعمال الرمزية مدى سيطرة القواعد على الشركة – على سبيل المثال، من خلال إلغائه غرفة الطعام الخاصة بالتنفيذيين وحرق الآلاف من صفحات الكتيبات وأدلة الاستعمال. لقد جعل لنفسه حضوراً واسع الانتشار، واجتمع مع أشخاص من داخل وخارج المؤسسة وأصغى إليهم. حتى أنه ألف كتاباً بعنوان “لحظات الحقيقة” (HarperCollins، 1989)، يشرح من خلاله قيمه وفلسفته واستراتيجيته. وكما ذكر كارلزون: “إذا لم يقرأه أي أحد آخر، فإن موظفيّ سيقرؤونه على الأقل”.

ينبغي على القائد أيضاً أن يطور الثقة الجماعية بالنفس. مجدداً، أجاد كارلزون التعبير عن الفكرة: “لا يولد الناس وهم واثقون بأنفسهم. حتى أكثر الناس ثقة بالنفس يمكن أن ينكسروا. تأتي الثقة بالنفس من النجاح والخبرة، ومن بيئة المؤسسة. إن الدور الأكثر أهمية للقائد هو أن يزرع الثقة في الناس، يجب أن يصبحوا قادرين على المجازفة وتحمل المسؤوليات. وعليك أن تدعمهم إن ارتكبوا الأخطاء”.

حماية أصوات القيادة من الأسفل

إن أساس المؤسسة المستعدة للتجربة والتعلم هو منح صوت لجميع الناس. ولكن في الواقع، أصوات المبدعين والمبتكرين وغيرهم من المميزين عادة ما يتم إسكاتها في الحياة اليومية للمؤسسات. تولد هذه الأصوات اختلالاً في التوازن، والطريقة الأسهل لتستعيد المؤسسة التوازن هي أن تخفض حدة هذه الأصوات، وتفعل ذلك أحياناً بحجة العمل الجماعي و “المحاذاة”.

نادراً ما تكون الأصوات الصادرة من الأسفل بالوضوح الذي نتمناه. يشعر عادةً الناس حين يتكلمون في مجال يتجاوز سلطتهم بانعدام الثقة بالنفس ويحتاجون أحياناً للشعور بشغفٍ زائد ليتشجعوا على التكلم. وبالطبع، ذلك ما يجعل التواصل بفعالية أصعب بالنسبة لهم عادة. إنهم يختارون الوقت والمكان الخاطئين، ويتجنبون في كثير من الأحيان قنوات التواصل المناسبة وتسلسل السلطة. ولكن قد نجد خلف هذه الملاحظة الاعتراضية التي تبدو رديئة حدساً بالغ الأهمية يجب علينا أن نكشفه ونأخذه بعين الاعتبار. إن تجاهلنا هذا الحدس بسبب توقيته السيء أو عدم وضوحه أو لأنه يبدو غير منطقياً قد نفقد معلومات قيمة ونثبط عزيمة شخص من المحتمل أن يصبح قائداً في المؤسسة.

هذا ما حصل لمنير، وهو أحد المدراء في شركة مصنعة كبرى. استمع بإصغاء لرؤسائه وهم يشجعون الناس على البحث عن مشاكل والتحدث بصراحة وتحمل المسؤوليات. لذا أثار قضية واحد من المشاريع الخاصة لدى المدير التنفيذي – وهي قضية اعتُبرت “مثيرة للجدل أكثر من أن تعالج” وكانت منسية لسنوات. كان الجميع قد فهم أن تلك القضية غير قابلة للنقاش، ولكن علم منير أن متابعة المشروع ستتسبب بالضرر لعناصر رئيسية في استراتيجية الشركة العامة. طرح القضية بشكلٍ مباشر في اجتماع مع رئيسه والمدير التنفيذي. قدّم شرحاً واضحاً عن المشكلة وتحليلاً لوجهات النظر المتنافسة، وملخصاً عن عواقب الاستمرار في المشروع.

أنهى المدير التنفيذي النقاش بغضب وتحدث عن الجوانب الإيجابية لمشروعه الخاص. حين غادر منير ورئيسه الغرفة، انفجر رئيسه غاضباً: “من تظن نفسك، ما هذا الموقف المتكبر؟” لمح إلى أن منير لم يعجب بمشروع المدير التنفيذي الخاص لأنه لم يكن صاحب الفكرة وأُنهي الموضوع.

كان منير يملك خبرة أكبر في مجال المشروع من رئيسه والمدير التنفيذي. لكن رئيسيه هذين لم يولوه أي اهتمام ولم يبذلوا أي جهد ليأخذوا بالاعتبار ما قدمه من أفكار، ولم يدركوا أنه يتحدث منطقياً ويعتبر مصلحة الشركة أولوية قصوى لديه. أصبح من الواضح لمنير على الفور أنه يجب عليه منح الأولوية لفهم ما يهم رئيسه بدلاً من التركيز على المشاكل الحقيقية. تسبب الرئيس التنفيذي ورئيس منير بتدمير وجهة نظر قائد من الأسفل، وبالتالي قضيا على إمكاناته للقيادة في المؤسسة. كان لديه خيارين، إما أن يغادر الشركة أو ألا يعترض على ما يجري مرة أخرى.

يتعين على القادة أن يعتمدوا على الآخرين داخل الشركة من أجل طرح الأسئلة التي قد تشير إلى دنو تحد تكيفي. كما عليهم توفير الحماية للأشخاص الذين يسلطون الضوء على التناقضات الداخلية للمؤسسة. غالباً ما يكون لدى هؤلاء الأفراد المنظور اللازم ليحفزوا إعادة التفكير، وهو أمر يفتقر إليه الناس الموجودين في السلطة. وبالتالي، كقاعدة عامة، يجب على من يملك السلطة أن يقاوم حين تنتابه رغبة  لا إرادية في أن يغضب على أحد أو يدفعه للسكوت. إن الرغبة في استعادة التوازن الاجتماعي قوية للغاية، وهي تأتي على عجل. ولكن على المرء أن يعتاد تأجيل دوافعه المستفزة ويخرج بدلاً من ذلك إلى الشرفة، وأن يسأل، ما الذي يتحدث عنه هذا الرجل حقاً؟ هل هناك شيءٌ لم نلحظه؟

تأدية التكيف مع الظروف المختلفة في شركة كيه بي إم جي هولندا

توفر شركة كيه بي إم جي هولندا ذات النجاح الباهر مثالاً جيداً على إمكانية مشاركة أي شركة في التكيف مع الظروف المختلفة. في عام 1994، حدد رود كوديجك، رئيس الشركة، تحدياً استراتيجياً. على الرغم من أن شراكة التدقيق والاستشارات وإعداد الضرائب هذه كانت الرائدة في قطاعها في هولندا وكانت ذات أرباح مرتفعة للغاية، إلا أن فرص النمو في المجالات التي عملت فيها كانت محدودة. كانت الهوامش في مجال التدقيق تتقلص في حين أصبح السوق مشبعاً أكثر، وكانت المنافسة متزايدة في مجال الاستشارات أيضاً. علم كوديجك أن الشركة بحاجة للانتقال إلى مجالات نمو أكثر ربحاً، ولكنه لم يعلم ما كانت تلك المجالات أو كيف ستتمكن شركة كيه بي إم جي  من تحديدها.

كان كوديجك ومجلس إدارته واثقين من امتلاكهم ما يلزم من أدوات لتأدية عمل الاستراتيجية التحليلية: تحليل الاتجاهات السائدة والانقطاعات، وفهم الكفاءات الأساسية، وتقييم وضعهم التنافسي، وتحديد الفرص المحتملة. لكنهم لم يكونوا واثقين إلى نفس الدرجة من قدرتهم على الالتزام بتنفيذ الاستراتيجية التي ستنبثق من عملهم. كانت الشراكة قد قاومت على مدى التاريخ محاولات التغيير لأن الشركاء كانوا راضين بالأسلوب المستخدم لإنجاز الأمور. لقد كانوا ناجحين لفترة طويلة، لذلك لم يروا أي داع لتعلم طرق جديدة في تأدية الأعمال التجارية من زملائهم من الشركاء أو من أي شخص آخر في المؤسسة. شكلت مسألة تغيير موقف الشركاء والتأثير العميق الذي تركه على ثقافة المؤسسة تحدياً تكيفياً كبيراً بالنسبة لشركة كيه بي إم جي .

كان كوديجك قادراً من الشرفة أن يرى حقيقة وجود رادع للتغيير وهو بنية شركة كيه بي إم جي ذاتها. في الواقع، كانت شركة كيه بي إم جي أشبه بمجموعة من الإقطاعيات الصغيرة التي كان فيها كل شريك مالكاً من أن تكون شراكة. كان نجاح الشركة هو الإنجاز التراكمي لكل من الشركاء منفردين، وليس النتيجة الموحدة لـ 300 زميل تجمعوا معاً ساعين لتحقيق طموح مشترك. كان مقياس النجاح هو فقط إمكانية ربح الوحدات الفردية. كما وصف الأمر أحد الشركاء: “إذا كان الأمر صحيحاً بشكل عام، فقد كنت’ رجلاً جيداً‘”. نتيجة لذلك، لم يجرؤ أي من الشركاء على التعدي على حدود شريك آخر، وكان التعلم من الآخرين حدثاً نادراً. كانت المواجهات نادرة وكان الصراع مخفياً لأن الاستقلال كان ذو قيمة عالية. إذا أراد الشركاء مقاومة التغيير على مستوى الشركة، فإنهم لم يُنهووا القضية مباشرة. كانت الوسيلة السائدة لإنجاز الأمور تتلخص في الجملة: “وافق وقل نعم، ولكن لا تفعل ما وافقت عليه”.

عرف كوديجك أيضاً أن ما أعاق تطوير المواهب الجديدة في شركة كيه بي إم جي هو هذا الشعور بالاستقلالية. كان المدراء يكافئون مرؤوسيهم على شيئين: عدم ارتكاب الأخطاء ودوام عدد كبير من الساعات القابلة للفوترة في كل أسبوع. لم يكن الإبداع أو الابتكار محط التركيز. كان الشركاء يبحثون ببساطة عن الأخطاء عند قيامهم بمراجعة أعمال مرؤوسيهم، لم يبحثوا عن فهم جديد أو رؤية جديدة. على الرغم من أن كوديجك استطاع أن يلحظ الخطوط العريضة للتحديات التكيفية التي تواجه شركته، إلا أنه أدرك عدم قدرته على فرض تغيير سلوكي. لكن كان بإمكانه أن يهيئ الظروف للناس ليكتشفوا بأنفسهم ما كانوا بحاجة إلى تغييره. وبدأ بتنفيذ عملية لتحقيق ذلك.

كبداية، عقد كوديجك اجتماعاً لجميع الشركاء الـ 300 وركز انتباههم على تاريخ الشركة وعلى واقع الأعمال الحالي فيها وعلى المشاكل التي من المتوقع أن تقف في طريق أعمالهم. ثم طرح الأسئلة عن رأيهم في الخضوع للتغيير كشركة وعن وجهات نظرهم فيما يخص المشاكل. من خلال بدء المبادرة الاستراتيجية عبر الحوار بدلاً من فرض الرأي، بنى الثقة في صفوف الشركاء. استناداً على هذه الثقة الجديدة وعلى مصداقيته الخاصة، أقنع كوديجك الشركاء بأن يعفوا 100 من الشركاء وغير الشركاء من مسؤولياتهم اليومية لكي يعملوا على التحديات الاستراتيجية. كرسوا 60% من وقتهم على مدى أربعة أشهر من أجل تحقيق ذلك.

أنشأ كويدجك وزملاؤه فريق تكامل استراتيجي مؤلف من 12 من كبار الشركاء للعمل مع الـ 100 من المحترفين (يطلق عليهم اسم “المئة”) من مختلف المستويات والتخصصات. لم يكن من قبل مبدأ إشراك أشخاص في مبادرة استراتيجية كبرى دون منحهم مرتبة الشريك أمراً مطروقاً وأشار ذلك منذ البداية إلى أن النهج المتبع هو نهج جديد كلياً: لم يسبق وأن طلبت شخصيات السلطة في الشركة رأي العديد من هؤلاء الأشخاص من قبل أو تمنحها قيمة. قُسّم الـ 100 إلى 14 فريق عمل، يعمل كل منه في ثلاثة مجالات: قياس التوجهات الرائجة المستقبلية وحالات التوقف عن العمل وتحديد الكفاءات الأساسية ومعالجة التحديات التكيفية التي تواجه المؤسسة. ومُنحوا طابقاً منفصلاً خاص مع موظفي الدعم الخاصين بهم، ولم يُقيّدوا وفقاً للقواعد والأنظمة التقليدية. وُقّع عقد مع هيني بوث، مدير التسويق والاتصالات في شركة كيه بي إم جي، ليعمل كمدير للمشروع.

حين بدأ العمل بالاستراتيجية، كانت فرق العمل مضطرة لمواجهة ثقافة الشركة القائمة حينها. لماذا؟ لأنهم لم يتمكنوا  من تأدية عملهم الجديد أبداً ضمن القواعد القديمة. لم يتمكنوا من العمل في ظل التقدير الكبير للفرد بدلاً من تقدير العمل الجماعي الفعال، وفي ظل إعاقة المبادئ الفردية الراسخة للحوارات الصادقة، وحين كانت الولاءات لوحدة ما تشكل حاجزاً أمام حل المشاكل عبر جميع الوظائف. الأسوأ من كل ذلك هو أن أعضاء فريق العمل وجدوا أنفسهم يتجنبون النزاع وغير قادرين على مناقشة المشاكل المذكورة. أصبح عدد من فرق العمل معوقين عن العمل وغير قادرين على إتمام مهامهم الاستراتيجية.

ساعد بوث فرق العمل على رسم خريطة للثقافة التي يرغبون في تكوينها مقابل الثقافة الحالية لتركيز انتباههم على ما يلزم التغيير. اكتشفوا القليل جداً من النقاط المشتركة. أهم أوصاف الثقافة الحالية هي: تطوير وجهات نظر متعارضة، المطالبة بالكمال، وتجنب النزاع. أهم خصائص الثقافة المرغوبة هي: إيجاد الفرصة لتحقيق الذات، وتطوير بيئة توفر الاهتمام، والحفاظ على علاقات الثقة مع الزملاء. ساعد توضيح هذه الفجوة بين الثقافتين المجموعة على إدراك التحدي الذي رآه كوديجك أمام كيه بي إن جي.

بكلمات أخرى، أطّر الأشخاص الذي يقع التغيير على عاتقهم أخيراً التحدي التكيفي أمام أنفسهم: كيف يمكن لشركة كيه بي إن جي أن تحقق النجاح عبر استراتيجية قائمة على الكفاءة تعتمد على التعاون عبر وحدات وطبقات متعددة إذا لم ينجح أفرادها في أن يكونوا فرق عمل؟ بعد أن توصلوا لهذا الفهم، أصبح بإمكان أعضاء فريق العمل أن يكونوا مبعوثين لبقية الشركة.

على صعيد شخصي أكثر، طُلب من كل عضو أن يحدد تحديه التكيفي الخاص. ماهي المواقف أو السلوكيات أو العادات التي يحتاج كل منهم لتغييرها، وما هي الإجراءات المحددة التي سيتخذها؟ ومن يحتاج للمشاركة أيضاً لكي يرسّخ التغيير الفردي؟ عمل أعضاء فرق العمل كمدربين ومستشارين، وأعطوا بعضهم البعض اقتراحات وملاحظات داعمة. تعلموا أن يثقوا ويصغوا وينصحوا بعضهم البعض باهتمام صادق.

رفع التقدم الذي أحرزه أعضاء فرق العمل في هذه القضايا مستوى الثقة بشكلٍ هائل، وبدأوا يفهمون ما يعنيه تكييف سلوكهم بشكلٍ يومي. فهموا كيفية تحديد مشكلة تكيفية وطوروا لغة يمكنهم من خلالها أن يناقشوا ما عليهم فعله ليحسنوا قدرتهم الجماعية على حل المشاكل. تحدثوا عن الحوار وعن تجنب العمل، واستخدموا الذكاء الجمعي للمجموعة. علموا كيفية إخبارهم لبعضهم البعض حين يبدأ السلوك غير الفعال. بدأوا يطورون الثقافة اللازمة لتنفيذ استراتيجية العمل الجديدة.

على الرغم من التقدم الحاسم الذي أُحرز نحو تطوير فهم جماعي للتحدي التكيفي، فإن تنظيم مستوى التوتر كان أحد مشاغل كوديجك والمجلس وبوث الدائمة. كانت طبيعة العمل مثيرة للتوتر. كانت استراتيجية العمل تعني فرض مهام واسعة ذات تعليمات محدودة؛ اعتاد الناس في شركة كيه بي إم جي على مهام عالية التنظيم للغاية. كانت استراتيجية العمل تعني أيضاً أن يكون المرء خلاقاً. في أحد اجتماعات الإفطار، وقف أحد أعضاء مجلس الإدارة على الطاولة ليتحدى المجموعة لتصبح أكثر إبداعاً وترمي القواعد القديمة ورائها. زاد هذا السلوك الراديكالي وغير المتوقع من مستوى التوتر: لم ير أحد أبداً من قبل شريكاً يتصرف بهذه الطريقة. أدرك الناس أن تجربة عملهم قد منحتهم ما يكفي من الخبرة فقط لأداء المهام الروتينية مع أشخاص “يشبهوهم” من وحداتهم نفسها.

فسحت العملية المجال لحصول نزاعات وركزت انتباه الناس على القضايا الساخنة من أجل مساعدتهم على تعلم كيفية التعامل مع النزاع بطريقة بناءة. ولكن أُبقي على السخونة في نطاق مقبول عبر بعضٍ من الطرق التالية:

  • في إحدى المناسبات التي كان فيها نسبة التوتر عالية، جُمع “المئة” ليتحدثوا عما أثار توترهم أمام المجلس خلال اجتماع على نمط برنامج أوبرا وينفري. جلس المجلس في وسط القاعة وأجابوا عن أسئلة طرحتها المجموعة المحيطة.
  • وضعت المجموعة عقوبات لتخفيف السلوكيات غير المرغوبة. في هولندا المهووسة برياضة كرة القدم، كان يُمنح لجميع المشاركين في العملية بطاقات صفراء، ذاتها التي يستعملها الحكام في كرة القدم للتعبير عن “خطأ” ما. كانوا يستخدمون البطاقات لإيقاف ما يحصل حين يبدأ أحدهم بالتجادل بخصوص وجهة نظرهم دون الإصغاء إلى أو فهم الافتراضات ووجهات النظر المنافسة الخاصة بالمشاركين الآخرين.
  • استخدمت المجموعة الرموز. شبهوا شركة كيه بي إم جي القديمة لفرس النهر ذو الحجم الكبير والمرهق، كان يحب النوم كثيراً، ويصبح عنيفاً حين يقلق أحدهم عاداته الطبيعية. كانوا يطمحون لأن يكونوا كالدلفين، الذي وصفوه بأنه لعوب بطبيعته ويحب التعلم ومستعد أن يتجاوز حدود راحته بسعادة من أجل الفريق. حتى أنهم أولوا اهتماماً لما تعبر عنه الملابس: تفاجأ بعض العملاء حين رأوا المدراء يتجولون في مكاتب كيه بي إم جي مرتدين سراويل قصيرة وقمصان تي شيرت خلال الصيف.
  • كانت المجموعة مصرّة على نقطة وهي الاستمتاع بالوقت. كانت جملة “حان وقت اللعب” قد تعني جولات طويلة على الدراجات الهوائية أو حتى لعب القتال بمسدسات الليزر في مركز ألعاب محلي. في إحدى لحظات العفوية في مكاتب كيه بي إم جي، تحول نقاش عن قوة الأشخاص الموجهة نحو هدف مشترك إلى خروج المجموعة إلى الخارج ومحاولة استخدام قوتهم الجماعية لتحريك قطعة ثابتة من الإسمنت.
  • كانت المجموعة تحضر بشكل متكرر اجتماعات لمدة يومين أو ثلاثة خارج مكان العمل لتتمكن من إيجاد حل نهائي لبعض أجزاء العمل.

هذه الأفعال، إذا نظرنا إليها بشكلٍ عام، هي ما يساعد على تبديل المواقف والسلوكيات. أصبح الفضول ذو قيمة أكبر من الامتثال للقواعد. لم يعد الأشخاص يذعنون لكبار المسؤولين في الغرفة؛ أبطل الحوار الصادق القوة الهرمية في المعركة حول الأفكار. إن ميل كل فرد للترويج لحله الخاص أفسح المجال لفهم وجهات النظر الأخرى. ظهرت ثقة في قدرة الناس من وحدات مختلفة على العمل سوية وتسوية الأمور. بعد فترة، أصبح الأشخاص الأكثر احتراماً هم من يملكون عقولاً فضولية ويطرحون أسئلة مثيرة للاهتمام.

نتيجة لمواجهة الشركة للتحديات الاستراتيجية والتكييفية، ستنتقل كيه بي إم جي بأكملها من العمل على التدقيق إلى الضمان، من استشارات العمليات إلى تشكيل رؤية للشركات، ومن إعادة هندسة العمليات التجارية إلى تطوير القدرات التنظيمية، ومن تدريس المهارات التقليدية لعملائها إلى إنشاء مؤسسات التعلم. حددت فرق العمل ما تبلغ قيمته بين 50 إلى 60 مليون دولار من فرص الأعمال الجديدة.

نتيجة لمواجهة الشركة للتحديات الاستراتيجية والتكييفية، حددت فرق العمل في شركة كيه بي إم جي  ما تبلغ قيمته بين 50 إلى 60 مليون دولار من فرص الأعمال الجديدة.

شعر العديد من كبار الشركاء الذين آمنوا أن الشركة التي تسود فيها عقلية التدقيق غير قادرة على احتواء الأشخاص المبدعين بالمفاجأة حين أطلقت العملية العنان للإبداع والشغف والمخيلة الخصبة والرغبة في المجازفة. تعبر قصتان عن التغييرات الأساسية التي حصلت في عقلية الشركة.

تتحدث واحدة من تلك القصص عن أحد المدراء المتوسطين الذي استجمع ما لديه من ثقة لإنشاء عمل جديد. أكتشف وجود الفرصة لتوفير خدمات شركة كيه بي إم جي للمؤسسات الافتراضية والتحالفات الاستراتيجية. سافر حول العالم وزار قادة 65 مؤسسة افتراضية. تحولت نتائج بحثه المبتكر إلى مورد لشركة كيه بي إم جي التي تجرب دخول هذه السوق المتنامية. علاوة على ذلك، فقد مثّل شركة كيه بي إم جي الجديدة عبر إلقائه لخطاب رئيس ناقش فيه النتائج التي توصل إليها في منتدى عالمي. إحدى القصص الأخرى أيضاً تدور حول مدققة تبلغ من العمر 28 عاماً أرشدت مجموعة من كبار الشركاء من الذكور بمهارة خلال يوم معقد مليء بعمليات البحث في فرص تنفيذ الاستراتيجيات الجديدة للشركة. كان من المستحيل أن يحدث ذلك في العام السابق. لم يسبق وأن فكر كبار الشركاء بالاستماع إلى هذا الصوت الصادر من أسفل.

القيادة كحالة تعليمية

تفشل الكثير من الجهود التي تهدف لتجديد المؤسسات عن طريق عمليات الدمج والاستحواذ وإعادة الهيكلة وإعادة الهندسة والاستراتيجيات، وذلك لأن المدراء يفشلون في محاولتهم لفهم متطلبات التكيف مع الظروف المختلفة. إنهم يرتكبون الخطأ الكلاسيكي في أن يعاملوا التحديات التكيفية كمشاكل تقنية يمكن حلها من قبل كبار التنفيذيين الصارمين.

إن تداعيات هذا الخطأ موجودة في جوهر أعمال القادة في المؤسسات اليوم. يتمتع القادة الذين يضعون الاستراتيجيات بإمكانية الوصول إلى الخبرات التقنية والأدوات التي يحتاجونها لحساب أرباح الدمج أو إعادة الهيكلة، ولفهم الاتجاهات السائدة وحالات التوقف عن العمل المستقبلية ولتحديد الفرص والتخطيط للكفاءات الموجودة ولتحديد آليات التوجيه لدعم اتجاههم الاستراتيجي. يسهل إيجاد هذه الأدوات والتقنيات الجاهزة للاستخدام داخل المؤسسات ومن مجموعة متنوعة من الشركات الاستشارية وهي مفيدة كثيراً ولكن يفشل تنفيذ الاستراتيجيات التي قد تبدو مناسبة في كثير من الحالات. كما يُشخّص الفشل بشكل خاطئ: “كانت الاستراتيجية التي وضعناها جيدة، لكننا لم نتمكن من تنفيذها بشكل فعال”.

في الواقع، تكون الاستراتيجية ضعيفة بحد ذاتها عادة بسبب تجاهل العديد من وجهات النظر أثناء تشكيلها. إن الفشل في التكيف مع الظروف المختلفة اللازم أثناء عملية تطوير الاستراتيجية هو أحد أعراض التوجه التقني لكبار المدراء. في كثير من الأحيان، يستنتج المدراء حلهم لإحدى المشاكل ومن ثم يحاولون بيعه لزملائهم ويتجنبون أو يتسببون بالضرر للآخرين خلال عملية بناء الالتزام. وفي كثير من الأحيان قد يفشل القادة وفريقهم ومستشاريهم في تحديد الأبعاد التكيفية للتحدي ومعالجتها وبأن يطرحوا على أنفسهم السؤال: “من يحتاج للتعلم وماذا سيتعلم من أجل تطوير وفهم الاستراتيجية والالتزام بها وتنفيذها؟

إن التوجه التقني ذاته هو ما يتسبب بفشل مبادرات إعادة هندسة وإعادة هيكلة العمليات، والتي يكون فيها لدى الاستشاريين والمدراء المعارف اللازمة لتأدية الأعمال التقنية التي تشمل تحديد الأهداف وتصميم تدفق عمل جديد، وتوثيق النتائج ونقلها، وتحديد الأنشطة التي يجب أن يؤديها أشخاص في المؤسسة. في كثير من الحالات، تكون عملية إعادة الهندسة أقل جودة من المبتغى لأنها تنظر إلى إعادة تصميم العملية كمشكلة تقنية: يهمل المدراء عملية تحديد التكيف مع الظروف المختلفة وإشراك الأشخاص الذين يقع على عاتقهم القيام بالتغيير. كما يفشل كبار المسؤولين التنفيذيين في استثمار وقتهم وأرواحهم من أجل فهم هذه المشاكل وإرشاد موظفيهم خلال المرحلة الانتقالية. إن مصطلح “الهندسة” هو بحد ذاته مصطلح خاطئ للتعبير عن العملية.

باختصار، أفلست الفكرة السائدة بأن القيادة تتألف من امتلاك رؤية ومحاذاة الناس مع تلك الرؤية لأنها تستمر بالتعامل مع الأوضاع التكيفية على أنها مسائل تقنية: يتوجب على الشخصية السلطوية أن تحدد وجهة الشركة، ويفترض على الموظفين أن يتبعوا هذا المسار. يُقلّص مفهوم القيادة إلى توليفة من المعارف الكبيرة وفن البيع. يكشف مثل هذا المنظور عن إدراك خاطئ حول الطريقة التي تنجح فيها الشركات بمعالجة التحديات التكيفية. من الصعب تحديد الأوضاع التكيفية وإيجاد حلول لها، وذلك تحديداً لأنها تتطلب عمل ومسؤولية المدراء والأشخاص على حد سواء في جميع أنحاء المؤسسة. إنهم ليسوا منقادين وراء الحلول التي يوفرها القادة، يتطلب تنفيذ الحلول التكيفية من أعضاء المؤسسة أن يتحملوا مسؤولية المواقف الإشكالية التي تواجههم.

يجب أن تتجسد القيادة بشكل يومي. لا يمكن أن تكون مسؤولية قلة أو حدثاً نادراً أو فرصة لمرة واحدة في العمر. نواجه التحديات التكيفية طوال الوقت في عالمنا وفي شركاتنا. حين يُطلب من أحد المسؤولين التنفيذيين أن يسوي ما بين الطموحات المتعارضة، يواجه هو وموظفيه تحدياً تكيفياً. حين يجد أحد المدراء حلاً لمشكلة – تعتبر مشكلة تقنية من جوانب عديدة إلا أنها تتطلب تغييراً في مواقف وعادات المرؤوسين – فهو إذن يواجه تحدياً تكيفياً. حين يرى أحد الموظفين القريبين من الخط الأمامي فجوة بين هدف المؤسسة والأهداف التي يُطلب منه أن يحققها، فهو إذن يواجه تحدياً تكيفياً ومخاطر فرصة القيادة من الأسفل.

تتطلب القيادة، كما تبدو من خلال هذه العدسة، استراتيجية تعلميّة. ينبغي على القائد، سواء من الأسفل أو من الأعلى، إن كان يملك السلطة أو يفتقر لها، أن يدفع الناس لمواجهة التحدي إضافة إلى التكيف مع الظروف تحديداً، ولتعديل قيمهم وتغيير وجهات نظرهم وتعلم عادات جديدة. قد يشكل هذا التحول حالة يقظة مزعجة بالنسبة لأحد أفراد السلطة الذي يعتز بقدرته على حل المشاكل الصعبة. ولكن يجب أيضاً أن يخفف ذلك من عبء الحاجة لمعرفة كل الإجابات وتحمل كل المسؤولية. أما بالنسبة للشخص الذي ينتظر أوامر المدرب، أو “الرؤية” لكي يبدأ بالقيادة، فقد يبدو هذا التغيير أيضاً خليطاً من الأخبار الإيجابية والسلبية. تحتاج المتطلبات التكيفية لعصرنا الحالي لقادة يتحملون المسؤولية دون انتظار من يطلب منهم تحملها أو ليروا دواعي لذلك. يمكن للمرء أن يقود دون أن يملك شيئاً سوى حب المعرفة والتعلم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .