ما الذي يعيق المبتكرين الاجتماعيين في الشركات؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تطمح شركات عدة للعثور على حلول مبتكرة لمشاكل المجتمع، وبما أن الحس المتنامي بالمسؤولية الاجتماعية واحتمال تحقيق الربح يشكلان دافعاً لها، فهي تعتبر المشاكل الاجتماعية والبيئية فرصاً لبناء منتجات وخدمات وأسواق جديدة. ولكن تكمن المشكلة في فشل معظم الشركات في التوصل إلى ابتكارات تحقق نتائج تجارية واجتماعية في آن.

وأحد الأسباب في هذا الفشل هو التحديات التنظيمية الكبيرة التي يواجهها المبتكرون الاجتماعيون في الشركات، وهم (عادة) الموظفون في المستوى المتوسط المسؤولون عن تطوير منتجات وخدمات ونماذج عمل جديدة تدمج الربح مع الأثر. وبناء على مجموع خبراتنا في قيادة الابتكار الاجتماعي بالإضافة إلى أكثر من 150 مقابلة أجريناها مع مدراء من المستويين الأعلى والمتوسط في سبع شركات متعددة الجنسيات كبيرة، وجدنا أن المبتكرين الاجتماعيين في الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة يواجهون ثلاث معضلات مميزة، وهي:

يجب على المبتكرين الاجتماعيين في الشركات الموازنة بين الأهداف الاجتماعية والمالية. يجب أن تكون الحلول ذات أثر ومربحة في آن. ولكن القوى داخل الشركات بطبيعتها تمارس ضغطاً من أجل رفع مستوى الربح وتخفيض مستوى الشك، وهما أمران لا يمكن للمشاريع ذات التأثير الاجتماعي ضمانهما عادة. مثلاً، كان المبتكرون الاجتماعيون في شركة “بيرسون” (Pearson) يهدفون في بعض الأحيان إلى إنشاء منتجات مخصصة للطلاب ذوي الدخل المنخفض، ولكن الضغوط الداخلية كانت تجبرهم على تصميم عروض للفئات السكانية التي يمكن خدمتها بسهولة أكبر. وما أن ينحرفوا عن مهمتهم الأساسية ويوجهوا تركيزهم إلى الزبائن التقليديين أكثر، يصبح من الصعب عليهم تغيير الاتجاه وخدمة الزبائن ذوي الدخل المنخفض بفعالية.

يواجه المبتكر الاجتماعي سيف الشرعية ذا الحدين. على الصعيد الداخلي، غالباً ما يُتهم المبتكر الاجتماعي بالعمل على نشاطات خيرية لا على أعمال تجارية حقيقية. وعلى الصعيد الخارجي، يُتهم بأن دافعه هو الربح فحسب وليس تحقيق الأثر الاجتماعي، وغالباً ما يجد نفسه مجبراً على مواجهة الشك على كِلا الجبهتين. على سبيل المثال، كان المبتكرون الاجتماعيون في شركة “فيليبس”، الذين يعملون على تحسين إمكانية الحصول على خدمات الرعاية الصحية من خلال حلول ذات تقنية بسيطة وكلفة مقبولة، يواجهون عوائق داخلية منعتهم من تطوير المنتجات التي تستهدف فئات أخرى غير المستهلكين الراقيين. وفي الوقت نفسه، كانوا يجاهدون من أجل تأمين الشراكات مع منظمات عامة خارجية، لأنها تأتي مع بناء الثقة والتفاهم المتبادلين مع مرور الوقت.

يفتقد المبتكر الاجتماعي في الشركات الخصوصية والانفراد. فقد يكون فريق الابتكار الاجتماعي تابعاً لقسم المسؤولية الاجتماعية أو وحدات الأعمال الجديدة أو لحقل النشاط الأساسي للشركة، وكل قسم منها له موارده وأهدافه الخاصة، مما يجعل تطوير المبادرات ضمن أي قسم من هذه الأقسام صعباً على المبتكرين الاجتماعيين. حيث يغذي العمل ضمن قسم المسؤولية الاجتماعية الروابط الخيرية ويحد من الموارد المتوفرة للأقسام الأخرى، أما العمل ضمن قسم وحدة الأعمال الجديدة فيمنح المبتكرين الاجتماعيين مجالاً للتجارب، ولكن قد يضعف دعم الأقسام الأخرى بسبب عدم التلاؤم وإضعاف الهامش الملحوظين. بينما يطبق العمل ضمن حقل نشاط الشركة الأساسي معايير وإجراءات لا تتناسب مع الهدف. لذلك غالباً ما يجد المبتكر الاجتماعي نفسه يبحث عن موطن خاص به، ولكن دون جدوى.

على سبيل المثال، عندما ناصر المبتكرون في شركة “إنترفيس” (Interface) الابتكارات التي تخفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، فشل بعضها في الانطلاق، إذ تعطل بسبب مدراء الخطوط الذين يفتقدون القدرة على الحكم على الابتكارات الجديدة، وعدم امتلاك الوقت الكافي لتطوير ابتكارات جديدة وغياب برنامج رسمي لدعم المبتكرين. ولذلك يعاني المبتكر الاجتماعي من صعوبة كبيرة للتقدم بابتكاره بسبب عدم قدرته على ربط ابتكاراته بدوره الرسمي أو بأهداف مديره.

في حين يصعب التوصل إلى الابتكار في الشركة، يوجه الابتكار الاجتماعي صعوبة أكبر بكثير. إذن، كيف يمكن للشركات مساعدة مبتكريها الاجتماعيين في التغلب على هذه الصعوبات؟

أولاً، يجب على الإدارة العليا العمل مع المبتكر الاجتماعي من أجل بناء هدف واضح لمبادراتهم يسمح بتلبية الأهداف الاجتماعية والمالية على حد سواء. مثلاً، في شركة “بيرسون”، كان بيان “مهمة حاضنة أسواق الغد” يحدد غايتها بوضوح، وهي التوصل إلى ابتكارات للأسواق منخفضة الدخل. ورغم أن هذه الابتكارات تعني ضرورة الحفاظ على انخفاض الأسعار، إلا أنه يجب تصميم المشاريع بهدف بلوغ حجم معين. وقد أخبرتنا مديرة الابتكار في الحاضنة، تيودورا بيركوفا، أنها تحتاج إلى الإبداع لخلق قيمة كافية للعملاء من خلال هوامش ربح كافية. وتلبية شروط التصميم هذه هي ابتكار حقيقي. وبالتالي، يجب على الشركة تقبل أن التزامها المالي المسبق هو أحد متطلبات الاستمرار بالتجربة على مدى فترة طويلة من الزمن، ويجب أن يساعد دعم المدراء التنفيذيين المبتكر الاجتماعي في الحفاظ على التوافق بين الجدوى التجارية ومهمته الاجتماعية.

ثانياً، يحتاج المبتكر أيضاً إلى دعم التنفيذيين من أجل التغلب على التشكيك واكتساب الشرعية بين أصحاب القرار الرئيسيين، الداخليين والخارجيين على حد سواء. إذ تكتسب الشرعية الداخلية مباشرة من خلال إظهار جدوى تجارية إيجابية للابتكار، إلا أنها عادة تحتاج إلى بعض الوقت لإثبات ذلك، مما يغذي الشك الداخلي الذي تحمله نزعة تحقيق أرباح سريعة وتحقيق أقصى ربح ممكن للشركة. ومن أجل اكتساب الشرعية الداخلية في شركة “فيليبس”، استفاد الموظفون العاملون على تطوير مراكز “فيليبس” للحياة المجتمعية من ثلاثة أمور: 1) التزام الرئيس التنفيذي، فرانز فان هوتن، العلني بتحقيق وصول أكبر لخدمات الرعاية الصحية، 2) الدعم المستمر من نائب الرئيس التنفيذي رونالد دي جونغ، 3) أهداف الشركة في تحسين الحصول على الرعاية الصحية. وأدت التجارب والمبيعات الأولى إلى زخم داخلي.

وللحصول على تأييد أصحاب الشأن الخارجيين، بمن فيهم الحكومات والمنظمات غير الربحية والجمهور، من الضروري تعزيز امتلاك الشركة دوافع اجتماعية حقيقية. ويمكن لنشر الاستثمارات التي تقوم بها الشركة والجهود الجارية المستمرة أن يكون أسلوباً فعالاً، وكذلك حشد الشركاء والمشاركين في الاستثمار من الجمهور والقطاع الثالث. مثلاً، أشرك مبتكرو “فيليبس” الشركاء من الجمهور عن طريق الإشارة إلى التزام الرئيس التنفيذي وتخصيص الموارد للمشاريع التجريبية. كما ساعدت الشراكات مع المنظمات غير الربحية في بناء ثقة المجتمع، وغطت النقص في المعارف الأولية والقدرات الطبية المحلية، وسمحت للاستثمارات المشاركة بالتعويض عن المخاطر.

وأخيراً، رغم أن البحث لا يزال غير قادر على تحديد المكان الذي يجب أن يشكل موطناً للابتكار الاجتماعي في الشركات، إلا أنه من الضروري معرفة الشروط التي يحتاج إليها من أجل النجاح. ويبدو أن هناك بعض الأمور الأساسية، وهي: التوافق الاستراتيجي، ومجال إجراء التجارب ومعايير وإجراءات مصممة خصيصاً للأداء والقيادة في جميع أقسام المؤسسة.

خذ شركة “إنترفيس” على سبيل المثال، ففي سبيل جعل الابتكار الاجتماعي جزءاً من استراتيجيتها، قدمت الشركة “المهمة – صفر”، وهو بيان قوي للمهمة يهدف للقضاء على أي أثر سلبي تتسبب به الشركة على البيئة بحلول عام 2020. هذه المهمة تساعد في تحقيق التوافق بين المبادرات الجديدة. على سبيل المثال، لمساعدة شركة في إنتاج قطع سجاد جديدة مستدامة أكثر، بحثت واحدة من المبتكرين عن النايلون الذي أعيد تدويره من شباك الصيد التي رماها الصيادون الحرفيون في البلدان النامية. وأطلق على هذه المبادرة فيما بعد اسم برنامج “نت-ووركس” (أعمال الشبكة) الذي يركز على إنشاء سلسلة توريد قائمة على المجتمع. أتاحت القيادة للمبتكرة حرية تجريب نموذج العمل الجديد، حيث كان بإمكانها الابتعاد عن الأهداف المالية قصيرة الأمد من أجل المساعدة في إنجاز (المهمة – صفر). ومع دعم المدراء التنفيذيين من مختلف أقسام الشركة وتأييدهم، استفاد المشروع من موارد شركة “إنترفيس” وتمكن مشروع “نت-ووركس” من التقدم داخل إحدى وحدات الابتكار. وبعد سبعة أعوام، ساعد المشروع في إعادة تدوير 224 طناً مترياً من شبكات الصيد المهملة، ووفرت النفط وخفضت من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون ورفعت مستويات الدخل في 40 مجتمعاً.

يتيح إدراك هذه التحديات وحلولها للمدراء في المناصب الإدارية العليا دعم مبتكري الشركة الاجتماعيين على نحو أفضل، عن طريق إطلاق إمكاناتهم من أجل استيعاب التغير الاجتماعي الإيجابي على نطاق واسع وبناء أعمال تجارية جديدة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .