لا تكن صبوراً ولا تكن مثل “سوني إريكسون”

3 دقائق
لا تكن صبوراً مع أفكارك القديمة
shutterstock.com/Artem Zavarzin

يقول البروفيسور ميتشل وايس، الأستاذ في كلية “هارفارد للأعمال” في كتابه “لدينا القدرة” (We the Possibility): “لا تكن صبوراً مع أفكارك القديمة، وكن صبوراً مع الأفكار الجديدة”، ويقصد بذلك، أن استمرار الأفكار والتطبيقات السائدة لديك أو في مجتمعك أو في محيط عملك ومؤسستك لا يعني أنها صحيحة، ولا يعني بأن عليك أن تتحمل شكوكك حولها وتطبقها على نفسك حتى وأنت تجد أن هنالك أفكاراً أفضل منها. ولذلك، فهو ينصح بالتجريب والبحث التدريجي عن أفكار جديدة والصبر على تجربتها حتى تكتشف إن كانت مناسبة أم لا. وهذا المبدأ الذي يتحدث عنه الأستاذ وايس (استمع وشاهد التسجيل الكامل لجلسة الويبينار التي أجريناها معه مترجمة إلى العربية هنا)، يعني أن الإنسان لا يمكن أن يتطور أو يتغير، مالم يشكك في أفكاره ويستكشف أفكاراً جديدة.

ماذا يحصل عندما تكون صبوراً على الأفكار القديمة؟

عندما تكون صبوراً على الأفكار القديمة ولا تعطي الأفكار الجديدة فرصتها للتطبيق والنجاح التدريجي، فأنت تغرق عملياً في إجراءاتك الخاطئة، وتعيش حالة مرض يقتل الإبداع ويعيق العادات الجيدة، ويسمى “الانحياز للوضع السائد”. ولا تظن أن هذا الخطأ لا يرتكبه إلاّ الحمقى وتشعر بالراحة أنك بعيد عنه. على العكس، فكّر دوماً وتعلم أن أشخاصاً ومؤسسات اتصفوا بالعبقرية، ومع ذلك، فقد ارتكبوا هذه الأخطاء، وكانت قاتلة لهم بكل معنى الكلمة، وإلاّ لماذا تحول مصطلح “لحظة كوداك” ليعبر عن الفخ الذي وقعت به شركة عبقرية مثل “كوداك” بكل ما فيها من عقول مبدعة إلى حالة تدرّس. حيث أدت غفلة “كوداك” عن أخطائها واعتيادها على أفكارها القديمة، وعدم الصبر على تجريب الأفكار الجديدة. وكلنا بات يعلم اليوم أن فكرة الكاميرا الرقمية اكتشفتها “كوداك” قبل غيرها، واستثمرت بها 8 مليارات دولار بالفعل، وبدأت العمل على تجربتها في مختبراتها، لكنها لم تصبر على إنضاج التجارب الجديدة، ولكن قادتها الذين سماهم المفكر الإداري الراحل كلايتون كريستنسن بـ “الحمقى” قرروا البقاء على النموذج المعتاد وهو الصور المطبوعة، وهم يظنون أن المستخدمين يفضلونه، بينما كانت الحقيقة كما يقول المفكر كريستنسن هي أن المستخدمين كانوا يطبعون الصور ثم ينظرون إليها ثم يضعونها في الدرج، ولا يعودون إليها بعد ذلك. وقد كانت هذه هي اللحظة المناسبة للنظر في خيار الصور الرقمية، لكنهم لم يفعلوا.

تجربة شركة “سوني إريكسون”

وفي حالة مماثلة، فقد وقعت شركة “سوني إريكسون” اليابانية في خطأ الوضع السائد، وعدم الانتباه لتفضيلات الزبائن ومشكلاتهم. وقد أجرى مؤخراً رونالد كلينغبيل من كلية “فرانكفورت للعلوم الإدارية والمالية” دراسة حول هذه الشركة وسبب فشلها، وتوصلت الدراسة إلى مراجعة عمل الشركة على مدى عقد من الزمن منذ إنشائها في عام 2001 وحتى حلّها ودمجها في الشركة الأم اليابانية في عام 2009، فقد نفذت الشركة نحو 200 مشروع لصنع الهواتف، لكن الأخطاء الرئيسية التي ارتكبتها، كانت تتمثل في عدم التراجع عن الخطأ عندما تبدأ في إنتاج الهواتف وتكتشف أخطاءها أو عدم ملاءمتها للمستخدمين، كانت تتمسك بما يراه خبراؤها وليس بما يراه المستخدمون. ويستغرب الباحث أن أي مشروع من مشاريع الشركة ما إن يظهر تراجعاً واضحاً في جدواه التجارية كانت شركة “سوني إريكسون” تبذل وقتاً كبيراً في مناقشته، وغالباً ما كانت توقف العمل مؤقتاً لإعادة النظر في قراراتها. وبدلاً من إيقاف المشاريع الأسوأ أداءً كانت تخفض سقف توقعاتها ليبدو وكأن المشروع قد حقق أهدافه. ولأجل المفارقة، كانت الشركة توقف المشاريع التي لم يظهر أي تراجع في جدواها التجارية بسهولة أكبر بكثير. مثلاً، إذا كانت حركة دوران الغطاء في هاتف قابل للطي صعبة التنفيذ من الناحية التقنية، يوقف المسؤولون التنفيذيون المشروع بسرعة أكبر مما إذا بدا أن الهواتف القابلة للطي بحد ذاتها لا تحظى باهتمام الزبائن وبالتالي تتراجع توقعات مبيعاتها. في المقابل، يعتبر أحد أبرز عوامل نجاح شركة “أمازون” هو اعتمادها مبدأ سماه جيف بيزوس “العمل بالعكس“، ويعني البدء بما يريده المستخدمون ثم الابتكار على أساسه.

تقول الحكمة الريادية: “افشل بسرعة وانتقل إلى الفكرة الكبيرة التالية”، وهذا ما يلخص فكرة الأستاذ وايس عن عدم الصبر على الأفكار القديمة. وهذا المطب الذي يقع فيه الكثيرون من مؤسسات وأشخاص هو المفهوم الذي أطلقت عليه العالمة كاثرين بلومر اسم “التكلفة الغارقة“، وتعني شعور الشخص أو الشركة بأنه قد خسر تكاليف بدء المشروع أو شراء منتج معين وأنه مضطر للمتابعة في استخدامه أو العمل عليه لكي لا يخسر ما دفعه. وهذه مغالطة بحسب الباحثين، مفادها أنك تخسر أكثر باستمرارك في البقاء في سفينة تتعرض للغرق تدريجياً.

وفي مقال بعنوان “ماذا تفعل عند اتخاذ قرار سيئ؟” تحدد الكاتبة والباحثة دوري كلارك، حالات لعلاج القرارات الخاطئة، ففي بعض الأحيان قد لا يكون القرار السيئ قراراً قاتلاً. مثلاً، إذا عيّنت الشخص الخطأ في منصب ما، ولكنك وجدت لديه أُسلوباً سلساً، عندها قد يكون منفتحاً لتدريب تأهيلي يرتقي بمهاراته للمستوى المطلوب. كذلك الأمر إذا كنت قد وافقت على التوسع لشركتك مثلاً ولكن وجدت أن هذا التوسع يعيش حالة تخبّط. عندها ربما يمكنك جدولة ساعاتك للاستفادة من برنامج تدريبي لمعرفة المزيد عن الأسواق جديدة. بينما، تتطلب بعض المشكلات إجراءات جذرية وحاسمة. فإذا لم تحب عملك الجديد نهائياً بعد مرور شهر واحد، فيجب عندها أن تتقدم بطلب الاستقالة في أسرع وقت، وبالتالي تُفسح المجال أمام الشخص المؤهل الآخر الذي قابلته الشركة خلال عملية التوظيف وقت تعيينك. اعلم أنه من الضروري أن يكون لديك تصور واضح لكيفية معالجة القرار السيئ.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .