مشكلة العبارة التي يكررها المدراء: “لا تجلب لي المشاكل بل اجلب لي الحلول”

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لقد حان الوقت للتراجع عن عبارة “لا تجلب لي المشاكل، بل اجلب لي الحلول”. التي يعتقد مناصروها أن النهج الذي تعتمد عليه هذه العبارة يُقلل التذمر، ويزيد التمكين، ويساعد الموظفين على التعاون مع الإدارة، ويعزز المسارات المهنية، إلا أنه محفوف بالتحديات.

وأبرز تلك التحديات، أنه ليس لكل مشكلة حل سهل. بل على العكس من ذلك، فإن التعامل مع تعقيد معظم المشاكل الكبيرة في الأعمال التجارية يتطلب وجود مجموعة من الأشخاص الموهوبين ممن لديهم وجهات نظر مختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لما يقوله آدم غرانت، الأستاذ الجامعي في كلية “وارتون”: “إن نهج التفكير بالحل يخلق ثقافة مناصرة بدلاً من ثقافة مساءلة، إذ يتشبث كل شخص في هذا الموقف بطريقته التي جلبها لحل المشكلة، ويضغط بقوة لاعتماد ذلك الحل بعينه بدلاً من مراعاة وجهات النظر المختلفة”.

وقد يتسبب هذا النهج أيضاً في جمود الموظفين بسبب الخوف، وتوليد ثقافة الترهيب بشكل عام، علاوة عن أنه قد يمنع بعض المشاكل من التحول إلى أزمات كاملة. وسأشارككم مثالاً لأحد عملائي، الذي سأطلق عليه هنا “سامر”، وهو رئيس شركة تعمل في خدمة مُزعزِعة في قطاعه. كان سامر يتفاعل بطريقة سلبية عندما يعرض الموظفون المشاكل عليه. وأخبرني أعضاء فريقه أنهم إذا تحدثوا معه عن مشاكل أو مخاطر، سيعتبر سامر ذلك فشلاً، ويرد بعصبية شديدة، قد يصل إلى الصوت المرتفع. وتؤثر موجات الغصب تلك على معنويات الموظفين، وتفقدهم حماسهم للمشاريع، وتجعلهم مترددين في عرض المشاكل على سامر. وبالتالي، بات الفريق يكتفي بتقديم الأخبار السارة فقط حول المبادرات التي يعملون عليها، ويظل هو غير مدرك للمشكلات المحتملة. علاوة على ذلك، يقضي الموظفون الكثير من الوقت في مكاتب بعضهم بعضاً بعد موجات غضب سامي، للتخفيف على أنفسهم، بدلاً من قضاء الوقت بطريقة منتجة.

إذا كانت عبارة “لا تجلب لي المشاكل” تسبب أزمات إلى هذا الحد، فلماذا لا يزال الكثير من المدراء يقولونها؟ يُعدّ أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو رغبتهم بتجنب ثقافة الشكوى. لكن التحدث عن المخاطر والعقبات المحتملة يختلف تماماً عن التشكي، إذ يمكن أن يأخذ منحى أكثر إيجابية. فعندما تتاح الفرصة للإبلاغ عن المشكلات بطريقة صحيحة، يمكن أن يخلق ذلك بيئة يشعر فيها الناس بالأمان حيال الإبلاغ عن الأخبار السيئة في مرحلة مُبكرة، مما يوفر مهلة ضرورية لتجنب أن تتحول إلى أزمة حقيقية.

وإليكم آليات تُمكنكم من تشجيع فريقكم على التحدث عن المشاكل بطريقة أكثر إنتاجية:

اجعل التحدث عن المشكلات آمناً. اضبط سلوكك وردود أفعالك بحيث لا يخاف الموظفون من إبلاغك بالأخبار السيئة. عندما عملت في شركة “مايكروسوفت”، كانت مراجعاتنا مع بيل غيتس في الأغلب تتضمن مناقشات مفصّلة حول المشاكل. إذ يرى غيتس في كتابه “الأعمال بسرعة الفكر” (Business at the Speed of Thought أن أحد أهم واجباته بصفته رئيساً تنفيذياً كان الاستماع إلى الأخبار السيئة حتى يتمكن من التعامل معها. كما ساعدتنا مناقشة المشاكل المحتملة معه ومع الآخرين في الشركة على رؤية المشاكل من زاوية جديدة.

لكن سامر كان على النقيض من ذلك، إذ كان يفسّر اطلاع شخص ما مشكلة عليه أنه نقص انتماء. بعد مناقشة هذا الأمر مع سامر في جلسة تدريب، بدأ يفهم كيف أسهم شخصياً في خلق ثقافة لا ينقل فيها الأشخاص إلا الأخبار الجيدة، أو أسوأ من ذلك عندما يتسترون على الأخبار السيئة. وللتغلب على ذلك، يتعلم سامر أن يتمهل، ثم يطرح أسئلة حول المشكلة. وعندما فعل ذلك، أدرك أن هذا يُساعده أيضاً في الكشف عن بقية الأشياء التي عرفها قادة فريقه منذ فترة ولكنهم كانوا خائفين إلى حد منعهم من إخباره بها.

اطلب تقديم بيان مشكلة بدلاً من تقديم شكوى. على الرغم من أنك ترغب في أن يحذّرك الآخرين من المشكلات المحتملة، لكنهم قد يحتاجون في البداية إلى تعلم التمييز بين إثارة مشكلة واقعية، والتشكي البحت. يكون الحديث عن الشكاوى مصحوباً بعبارات مُطلقة، مثل دائماً وأبداً بدلاً من الاستعانة بوقائع ملموسة. إذ تفتقر الشكاوى إلى تحمّل المسؤولية، وغالباً ما نجد فيها أن المتحدث هو البطل وأن الأشرار هم الآخرين. كما أنها غالباً لا تتعمق إلى أبعد من سطح المشكلة. ومن الأمثلة على الشكاوى قول: “المجموعة كذا تفشل على الدوام في تلبية المواعيد النهائية ودائماً ما نُترك نحن لنتحمل اللوم”. فهي عبارة عن بيان مُطلق يتحدث عن وجود أشرار، ولا يُظهر أي نوع من تحمّل المسؤولية من جانب المتحدث.

ولكن في المقابل، توفر بيانات المشاكل حقائق موضوعية، ودراسة للأسباب والعوامل الكامنة، وتكشف عن دور الجميع في التسبب بالمشكلة، بما فيهم الشخص الذي يُقدمها. وسيكون الحديث عن المشكلة في نفس المسألة السابقة على النحو التالي: “خلال الأشهر الستة الماضية، فشلت المجموعة كذا في تحقيق المواعيد النهائية أربع مرات بمتوسط بلغ قدره ستة أيام ونصف اليوم. ونحن أيضاً كنّا في حالتين من بينها غير متحضرين لتلبية الموعد النهائي. أما في الحالتين المتبقيتين، فقد أكملت مجموعتنا قسمها من المشروع في وقته، لكن اضطررنا إلى العمل خلال العطل الأسبوعية للتعويض عن تأخر عمل المجموعة الأخرى بحيث لا يتأثر العميل”.

عندما تُعرض المسألة في هيئة بيان مشكلة، يكون من الأسهل على الجميع التعرف على نمط التأخر المتكرر. ولأن مقدم المشكلة يُقر بدوره في المشكلة، ستعرف أنه منفتح أمام إيجاد الحل ولا يلوم الغير فحسب. وهذا بدوره يسمح للجميع بالتعمق أكثر وكشف السبب الجذري للمشكلة. ربما تحتاج المجموعة الأولى إلى موارد أكثر، أو ربما لا تتلقى المعلومات التي تلزمها لإنهاء عملها في الوقت المحدد. أو ربما تفشل طريقة جدولة مواعيد المشروعات في مراعاة الأحداث غير المتوقعة، وما إلى ذلك.

اعثر على الشخص أو الأشخاص المناسبين لحل المشكلة. عندما يعرِض عليك موظفون مشكلة ما، عليك أن تفكر في نطاقها وقدرة هؤلاء الأشخاص على حلها. فإذا كان بإمكانهم مجابهة التحدي وحدهم، ربما يحتاجون فقط إلى موافقتك قبل المضي قدماً. أو ربما يحتاجون منك تدريبهم حول كيفية التفكير حول هذا الموقف، وتوسيع نطاق الحلول الممكنة.

أما إذا كان حجم المشكلة يفوق قدرتهم على حلها، فقد يكون شخص آخر أكثر ملائمة لمجابهة التحدي، أو ربما يحتاج الأمر إلى تعاون أشخاص من عدة أقسام. وفي بعض الحالات، قد تكون المشكلة مهمة أو بارزة إلى حد يتطلب منك شخصياً المشاركة فيها. وهنا سيتحدد رد فعلك حسب كل حالة، فيمكنك تدريب الفرد على توسيع قدراته ومجابهة التحدي، أو شكره على إبراز المشكلة ومن ثم تكلّف الأشخاص المناسبين لحلها، أو تجمع بين عدة مجموعات لحلها.

في النهاية، سيواجه موظفوكم المشاكل دائماً. وبدوركم، من خلال تشجيع الأشخاص على إظهار المشاكل في مرحلة مبكرة، ستتمكنون من تقليل الخوف وزيادة التمكين وتسريع حل المشكلة بطرق بناءة. وكما يقول فرانسس فراي، الأستاذ الجامعي في كلية “هارفارد للأعمال”: “قد يكون التعرف على المشاكل نشاطاً فردياً، لكن نادراً ما يكون إيجاد الحلول كذلك”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .