كيف يمكن للحكومات إنعاش الاستهلاك؟

3 دقائق
shutterstock.com/Piyaset
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعتبر الحكومات من المسوقين البارعين. فالقوات المسلحة تُعلن لتجنيد المتطوعين، والوكالات الصحية تنصحنا بوضع حزام الأمان وترك التدخين. وبالإضافة لاعتمادها على المعلومات والإقناع، لطالما استخدمت الحكومات قانون الضرائب لدفعنا لتغيير سلوكنا: استثمارات معفية من الضرائب للتوفير للتقاعد، أو منح خصم ضريبي على مشتريات منتجات توفير الطاقة. وعندما يعجز الإقناع والمحفزات الضريبية، تلجأ الحكومات إلى خطوات أبعد تتجاوز التسويق التجاري: سن القوانين والتشريعات.

تسبب الركود الاقتصادي الأخير بجعل الكثير من المستهلكين يقللون من استهلاكهم، ويزيدوا من مدخراتهم، خاصة في البلدان التي تفتقر لوجود شبكات أمان اجتماعي متطورة. وتردّ الحكومات ببرامج تزيد إمكانية الاستدانة من البنوك، وتروج للاستهلاك. تعد الصين من أكثر البلدان التي يتجلى فيها هذا الأمر بوضوح؛ فقد بلغ معدل التوفير 50% وهو ما استوجب تحفيز الاستهلاك المحلي لتعويض انخفاض الطلب الخارجي على البضائع المصنوعة في الصين، والذي أدى لخسارة عشرين مليون عامل صيني وظائفهم خلال الأشهر التسعة الماضية نتيجة إغلاق 100,000 مصنع.

بالتوازي مع الإنفاق المتزايد على البنية التحتية، قامت حكومات الأقاليم والمدن في الصين بتقديم مجموعة متنوعة من برامج القسائم وبطاقات الخصم لتحفيز الاستهلاك على المدى القصير. تقوم بعض الحكومات المحلية بالدفع لموظفيها باستخدام قسائم يتوجب استخدامها خلال فترة محددة. وتقوم حكومات أخرى باستهداف المزارعين والمستهلكين القرويين ببطاقات خصم تهدف لرفع مبيعات المنتجات المعمّرة كالسيارات والتلفزيونات. وقد قامت مؤخراً مدينة هانغتشو بإصدار كتب من بطاقات الخصم في الأقاليم الأخرى للإبقاء على تدفق الزوار إلى أهم المعالم السياحية في المدينة. توفر كتب القسائم عادة خصماً ما بين 20- 25% وهي متاحة الآن للسياح الأجانب عند إبراز جوازات سفرهم.

لكن هناك مشاكل عديدة قد تنتج عن هذه البرامج. أولاً، على اعتبار أن تلك القسائم قابلة للاستخدام فقط في متاجر محددة ولعلامات تجارية بعينها، فإن ذلك يجعلها عرضة لسوء الاستخدام بسبب سعي المسوقين لأن يكونوا ضمن هذه القوائم المفضلة. ثانياً، تتطلب الكثير من البرامج أن يدفع المستهلك السعر كاملاً في نقطة البيع، ومن ثم إجراء بعض المعاملات في المكاتب الحكومية للحصول على الخصم. هذا الافتقاد للاقتطاع المباشر للخصم في نقطة البيع يشكل عقبة للمستهلكين الذين يفتقرون للسيولة النقدية للشراء. بالإضافة لهذا، تعني عملية الاسترداد المتعبة هذه أنَّ بعض المطالبات بالخصومات لن تتم الإجابة عليها وإعادتها، وهو ما قد يُغري أيضاً قلة من الموظفين الحكوميين بفرض دفع مبالغ مالية مقابل تسريع عملية معالجة المطالبات.

في أوروبا، تروج الحكومات لإنفاق المستهلكين من خلال برامج استبدال السيارات. في ألمانيا مثلاً، يحصل  المستهلكون الذي يُبادلون سياراتهم التي عمرها تسع سنوات فأكثر (متوسط عمر السيارة في الطريق هو ثمان سنوات ونصف) على خصم 2,500 يورو عند شراء سيارة جديدة أكثر كفاءة في استهلاك الوقود. يبرر هذا الاستثمار الهدف الحكومي المتمثل في تقليل انبعاثات السيارات. وقد جذب هذا الحافز ضعف العدد المتوقع من المشترين، و زادت مبيعات السيارات الألمانية بنسبة 40% سنة بعد سنة في مارس 2009 بعد إطلاق البرنامج. منذ ذلك الحين، أُطلقت برامج مماثلة في فرنسا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى. ومع أن المملكة المتحدة كانت أقل حماساً لهذه البرامج على اعتبار أنَّ 86% من السيارات المباعة في المملكة المتحدة هي سيارات مستوردة، إلا أنَّ الحكومة تقدم يد العون للعديد من البائعين المحليين ومصنعي قطع السيارات.

عبرت هذه الفكرة الأطلسي، وهي الآن موضع بحث من مشرّعي القوانين في الولايات المتحدة. أكثر من 50% من السيارات المباعة في الولايات المتحدة مُصنّعة محلياً. ولكن، هناك 6 أسئلة يجب الإجابة عنها قبل أن يحصل هذا البرنامج على الضوء الأخضر:

  1. هل من المناسب انتقاء صناعة واحدة لمنحها الدعم الحكومي بغض النظر عن حجم النسبة الذي تمثله من الاستهلاك الصناعي؟ هل ستخفض المعونة الحكومية للسيارات مبيعات الأدوات المنزلية مثلاً؟
  2. هل ستجلب المعونة الحكومية للسيارات مبيعات كان من الممكن ببساطة تحقيقها في السنوات القادمة؟ أم أنَّ برنامج الاستبدال يشجع المستهلكين الذين لم يشتروا سيارة جديدة قط على شرائها للمرة الأولى؟
  3. هل يجب حصر المعونة بالسيارات الصغيرة؟ أم السيارات ذات الكفاءة في استهلاك الوقود (مهما كان تعريف ذلك)؟ أم لجميع السيارات التي يُصنّعها “الثلاثة الكبار”؟ أم لجميع السيارات الأميركية (سواء كانت من صناعة جنرال موتورز أو تويوتا)، أو أن تكون متاحة لجميع السيارات من أي منشأ؟
  4. بالأخذ بالاعتبار الفحوصات السنوية للانبعاثات في معظم الولايات، هل هناك في الولايات المتحدة ما يكفي من السيارات التي يبلغ عمرها تسع سنوات وتنقصها الكفاءة في استهلاك الوقود لتبرير البيروقراطية التي سيجلبها توفير هذا الحافز؟ يُقارب متوسط عمر السيارة العادية في الولايات المتحدة 9 سنوات، والشاحنة حوالي 6.5 سنة.
  5. هل سيُعطى الخصم الذي للمستهلكين ممولاً من دافعي الضرائب؟ أم سيقوم مصنعو السيارات والتجار ببساطة باقتطاعه تناسبياً، بما يترك أسعار مبيعات التجزئة الحقيقية دون تغيير؟
  6. ما نسبة الزيادة في تسجيل السيارات الجديدة المطلوب بلوغها لتبرير تكاليف البرنامج لدافعي الضرائب في مستويات الاقتطاع البديلة؟ يتوقع بنك “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs) حدوث زيادة في السيارات الجديدة المسجلة سنة عن سنة بنسبة 15%.

يقول بيل فورد، رئيس مجلس إدارة “فورد موتور” (Ford Motor) في مقالة جديدة في مجلة فورتشن: “نحن نحث مشرعي القوانين على التنفيذ السريع لهذا المحفز السريع للسوق. فهو يشكل فائدة جليّة للمستهلك وللاقتصاد والبيئة”. هل توافق؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .