كيف يمكن أن تتأهب الشركات للكوارث؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في التاسع عشر من سبتمبر/أيلول 2017، ضرب زلزال عنيف مدينة مكسيكو، ما أسفر عن مقتل 370 نسمة، وإصابة آلاف آخرين وتدمير عدد كبير من المباني. ولفترة وجيزة، أصيبت المدينة بالشلل التام، حيث عَلَت أولوية جهود الإنقاذ على التبادل التجاري التقليدي. غير أن شيئاً مثيراً للفضول حدث: بعض الشركات استطاعت أن تعود إلى مزاولة عملها بسرعة نسبياً، بينما تخلفت شركات أخرى أو أخفقت في التعافي واختفت من المشهد.

لقد وفّر لنا زلزال عام 2017 مختبراً طبيعياً لدراسة قدرة محورية، ولكنها محيرة، من قدرات الشركات: ألا وهي المرونة المؤسسية. فبعد عامين من وقوع الزلزال، التقيت مجموعة من القادة الذين صمدت شركاتهم أمام الكارثة لاستيعاب الجوانب التي ميزتها عن غيرها. واكتشفت أن إجاباتهم تتفق تمام الاتفاق مع نظرية رائدة عن المرونة المؤسسية: ومفادها أن الشركات تمر بثلاث مراحل: التنبؤ والتصدي والتكيف.

التنبؤ

تبدأ المرونة بخلق الوعي بالمخاطر المحتملة التي تواجه المؤسسة، مدعوماً ببيانات تُجمع عن طريق تقييمات المخاطر والخبرات. وتضع المؤسسات المرنة بروتوكولات العمل الضرورية وجهود مواصلة الأعمال والمخصصات المالية والموارد البشرية والتقنية والبنية التحتية لتضمن أن بوسعها الاستجابة بكفاءة للأحداث جسيمة التبعات وذات الاحتمالات منخفضة الحدوث. على سبيل المثال، ثمة شركة خدمات استشارية فقدت بناية في وسط المدينة ولم تتكبد أي خسائر بشرية، حيث طوّرت مقدماً عمليات وبروتوكولات للطوارئ كفلت لها ولعملائها وموظفيها الحماية عندما ضرب الزلزال لأنهم أخلوا البناية بسهولة وعرفوا كيف يتصرفون. علاوة على ذلك، حصل القادة على التغطية التأمينية التي تحمي المؤسسة من الحوادث الكارثية، وتلقت المؤسسة التعويضات التأمينية على الفور تقريباً لتؤسس بها مكتباً جديداً في غضون أسابيع قليلة.

وتحديداً، اتخذت الشركات التي التقيت بها عدة خطوات للمساعدة في تأهيل نفسها مقدماً للكوارث غير المتوقعة:

صنعت ثقافة مؤسسية قوية. تعمل الثقافة المؤسسية عمل آلية الإعداد للأحداث البيئية، خاصة متى عززها التزام شديد من جانب القيادات التنظيمية بالأخلاقيات والقيم، وتوفرت الثقة في المجتمع المؤسسي. على سبيل المثال، في مؤسسة أخرى انهارت فيها بناية بعد وقوع الزلزال بخمس عشرة ثانية، شارك الفريق ومجموعة القادة الذين أُجريت مقابلة شخصية لهم رؤية مشتركة بشأن النحو الذي يعيشون به قيمهم المؤسسية المتعلقة بالتمكين والابتكار والعمل الجماعي والنزاهة والشمول. وفي مرحلة التعافي من الكارثة، عوّل القادة على أعضاء الفريق فيما يتعلق باتخاذ القرارات، وإيجاد الحلول لمواصلة العمل، بينما بحث شركاء الأعمال عن دعم مالي، وتصدوا للمسائل القانونية، وقدموا دعماً لعائلات الموظفين المتضررين.

روّجَت لفكرة القيادة الناشئة. يتصدى القادة الناشئون لاستجابة المؤسسات للطوارئ خلال الأزمات، ويُختبرون أثناء الأزمات البسيطة. ويمكن تمييز القيادة الناشئة من خلال الاستجابة إلى الأحداث المتطرفة، وترتبط بالمؤسسات ذات البعد المحدود من السلطة والقيادة الموزعة والهياكل المرنة والعمليات التي تعكس التمكين وتفويض السلطات.

استثمرت في أماكن عمل تتوفر فيها شروط السلامة والأمان. إن مفهوم “القيادة عبر المكان” مهم في سياق المخاطر البيئية التي تؤثر في المؤسسات، حيث إن فقدان المكان – كبناية مثلاً – يؤثر في الأفراد بشدة، والشعور بالفقد ربما خففت من وطأته إعادة تعريف هوية المؤسسة بغية غرس شعور بالانتماء وخلق “وضع طبيعي جديد” في مكان جديد.

وبالتالي، يتجاوز اختيار المكان الذي ستعمل فيه المؤسسة على اعتباره مجرد أمر عارض. على القادة توفير بيئة آمنة للحفاظ على السلامة البدنية للعاملين. والالتزام بالمعايير والأعراف الرسمية أمر مهم لحماية الأفراد الذين يكونون حاضرين في بيئة مؤسسية، بما في ذلك الموظفين والمتعاقدين والزائرين. ويجب تقييم المنشآت بمعرفة خبراء إنشاءات وحماية مدنية، كما يجب تأمينها بتغطية تأمينية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون الموظفون مشمولين بوثائق تأمين صحي وتأمين على الحياة وتأمين اجتماعي امتثالاً لقوانين العمل والحماية المدنية.

وعلى القادة أن يكونوا على دراية بأن تهديد الخطر البيئي كامن على الدوام، وعليهم أن يتقبلوا هذه الفكرة. ولذلك، يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات يومياً. وتدريبات الإخلاء ليست كافية. على سبيل المثال، وكجزء من استمرارية استراتيجيات العمل، فمن الضروري للغاية أن تحدد مواقع بديلة يمكن مزاولة العمل منها، ومحاكاة تدفق الاتصالات، حيث يمكن أن يحدث تعليق الخدمات مثل خدمة الاتصال بالإنترنت لاسلكياً أو وسائل التواصل الاجتماعي خلال حالة طارئة نظراً لانقطاع التيار الكهربائي وتشبع شبكات التواصل. ومن الضروري أيضاً التحقق من أن عوامل الأمان كالقضبان أو الأقفال المثبتة على أبواب الدخول أو مخارج الطوارئ لا تتحول إلى معوقات للإخلاء أثناء حالات الطوارئ. وفي حالة المؤسسات التي تحوي حيوانات داخل منشآتها، تحتاج تلك المؤسسات أيضاً إلى أن تكون جزءاً من بروتوكولات الطوارئ. وأخيراً، تتضمن قرارات الوقاية الحيوية مكان خوادم الشركة أو الوثائق الرسمية أو الأغراض التي يصعب استبدالها (كالقطع الفنية) وخزائن الأموال لتأمينها تحسباً لوقوع حالة طارئة.

التقنية يمكن أن تُحدِث فارقاً. من بين الاعتبارات الأساسية التي ذكرها القادة مراراً وتكراراً تسخير المعلومات والتقنية لعمل نسخة احتياطية من البيانات المؤسسة، وتوفير التواصلية كإجراء وقائي للحفاظ على المعلومات. وهذا أصل محوري غير ملموس للمؤسسة ولأغراض استمرارية الأعمال.

التصدي

للتصدي بفعالية لأزمة بيئية، تبين أن التنسيق ما بين المؤسسات والقطاعات المتعددة بات أمراً ضرورياً – وأعني بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والجامعات والكيانات غير الحكومية والمجتمع المدني. وهذا التنسيق يمكن أن يصبح مصدراً للتماسك ومصدراً محتملاً للتخفيف عن الناس أثناء الأزمة. كما ينبغي غرس المرونة عبر الفرق متعددة التخصصات، بداية من مرحلة الوقاية، على أن يتم تفعيلها أثناء الحدث الطارئ وفي مرحلة التعافي من الكارثة. على سبيل المثال، كان هناك تحالف عُرِف باسم “أرايز” (ARISE)، وهو تحالف أنشأه القطاع الخاص للمجتمعات التي تتحلى بمرونة التعامل مع الكوارث، بقيادة مكتب الأمم المتحدة للحد من أخطار الكوارث (UNDDR)، تأسس عام 2015 في المكسيك. وعلى الرغم من أن التحالف مبادرة عالمية، فإن نشاطه في المكسيك عزز مشاركة مجتمع الأعمال والكيانات الحكومية مثل هيئة التنسيق الوطني للحماية المدنية، وغير ذلك من المؤسسات غير الحكومية. ويركز تحالف “أرايز” على بناء مجتمعات تتحلى بالمرونة بواسطة الوقاية من الكوارث والحد من المخاطر.

وبعد زلزال عام 2017، كانت هناك مؤسسات مثالية عملت بجد ضمن جهود الاستجابة لحالات الطوارئ. وكمثال على ذلك، ثمة مؤسسة في جنوب مدينة “مكسيكو” خصصت وقتها وجهودها لجهود الإنقاذ المبذولة في الجوار. وأمسى أحد قادة المؤسسة قائداً لمركز التبرعات، ونسّق آليات الدعم مع الكيانات العامة. وثمة شركة خاصة أخرى مكرسة لإعادة إعمار البنايات المصابة بأضرار شاركت في مبادرة مستمرة مع مؤسسات حكومية لدعم عملية إعادة الإعمار.

علاوة على ذلك، فإن دور وسائل التواصل الاجتماعي جوهري أثناء مرحلة الاستجابة الفورية، حيث تمثل مصدراً محتملاً للمساعدات يُفعّل رأس المال الاجتماعي، ويرتبط بشكل مباشر بالحد من الخسائر البشرية. وقد تجلى مثال على هذا اللون من التنسيق في نشأة منصة #Verificado 19S، وهي منصة رقمية تحققت من معلومات وسائل التواصل الاجتماعي بمشاركة المجتمع المدني، وأدارت البيانات كي تجعل استجابة المواطنين أكثر كفاءة إثر زلزال 2017.

التكيف

التعامل مع الأسى الناجم عن الأزمة. إن الفعل العاطفي الذي يقدم عليه القادة مهم جداً إثر الأحداث المؤلمة. إن إضفاء صبغة اجتماعية على عملية معالجة الأحزان في المجتمع المؤسسي يعد وسيلة لتعزيز هذا الفعل العاطفي، وربما يفضى إلى نمو ما بعد الصدمة. والمرونة في هذا السياق ليست فقط عودة إلى الوضع الطبيعي بعد وقوع كارثة، وإنما تنطوي أيضاً على إقرار القادة بعملية معالجة الأحزان باعتبارها وسيلة للتعبير عن الحزن عما فُقد. إن قيمة الشركات تتجاوز أصولها، ففي قلبها النابض بشر يتآزرون فيما بينهم، وينبغي أن يكونوا في بؤرة الاهتمام.

على سبيل المثال، ذكر عامل إنقاذ أُجريت مقابلة شخصية معه لأغراض البحث أنه كل يوم في أثناء الاستجابة لحالات الطوارئ إثر وقوع الزلزال، شكّلت مجموعة عمال الإنقاذ دائرة لمشاركة مشاعرهم، ورواية قصصهم التي عاشوها طول اليوم في مجتمع آمن كوسيلة للحيلولة دون إصابتهم بالإجهاد اللاحق للصدمة. وينبغي استحداث طقوس مثيلة في البيئات المؤسسية أيضاً.

التعلم من المِحن والشدائد. إن نمو ما بعد التعرض للصدمات في مؤسسة ما يرتبط بقدرة المؤسسة ذاتها على التكيف، وتعززه عملية تعلُّم يمعن فيها القادة التفكير فيما برعوا في إنجازه إثر حادث بيئي. والقادة المرنون قادرون على مشاركة ضعفهم، ولا يهابون التماس الدعم الوجداني، ويسمحون لفِرقهم بتوجيههم متى اقتضت الحاجة.

إن المرونة في مرحلة ما بعد وقوع الكوارث قدرة تكيفية على النمو والتطور لا تحدث بمحض الصدفة. وكما اتضح بعد زلزال 2017 بعامين في المكسيك، تتطور المرونة بشكل تآزريّ. ولقد أظهرت المؤسسات المرنة مسؤوليتها وتضامنها مع الموظفين والمجتمع، ودعمتها شبكات داخلية قوية ومتعددة القطاعات. ولقد شُكّلت هذه الشبكات أساساً في مرحلة التنبؤ، وتمثلت ثمرة تشكيلها في صمود المؤسسة على الرغم من الطبيعة الحرجة للحالة الطارئة. وكان خصوم المرونة هم الفساد والرضا بالوضع الراهن والعجز عن تقبل الكارثة قبل تفاقمها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .