طريقتان للمدراء لكبح التحيّز الضمني تجاه بعض الموظفين

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يريد الكثير من المدراء أن يكونوا أكثر شمولية في مكان العمل، فهم يدركون قيمة الشمول والتنوع ويعتقدون أنّ هذا ما ينبغي أن يطمحوا إليه، ولكنهم لا يعرفون كيفية تحقيق ذلك.

لا يُمنح المدراء في الغالب الأدوات المناسبة للتغلّب على التحديات التي يفرضها التحيّز الضمني. إذ إنّ ورشات العمل التي تستثمر فيها الشركات عادة ما تعلّم المدراء أن يتحقّقوا من أفكارهم دائماً لتبيان التحيّز فيها. ولكن بما أنّ هذا يتطلّب الكثير من الطاقة المعرفية، يعود المدراء إلى عاداتهم القديمة مع مرور الوقت.

بالاستناد إلى عملنا مع “مختبر القيادة النسائية” (Women’s Leadership Lab) في جامعة ستانفورد والذي قام على مساعدة مؤسسات من عدة قطاعات لتصبح أكثر تنوعاً وشمولية، أظهر بحثنا أنّ هناك طريقتين بسيطتين – إنما قويتين – يمكن للمدارء من خلالهما كبح جماح التحيز: الأولى، عن طريق فحص تعريفهم للنجاح وتوسيعه، والثانية عبر طرح سؤال عما يضيفه كل شخص إلى فريقه، وهو ما نسمية “المساهمة المضافة”.

تكمن المشكلة في أنه عند تعيين الموظفين أو تقييمهم أو ترقيتهم، غالباً ما نقيّم الناس ضد افتراضاتنا الضمنية لما تبدو عليه المواهب – أو “قالب النجاح” الخفي الخاص بنا. ويُحتمل لهذه القوالب أن تكون لصالح مجموعة على أخرى، حتى لو كان احتمال نجاح أعضاء كل مجموعة متساوياً.

لنأخذ على سبيل المثال عملية التوظيف؛ عند إجراء مقابلة مع المرشح أو المرشحة، قد نسأل عن الجامعة التي ارتادوها أو نطلب منهم الحديث عما يمتلكونه من خبرات، ونكون على يقين بأننا نجمع معلومات ذات صلة ستساعدنا في اتخاذ قرار موضوعي بشأن أهلية الشخص لهذا المنصب. ولكن، في الواقع، يُحتمل أننا نقيم هذا الشخص ضدّ “قالبنا” الخفي. هل ذهب الشخص إلى الجامعة “الصحيحة”؟ هل تتشابه تجاربه مع تجاربنا؟ هل شخصيته قريبة من الموظفين الآخرين في الفريق؟

ليس مستغرباً أنّ معظم المدراء ينتهي بهم الأمر بتوظيف أشخاص يتطابقون مع قالبهم الضمني للنجاح، وقد يبدو الآن هذا النهج بمثابة الوصفة المناسبة لاتخاذ قرارات سليمة.ألم يكن هؤلاء الأشخاص لينجحوا أكثر مع مدير التوظيف ويناسبون بقية أعضاء الفريق؟ ربما.

يمكن أن يطرح هذا النهج مشكلة خطيرة: حتى في حال أردنا أن نكون شموليين، فإنّ القالب نفسه قد سيستدعي التحيز عن غير قصد من خلال تفضيل المرشحين التقليديين أو “الرهان المضمون“. وقد يعني هذا لقسم الشؤون المالية، على سبيل المثال، الاعتقاد من دون وجود دليل بأنّ خريجي شهادة ماجستير إدارة الأعمال من جامعات النخبة هم فقط من يُرجّح أن ينجحوا في وظائفهم. وإذا طبقنا تلك المعايير بعدل على كل المرشحين، فقد يؤدي ذلك إلى تفضيل ضمني لتوظيف الذكور. في نهاية المطاف، فإنّ ما نسبته 60 إلى 70% من خريجي شهادات ماجستير إدارة الأعمال في جامعات النخبة هم من الذكور.

مثال آخر: في مناصب تتطلب مهارات للعمل في سياق المصدر المفتوح، قد يقودنا قالبنا الخفي للنجاح إلى الاعتقاد (مرة أخرى ومن دون دليل) بأنّ من يمكنه إنجاز الأمر بنجاح هو فقط الشخص الذي يكون جزءاً من مجتمعات المصدر المفتوح. يؤدّي هذا التعريف الضيق إلى اختيار النوع نفسه من المرشحين مراراً وتكراراً، علماً أنّ أولئك الذين يتطوعون في مجتمعات المصدر المفتوح غالباً ما يفعلون ذلك خارجه وخارج ساعات العمل “المدفوعة الأجر” التي تستثني إلى حد كبير الأشخاص الذين يقدمون الرعاية ويتحملون مسؤوليات أخرى خارج إطار العمل. ونتيجة لذلك، نرى غالباً أنّ مجتمعات المصدر المفتوح تضم نسبة ضئيلة من النساء  تتراوح بين 3 و5%، بينما تتكون بأغلبها من الشباب الذكور. يمكنك أن ترى كيف أنّ تكرار قالب النجاح يمكنه أن يتحول بسرعة إلى تماثل، وهو تماثل يعيق الأداء والابتكار.

التنوّع من ناحية أخرى يحفّز الابتكار. ففي بحث استمر لعقود، وجدت الأستاذة في جامعة كولومبيا، كاثرين فيليبس، مراراً وتكراراً، عند تكليفها بالابتكار، أنّ الفرق التي تضم أعضاء متنوعين والتي تقدّر مساهمات جميع أعضائها، تتفوّق على الفرق المتماثلة. وجدت فيليبس أنّ أعضاء الفريق يعملون بجد أكثر عند العمل في بيئة متنوّعة، وعليهم فعل ذلك من أجل التواصل فيما بينهم والتوافق مع أشخاص آخرين قد لا يمتلكون التجارب أو وجهات النظر نفسها. يدفع هذا جميع أعضاء الفريق إلى التفكير بعمق والتوصّل إلى قرارات أفضل. فالتنوع، كما تكتب فيليبس، “يجعلنا أكثر ذكاء”.

قوة المساهمة المضافة

من أجل صد تحيّزنا الضمني علينا تحدي الافتراضات المسبقة التي تقف وراء قالبنا للنجاح. علينا أن نسأل ما إذا كانت المعايير المستخدمة لتقييم المرشحين ستقودنا لاختيار موظفين يضيفون نجاحاً إلى نجاح فريقنا، أو ستؤدي ببساطة إلى تكرار الوضع الراهن. على سبيل المثال، هل يحتاج المرشح إلى شهادة ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة مرموقة لكي يكون ناجحاً في هذا المنصب؟ قد يكون الأمر كذلك، أو قد نرى أنّ بعض المعايير ضرورية للنجاح وذلك من دون دليل. وبالتالي، نحتاج إلى طرح الأسئلة التي تساعدنا في تحديد ما سيضيفه الشخص إلى مجموعة الخبرات والمهارات لدى فريقنا بأكمله.

المساهمة المضافة (collaborative contribution)، وهو مصطلح طوّرناه بالتعاون مع أليكس هيوز، قائدة برنامج التنوّع في شركة أمازون، تُعتبَر وسيلة قوية لتجنّب التماثل في الفريق وتعزيز الشمول والابتكار. عندما نفكر في المساهمات المضافة الأخرى فإنّنا نفتح الباب أمام أشخاص قد لا يتوافقون تقليدياً مع قالبنا الضمني للنجاح ولا يشبهون الـ “نحن”. وعليه، نجعل فرقنا أكثر تنوعاً وأكثر نجاحاً.

إذًا، كيف يمكنك طرح أسئلة تساعدك على تحديد المساهمة المضافة لشخص ما؟ إليك فيما يلي أربع طرق:

وضّح المعايير الغامضة للنجاح

سل أولاً “ما هي تفضيلاتي ’الخفية‘؟”، ثم تحداها بالسؤال عن ماهية العقليات والمهارات والخبرات المتنوعة التي تقود فريقك إلى النجاح. قد يجعلك هذا فعالاً أكثر في توظيف الأشخاص الذين سيزدهرون في مؤسستك. على سبيل المثال، بدلاً من السؤال عن التجارب السابقة في الأدوات مفتوحة المصدر، يمكن أن تبحث عن شخص يمكنه مناقشة النقاط الحساسة بفعالية واحترام في بيئة من النقاش المفتوح.

ركّز على القيمة التي يضفيها الشخص على فريقك

سل “كيف يساعدنا نهج هذا الشخص في الوصول إلى مناقشات وقرارات أفضل؟”، أو “هل يساعدني هذا الشخص على أن أرى خارج الصندوق (بشكل خارج عن المألوف)؟”. قدّمت الأستاذة ماري مورفي، الخبيرة في عقليات النمو في المؤسسات، هذا السؤال: “كيف يمكن أن يشكل أو كيف يشكل هذا الشخص إضافة إلى القيمة الإجمالية (لتركيبة) فريقنا؟”. عند طرح أسئلة كهذه، يُرجّح أن تتخطى قالبك الخفي للنجاح وتتجنب أي تحيز ضمني قد يرافقه.

أجر تحليلاً للثغرات 

سل “ما هي المهارات والخبرات التي أفتقدها في فريقي والتي يمتلكها هذا الشخص؟”، واحرص على عدم التركيز على صفات أحادية البعد. على سبيل المثال، لا تحدد مسبقاً أنّك تحتاج إلى “امرأة لكي تكمل الفريق”، فالتنوع من أجل التنوع يؤدي في كثير من الأحيان إلى وضع الآخرين افتراضات سلبية حول قراراتك تجاه الأشخاص – وحول أولئك الذين توظفهم أو ترقّيهم. المعايير لا تزال مهمة. وبدلاً من ذلك، ركّز على ما يمكن للأشخاص إضافته إلى العقليات والمهارات والخبرات في الفريق.

خذ مسيراتهم المهنية بعين الاعتبار 

سل “ماذا الذي تعلّمه هذا الشخص من تجاربه؟ هل يمكنه أن يتحمل المخاطر ويثابر لتخطي الصعاب؟”. نعتقد في الكثير من الأحيان أنّ سرعة الترقية تُعتبر مؤشراً على موهبة الشخص، غير أنّ استخدام هذه المعايير قد يدفعك إلى تجاهل قيمة الصلابة والمثابرة. الشخص الذي جازف ولم تؤت مجازفته ثمارها على سبيل المثال، ربما يكون قد تعلّم أكثر من الشخص الذي اختار مساراً آمناً، فالدروس التي يتعلمها الناس في حياتهم المهنية غالباً ما تكون هي المفتاح لكشف مساهماتهم المضافة.

نجاح صغير، مكسب كبير

في عام 2016، أشرف أنطون هانبرينك، مدير استراتيجية الشركة والتطوير في شركة إنتويت (Intuit)، على فريق عالي الأداء معروف بمساهماته مع الشركة. النهج التقليدي الذي اتبعه الفريق في العثور على أفضل المواهب كان سهلاً – استهداف خريجي أفضل الجامعات وبرامج الماجستير في إدارة الأعمال من ذوي الخبرة في شركات استشارات إدارية رائدة أو بنوك استثمارية. ولكنّ هذه الخيارات التي سهّلت عملية الفرز، أدت أيضاً إلى رؤية العالم بعين واحدة نسبياً.

للعثور على طريقة أفضل، دفع أنطون فريقه لتوسيع آفاقهم بشأن الطريقة التي نظروا فيها إلى أفضل المواهب. جاء التقدم الذي أحرزه أنطون وفريقه خلال جلسة خارج الشركة عملنا نحن على تيسيرها وكانت تدور حول التحيز الضمني في المعايير، مثل توظيف أشخاص من جامعات النخبة فقط. طلب المدير المالي للشركة من كبار القادة الماليين المتفوقيم للشركة أن يرفعوا أيديهم لمعرفة ما إذا كان أحد منهم قد درس في إحدى جامعات “رابطة اللبلاب” (Ivy League) وهي رابطة تجمع ثماني جامعات تُعتبر من أشهر وأقدم جامعات الولايات المتحدة الأميركية؛ ولكن نادراً ما رفع أحد يده.

استغل أنطون هذه اللحظة من أجل دفع فريقه لفحص هذا المعيار التقليدي عن كثب، فاكتشف الفريق أنّ هذا المعيار لم يكن علامة فعالة على أداء الشخص في المؤسسة، بل كان مجرد خيار تفضيلي خفي. في الواقع، فإنّ الكثير من ذوي الأداء الممتاز في إنتويت، بما في ذلك الرئيس التنفيذي والمدير المالي، لا يحملون شهادات من جامعات “رابطة اللبلاب”.

عمل الفريق مدفوعاً بهمة أنطون على تحديد المهارات والخبرات والعقليات التي كانت ضرورية فعلاً لتحقيق النجاح في الفريق. وحددوا كلاً من القدرة على هيكلة المشاكل المبهمة، وإحداث التغيير في المستويات العليا، وتنمية أعضاء الفريق بفعالية، على أنها مساهمات رئيسة يجب على الرئيس التنفيذي القادم إضافتها إلى الفريق. وأي من هذه القدرات لا يمكن ضمان وجودها في شخص ما بفضل شهادة حصل عليها منذ سنوات وعقود في بعض الأحيان.

بعد إعادة النظر في قالبهم للنجاح تغير نهج الفريق في التوظيف بشكل ملحوظ. فقد حسّنوا على وجه التحديد كيفية إجراء المقابلات مع المرشحين، وعمدوا إلى إشراكهم بشكل أعمق ومدروس في المهارات الأساسية للوظيفة أكثر مما كانوا يفعلون في السابق. حتى أنّهم ذهبوا أكثر من ذلك، إلى حدّ تنقيح أسماء الجامعات وأصحاب العمل السابقين خلال المقابلة.

ونتيجة لذلك، وظف الفريق أشخاصاً من أفضل المواهب شكلت خلفياتهم المتنوعة إضافة إلى مجموع مهارات الفريق. حقق فريق أنطون مزيداً من التنوع على صعيد النوع والعرق أيضاً، ومن خلال إعادة تعريف النجاح تمكّن عدد متنوع أكبر من الناس من إبراز حس القيادة لديهم. كما أن اتساع مروحة المواهب أدّى إلى مناقشة أكثر دقة للأفكار، ومكّن الفريق من استكشاف فرص أعمال جديدة وتحديد الرؤى الاستراتيجية الهامة التي كانت تغيب عن نهجهم القديم في توظيف المواهب.

هذه هي قوة إعادة النظر في افتراضاتنا المسبقة وأخذ مساهمات الأشخاص المضافة بعين الاعتبار. إنّها تغييرات صغيرة من جانبنا، ولكنّ عائدها كبير.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .