كيف استُخدم الذكاء الاصطناعي لابتكار فحوص طبية جديدة؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

للذكاء الاصطناعي تأثير قوي على صناعات كالنقل وتجارة التجزئة والطاقة والقطاع المصرفي، لكن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب لا تزال في بداياتها الأولى. إلا أنّ المقدرات القوية لهذه التقنية تبشر بتمكين الكشف المبكر عن المرض والشذوذات الاستقلابية، وتحمل أملاً للأطباء والمرضى.

من فوائد الذكاء الاصطناعي قدرته الفريدة على إدماج عدد ضخم من البيانات والكشف عن الأنماط الدقيقة أو تلك التي قد يصعب على البشر التعرف عليها. ولهذه الأنماط الدقيقة مقدرة كبيرة على تنبيه الأطباء للتغيّرات الفيزيولوجية التي عليهم التعامل معها.

لهذا السبب سعينا للاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي لابتكار طرق جديدة للكشف عن تقلبات مستويات البوتاسيوم في الدم، ويكون بوسع المرضى القيام بهذا الكشف بسهولة في المنزل من دون سحب دم. نحن نستعد الآن لعرض التقنية على إدارة الغذاء والدواء الأميركية من أجل الحصول على الموافقة.

منحتنا مبادرة  ابتكار “فحص للدم من دون سحب دم” رؤى على الطريقة التي يحصل بها الابتكار في الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي والتي تتناول بصورة مباشرة حاجة لدى المريض أو الطبيب لا تتم تلبيتها، إنها رؤى نأمل أن تكون مفيدة للآخرين المهتمين بتسخير قوة الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية.

يعد البوتاسيوم أساسياً لتحقيق التوازن الكهربائي الخلوي في الجسم، ويُبقي الجسم مستوياته منه ضمن نطاق ضيق. قد تؤدي تقلباته إلى اضطراب نبض القلب والموت المفاجئ وهو أمر تتسبب به الأدوية التي نستخدمها لمعالجة المرضى الذي هم أكثر عرضة لخطر هذه التغييرات: الذين يعانون من أمراض القلب أو الكلى. ونظراً لارتفاع مخاطر الضرر الذي قد يلحق بالمريض عندما تكون مستويات البوتاسيوم مرتفعة جداً أو منخفضة جداً، يتردد الأطباء في ضبط الأدوية التي تؤثر على مستويات البوتاسيوم قبل إجراء فحص للدم أولاً. ومع انتشار أمراض القلب والكلى والعوامل المسببة لها، وارتفاع ضغط الدم ومرض السكري تحديداً، يتزايد كذلك عدد المرضى الذين هم في خطر بسبب التركيزات المرتفعة أو المنخفضة بشكل غير طبيعي من البوتاسيوم في الدم (فرط ونقص بوتاسيوم الدم).

لطالما تطلبت فحوصات بوتاسيوم الدم سحباً للدم وهي غير متاحة إلا في مكاتب الأطباء أو المستشفيات، ما شكّل تقييداً كبيراً لتدابير الكشف المبكر والوقاية. كان هدفنا هو التوصل لفحص يمكن للأشخاص القيام به في المنزل، من دون سحب دم. فمن شأن الكشف المبكر عن المستويات غير الطبيعية من البوتاسيوم في الدم أن يسمح بمعايرة الأدوية بصورة فعالة أكثر، ومعالجة المشاكل التي تحتاج للمعالجة قبل حدوثها، وتجنب الحاجة للدخول إلى المستشفى وخفض التكاليف.

ولدعم منهجنا، احتجنا لأن نكون قادرين على الإبلاغ عن أدق ما يحصل من تغييرات. وقد منحنا الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة المقدرة على الاستفادة من كم هائل من البيانات السريرية التي جُمعت من عيادة مايو كلينك على مر الوقت، والتي يمكن استخدامها لاحقاً لتوليد خوارزمية حاسوبية مؤتمتة للطريقة الجديدة في فحص الدم.

النقاط المستفادة من تجربة عيادة مايو كلينك في مجال الذكاء الاصطناعي

تستخدم الطريقة التي طورناها تقنية الهاتف الذكي مع تحليل خوارزمي لتسجيلات تخطيط كهربائية القلب (ECG). وبالتعاون مع شريكنا شركة ألايفكور (AliveCor)، طورنا نظاماً لتوصيل الأقطاب الكهربائية إلى هاتف ذكي للحصول على تسجيل عالي الجودة لتخطيط كهربائية القلب. ثم طورنا خوارزمية تكتشف أدق التفاصيل في مورفولوجيا شكل موجة التخطيط لتحديد مستويات البوتاسيوم في مصل الدم في الوقت الحقيقي القريب. وتحققنا من منهجنا عبر سلسلة من الدراسات السريرية ووجدنا أنّ درجات البوتاسيوم ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسلسلة من فحوصات الدم أُخذت من نفس المرضى.

نورد في ما يلي النقاط المستفادة من منهجنا في تطوير هذا الفحص:

اجمع فريقاً متعدد التخصصات

سيكون العامل الأولي والأساسي في تحقيق النجاح هو الوصول إلى الأشخاص المناسبين للعمل معهم جنباً إلى جنب لتحقيق الهدف الأوحد والمتمثل في تطوير فحص للدم من دون سحب دم، إذ يكون باستطاعة المرضى القيام به بسهولة وبأنفسهم في المنزل. يتطلب هذا النوع من الابتكار فريقاً متعدد التخصصات من الأطباء ومهندسي البرمجيات والأجهزة ومنسقي الدراسة السريرية وخبراء في التوظيف التجاري للتقنيات الطبية. وما بدأ كشراكة بين خبراء في فيزيولوجيا كهرباء القلب وأمراض الكلى وضغط الدم، تطور سريعاً ليشمل خبراء في تقنية المعلومات وتحليلات البيانات وتعلم الآلة وذلك مع ظهور الحاجة لتحسين الخوارزمية. قمنا بعدها بإشراك فريقنا الداخلي من الخبراء من مؤسسة مايو كلينك فنتشرز (Mayo Clinic Ventures) للمساعدة في تحديد شريك، ألايفكور، ليساعدنا في تطوير منتج يمكن وضعه أمام الأطباء ومقدمي الرعاية في كل مكان.

ابدأ من الارتباطات المعروفة

بما أنّ التغييرات في مستويات البوتاسيوم في الدم تؤثر على تخطيط كهربائية قلب المريض، افترضنا أنّ الإشارة التي عالجها تخطيط القلب يمكن استخدامها كفحص غير جراحي وسهل الاستخدام إن نحن استطعنا تطوير طريقة لترجمة الإشارة المستخدمة في تخطيط كهربائية القلب إلى مقياس لنطاق كامل من مستويات البوتاسيوم في الدم. لكن في حين كانت مؤشرات تخطيط كهربائية القلب التي تدل على مستويات شاذة جداً من البوتاسيوم في الدم هي مؤشرات معروفة، وهو ما يحصل عندما يكون المريض قريباً من السكتة القلبية، لم نكن نعرف السمات المرتبطة بمستويات البوتاسيوم التي تقع ضمن أو أقرب ما تكون إلى النطاق الطبيعي.

على هذا الأساس، بدأنا بفحص بيانات من مجتمع من المرضى لديهم مستويات شاذة جداً من البوتاسيوم: من هم في المراحل الأخيرة من مرض الكلى ويجرون غسيلاً للكلى. فقد تحدث خلال جلسات غسيل الكلى هذه انخفاضات حادة في البوتاسيوم خلال بضع ساعات. لهذا، تضمّن هذا الأسلوب “الخاضع للإشراف” قيام خبرائنا البشريين بتقييم التغيّرات في سمات تخطيط كهربائية القلب المرتبطة بتغيرات البوتاسيوم أثناء غسيل الكلى. أدى ذلك إلى وضع تقديرات للبوتاسيوم قائمة على تخطيط كهربائية القلب ومن ثم تطوير خوارزميات حاسوبية مرتبطة بها.

حدد الشركاء الخارجيين للانتقال من المختبر إلى سرير المريض

كي نجعل فحصنا متوفراً على نطاق واسع، أدركنا أنّه علينا البحث عن شريك خارجي. وبمساعدة مايو كلينيك فنتشرز، اخترنا شركة ألايفكور (وهي شركة مقرها في ماونتن فيو في كاليفورنيا) لأنها شركة تقنيات طبية قائمة على الذكاء الاصطناعي ومعروفة بأنها أول من طور تخطيطاً لكهربائية القلب يتم إجراؤه بالاتصال عن طريق الهاتف الجوال وذلك بالاستفادة من الشبكات العصبية العميقة. هذه الشبكات، المصممة للعمل بنفس طريقة عمل الدماغ البشري من حيث معالجة المعلومات وفرزها، تجعل التعلم الآلي ممكناً. وهي تتخذ قرارات أو تقوم بتنبؤات بدرجة من اليقين تختلف تبعاً للبيانات التي تحصل عليها. لقد آمنّا أنّ منصة ألايفكور وشبكتها القائمة على الذكاء الاصطناعي سوف تسمح بإجراء فحص البوتاسيوم بسهولة من المنزل وسوف تساعد في توسيع التقنية – وجعلها متاحة على نطاق واسع. (حصلت شركة ألايفكور على رخصة لهذه التقنية).

كان بوسع الشبكات العصبية التي طُورت عبر ألايفكور النظر في ارتباطات تتجاوز قدرة البشر لاكتشاف أدق التغييرات في الأنماط. وقد نتج عن ذلك خوارزمية تفوقت على الأسلوب الخاضع للإشراف – لكنها لم تكن مثالية.

انتبه لأوجه القصور في الذكاء الاصطناعي

ليس تعلم الآلة محصناً ضد المشاكل الإحصائية التقليدية مثل العثور على ارتباطات من حدث عشوائي واحد فقط، وهو ما يجعل الحصول على مجموعات بيانات كبيرة مهماً في تعلم الآلة من أجل تقليل عدد المشاكل. وعلى عكس التحليل الإحصائي التقليدي، لا نعرف لماذا تتوصل الخوارزميات المستخدمة في تعلم الآلة إلى استنتاجاتها. وبالنتيجة، تتطلب العملية تقييماً وتحققاً بشرياً صارماً.

في حالة هذا المشروع، تمكنّا من الحصول على بيانات تتضمن قياسات متزامنة لتخطيط كهربائية القلب وقياسات البوتاسيوم من أكثر من مليوني مريض من مايو كلينك. الآن، وبوجود هذه المجموعة الكبيرة من البيانات، كان من المهم جداً قيام خبرائنا من الأطباء السريريين وخبراء تقنية المعلومات بتقييم هذه البيانات والتحقق منها. على سبيل المثال، بما أنّ البوتاسيوم ينخفض أثناء الغسيل الكلوي، فقد تكهنّا بأنّ الخوارزمية قد تكون استخدمت مدة غسيل الكلى بدلاً من أنماط تخطيط القلب لتحديد بوتاسيوم الدم. لهذا قمنا بتحسين الخوارزمية باستبعاد هذا الوقت من بيانات الذكاء الاصطناعي.

عالج قابلية الاستخدام

يتم عادة إجراء التخطيط التقليدي لكهربائية القلب في بيئة طبية. وهو يتضمن وضع 12 قطباً كهربائياً في مواقع دقيقة على الصدر والأطراف ويستلزم معدات متخصصة ويتطلب تدريباً. ولجعل الخوارزمية مفيدة خارج الإعدادات السريرية في المستشفيات كان علينا تبسيط الواجهة التي تستقبل تخطيط القلب. استخدمنا لهذا الغرض جهاز ألايفكور المعتمد من إدارة الغذاء والدواء الأميركية والذي بوسع المرضى استخدامه في المنزل.

يحتوي جهاز ألايفكور على حساس لتخطيط القلب يُعلّق على الجزء الخلفي من الهاتف الذكي. ويتم الحصول على الإشارة بتثبيت الحساس بكلتا اليدين. لدى ألايفكور أيضاً حساس لتخطيط القلب مدمج في سوار ساعة آبل، ويكون الحصول على الإشارة فيه بوضع الإبهام على الحساس. وافقت إدارة الغذاء والدواء على الجهازين لالتقاط تخطيط القلب والكشف عن إيقاع غير طبيعي في القلب يسمى الرجفان الأذيني. الآن، تستطيع تقنية فحص الدم من دون سحب دم الاستفادة من جهاز ألايفكور المعتمد من إدارة الغذاء والدواء لالتقاط بيانات تخطيط القلب واستخدام هذه البيانات للتنبؤ بمستويات البوتاسيوم. (ومرة أخرى، يتطلب تطبيق البوتاسيوم هذا موافقة إدارة الغذاء والدواء، والتي سوف نعمل على الحصول عليها).

اعتمد على خبراء في التوظيف التجاري

شاركت مؤسسة مايو كلينك فنتشرز، وهي فريقنا الداخلي الذي يتمتع بالخبرة في الملكية الفكرية والاستثمارات المبكرة والتطوير الاستراتيجي للأعمال، في تسويق تقنية البوتاسيوم. فقد ساعدت في تطوير الملكية الفكرية، وكما ذكرنا أعلاه، ساعدتنا على تحديد شريك مناسب (وهو ألايفكور) لديه خبرة مكملة ورؤية مماثلة: تسخير قوة الذكاء الاصطناعي لتطوير ممارسة  الطب للأطباء والمرضى. كما وفرت ألايفكور خبرة كنا بأمس الحاجة لها في مجال الهندسة وتطوير المنتجات والدعم والوصول إلى سوق الرعاية الصحية الأكبر.

بوسع تعلم الآلة، الذي لم يكن له إلى الآن سوى تطبيقات محدودة في مجال الطب، أن يكون أداة قوية في تطوير حلول موثوقة للاحتياجات السريرية واحتياجات المريض غير المتوفرة حالياً. ومع ذلك، فإنّ الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي في الطب – وتحديداً تطبيقات تعلم الآلة- يتطلب أيضاً النظر للأمور بمنظور إنساني. وكما يُظهر تطوير فحصنا لمستويات البوتاسيوم في الدم، يتطلب الأمر أن يعمل خبراء الطب والتقنية معاً لوضع سياق للاستنتاجات التي يستخلصها الذكاء الاصطناعي وتعديل الأنظمة والأدوات للحصول على الدقة المثلى. لقد وفّر لنا الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة الإرشاد، لكن الناس هم من دعموا نجاحنا المتعلق باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب.

إفصاح: لدى مايو كلينك والمؤلفين مصالح مالية في ألايفكور. تستخدم مايو كلينك أية إيرادات تحصل عليها لدعم مهمتها غير الربحية في رعاية المرضى والتعليم والأبحاث.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .