إطار عمل للقادة الذين يتخذون قرارات صعبة

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يعجز كثير من الأدوات المستخدمة في عمليات صنع القرار عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات غير موضوعية معقدة كالتي يواجهها كثير من القادة اليوم. في هذه المقالة، يقدم الكاتب إطار عمل بسيطاً يساعد في توجيه القادة في عملية اتخاذ هذه القرارات الصعبة. من خلال التمعن بدقة في الآداب المهنية (أي ما يعتبر مقبولاً في مؤسستك أو مجتمعك) والأخلاقيات (إحساسك الداخلي بما هو صحيح أو خاطئ) والمسؤوليات المترافقة مع دورك الوظيفي، ستبدأ بفهم كيف تتوافق مسارات العمل المختلفة مع هذه القيم المختلفة، واتخاذ قرارات مدروسة عندما يكون تضارب هذه القيم أمراً لا مفر منه. وعلى الرغم من عدم توفر حلول سهلة، فإن أساس القيادة النزيهة هو التفكير الاستباقي بقراراتك من خلال هذه العدسات الثلاث، وتمييز نقاط التعارض بين هذه القيم وقراراتك السابقة.

 

إن الكثير من أطر العمل المتبعة في عملية صنع القرارات يهدف إلى مساعدة القائد على استخدام معلومات موضوعية في الحد من التحيز أو العمل تحت ضغط الوقت أو الاستفادة من البيانات. لكن أطر العمل هذه تفشل عند الحاجة إلى اتخاذ قرارات تستند إلى مصادر معلومات شخصية غير موضوعية تقترح مسارات عمل متضاربة. ومعظم القرارات الصعبة تندرج ضمن هذه الفئة.

وعلى وجه الخصوص، يجب أن يوازن القائد عند اتخاذ قرار معقد بين ثلاثة أبعاد شخصية غير موضوعية، وهي:

1- الآداب المهنية، أو المبادئ الخاصة بالسياق والمتعلقة بما هو مقبول في المؤسسة أو المجتمع.

2- القواعد الأخلاقية، أو إحساسك الداخلي بما هو صحيح أو خاطئ، والذي تشكله التربية والعائلة والمجتمع والهوية والمعتقد وما إلى ذلك.

3- مسؤوليات الدور الوظيفي، أو فهمك للمسؤوليات المرتبطة بدورك الوظيفي في المؤسسة.

ومن غير المفاجئ أن تكون هذه الاعتبارات متعارضة أحياناً. وعندما يقع هذا التعارض، لن يكون من السهل التوصل إلى الحلول. ولكن، عن طريق التمعن بدقة في هذه الأبعاد الثلاثة، يمكن للقائد المضي قدماً وهو واثق بأن القرار الذي يتخذه يعكس أفضل توازن ممكن بين مبادئه على الرغم من اختلافها.

خذ مثال رئيسة تنفيذية مضطرة لاتخاذ قرار بتسريح الموظفين أو إبقائهم أثناء فترة ركود. عند التفكير بالأمر من منظور الأخلاق، ستشعر أن حرمان الفرد من مصدر رزقه في الأزمة هو أمر لا أخلاقي. في حين تفرض الآداب المهنية على القائدة المفاضلة بين رفاهة عدد قليل من الأفراد واحتمال تعرض المؤسسة بأكملها للخطر. وإذا كانت القائدة تؤمن بأن دورها يفرض عليها حماية مصالح أكبر عدد من أصحاب المصلحة الأساسيين في المؤسسة، ومنهم المساهمين والموظفين والعملاء وأفراد المجتمع، فقد تتوصل إلى أن وظيفتها تفرض عليها أن تسرح بعض الموظفين بهدف حماية الأكثرية في المؤسسة. وهذا يشير إلى أن متطلبات دورها تتوافق مع الآداب المهنية، ولكنها تتعارض في نفس الوقت مع قواعدها الأخلاقية الشخصية. وبذلك، يمكن تبسيط القرار إلى خيارين، فإما أن تحاول إقناع أصحاب المصلحة الأساسيين بمواءمة توقعاتهم مع قواعدها الأخلاقية؛ وإما أن تضحي بوجهة نظرها الشخصية في سبيل الصالح العام.

من الجدير بالذكر أن هذه الأبعاد الثلاثة ليست ثابتة، وهذا ما يزيد القرارات الصعبة تعقيداً. فعلى سبيل المثال، في عام 2014، كان النهج غير المسيّس يعتبر على نطاق واسع هو الإطار الأخلاقي الملائم للقادة؛ في حين أصبح كثير من الموظفين والمستهلكين اليوم يطالبون القادة باتخاذ مواقف حازمة في القضايا الاجتماعية. لذا، يجب على القائد الاستمرار بتحديث فهمه للإطار الأخلاقي الذي يفرضه السياق الحالي.

ومن خلال مواكبة القائد لهذه التغيرات الأخلاقية وفهم أسبابها، قد يرى ضرورة في مراجعة وجهات نظره الخاصة ومحاولة تكييفها بما يلائم هذه التغيرات. وستتمكن من صقل قواعدك الأخلاقية الخاصة عن طريق إحاطة نفسك بفريق متنوع يقدم وجهات نظر مختلفة بناء على خبرات وقيم أو خلفيات علمية مختلفة.

وأخيراً، على الأرجح سيتغير دورك وفهمك لهذا الدور عدة مرات على مدى مسيرتك المهنية. هل تتساوى واجباتك تجاه جميع أصحاب المصلحة؟ ما هي النتائج التي يتوقعها منك أصحاب المصلحة على اختلافهم، ومن هم أصحاب التوقعات الأهم؟ هل يجب أن تعامل الموظفين والعملاء والمجتمعات بنفس القدر من الاهتمام الذي تعامل به المالكين والمستثمرين؟ سيتعين عليك تقييم جميع هذه الأسئلة مرة بعد مرة مع تطور دورك.

وفي سبيل القيام بأعمال القيادة بنزاهة، من الضروري أن تتعلم طريقة فهم هذه الأولويات المتغيرة وموازنتها. ليس هناك طرق مختصرة، إلا أن الاستثمار الدائم في قيمك والسعي لتحقيق التوافق بين عنصرين على الأقل من العناصر الثلاثة، (القواعد الأخلاقية والآداب المهنية والدور الوظيفي)، سيمنحك الأدوات اللازمة لاتخاذ القرارات الصعبة التي يواجهها جميع القادة. فيما يلي، أقترح خمس مجموعات من الأسئلة التي يمكنك طرحها على نفسك كي تتمكن من فهم ما يقع على عاتقك من مسؤوليات الآداب المهنية والقواعد الأخلاقية والدور الوظيفي وتطويرها وصياغتها بوضوح.

1. وضح نظرتك الحالية للعالم

اطرح الأسئلة التالية على نفسك من باب الدراسة لا إطلاق الأحكام:

  • كيف أريد أن ينظر الآخرون إليّ بصفتي قائداً للفريق؟ ما الذي أريد الدفاع عنه؟
  • ما هي الغاية من الأعمال عموماً برأيي؟ هل هي رفع القيمة السهمية للشركة إلى أقصاها، وبالتالي تحسين المجتمعات من خلال رفع الثروة الجماعية؟ أم هي تحسين المجتمعات والعالم بغض النظر عن تكوين الثروة؟ أم هي مزيج من الاثنين؟ أم هي غاية مختلفة تماماً؟
  • ما هي الغاية من أعمال شركتنا برأيي؟ هل تتطابق مع رؤيتي للأعمال عموماً، أم هناك بعض الفوارق بناء على حجم الشركة أو موقعها أو خدماتها؟
  • ما هو دوري في شركتنا؟ ما هي واجباتي، وتجاه مَن ألتزم بها؟
  • ما هي التضحيات التي أعتزم تقديمها في سبيل تحقيق أي هدف مطلوب؟ ما هو الأمر الذي لن أضحي به على الإطلاق؟

لنعد إلى مثال الرئيسة التنفيذية التي تصارع قرار تسريح الموظفين في فترة الركود، فقد تتمكن من صياغة رغبتها في أن تظهر كقائدة خبيرة ومحنكة بل متعاطفة في نفس الوقت، وذلك من خلال إيمانها بأن الهدف من وجود الأعمال هو توليد الثروة للأفراد والمجتمعات، ووجهة نظرها بأن غاية أعمال الشركة تحديداً هي تحسين جودة حياة الناس، وإدراكها لحقيقة أن تلبية هذه الأهداف يتطلب من الأعمال تحقيق الأرباح.

2. اختر قراراً مهماً ثم قيّمه مقارنة بما استخلصته من الأسئلة السابقة

مجدداً، ومن دون إطلاق الأحكام، اطرح الأسئلة التالية على نفسك:

  • كيف تماشى هذا القرار مع المسؤوليات التي حددتها لنفسي فيما يتعلق بالآداب المهنية والقواعد الأخلاقية والوظيفة؟ وما هي نقاط تعارضه معها؟ وما هي أسباب هذا التعارض؟
  • إن كان عليّ اتخاذ هذا القرار مرة أخرى، فما الذي يجب عليّ فعله على نحو مختلف كي يتماشى هذا القرار تماماً مع مسؤولياتي المتعلقة بالآداب المهنية والقواعد الأخلاقية والوظيفة؟
  • هل يجب عليّ تعديل أمر ما في فهمي لأطر القواعد الأخلاقية والآداب المهنية أو فهمي لمسؤوليات دوري في ضوء ما استخلصته من الأسئلة التي طرحتها؟

بعد أن استوعبت الرئيسة التنفيذية رغبتها في أن تظهر كقائدة خبيرة ومحنكة بل ومتعاطفة، قد تدرك أنها قد مرت فيما مضى بمواقف أكدت على واحدة من هاتين الميزتين أكثر من الأخرى، وقد تستنتج من ذلك أنها تثمن إحدى الميزتين أكثر من الأخرى؛ أو أن أفعالها فيما سبق لا تتسق مع قواعدها الأخلاقية والآداب المهنية أو مسؤولياتها الوظيفية، وأنه يتعين عليها تحقيق اتساق أكبر بين أفعالها المستقبلية وقيمها هذه.

3. تمعن في القرار الذي ستضطر لاتخاذه قريباً

ضع في اعتبارك ما يلي:

  • إذا كنت أرغب في اتخاذ قرار متوافق تماماً مع إطار قواعدي الأخلاقية والآداب المهنية في مجتمعي ومسؤولياتي الوظيفية في المؤسسة، فما الذي يتعين عليّ فعله؟
  • إذا كان اتخاذ قرار متوافق مع كل هذه الأمور مستحيلاً أو شديد الصعوبة، فما هي التضحية التي أنوي تقديمها؟

في مثالنا عن قرار تسريح العمال، يمكن للرئيسة التنفيذية رؤية أن التوقعات من دورها كرئيسة تنفيذية متوافقة مع سياق الآداب المهنية، ولكنها غير قادرة على توفيقها مع قواعدها الأخلاقية الشخصية. لذا، تجد الرئيسة التنفيذية نفسها أمام عدد محدود من الخيارات، فإما أن تتجاهل مسؤولياتها الوظيفية (وهو خيار يمكنها اتخاذه مرة واحدة فقط لأنه على الأرجح سيؤدي إلى إقالتها من منصبها كرئيسة تنفيذية)؛ وإما أن تضحي بقواعدها الأخلاقية (الانزلاق إلى النفاق الذي لا يمكن لكثير من الناس احتماله)؛ وإما أن تحاول التأثير في أصحاب المصلحة الرئيسيين لتغيير توقعاتهم منها كي تصبح متسقة مع مبادئها الأخلاقية الشخصية؛ وإما أن تجدد فهمها لمبادئها الأخلاقية الخاصة كي تصبح متسقة مع مسؤولياتها الوظيفية والآداب المهنية.

4. ضع خطة لتبليغ الموظفين بقرارك

ضع في اعتبارك ما يلي:

  • هل سيكون من الصعب إيصال هذا القرار بطريقة تعكس أطر القواعد الأخلاقية والآداب المهنية التي بني عليها؟ كيف يمكن لشخص يملك وجهة نظر بديلة أو مر بتجربة مختلفة تفسير القرار بمعنى مغاير للمعنى المقصود منه؟
  • كيف أزيد احتمالات أن يفهم الموظفون المقصود من القرار كما هو؟
  • لا يولد أي قرار في الفراغ. هل هناك شيء فعلته المؤسسة، أو لم تفعله، قد يعتبر معاكساً للرسالة التي أود إيصالها؟ كيف يمكنني الاعتراف بنقاط التعارض المحتملة ومعالجتها عندما أبلّغ الموظفين عن القرار الحالي؟

في هذه الحالات، لا تصب الفروقات الدقيقة في مصلحتك. ومن الطبيعي أن تنتابك مشاعر مختلطة، لكن بوصفك قائداً، يتعين عليك إيصال رسالة واضحة متسقة. لذا، تحدث عما تدافع عنه بوضوح وسيفهم الموظفون قرارك، حتى وإن لم يعجبهم. حتى وإن كانت الرئيسة التنفيذية تشعر حقاً بحزن أو غضب أو خيبة أمل جراء فكرة تسريح موظفيها، يجب عليها تفادي التركيز على مشاعرها بطريقة دفاعية، وأن تضع أسباب القرار وتماشيه مع القواعد الأخلاقية والآداب المهنية والمسؤوليات الوظيفية التي تتمسك بها دائماً في محور تواصلها مع الموظفين لإبلاغهم بقرارها.

5. قم بتأمل ذاتي عميق

هذا هو الجزء الأصعب. والآن، بعد أن أتممت التمرين، اطرح على نفسك الأسئلة التالية:

  • هل كنت صريحاً تماماً مع نفسي في صياغتي السابقة لقيمي؟
  • ما هي القيم التي أمنحها الأولوية؟ ولماذا؟ وعلى حساب من؟
  • كي أتمكن من معالجة نقاط التعارض، هل يجب عليّ تعديل صياغتي لمسؤولياتي فيما يتعلق بقواعدي الأخلاقية وبالآداب المهنية وبدوري في المؤسسة كي تتطابق مع سلوكي، أم يتعين عليّ تعديل سلوكي كي أضمن تطابقه مع ما أقول إنه مهم بالنسبة لي؟

هذه العملية ليست سهلة، وفي الحقيقة، أثبتت الأبحاث أن من لا يهتمون كثيراً بالقواعد الأخلاقية لا يواجهون صعوبة كبيرة في معالجة هذه المعضلات عالية المخاطر. ربما ساعد هذا الأمر في تفسير هيمنة القادة الذين لديهم نزعات تعكس اعتلالاً نفسياً، لكنه بالتأكيد سبب آخر يدفعك للاستثمار في فهم قيمك الخاصة وتعزيزها، كي تضمن أن تعمل كقوة مؤيدة للخير في ساحة تعج بلاعبين لا يتبعون القواعد الأخلاقية.

وكلما عملت أكثر على استكشاف الإطار الذي تتبعه في صنع القرارات الصعبة بصورة مجردة، أعددت نفسك بصورة أفضل لاتخاذ قرارات صعبة عندما تفرض وظيفتك عليك ذلك. سيساعدك كل قرار صعب تتخذه على الاستمرار بصقل فهمك لقواعدك الأخلاقية الأساسية والدور الذي تقوم به وسياق الآداب المهنية الذي تعمل ضمنه، في الوقت المناسب تماماً لاتخاذ الخيار الصعب التالي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .