علي بابا ومستقبل قطاع الأعمال

16 دقيقة
شركة علي بابا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إليك هذا المقال الذي يحدث عن نجاح شركة علي بابا تحديداً. تصدّر الاكتتاب العام على أسهم شركة “علي بابا” (Alibaba) العناوين الصحفية في سبتمبر/ أيلول 2014 بوصفه أكبر اكتتاب عام في العالم. أمّا اليوم، فإنّ القيمة السوقية للشركة تضعها في مصاف أكبر 10 شركات عالمية، وقد تجاوزت سلسلة “وول مارت” (Walmart) في المبيعات العالمية، وتوسّعت لتدخل جميع الأسواق الرئيسية في العالم. وأصبح مؤسسها جاك ما من الأسماء المشهورة في كل منزل.

سجّلت الشركة منذ انطلاقتها في العام 1999 نمواً كبيراً في منصتها للتجارة الإلكترونية. لكنّها مع ذلك، لم تكن الأفضل في مجالها بعد في 2007 عندما اجتمع فريق الإدارة، الذي كنت قد انضممت إلى صفوفه كموظف متفرّغ في العام الذي سبقه، في فندق عادي على شواطئ نينغبو في مقاطعة جيجيانغ الصينية لمناقشة الاستراتيجية خارج مقرّات الشركة. خلال الاجتماع، بدأت ملاحظاتنا وأفكارنا غير المترابطة حول اتجاهات التجارة الإلكترونية بالتقارب للتوحّد على شكل رؤية أوسع للمستقبل، وبحلول نهاية الاجتماع، اتفقنا على رؤية تقوم على “تعزيز تطوير منظومة تجارة إلكترونية تتّسم بالانفتاح والتنسيق والازدهار”. وكانت هذه البداية الحقيقية لرحلة علي بابا.

لقد أدركنا بأن ابتكارنا الخاص بنا في علي بابا يتمثّل في أننا نبني منظومة تتكون من مجموعة مؤلفة من عناصر (شركات تجارية ومستهلكين من كل الأنواع) تتفاعل مع بعضها البعض ومع البيئة (منصة الإنترنت والعناصر المادية الأوسع الواقعة خارج عالم الإنترنت). كانت أولويتنا الاستراتيجية الأساسية هي ضمان توفير المنصّة لكل الموارد، أو إمكانية الوصول إلى الموارد، التي تحتاجها أي شركة تعمل على الإنترنت لكي تنجح، وبالتالي دعم تطوّر المنظومة.

اتسمت المنظومة التي بنيناها بادئ الأمر بالبساطة: فقد ربطنا بين مشتري البضائع وبائعيها. ومع تطوّر التكنولوجيا، انتقل عدد أكبر من الوظائف التجارية إلى الإنترنت – بما في ذلك الوظائف الأساسية المتعارف عليها، مثل الإعلان، والتسويق، والجوانب اللوجستية، والمالية، وكذلك الوظائف الناشئة، مثل التسويق بالعمولة، والموصين بالمنتجات، والمؤثرين على شبكاتالتواصلالاجتماعي. وأثناء توسعتنا لمنظومتنا لتستوعب هذه الابتكارات، ساعدنا في إنشاء أنماط جديدة من الأعمال على شبكة الإنترنت، معيدين بذلك ابتكار قطاع التجزئة في الصين بالكامل خلال هذه الرحلة.

فكرة المقالة بإيجاز

  • نموذج تجاري جديد شركة علي بابا هي مثال على شركة المستقبل الذكية. و”الشركة الذكية” هي المنصّة المعتمدة على التكنولوجيا والتي تنسّق ما بين عدّة جهات تجارية تقع ضمن منظومة واحدة.
  • كيف يعمل هذا النموذج تتشارك الجهات المعنية في المنظومة بالبيانات، وتطبّق تكنولوجيا تعلّم الآلة لتحديد احتياجات المستهلك وتلبيتها بشكل أفضل.

كيف يُبنى هذا النموذج يقوم على أتمتة آلية اتخاذ القرارات من خلال:

  • ضمان توفير كل تفاعل لأكبر قدر ممكن من البيانات
  • ضمان إدخال البرمجيات على جميع الأنشطة والفعاليات التجارية
  • استعمال واجهات برمجة التطبيقات (APIs) وغيرها من بروتوكولات الواجهات لضمان التفاعل السلس بين أنظمة البرمجيات
  • تطبيق تعلّم الآلة لتفسير البيانات فورياً وآنياً

ليست شركة علي بابا اليوم مجرّد شركة للتجارة الإلكترونية عبر الإنترنت. وإنما هي مزيج من جميع الوظائف المرتبطة بتجارة التجزئة المنسقة عبر الإنترنت للتحوّل إلى شبكة متمدّدة ومعتمدة على البيانات ومؤلفة من البائعين، والمسوّقين، ومقدّمي الخدمات، وشركات الشحن والجوانب اللوجستية، والمصنّعين. بعبارة أخرى، تقوم شركة علي بابا بما تقوم به أمازون، و”إيباي” (eBay)، و”باي بال” (PayPal)، وجوجل، و”فيديكس” (FedEx)، وبائعو الجملة، ونسبة كبيرة من المصنعين في الولايات المتحدة الأميركية، يُضاف إلى ذلك رشّة ملح خفيفة تتمثّل في تقديم دعم لطيف للخدمات المالية.

من بين الشركات العشر الأكثر قيمة في العالم اليوم، سبع منها هي شركات إنترنت تمتلك نماذج تجارية مشابهة لنموذجنا التجاري. خمس منها – أمازون وجوجل وفيسبوك في الولايات المتحدة الأميركية، وعلي بابا و”تينسنت” (Tencent) في الصين – لم يمض على تأسيسها أكثر من 20 عاماً. فلماذا ظهر هذا القدر من القيمة والقوّة السوقية خلال هذا الوقت السريع؟ بسبب القدرات الجديدة التي تستعملها هذه الشركات في مجال تنسيق الشبكات، وذكاء البيانات. كما أنّ المنظومات التي تستخدمها هي أكثر كفاءة بكثير من الناحية الاقتصادية، وأكثر تركيزاً على العميل ممّا هو عليه الحال في القطاعات التقليدية. وتتّبع هذه الشركات مقاربة أسميها “الشركة الذكية”، وأعتقد أنها تمثّل المنطق التجاري الذي سيهيمن مستقبلاً.

ما هي “الشركة الذكية”؟

تتكون الشركة الذكية عندما تعمل جميع الجهات المعنية بتحقيق هدف تجاري مشترك – مثل قطاع التجزئة، أو قطاع سيّارات الأجرة التي تُطلب عن طريق التطبيقات الهاتفية – بشكل منسّق ضمن شبكة موجودة على الإنترنت، وتستعمل تكنولوجيا تعلّم الآلة للاستفادة من البيانات بكفاءة وبشكل فوري. يسمح هذا النموذج القائم على التكنولوجيا، والذي تتّخذ الآلات فيه معظم القرارات، للشركات بأن تتكيّف بطريقة ديناميكية وسريعة مع التغيّرات الحاصلة في ظروف السوق، ومع اختيارات العملاء، ممّا يعطيها ميزة تنافسية هائلة بالمقارنة مع الشركات التقليدية.

تُغذي القدرات الضخمة للحوسبة والبيانات الرقمية تعلّم الآلة، بطبيعة الحال. كلّما زاد حجم البيانات وحجم التكرارات التي يقوم بها المحرك الخوارزمي، كلما كانت النتيجة أفضل. يضع علماء البيانات نماذج للتنبؤ الاحتمالي، ومن ثمّ تقوم الخوارزميات بمعالجة كميات هائلة من البيانات لاستخراج زبدتها وإنتاج قرارات أفضل فوراً مع كل تكرار. وتصبح هذه النماذج التنبؤية أساس معظم القرارات التجارية. وبالتالي، فإنّ تعلّم الآلة هو أكثر من مجرّد ابتكار تكنولوجي: فهو سيُحدث تحولاً في طريقة ممارسة الأعمال، حيث باتت مخرجات الخوارزميات تحل مكان آليات اتخاذ القرار البشرية بصورة متزايدة.

تُعتبرُ شركة “آنت ميكرولونز” (Ant Microloans) المتخصّصة بالقروض الصغيرة، مثالاً مذهلاً على الشكل الذي سيتّخذه المستقبل. فعندما أطلقت شركة علي بابا شركة “آنت” في 2012، بلغ القرض العادي الذي تمنحه البنوك الكبيرة في الصين ملايين الدولارات. حيث كان الحد الأدنى للقرض – والذي يبلغ 6 ملايين يوان صيني، أي أقل من مليون دولار أميركي – أعلى بكثير من المبالغ التي تحتاجها معظم الشركات الصغيرة والمتوسطة. وكانت البنوك متردّدة في تقديم الخدمات للشركات التي تفتقر إلى أي نوع من التاريخ الائتماني، أو حتى التوثيق الكافي لأنشطتها التجارية. ونتيجة لذلك، كانت عشرات الملايين من الشركات في الصين تواجه مصاعب حقيقية في ضمان الحصول على الأموال الضرورية لتنمية عملياتها.

في علي بابا، أدركنا بأنّنا نمتلك المكوّن الأساسي لإنشاء شركة ناجحة ومربحة وقابلة للتوسّع مهمتها إقراض الشركات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة: ألا وهو الحجم الهائل من بيانات العمليات التي يتم جمعها من الشركات الصغيرة العديدة التي تستعمل منصّتنا. لذلك أطلقنا في عام 2010 شركة رائدة للقروض الصغيرة، تعتمد على البيانات الرقمية، بهدف تقديم القروض إلى الشركات، وبمبالغ لا تزيد على مليون يوان (بحدود 160 ألف دولار). وخلال 7 سنوات على انطلاق عملياتها، أقرضت الشركة أكثر من 87 مليار يوان (أو ما يعادل 13.4 مليار دولار)، إلى ما يقارب ثلاثة ملايين شركة صغيرة ومتوسطة. حيث يبلغ متوسط قيمة القرض الواحد 8 آلاف يوان (أو 1,200 دولار). وقد ضممنا عمليات الإقراض هذه إلى شركة “علي باي” (Alipay)، شركتنا الناجحة جدّاً المتخصّصة بالمدفوعات، لإنشاء شركة “آنت فايننشال سيرفيسيز” (Ant Financial Services) للخدمات المالية. وأعطينا المشروع الجديد ذلك الاسم (كلمة “Ant” آنت بالإنكليزية تعني النملة) ليعبّر عن فكرة تمكيننا لجميع الشركات الصغيرة الدؤوبة الشبيهة بالنمل.

وقد باتت “آنت” قادرة اليوم وبكل سهولة على إنجاز معاملات قروض لا تزيد على بضع مئات من اليوانات (ما يُقارب 50 دولاراً) في غضون بضع دقائق. فكيف يمكن تحقيق ذلك؟ عندما تتعامل مؤسسات الإقراض مع المقترضين المحتملين، فإنها تحتاج للإجابة عن ثلاثة أسئلة أساسية: هل يجب أن نقدّم القروض إليهم؟ وما حجم المبلغ الذي يجب أن نقرضه؟ وبأي معدّل فائدة؟ وعندما منحَنا البائعون الموجودون على منصاتنا الإذن بتحليل بياناتهم، أصبحنا في موضع يسمح لنا بالإجابة عن هذه الأسئلة. فالخوارزميات لدينا قادرة على مراجعة بيانات العمليات لتقويم حسن سير عمل الشركة، ومدى تنافسية منتجاتها، وما إذا كان شركاؤها يتمتّعون بتصنيفات ائتمانية عالية، وهكذا دواليك.

تستعمل “آنت” البيانات للمقارنة بين المقترضين الجيدين (من يسدّدون في الوقت المطلوب)، والمقترضين السيئين (من لا يسدّدون في الوقت المطلوب)، وذلك لعزل الصفات المشتركة بين المجموعتين. بعد ذلك تُستعمل هذه الصفات لحساب درجات الجدارة الائتمانية. تقوم جميع مؤسسات الإقراض بهذه العملية بشكل من الأشكال، لكنّ التحليل في “آنت” يجري بشكل آلي على جميع المقترضين وعلى جميع بياناتهم السلوكية فوراً وآنياً. إنّ كل عملية، وكل تواصل بين البائع والمشتري، وكل ارتباط مع الخدمات الأخرى المتاحة على علي بابا، بل وكل حركة تجري على منصّتنا، تؤثّر على درجة الجدارة الائتمانية للشركة. وفي الوقت ذاته، فإنّ الخوارزميات التي تحسب درجات الجدارة الائتمانية تتطوّر هي ذاتها بشكل فوري وآني، ممّا يحسّن جودة آلية اتخاذ القرار مع كل تكرار.

لتحديد المبلغ الذي سيُقرض، والفائدة التي يجب تقاضيها، ينبغي إجراء تحليل للعديد من أنماط البيانات المتولّدة داخل شبكة علي بابا، مثل هوامش الأرباح الإجمالية، ومعدل دوران المخزون، إلى جانب مع المعلومات الأقل دقة رياضياً، مثل دورات حياة المنتج، وجودة العلاقات الاجتماعية والتجارية للبائع. فقد تحلل الخوارزميات، على سبيل المثال، تكرار الاتصالات، وطولها، ونمطها (مثل الرسائل الفورية، أو الرسائل الإلكترونية، أو غير ذلك من طرق الاتصال الشائعة في الصين) لتقويم جودة العلاقة.

[su_accordion] [su_spoiler title=”نظرة سريعة على الشركات الرئيسية التابعة لعلي بابا” open=”no” style=”default” icon=”plus” anchor=”” class=””]

أسواق تجارة التجزئة الصينية 

” تاوباو ماركت بليس” (Taobao Marketplace)

“تي مول” (Tmall)

“رورال تاوباو” (Rural Taobao)

الأسواق العابرة للحدود والأسواق العالمية

“علي إكسبرس” (AliExpress)

“تي مول غلوبال” (Tmall Global)

“لازادا” (Lazada)

تجارة الجملة 

(1688.com) (الصين)

(Alibaba.com) (العالم)

الإعلام الرقمي والترفيه*

“يوكو تودو” (Youku Tudou) (خدمة أفلام الفيديو عبر الانترنت)

“علي بابا بيكتشرز” (Alibaba Pictures)

“علي بابا ميوزيك” (Alibaba Music)

“علي بابا سبورتس” (Alibaba Sports)

“يو سي” (UC) (متصفّح للهاتف المحمول)

الخدمات الأخرى *

“أوتونافي” (AutoNavi) (للخرائط والملاحة)

“كوباي” (Koubei) (خدمات محلية)

(Ele.me) (للتوصيل)

التمويل *

“آنت فايننشال” (Ant Financial) بما في ذلك “علي باي” (Alipay)

“ماي بنك” (MYbank)

الخدمات اللوجستية

“شبكة تساينياو” (Cainiao Network)

الحوسبة السحابية * 

“علي بابا كلاود” (Alibaba Cloud)

* شركات رئيسية تستثمر فيها مجموعة علي بابا وشركاء متعاونون معها

[/su_spoiler] [/su_accordion]

 

تكمن أهمية علماء البيانات في شركة علي بابا في قيامهم بتحديد أنواع البيانات التي توفّر المعطيات والنتائج التي يسعون إليها، واختبار هذه الأنواع من البيانات، ومن ثمّ بناء الخوارزميات بهدف استخراج هذه البيانات. ويتطلّب هذا العمل فهماً عميقاً لعمل الشركة، وخبرة في خوارزميات تعلّم الآلة في الوقت ذاته. دعونا نراجع مثال شركة “آنت” للخدمات المالية من جديد. إذا ثبتَ بأنّ أحد البائعين من أصحاب السجل الائتماني السيئ يسدّد قرضه في الوقت المطلوب، أو كان أحد البائعين من أصحاب السجل الائتماني الممتاز يتخلّف تخلفاً مريعاً عن السداد، فإنّ الخوارزمية ستحتاج إلى تعديل. بوسع المهندسين التحقق من افتراضاتهم بسرعة وسهولة. ما هي المحدّدات التي يجب أن تضاف أو تزال؟ ما أنواع سلوكيات المستخدم التي يجب أن تُعطى وزناً أكبر في الخوارزمية؟

عندما تنتج الخوارزميات التي أعيدت معايرتها تنبؤات أكثر دقة، فذلك يعني انخفاض المخاطر والتكاليف التي تواجهها شركة “آنت”، بينما يحصل المقترضون على الأموال التي يحتاجون إليها، عندما يحتاجون إليها، وبمعدل فائدة ميسّر. والنتيجة هي شركة ناجحة. تبلغ نسبة التخلّف عن السداد في عمليات تقديم القروض الصغيرة حوالي 1%، وهي أقل بكثير من تقديرات البنك الدولي التي تبلغ معدّل 4%.

فكيف بوسعك أن تنشئ هذا النوع من الشركات؟

أتمتة جميع القرارات التشغيلية

لكي تُصنّف شركتكم كشركة ذكية، فإنها يجب أن تمكّن الآلات من اتخاذ أكبر عدد ممكن من القرارات التشغيلية، بالاعتماد على البيانات الحيّة والمباشرة، عوضاً عن اتخاذ هذه القرارات من قبل بشر بالاعتماد على تحليلهم الذاتي للبيانات. وثمّة عملية مؤلفة من أربع خطوات لتحويل عملية اتخاذ القرارات لتصبح بهذه الطريقة.

الخطوة الأولى: تحويل أي تفاعل مع العملاء إلى بيانات. كانت شركة “آنت” محظوظة لإمكانية وصولها إلى كميات كبيرة من البيانات حول المقترضين المحتملين للإجابة عن الأسئلة الأساسية التي تفرضها عمليات الإقراض التي تقوم بها. وبالنسبة للعديد من الشركات، تنطوي عملية جمع البيانات على قدر من التحدي. لكن الحصول على البيانات الحيّة والفورية هو أمر أساسي لخلق ما يسمّى “حلقات التقييمات” (feedback loops) التي تشكّل أساساً لتعلّم الآلة.

لنأخذ شركات تأجير الدراجات الهوائية على سبيل المثال. فقد استفادت الشركات الناشئة في الصين من الإرسال الهاتفي المحمول، وإنترنت الأشياء (على شكل أقفال ذكية للدراجات الهوائية)، وأنظمة الدفع والائتمان الحالية عبر الهواتف المحمولة، بهدف تحويل عملية التأجير بأكملها إلى بيانات.

تضمنت عملية استئجار الدرّاجات الهوائية الذهاب إلى موقع للتأجير، وترك وديعة، ووجود شخص يسلمك الدرّاجة، واستعمال الدرّاجة، وإعادتها، ومن ثمّ دفع الأجرة نقداً أو بواسطة البطاقة الائتمانية. نجحت عدّة شركات صينية منافسة في تنفيذ كل ذلك عن طريق الإنترنت، من خلال دمج أنواع جديدة من التكنولوجيا مع التكنولوجيا القائمة. واحدة من الابتكارات الهامة كانت الجمع بين ما يسمّى رموز الاستجابة السريعة (QR codes)، والأقفال الإلكترونية، والتي أتمتت بذكاء عملية تسليم الدرّاجة ودفع الأجرة. فإذا ما فتح راكب الدرّاجة التطبيق الهاتفي الخاص بتشارك الدرّاجات، بوسعه أن يرى الدراجات المتاحة، وأن يحجز درّاجة قريبة. عندما يصل الراكب إلى مكان الدرّاجة، يستعمل التطبيق لمسح رمز الاستجابة السريعة على الدرّاجة. وبافتراض أنّ الشخص لديه مالاً في حسابه ويفي بمعايير التأجير، فإنّ رمز الاستجابة السريعة سيفتح القفل الإلكتروني للدرّاجة. كما بوسع التطبيق أيضاً التحقّق من التاريخ الائتماني للشخص من خلال “سيسمي كريدت” (Sesame Credit)، وهو منتج جديد على الإنترنت متخصص بالتصنيفات الائتمانية للمستهلكين، وهو إحدى منتجات شركة “آنت” للخدمات المالية، ما يسمح لراكب الدرّاجة بتجاوز عملية دفع الوديعة، الأمر الذي يزيد من سرعة العملية. عندما تُعاد الدرّاجة، فإن إغلاق القفل يكمل العملية. العملية بسيطة، وبديهية، ولا تستغرق عادة أكثر من بضع ثوان.

يحسّن تحويل عملية التأجير بأكملها إلى بيانات من تجربة العميل بشكل كبير. وبناءً على البيانات الحيّة والمباشرة، يمكن للشركات أن ترسل الشاحنات لنقل الدرّاجات الهوائية إلى الأماكن التي يريدها المستخدمون فيها. كما بوسعهم أيضاً تنبيه المستخدمين المنتظمين إلى توفّر الدرّاجات في الأماكن القريبة. وبفضل هذه الابتكارات، تراجعت تكلفة استئجار الدرّاجات في الصين إلى بضع سنتات فقط في الساعة الواحدة.

تجمع معظم الشركات التي تسعى إلى زيادة اعتمادها على البيانات المعلومات، وتحلّلها بهدف بناء نموذج سببي. يقوم بعد ذلك هذا النموذج بعزل البيانات المهمّة من كتلة المعلومات المتاحة. ولكن ليست تلك هي الطريقة التي تستعمل فيها الشركات الذكية البيانات. فهي تعمد إلى جمع كافة المعلومات الناتجة أثناء التفاعلات والاتصالات مع العملاء وغيرهم من أعضاء الشبكة أثناء أداء الشركة لعملياتها، ومن ثم تترك المجال للخوارزميات لكي تحدّد البيانات المهمّة.

الخطوة الثانية: إدخال البرمجيات في كل نشاط. في الشركة الذكية، كل الأنشطة – وليس فقط إدارة المعارف والعلاقات مع العملاء – مصمّمة باستعمال البرمجيات، بحيث يكون من الممكن أتمتة جميع القرارات التي تؤثّر عليها. هذا لا يعني بأنّ الشركة مضطرة إلى شراء برمجية تخطيط موارد المشاريع (ERP) أو ما يكافئها لإدارة أعمالها – بل على العكس من ذلك تماماً. فالبرمجيات التقليدية تجعل سير العمليات والقرارات أكثر جموداً، وغالباً ما تحددها. في المقابل، فإنّ المنطق المهيمن على الشركات الذكية هو أسلوب التجاوب الفوري والآني. وتتمثّل الخطوة الأولى في بناء نموذج يحاكي طريقة البشر الحالية في اتخاذ القرارات، وإيجاد السبل لتكرار العناصر الأبسط لتلك العملية باستعمال البرمجيات – وهو ليس بالأمر الهيّن دائماً، حيث أنّ العديد من القرارات البشرية مبنية على البديهة أو النشاط العصبي اللاواعي.

يستند نمو شركة “تاوباو” (Taobao)، وهو موقع تجارة التجزئة الإلكتروني المحلي التابع لمجموعة علي بابا، إلى الإدخال المستمر للبرمجيات في عملية تجارة التجزئة. واحدة من أولى الأدوات البرمجية الرئيسة التي تم استخدامها على تاوباو هي أداة للرسائل الفورية تدعى “وانغ وانغ” (Wangwang)، والتي تمكّن البائعين والمشترين من التخاطب فيما بينهم بسهولة. وباستعمال هذه الأداة، يمكن للبائعين تحيّة الشارين، والتعريف بالمنتجات، والتفاوض على الأسعار، وهكذا دواليك، تماماً كما يفعل الناس في المتجر التقليدي. كما طوّرت شركة علي بابا أيضاً مجموعة من الأدوات البرمجية التي يمكن أن تساعد البائعين في تصميم مجموعة متنوّعة من واجهات المتاجر المتطورة على الإنترنت وإطلاقها. وبعد إنشاء هذه المتاجر على الإنترنت وتشغليها، يمكن للبائعين الوصول إلى منتجات برمجية أخرى لإصدار القسائم (الكوبونات)، وتقديم الحسومات، وإدارة برامج الولاء للعملاء، والقيام بالأنشطة الأخرى لإدارة العلاقة مع العملاء، وكلّها منسّقة مع بعضها البعض.

بما أنّ معظم البرمجيات تدار على الإنترنت اليوم كخدمة، فإنّ هناك ميزة إضافية لإدخال البرمجيات على نشاط تجاري معيّن، ألا وهي أنّ البيانات الحيّة والمباشرة يمكن أن تجمع بصورة طبيعية كجزء من العملية التجارية، ممّا يبني الأساس لتطبيق تكنولوجيا تعلّم الآلة.

الخطوة الثالثة: المحافظة على استمرار تدفق البيانات. في المنظومات المؤلفة من عدّة جهات مترابطة، تحتاج القرارات التجارية إلى تنسيق معقّد. فمحرّكات تقديم التوصيات في تاوباو، على سبيل المثال، تحتاج إلى العمل مع أنظمة إدارة المخزونات لدى البائعين، ومع أنظمة تحديد صفات المستهلكين لدى مختلف منصات التواصل الاجتماعي. وتحتاج أنظمة عملياتها إلى العمل مع برامج عروض الحسومات والولاء، إضافة إلى تغذية الشبكة اللوجستية لدينا.

تعتبر معايير التواصل المسمّاة اختصاراً (TCP/IP)، وهي بروتوكول التحكم في نقل البيانات (Transmission Control Protocol)، وبروتوكول الإنترنت (Internet Protocol)، وواجهات برمجة التطبيقات (APIs)، أساسية لضمان انسياب تدفق البيانات بين عدّة جهات معنيّة، مع ضمان التحكم بالجهات التي تستطيع الوصول إلى البيانات في مختلف أرجاء المنظومة وتعديلها. وكانت واجهات برمجة التطبيقات (APIs)، وهي مجموعة من الأدوات التي تسمح لأنظمة برمجيات مختلفة بأن “تتحدّث” مع بعضها البعض عبر الإنترنت وأن تنسّق فيما بينها، أساسية في تطوير موقع تاوباو. ومع نمو المنصّة من منتدى يجتمع فيه البائعون والمشترون وتباع فيه السلع، ليصبح الموقع الأهم في التجارة الإلكترونية في الصين، احتاج التجّار الموجودون على الموقع إلى المزيد من الدعم من مطوّري البرمجيات الخارجيين. وكان من الضروري للبرمجيات الجديدة أن تكون متوافقة وقابلة للتشغيل مع جميع البرمجيات الأخرى لكي تكون ذات قيمة. لذلك، في عام 2009، بدأ تاوباو بتطوير واجهات برمجة التطبيقات (APIs) لتُستعمل من المورّدين المستقلين للبرمجيات. أمّا اليوم، فإن التجّار الموجودين على تاوباو يشتركون في أكثر من 100 وحدة برمجية، بالمعدل، كما أنّ خدمات البيانات الحيّة والفورية التي تقدمها هذه البرمجيات تقود إلى تخفيض جذري في تكلفة ممارسة الأعمال بالنسبة للتجّار.

إنّ الوصول إلى البنية التحتية التكنولوجية الصحيحة هو مجرّد البداية. وقد احتجنا إلى بذل جهود جبّارة لبناء معيار مشترك، بحيث يمكن استخدام البيانات وتفسيرها بطريقة موحدة في جميع الوحدات التجارية التابعة لعلي بابا. إضافة إلى ذلك، فإنّ تحديد هيكلية الحوافز الصحيحة لإقناع الشركات بتقاسم البيانات الموجودة لديها هو تحدّ مهم ومستمر.

ثمّة حاجة إلى المزيد من العمل. وبطبيعة الحال، فإنّ قدرة الشركات على الابتكار في هذا المجال ستتوقّف جزئياً على القواعد التي تحكم تقاسم البيانات في الدول التي تعمل فيها. لكن الاتجاه واضح: كلّما زاد انسياب تدفّق البيانات عبر الشبكة، كلّمات أصبحت الشركة أكثر ذكاءً، وزادت القيمة التي تخلقها المنظومة.

الخطوة الرابعة: تطبيق الخوارزميات. بعد أن تضع الشركة كافة عملياتها على الإنترنت، فإنها ستتلقى سيلاً جارفاً من البيانات. ولكي تكون الشركة قادرة على استيعاب البيانات وتفسيرها واستعمالها لصالحها، فإنّها يجب أن تبني نماذج وخوارزميات تبين بوضوح المنطق الضمني للمنتج أو ديناميكية السوق التي تحاول الشركة الوصول بها إلى الحالة المثالية. وهذه مهمّة إبداعية ضخمة تحتاج إلى العديد من المهارات الجديدة. ومن هنا يأتي الطلب الهائل على علماء البيانات والاقتصاديين. ويتمثّل التحدّي الذي يواجهونه في تحديد الوظيفة التي يريدون من الآلة أن تنجزها. كما يجب أن يكونوا واضحين جدّاً في تحديد مواصفات الوظيفة المنجزة على أكمل وجه ضمن سياق تجاري محدّد.

منذ بادئ الأمر، كان هدفنا الذي سعينا إليه في تاوباو هو تفصيل الموقع بحسب احتياجات كل فرد. وهذا الأمر كان ليكون مستحيلاً دون التطوّر الحاصل في تعلّم الآلة. واليوم، وعندما يسجّل المستخدمون دخولهم، فإنهم يرون صفحة إنترنت مصمّمة لهم شخصياً، وتضمّ توليفة من المنتجات المنتقاة من مليارات المنتجات التي يعرضها الملايين من البائعين لدينا. ويظهر هذا الاختيار تلقائياً بواسطة محرّك التوصية القوي الخاص بتاوباو. حيث تقوم خوارزمياته المصمّمة للوصول بمعدل التحويل لكل زيارة إلى الحالة المثالية، بمعالجة البيانات المتولّدة في عموم منصّات تاوباو، من العمليات، إلى خدمة العملاء، إلى الأمن.

علي بابا بالأرقام 

أدرجت مجموعة علي بابا أسهمها في الولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2014، وحققت نموّاً مذهلاً من ذلك الوقت. وهي تملك حالياً قيمة سوقية تزيد على 500 مليار دولار. تمتلك منصّات التجارة الإلكترونية للمجموعة أكثر من 500 مليون مستهلك نشط سنوياً. ولا تشمل هذه الأرقام “آنت فايننشال”، التي تعلن عن نتائجها المالية بصورة منفصلة.

في العام المالي المنتهي في مارس/آذار 2017، أعلنت مجموعة علي بابا عن أرباح فاقت 15 مليار دولار على إيرادات تبلغ 40 مليار دولار. وأعلنت آنت عن أرباح بلغت 814 مليون دولار على إيرادات تبلغ 8.9 مليار دولار. وتقدّر قيمتها حالياً بأكثر من 100 مليار دولار. تدفع “آنت” إلى علي بابا رسوم امتياز بلغت في 2017  ما قيمته 332 مليون دولار.

ثمّة محطّة بارزة وأساسية في مسيرة نمو تاوباو، وتحديداً في عام 2009 عندما حدّثنا وظيفته من مجرّد التصفّح البسيط، والذي سجّل نجاحاً معقولاً عندما كان عدد الزيارات إلى الموقع وعدد المنتجات التي يتعامل معها أقل، ليتحوّل إلى محرّك بحث يعتمد على خوارزميات تعلّم الآلة، وقادر على معالجة أعداد ضخمة من الطلبات. كما يجري تاوباو تجارب على خوارزميات البحث المعتمدة على التعرّف البصري، والقادرة على أخذ صورة السلعة المرغوبة التي يوفّرها العميل، ومطابقتها مع المنتجات الموجودة على الموقع. ورغم أننا لازلنا في المراحل المبكرة من استعمال هذه التكنولوجيا لزيادة المبيعات، إلا أنّ هذه الوظيفة أثبتت شعبيتها الكبيرة بين العملاء، حيث زاد عدد الزيارات الفريدة اليومية للموقع بمقدار 10 ملايين زيارة.

في 2016، أطلقت علي بابا روبوتات الدردشة (Chatbots) المدعومة بالذكاء الاصطناعي للمساعدة في الاستجابة لاستفسارات العملاء. وهي تختلف عن مزوّدي الخدمات الآليين المألوفين بالنسبة لمعظم الناس، والمُبرمَجين للمطابقة بين استفسارات العملاء، والإجابات الموجودة في قواعد بياناتهم. فروبوتات الدردشة في علي بابا “مدرّبة” على يد ممثّلين من ذوي الخبرة لتجّار تاوباو. وهم مطلعون على المنتجات الموجودة في فئاتها، كما أنّهم ضليعون في ميكانيكية منصّات علي بابا، مثل سياسات الإرجاع، وتكاليف التوصيل، وكيفية إجراء التغييرات على الطلبية، وغير ذلك من الأسئلة الشائعة التي يطرحها العملاء. تستعمل روبوتات الدردشة مجموعة متنوّعة من تكنولوجيا تعلّم الآلة، مثل الفهم الدلالي (semantic comprehension)، والحوارات السياقية (context dialogues)، ورسومات المعرفة البيانية (knowledge graphs)، وتعدين البيانات (data mining)، والتعلم العميق (deep learning)، بهدف إدخال تحسين سريع على قدرتها على تشخيص المشاكل التي يواجهها العميل وإصلاحها تلقائياً، عوضاً عن تقديم إجابات جامدة تدفع العميل إلى اتخاذ إجراءات إضافية. وهي تتأكد من العميل بأنّ الحل المعروض مقبول ومن ثمّ تنفّذه. وليس هناك أي تدخّل بشري من علي بابا أو من التجّار.

كما يمكن لروبوتات الدردشة أنّ تسهم كثيراً في زيادة إيرادات البائعين. فقد بدأت العلامة التجارية المتخصّصة بالأزياء “سينما” (Senma)، على سبيل المثال، باستعمال هذا النوع من روبوتات الدردشة قبل عام. ووجدت بأنّ مبيعات الروبوت كانت أعلى بمقدار 26 ضعفاً من مبيعات أفضل مندوب مبيعات بشري في الشركة.

ستظل هناك حاجة إلى وجود موظفي خدمة عملاء من البشر للتعامل مع القضايا المعقدة أو الشخصية. لكنّ القدرة على التعامل مع الاستفسارات الروتينية عبر روبوت الدردشة هو أمر مفيد للغاية، ولا سيما في الأيام التي تشهد حجم عمل كبير، أو أثناء العروض الترويجية الخاصة. في السابق، كان يوظّف معظم البائعون الكبار على منصّتنا عمّالاً مؤقتين للتعامل مع استفسارات العملاء أثناء المناسبات الكبرى. لكنّ هذا الأمر بات من الماضي. فخلال أكبر يوم مبيعات لعلي بابا في عام 2017، تعامل روبوت الدردشة مع أكثر من 95% من أسئلة العملاء، إذ تجاوب مع حوالي 3 ملايين ونصف المليون مستهلك.

تُعتبرُ هذه الخطوات الأربع أساساً لإنشاء شركة ذكية: إدخال البيانات على كل مفاصل العملية بهدف إغناء مجموع البيانات التي تستعملها الشركة لتصبح أذكى، وإدخال البرمجيات إلى كل مفاصل العملية بهدف نقل آليات تدفّق العمل والجهات الأساسية لتصبح كلها على شبكة الإنترنت، ووضع معايير واجهات برمجة التطبيقات (APIs) لتمكين انسياب تدفق البيانات والتنسيق فوراً وفي الوقت الفعلي، وتطبيق خوارزميات تعلّم الآلة لاتخاذ قرارات تجارية “ذكية”. تُعد جميع الأنشطة والفعاليات التي تنطوي عليها هذه الخطوات الأربع مكوّنات هامّة جدّاً تحتاج إلى نوع جديد من القيادة.
دور القائد

في مادة الشركات الذكية التي أدرسها  في كلية هوبان لريادة الأعمال، أعرض على الطلاب صور 10 من قادة الشركات، وأطلب منهم التعرّف عليهم. فيستطيعون بسهولة تمييز كل من جاك ما، وإيلون ماسك، وستيف جوبز. لكنّ أحداً منهم تقريباً لا يستطيع التعرّف على الرئيس التنفيذي لـ “سيتي غروب” (CitiGroup)، أو تويوتا، أو “جنرال إلكتريك”.

ثمّة سبب لذلك. فخلافاً لجنرال إلكتريك، أو تويوتا، أو سيتي غروب، التي تقدّم منتجات أو خدمات من خلال سلاسل التوريد المنظّمة بشكل مثالي، فإنّ الشركات الرقمية يجب أن تحشد شبكة كاملة لكي تحقق رؤيتها. وبغية فعل ذلك فإنّ قادتها مضطرون إلى إلهام الموظفين، والشركاء، والعملاء الذين يؤلفون تلك الشبكة. ويجب أن يكونوا أصحاب رؤية ومبشّرين ومفوّهين بطريقة ليس على قادة الشركات التقليدية العمل وفقها.

على أعلى المستويات، يجب على هؤلاء المبشّرين الرقميين أن يفهموا شكل المستقبل، وكيف سيتطوّر القطاع الذي يعملون فيه استجابة للتغيّرات المجتمعية، والاقتصادية، والتكنولوجية الحاصلة. فهم لا يستطيعون وصف الخطوات الملموسة لتحقيق أهداف شركاتهم، لأن البيئة التي يعملون فيها ضبابية، والقدرات التي سيحتاجون إليها مجهولة. عوضاً عن ذلك، يجب عليهم أن يعرّفوا ما تسعى الشركة إلى تحقيقه، وأن يخلقوا بيئة تسمح للعاملين فيها وبسرعة ببناء منتجات وخدمات تجريبية معاً ويخرجوا منها بشيء مفيد، وأن يختبروا السوق، وأن ينشروا الأفكار التي تتلقى استجابة إيجابية على نطاق أوسع. لم يعد القادة الرقميون يديرون، بل هم يمكّنون الموظفين من الابتكار وتسهيل حلقة التقييم المؤلفة من استجابات المستخدمين لقرارات الشركة وما تنفّذه.

في نموذج الشركة الذكية، تأخذ خوارزميات تعلّم الآلة على عاتقها معظم عبء التحسين التدريجي من خلال الإدخال التلقائي للتعديلات، الأمر الذي يزيد من كفاءة النظام بأكمله. وبالتالي، يتمثّل الدور الأهم للقادة في رعاية الإبداع وتعزيزه. كما يتمثّل واجبهم في زيادة معدّل نجاح الابتكار، وليس تحسين كفاءة العملية.

تمتلك الشركات الرقمية بطبيعتها مثل علي بابا ميزة كونها قد ولدت على شبكة الإنترنت. وهي تمتلك مجموعة جاهزة من البيانات، لذلك فإنّ تحويلها إلى شركة ذكية هو عملية طبيعية تماماً. وبما أنّه قد أثبت الآن نجاح النموذج، وباتت تجري تحوّلات في الاقتصاد الصناعي السابق، فقد حان الوقت لكي تفهم جميع الشركات هذا المنطق التجاري الجديد وتطبّقه. قد ينطوي هذا الأمر على نوع من الرهبة التكنولوجية، لكنّ جدواه باتت واضحة وبصورة متنامية. فزيادة انتشار الحوسبة السحابية، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على نطاق تجاري أتاحت القدرة الحوسبية الواسعة النطاق، والقدرات التحليلية للبيانات لأي كان. وبالفعل، فإنّ تكلفة تخزين كميات ضخمة من البيانات وحوسبتها تراجعت تراجعاً ضخماً خلال العقد الماضي. وهذا يعني بأنّ التطبيقات الفورية والآنية لتعلّم الآلة باتت الآن ممكنة وميسّرة ضمن بيئات أكثر وأكثر. كما أنّ التطوّر السريع لتكنولوجيا إنترنت الأشياء سيعزّز من رقمنة بيئاتنا المادية، ويوفّر كماً أكبر من البيانات. ومع تراكم هذه الابتكارات في العقود المقبلة، فإنّ الرابحين هم الشركات التي تصبح أذكى بشكل أسرع من منافسيها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .