3 عقبات تعيق التخطيط الاستراتيجي

5 دقائق
التخطيط الاستراتيجي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يعاني المدراء صعوبة في التخطيط الاستراتيجي لدرجة أن بعض الخبراء يزعمون أنه غير موجود أساساً.  في الحقيقة، التخطيط الاستراتيجي هو جزء مفيد جداً من مجموعة الأدوات لكن بشرط أن تتمكن من تفادي العقبات،  ويكمن سر نجاحك بذلك في إدراك أن الخطة الاستراتيجية ليست قائمة أعمال يجب القيام بها بل مجموعة أفكار ستتغير حتماً،  وبالتالي من الضروري أن تدمج التغيير في العملية.  وأخيراً، لا تجعل ارتباط خطتك الاستراتيجية بميزانيتك وثيقاً.

 

بتنا نعتبر التخطيط الاستراتيجي “كذبة كبيرة”، وأحد أسباب ذلك هو أن ما يتكشف للشركة بمرور الوقت لا يتطابق مع ما وصفته الخطة الاستراتيجية في البداية، و”تظهر” النتيجة الفعلية. بعبارة أخرى، يجب تحديث الخطة مع مرور الوقت.

يتمثل العيب الآخر الذي تتوجه إليه الانتقادات في أن ما يحدث في التخطيط الاستراتيجي لا علاقة له بالاستراتيجية على الإطلاق؛ إذ تسود طرق العمل المعتادة لتهمّش التفكير الإبداعي الذي تقوم عليه الخطوات الجريئة. ولهذين السببين وغيرهما من الأسباب حُكم على التخطيط الاستراتيجي بالفشل الذريع منذ زمن طويل، كان ذلك منذ ما يقرب من 30 عاماً.

إذاً، لماذا نستمر بالتحدث عن “التخطيط الاستراتيجي”؟ لأننا ما زلنا نتحدث عنه في أروقة الشركة ومكاتب المسؤولين التنفيذيين وغرف اجتماعات مجالس الإدارة في جميع أنحاء العالم؛ يثمن المسؤولون التنفيذيون المفهوم عالياً، ومن الواضح أن عملية التخطيط الاستراتيجية تخدم غاية ما. لا تكمن المشكلة في المفهوم نفسه بل في المفاهيم الخاطئة حول طرق استخدامه.

من أجل معرفة المزيد عن التخطيط الاستراتيجي عملياً، أجريت مقابلات مع عدة رؤساء تنفيذيين حول تجاربهم الشخصية مع التخطيط الاستراتيجي سواء في فشله أو نجاحه.

العقبة الأولى: التوقعات غير المنطقية

عمار هو الرئيس التنفيذي لشركة تصنع “أدوات تثبيت”، مثل البراغي، لشركات تصنيع السيارات وقطاع البناء. تتمثل مشكلته الرئيسة حالياً في أن الشركة تتأثر بتدفق الصادرات المنخفضة السعر من الصين والهند، والتهديد الذي تواجهه شركته مصيري.

يقرّ عمار بأن توقعاته كانت غير منطقية عندما تسلم منصب الرئيس التنفيذي وبدأ رحلته مع التخطيط الاستراتيجي، يقول: “عندما بدأت التخطيط الاستراتيجي كنت أبحث عن وحي مفاجئ يوضح لي ما يجب أن أفعله وما يجب أن أحققه”. توقع عمار أنه سيتمكن من وضع خطة ثابتة أو برنامج مثالي يتبعه خطوة بخطوة لتحقيق نتيجة محددة.

كيف نعالج هذه المشكلة؟ غيّر العقلية التي تتعامل بها مع الاستراتيجية

ليس عليك تقبل التقلب فحسب، لكن أيضاً إدراك عدم قدرتك على وضع خطة مثالية.

هناء هي الرئيسة التنفيذية لإحدى شركات إنتاج البيض الكبيرة في أستراليا. في الماضي كانت توقعاتها حول التخطيط الاستراتيجي تميل باتجاه ضمان مستقبل واضح ومؤكد، ولكن الشركة واجهت صعوبات في السنوات القليلة الماضية بسبب إغلاق الحدود وزعزعة سلاسل التوريد وإغراق الأسواق والمنافسة الشديدة.

واستجابة لهذه الصعوبات غيرت هناء طريقة تفكيرها وأخذت منحى يتوافق مع أفكار كارول دويك حول العقلية الثابتة بمقابل عقلية النمو. توضح دويك أن الأفراد يتبنون إما العقلية الثابتة وإما عقلية النمو. تؤمن العقلية الثابتة أن بعض القدرات مسلم بها ولا يمكن تغييرها، كالموهبة أو الذكاء، أما عقلية النمو فتؤمن بأن قدرات الفرد مرنة ويمكن تحسينها مع مرور الوقت.

تدرك هناء أن عقليتها التي تتعامل بها مع قدرات مؤسستها ثابتة، وبالتالي كانت تتوقع أن تحقق النجاح بواسطة خطة صارمة تسير على نحو آلي محدد. لكنها أدركت أن موظفيها يملكون مواهب كبيرة ومتنوعة ولديهم قدرات هائلة غير مستثمرة، فغيرت طريقة تفكيرها وتبنت عقلية قائمة على عناصر المؤسسة نفسها وتفهم إمكاناتها الطيّعة بصورة أوضح، تقول موضحة: “حتى وإن ظننا أننا توصلنا إلى الخطة المثالية فهي لن تكون الحل لفترة طويلة. إذ تتغير ظروف الشركة بسرعة كبيرة”.

العقبة الثانية: النموذج غير المناسب

جوليا هي واحدة من كبار المسؤولين التنفيذيين في مصرف استثماري، في حين يقدم هذا المصرف الكثير من الخدمات التي تقدمها المصارف التقليدية فهو يدير أصول العملاء بواسطة أموال الاستثمارات الكبيرة. تلتقي جوليا مع فريقها كل عام من أجل إجراء مراجعة استراتيجية وتطوير خطة استراتيجية، وتكون النتائج عادة مخيبة للأمل، إذ تعمل على مقارنة ما حققته الشركة مع الخطة الاستراتيجية وترى فرقاً كبيراً بينهما. كانت النتيجة التي توصل إليها فريقها التنفيذي مذهلة، تقول: “تخلينا عن التخطيط الاستراتيجي وعدنا إلى التخطيط التكتيكي”.

ومع طرح مزيد من الأسئلة على جوليا، كشفت عن نموذج استخدم في غير مكانه؛ كان النموذج الذي اتبعته لا شعورياً مع فريقها التنفيذي نوعاً مختلفاً من “الخطط” يتمثل فيما نراه في قطاع البناء والذي يفضي إلى حقيقة مؤكدة: “خطة البناء”؛ يتضمن هذا النوع من الخطط أدق تفاصيل البناء وصولاً إلى مقبض آخر باب فيه، ويتم تصميمها على نحو لا يترك مجالاً لأي خطأ أو سوء تواصل بين المهندس وعامل البناء.

كيف نعالج هذه المشكلة؟ غيّر النموذج المستخدم في عملية التخطيط

لا تسمح للمبالغة في تأكيد أهمية “التخطيط” في عملية تطوير الاستراتيجية بإحباطك.

تامر هو الرئيس التنفيذي لشركة تصنع أدوية للحيوانات تشمل حيوانات المزارع والحيوانات الأليفة المنزلية، وأدرك أنه كان يقيد عملية تطوير الاستراتيجية بسبب اهتمامه الشديد بوضع خطة مفصلة.

استلهم التغيير الذي أجراه من كلمات ملاكم شهير؛ يُعرف عن الملاكم مايك تايسون قوله: “يملك كل منا خطة إلى أن يتلقى لكمة على الفم”. بدلاً من أن يعتبر تامر التخطيط الاستراتيجي معركة كبرى، غيّر النموذج الذي يستخدمه ليصبح سلسلة من الجولات التي تتخللها عدة مواجهات.

نتيجة لذلك، بدأ تامر يعتبر التخطيط الاستراتيجي طريقة لفهم المستقبل الغامض، ولكن هذا لا يعني أن المستقبل سيكون مطابقاً تماماً للخطة، ولا يعني ألا نضع خطة على الإطلاق؛ فالخطط تولّد الجهوزية حتى وإن تغيرت باستمرار.

في حين يستمر تامر بعقد المعتكف السنوي للتخطيط الاستراتيجي على اعتباره إعادة ضبط للخطة، فقد قرر عقد اجتماعات صغيرة للمراجعة على مدار العام. في البداية ارتكب خطأ دمج مراجعة العمليات مع مراجعة الاستراتيجية ولم يكن ذلك ناجحاً لأن الأولى طغت على الثانية، كما أدرك أن التركيز على العمليات التشغيلية هو ما أدى إلى هيمنة “التخطيط”، وبات اليوم يعقد اجتماعات فصلية لمراجعة الاستراتيجية يُمنع فيها مناقشة المشكلات التشغيلية. أدى ذلك إلى تغيير العقلية وإبعادها عن “التخطيط” ودفعها باتجاه “توجيه مستقبل الشركة”.

العقبة الثالثة: هيمنة الميزانية

آدم هو الرئيس التنفيذي لشركة تصنع مستحضرات كيميائية زراعية تقوم كلها على الزيوت النباتية وتحتوي على عناصر مرطبة ومواد مساعدة للتربة ومبيدات حشرية عضوية بالإضافة إلى منظم للنمو، وهي تستخدم في المراعي وأعمال البستنة وزراعة القطن والحبوب والبقول وقصب السكر.

يوضح مشكلته على النحو الآتي: “عندما أجتمع مع بقية أفراد الفريق التنفيذي من أجل وضع خطة استراتيجية، لا بد من أن تنتقل النقاشات إلى الميزانية. وأظن أن ذلك بسبب تركيزنا منذ البداية ومع مرور عام تلو الآخر على الالتزام بالميزانية”. وبالنتيجة كان من النادر أن يتمكن آدم وفريقه من التفكير بعيداً عن مقاييس الميزانية، كانت الميزانية تطغى على ما يحتاج إليه التفكير الاستراتيجي وبالتالي فهي تقيد عملية التخطيط الاستراتيجي.

كيف نعالج هذه المشكلة؟ خفف الترابط بين الميزانية والخطة

عدنان هو الرئيس التنفيذي لشركة تصنع قوالب البناء الإسمنتية، ويوضح كيف تمكن من إتقان العمل وفق خطة استراتيجية مرنة وميزانية صارمة.

يقول: “ما زال عليك وضع الميزانية، وما زال عليك تحقيق مستهدفات المبيعات. هذا أمر مسلّم به. ويجب الالتزام بأهداف الإيرادات والنفقات التي يتم التعهد بها في البيانات المالية السنوية؛ تجاوزات الميزانية مرفوضة تماماً”.

ويؤكد عدنان أن ثمة مفارقة، يتم وضع الميزانية ضمن سياق تحدده الخطة الاستراتيجية، والنقطة التي يتم عندها وضع الميزانية هي نفسها التي يضع عندها كل من المستثمرين وأصحاب المصالح توقعاتهم. والآن، تتغير الظروف، وتتغير معها الخطة الاستراتيجية في بيئة التخطيط الاستراتيجي المرن. ماذا يحصل للميزانية؟

يؤكد عدنان أنه من الممكن إصابة هدفين بحجر واحد؛ فخطته الاستراتيجية تتيح له تحسين ما تفعله الشركة الآن من أجل تحقيق النتائج والأهداف المدرجة في الميزانية، وفي نفس الوقت تساعده عملية التخطيط الاستراتيجي على استكشاف الفرص الجديدة خارج نطاق الأنشطة التي تنص عليها الميزانية.

مستقبلك في التخطيط الاستراتيجي

أعلم بناءً على خبرتي أننا لن نستغني عن التخطيط الاستراتيجي قريباً، فهو طريقة لتشكيل طرق التفاوض على المستقبل المتغير، والجميع بحاجة إليه.

كما أن الخطة الاستراتيجية ليست وثيقة يتم إعدادها ثم تنفيذها ببساطة، إذ ينطوي تطويرها على عملية توقع مستمرة وسريعة الاستجابة، وهي وسيلة للتفكير في الظروف المتغيرة. سنفتقر إلى الجهوزية في غياب الخطة.

ستكون خطتك الاستراتيجية “خاطئة” ولا بأس في ذلك، تابع عملك وضع خطة استراتيجية على أي حال.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .