هل دخلنا عصر العدالة الاجتماعية للشركات؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أظهرت البحوث أن الشركات التي تطبّق برامج فعالة فيما يتعلّق بالمسؤولية الاجتماعية للشركات هي أكثر ربحية من غيرها في تجاهل تطبيق هذا النوع من البرامج، حيث اعتمدت الشركات على تلك البرامج على مدى الأعوام الخمسين الماضية بهدف تطوير علاماتها التجارية وإرضاء الزبائن، وضمّت موضوعات شملت تسويق القضايا الاجتماعية والجهود الخيرية ومبادرات المتطوعين من الموظفين وأعمال التنوع والاندماج.

إلا أن الشركات شهدت اليوم اختلافاً في توقعات المستهلكين والموظفين. فقد أسفر مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة أبيض في مدينة مينيابوليس عن تأجج إحدى أكبر حركات الاحتجاج في العصر الحديث، وأثبتت ردود الفعل واسعة النطاق على الدليل الإرشادي المعياري للمسؤولية الاجتماعية للشركات أن أفضل الممارسات القديمة لم تعد صالحة. ولم يعد سعي المستهلكين والموظفين اليوم مقتصراً على تحقيق ممارسات المسؤولية الاجتماعية للشركات، وإنما على تحقيق ما أدعوه العدالة الاجتماعية للشركات.

تنطوي العدالة الاجتماعية للشركات على إعادة تأطير ممارسات المسؤولية الاجتماعية التي توجّه تركيز أي مبادرة أو برنامج على التجارب الحياتية والقابلة للقياس للمجموعات المتضررة والمستضعفة من قبل المجتمع. إن المسؤولية الاجتماعية للشركات هي عبارة عن إطار عمل ذاتي التنظيم لا ينطوي على أي التزام قانوني أو اجتماعي ويهدف إلى خلق أثر إيجابي في المجموعات التي تهدف الشركات إلى مساعدتها. من جهة أخرى، تمثّل العدالة الاجتماعية للشركات إطار عمل قائم على الثقة بين الشركة وموظفيها وزبائنها والمساهمين فيها والمجتمع الأوسع الذي تؤثر فيه بهدف حثّهم جميعاً على فعل الخير بشكل علني. وفي حين تتحقق المسؤولية الاجتماعية للشركات من خلال إعداد برامج ثانوية أو مشاريع لجذب الانتباه تُضاف إلى الأنشطة الرئيسة للشركة، تتطلب العدالة الاجتماعية للشركات تكاملاً عميقاً مع كل جانب من جوانب عمل الشركة.

وأضحت الحاجة إلى إجراء هذا التحول الأساسي أكثر وضوحاً على مدى السنوات القليلة الماضية. على سبيل المثال، جرى انتقاد شركة “أيه تي آند تي” (AT&T) التي حصلت على درجة مثالية في مؤشر المساواة المؤسسية لحملة حقوق الإنسان في عام 2017 على نطاق واسع لتبرعها بأكثر من 2.5 مليون دولار للسياسيين المناهضين للتفرقة بين أطياف المجتمع في العام نفسه. أما شركة “تومز” (Toms) التي حاز نموذجها القائم على العطاء الفردي عدة جوائز على نطاق واسع، ألغت نموذجها في نهاية المطاف بعد أن تبيّن أن تبرعاتها قد زعزعت عمل الاقتصادات والمنتجين المحليين. ومن الأمثلة الأخرى أيضاً شركة “أمازون” التي نشرت بياناً عبر منصة “تويتر” مؤخراً يعبر عن تضامنها مع مجتمعات السكان الملونين، لكنها تعرضت لانتقادات فورية لبيعها تقنية التعرف على الوجه لوكالات إنفاذ القانون ولتمثيلها غير الكافي للمهنيين ذوي البشرة السمراء. وأصدرت شركة “أمازون” في وقت لاحق قراراً يقضي بتعليق استخدام الشرطة لتقنية التعرف على الوجه مدة عام واحد.

يرغب المستهلكون وأصحاب المصلحة الآخرون التعامل مع الشركات التي تعتبر الخير الاجتماعي ضرورة، وليس مجرد استراتيجية تسويق. والأمر عائد إلى الشركات للاستجابة لهذا التحدي الجديد. وإليكم كيفية تحقيق ذلك:

ابدأ بتحديد هدف أو رؤية لمجتمع أكثر عدالة

عند تحديد هدف أو رؤية، يجب عليك ألا تنساق وراء هدف يثير إعجاب رئيسك التنفيذي. لا تُعتبر مشاريع جذب الانتباه كافية، بل يجب عليك بدلاً من ذلك تطوير عملية مدروسة ومتعمّدة تجمع بين ممثلين من مختلف مجموعات أصحاب المصلحة لتحديد المشكلات التي تظهر عند تقاطع رسالة شركتك والاحتياجات غير الملباة لأصحاب المصلحة.

ولا يتمثّل الغرض من هذه العملية في التوصل إلى هدف يبدو مثيراً للإعجاب، وإنما في التوصّل إلى رؤية أفضل لشركتك تساعدها في تأدية دور فاعل. على سبيل المثال، وضعَ صندوق مجتمع شيكاغو مؤخراً هدفاً لسد فجوة الثروة بين أسر المجتمعات اللاتينية ومجتمعات السود والبيض في شيكاغو.

حدّد الدور الذي ستؤديه شركتك ضمن بيئة العمل الأوسع المرتبطة بالهدف

على سبيل المثال، يجب أن تعمل الشركات التي تتطلع إلى التصدي لمشكلة العنصرية المنهجية في أعمال الشرطة على فهم التاريخ العنصري للشرطة، وتاريخ ظهور السجن الجماعي، وتاريخ إضفاء الطابع العسكري على إدارات الشرطة، والعلاقة بين موارد المجتمع ومعدل الجريمة.

لا تحاول فصل شركتك عن تلك التحليلات. تشترك معظم الشركات بالفعل في خلق أوجه التفاوت وتعزيزها من خلال سلاسل التوريد واستراتيجيات التوظيف وقواعد الزبائن، سواء كانت تقدم لهم خدماتها أم لا. وكحد أدنى، يجب على كل الشركات التي تضم مستهلكين من أصحاب البشرة السمراء بين جمهورها أن تفهم السياق التاريخي الذي يوضح قدرتهم الشرائية ونمط إنفاقهم وماهية مشاركاتهم.

تشكيل مجموعات عمل قوية وتمثيلية تربط الشركة مع أصحاب المصلحة

ينطوي الهدف من هذه المجموعات على استكشاف تأثير إجراءات الشركة على مختلف أصحاب المصلحة، واستخدام هذه المعلومات لتحديد النهج الذي يجب أن تتّبعه الشركة في المجتمع وكيفية تفاعلها معه بشكل استباقي. على سبيل المثال، إذا كانت الشركة تتطلع إلى إصدار بيان عام حول مكافحة التمييز العرقي ضد أصحاب البشرة السمراء، يجب أن تشرك موظفيها ومدراءها وكبار قادتها وزبائنها أصحاب البشرة الملونة، وأي مجتمعات أخرى لأصحاب البشرة السمراء والتي تتفاعل مع منتجات الشركة أو خدماتها في عملية إعداد رسالة ذلك البيان.

وتمثّل هذه الخطوة تحدياً بالغاً، خاصة في أوقات الأزمات التي تضيف عبئاً إضافياً على الأشخاص الأكثر تهميشاً. تأكّد من تعويض جميع الأعضاء عن مشاركاتهم وأتح لهم فرصة الانسحاب في أي وقت. وإبان القيام بذلك بشكل صحيح، يمكن لمجموعات العمل تلك تحديد الأولويات الاستراتيجية لشركتك ومساعدة القادة في اتخاذ قرارات صعبة في نظر الرأي العام والسماح لهم بالاستجابة للأحداث الحالية الملحّة بطرق تلقى صدىً لدى أصحاب المصلحة. أما بالنسبة للموظفين وأصحاب المصلحة خارج نطاق الشركة، يمكن لمجموعات العمل تمكين أصواتهم وتمثيل وجهات نظرهم في عملية صناعة القرار وتوطيد الثقة بينهم وبين الشركة.

اتخذ موقفاً

لا يقتصر مفهوم العدالة الاجتماعية للشركات على اعتباره نهجاً يبدو جيداً ويتيح للجميع التعبير عن آرائهم؛ ولن يقود بطبيعته إلى مبادرات من شأنها أن تجعل الجميع سعداء. وتُعتبر الخطوة الأولى التي اتخذتها العديد من الشركات والتي تتمثّل في الدعم العلني لحركة “حياة أصحاب البشرة السمراء مهمة” من خلال البيانات العامة والتبرعات أبرز مثال على التزام تلك الشركات باتخاذ موقف، حتى لو سبّب ذلك الموقف النفور لبعض الفئات من المستهلكين والموظفين والشركات الشريكة. ويجب على الشركة أن تتقبّل احتمال توقف بعض أعمالها مع مجموعات معينة (على سبيل المثال، أصحاب نظرية تفوق العرق البيض أو إدارات الشرطة)، ذلك لأن اكتساب الأموال من تلك المجموعات يتعارض مع استراتيجيتها فيما يخص العدالة الاجتماعية للشركات.

قيّم تقدمك بانتظام

إن العدالة الاجتماعية للشركات هي عبارة عن التزام مستمر بتحقيق الرؤية المتمثّلة في العدالة أو الإنصاف عند الشراكة مع أصحاب المصلحة. ولتعزيز القدرة على تحمّل المسؤولية في العملية، يجب تحديد الأهداف والمقاييس من قبل مجموعات العمل ومشاركتها على شكل توجيهات مع الشركة بأكملها من قبل كبار القادة. وعلى الرغم من أن الشركات ليست ملزمة قانوناً بتلبية هذه المقاييس، تكون علاقتها مع أصحاب المصلحة قائمة على الثقة، لاسيما علاقاتها مع موظفيها والمجتمعات الخارجية. ومن الضروري أن تُدرك الشركات أن الفشل المستمر في تلبية تلك الأهداف يضر بهذه الثقة ويؤثر على فاعلية مجموعات العمل. في المقابل، يُسفر تحقيق الأهداف عن الحفاظ على سمعة الشركة وينمّيها لصالح الخير، ويعزّز ثقة أصحاب المصلحة فيها، ويدعم قدرة مجموعات العمل على الاستمرار في تحقيق المنفعة لجميع الأطراف.

تعدّ العدالة الاجتماعية للشركات نموذجاً جديداً يتخيل وجود علاقة صحية وقائمة على المنفعة المتبادلة بين الشركات والمجتمعات التي تتفاعل معها. وهو نموذج تعززه الرغبة المتزايدة للمستهلكين والموظفين الواعين اجتماعياً في أن تقدّم لهم الشركات أداء أفضل، وخاصة الشركات ذات الوعي الاجتماعي والتفكير الاستشرافي. وتمتلك الشركات بالفعل فرصة لتحقيق أداء أفضل والاستفادة من نفوذها في خلق عالم أفضل لها وللعالم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .