كيف تحقق أفضل النتائج من عروض المخططات البيانية؟

6 دقائق
عروض المخططات البيانية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

باتت الرسوم البيانية جزءاً من نشرات الأخبار أكثر من أي وقت مضى؛ إذ إنها وسيلة ذات كفاءة لدى الوسائل الإعلامية لمنعنا من الإشاحة بنظرنا بعيداً، لأننا نقضي معظم وقتنا نشاهد الأخبار بعقل نصف متيقّظ (وهو ما يُشير إليه الناشرون بتفاؤل أكبر على أنه التفاعل). كما أنها باتت تُستخدم بكثرة على تويتر أيضاً نظراً لأن الصورة تقدم معلومات أكثر من المائة والأربعين مِحرَفاً التي يسمح بها تويتر أو حتى 10,000 محرفاً. وأحب أن أؤمن بدوري أن المخططات تخدم أيضاً غرضاً أعلى من خلال تمكين الناس من فهم الأفكار المعقدة ورؤية الأفكار القديمة بطرق جديدة. إن الرؤية البصرية لأي أمر ذات تأثير قوي،

ولكن بعد ذلك، هناك الجانب المظلم للقمر، والذي تصبح فيه المخططات نفسها هي الأخبار. فمع قوة الصورة البيانية البصرية فإنه يجعل من المغري إساءة استخدامها، إذ يمكن لواضعي الرسوم البيانية في المناظرات الحزبية المشحونة للغاية، وفي سيناريوهات الأعمال ذات المخاطر العالية، ليّ عنق الحقيقة، أو حتى التلاعب بها بالكامل، عبر إزالة الحدود الفاصلة بين التصوير البياني وبين التلاعب غير الأمين.

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً تقريراً حول رسائل البريد الإلكتروني من شركة “تاكاتا” (Takata) لصناعة الوسادات الهوائية في السيارات، والتي كشفت أن المهندسين كانوا يغيرون الألوان أو الخطوط في الصورة البيانية للتشتيت الانتباه‘في المخطط الخاص بنتائج اختبار الوسادة الهوائية. وكان هذا جزءاً من معالجة أكبر للبيانات أدت في النهاية إلى قطع علاقات “هوندا” (Honda) بشركة الوسائد الهوائية تلك. (لمزيد من البيانات المتصلة بالأخلاقيات، اضغط هنا).

لم أرَ تلك المخططات بنفسي، لذا من الصعب الحكم على مدى قلّة نزاهة تلك العروض التقديمية. لكن، تُمثّل “تاكاتا” إحدى الإشارات الواضحة العديدة التي تشير إلى أن المدراء ذوي المهارة الفائقة في التصوير البصري ربما يجدون أنفسهم بشكل متزايد في وضع يمكنهم من تغيير التركيز في مخطط ما أو إزالة بعض البيانات أو إضافة أخرى. لقد حان الوقت للبدء في التفكير في هذه القضايا.

إليك مخطط بياني حديث أثار بلبلة في الأخبار.

إن القصد من هذا المخطط واضح، لكن تنفيذه غامض لدرجة أن وصفه بأنه ضار أمرٌ صعب، إذ كان التلاعب ناتجاً عن تصرفات هواة، مثل الطالب الذي يريد عدم القيام بالتمارين الرياضية الصباحية عبر إعطائه المعلم ورقة من والديه تقول “يرجى عدم حث سمير على إجراء التمارين الرياضية اليوم. التوقيع: أُم سمير”. مُنع ذاك المخطط بالإجماع فور ظهوره في جلسة استماع بالكونغرس الأميركي. لكن من المفيد جداً النظر إلى بعض التقنيات المستخدمة فيه لفهم سبب محاولة شخص ما تمرير تلك المعلومات على أنها حقيقية. وأفضل مكان للبدء هو العثور على الفكرة التي تعتقد أن صانع المخططات يريدك أن تراها. وفي هذا المثال، يبدو أن كل قرار مصمم ليجعلني أرى زيادة في عمليات الإجهاض على حساب عمليات الكشف عن السرطان، إذ نرى الأولى مرتفعة للغاية بينما الثانية منخفضة جداً. ويؤدي تقاطع الخطين هناك إلى إظهار تلك الفكرة بطريقة جليّة. وإذا لم تُقرأ الأرقام، كما في حالة النظر إلى شاشة بعيدة، أو رؤيتها على التلفاز على قناة “سي سبان” (C-SPAN)، حيث يصعب تحديد الأرقام، عندئذ سيتحقق هدف صانعي المخطط، فأرى قوساً ديناميكياً يشير إلى العلاقة السببية. كما رسم صانع المخططات عمليات الإجهاض باللون الأحمر الفاقع جداً، والذي يجذب العين ويبدو “مهيمناً” مقارنة باللون الوردي الناعم، ما يعزز الفكرة القائلة “انظر إلى هذا الخط الأحمر يرتفع (بشكل أعلى بكثير من الخط الوردي)”. كانت فكرة الخداع الموجودة في المخطط واضحة جداً مقارنة بأي مخطط آخر! وأعاد كثيرون رسمه عبر وضع الخطوط بشكل مبسّط على محور “س” يمثل إجمالي السكان الذين تلقوا الخدمات ليصبح أكثر منطقية. وبدوري قمت بخطوة إضافية: إن الخدمات المذكورة هنا هي تلك المقدمة للنساء، وتعداد النساء بدوره تغيّر بين عامي 2006 و2013. وباستخدام تقديرات التعداد السكاني في الولايات المتحدة*، أعدت وضع التخطيط باستخدام القيم كمعدلات: أي الخدمات لكل 1,000 امرأة، واستبعدتُ الإناث دون سن العاشرة:

إن حقيقة أن أقل من نصف عدد النساء اللائي حصلن على فحوصات السرطان في عام 2013 مقارنة بعام 2006 أمر رائع، ويجعلني أتساءل عن سببه. ولكن إذا كان القصد من المخطط الأصلي هو إظهار بعض العلاقة بين فحوصات السرطان والإجهاض، فإننا نرى الآن لماذا تم تجاهل هذا المخطط؛ فلا توجد أي علاقة متصورة بين الأمرين. في الواقع، لم يتغير معدل الإجهاض فعلياً، فقد انتقل من 2.19 لكل 1,000 امرأة في سن 10 وما فوق إلى 2.33. وكان ذلك سهلاً. ولا يوجد أي قدر من الترشيد يمكن أن يبرر وضع رقم أقل فوق رقم أعلى على محور “س” مع ارتفاع القيم. من ناحية أخرى، هناك مشكلات أكثر دقة في التقنية في كل مخطط ننتجه، إذ يمكن لأي شخص أن يتعلل بفكرة مفادها أن المخطط الخاص بي لا يتضمن بيانات “مؤقتة” بين عامي 2006 و2013. ماذا لو تضاعف عدد حالات الإجهاض بحلول عام 2010، ثم عاد إلى خط الأساس؟ ماذا لو تغير تمويل عمليات فحص السرطان بشكل كبير؟ ربما ستكون عمليات الفحص لكل دولار مقياساً أفضل؟ يتضمن كل مخطط هذه الأنواع من القرارات، مما يعني أن كل مخطط، بشكل ما، هو تلاعب بالمعلومات المتوفرة.

أثارت تلك التغريدة بالتأكيد المؤيدين والمعارضين للقضية، فقد أعاد تغريدها كثيرون، في حين وصف بعضُ غاضبين المخطط بأنه “مزيف”، لكن تم رسمه بدقة. ولم يضع صانع المخططات أرقاماً أعلى من الأرقام الأعلى، ولم يترك نقاط البيانات ذات الصلة، أو قام بأي شيء آخر بشكل فظيع. المخطط صحيح، فلماذا يغضب بعض الناس؟

ولنتذكر هنا السؤال الرئيس: ما هي الفكرة التي تعتقد أن صانع المخطط يريد إيصالها إليك؟ ويبدو أن الإجابة هنا “لا شيء”. يريدون منك أن ترى خطاً مسطحاً، يتم إبراز هذا التسطيح من خلال بدء المحور “س” من 0 وتوسيعه مرتين بقدر النطاق الأعلى للقيم، لمزيد من القيم على المحور “س”، حيث قلة المسافة بين قيمة وأخرى تجعل الخط أكثر تسطيحاً.

لكن التسطيح ليس مصطنعاً تماماً، إذ ترتفع درجات الحرارة أكثر من مجرد درجة واحدة. ما يفهمه صانع المخططات هذا هو أننا لا نقرأ فعلياً البيانات أو نفكر في قيم محددة في مخطط مثل هذا، فنحن نرى شكلاً ونصل إلى خلاصة بشأنه. وفي علم النفس، يرتبط هذا بمبدأ “الجسطالت” (Gestalt) المركزي المسمى قانون “برانيانز” Prägnanz، والذي يعني البلاغة، فنجد أسهل معنى يمكننا إيجاده في الكائن نفسه في لمحة.

لذلك نرى خطاً مسطحاً ونستند إلى الاتفاقية لربط هذا الشكل بما نربطه به: التغير. لا شيء يحدث، إنه ثابت، إنه آمن.

ما أحبه في هذا المخطط هو أنه لا يمكنك استبعاده باعتباره خدعة بعض المشعوذين؛ نظراً لتخطيطه بدقة تتطلب من أي شخص يعتقد أنه من المضلل أن ينتج شيئاً بالدقة نفسها، ولكنه يوضح بشكل أفضل سبب أهمية التغييرات الصغيرة في خط الاتجاه. كثير من الناس فعلوا ذلك، اقتطع البعض المحور “ص” لجعل الخط يرتفع بحدة. ألقى آخرون بمبررات علمية كثيرة، وتغيير المقياس المرسوم إلى “الخروج من متوسط درجة الحرارة” كأعمدة مرتفعة بشكل حاد.

وهناك طريقة أخرى تتمثل في مهاجمة الجسطالت عن طريق الخروج بأمثلة للخطوط المسطحة التي تُظهر مع ذلك تغييراً عميقاً. يوجد أدناه خط مسطح رسمته باستخدام تقنيات مشابهة مثل الرسم البياني أعلاه، إذ يمتد المحور “س” أبعد من القيم العليا، ويستخدم مقياس المحور الصادي الذي يشجع التسطيح. (البيانات غير حقيقية، أنشأتها لغرض التمرين).

افترض معظم الناس أن مخطط التغير المناخي كان محاولة لقول: انظر، الخط مسطح، ولا شيء يحدث ، فتوقف عن القلق. إن الاستجابة بهذه الطريقة لمخطط بياني لدرجة حرارة جسم ما قد يودي بالشخص في النهاية إلى غيبوبة أو موت. في بعض الأحيان، حتى الخطوط المسطحة تعني شيئاً ما.

لا ينبغي أن نتوقع من مستهلكي البيانات المصوّرة الموجودين في الأخبار أو في قاعة الاجتماعات أن ينسجموا مع قانون برانيانز للتخلص من الرسوم البيانية المتلاعبة، ففي الواقع، لا يمكنك منع نظام الإدراك البصري لديك من القيام بعمله، لأنه سوف يفسر بدوره الخط المسطح على أنه لا يعرض تغييراً. وما يمكنك فعله هو قضاء بضع لحظات إضافية للتفكير بشكل نقدي فيما تبحث عنه، تماماً كما تفعل عند النظر إلى أي معلومات أخرى قدمها لك شخص ما. فإذا أرسل إليك أحد المدراء مذكرة تقول “إيرادات منافسينا ثابتة، لذا فلا داعي للقلق”، فهل ستوافق ببساطة دون تحديدها؟

وتُظهر الأبحاث الحديثة أنه من خلال الممارسة، وباستخدام مهارات التفكير النقدي، يمكننا تحسين معرفة القراءة والكتابة المرئية. تُعد المناوشات السيئة، مثل تلك الموضحة أعلاه، علامة على أن معرفة البيانات المرئية تتزايد، وأننا بدأنا في التفكير في كيفية تحديد الاستخدام الأخلاقي للمخططات في الأخبار وفي الأعمال. اثنان من هذه الأمثلة كانا سياسيين محفوفين بالمخاطر، لكن التحليل ليس أيديولوجياً. إنه ذو صلة بالمدراء الذين، مثل مهندسي “تاكاتا”، سيجدون أنفسهم في حاجة إلى تقديم قضية أو الفوز ببعض الأعمال أو توثيق النتائج. كيف سوف يتعاملون مع القوة لديهم فيما يتعلق بإعداد المخططات؟ إليك الأمل في أن تكون مسؤولة.

* أنتجَ إحصاء الولايات المتحدة تقديراً لعدد السكان الإناث حسب العمر لعام 2006، ولكن ليس لعام 2013. بالنسبة لعام 2013، حسبت نسبة 51% من إجمالي تقديرات السكان (التي كانت نسبة النساء في عام 2006) للوصول إلى عدد من النساء، ثم طرح 13% من هذا الرقم للإناث تحت 10 سنوات (مرة أخرى، وذلك باستخدام النسبة الموجودة في بيانات 2006 نفسها).

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .