ماذا تفعل عندما تُحال إلى إجازة إجبارية من العمل؟

6 دقائق
الإجازة الإجبارية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: حصل ما يُقدَّر بنحو 18 مليون أميركي على إجازات إجبارية من عملهم منذ منتصف مارس/آذار. ويجد الكثيرون مِمَّن يتعرَّضون لهذا الموقف أنفسهم في حيرة من أمرهم للاختيار ما بين حلّين: هل ينتظرون عودة الأمور إلى وضعها الطبيعي (أو على الأقل استقرار الأمور على وضعها غير الطبيعي المستجد)، أم عليهم أن يتدبروا أمرهم على المدى المنظور ويتقدموا لوظائف جديدة الآن؟ وهناك 5 نقاط رئيسية يجب مراعاتها إذا كنت تناقش هذا الخيار. أولاً: هل تستطيع تحمُّل الانتظار؟ ثانياً: هل تريد الانتظار؟ ثالثاً: هل ستكون مكتسباتك أفضل من الأشياء التي تتخلّى عنها؟ رابعاً: هل أنت مستعد لبناء شبكة علاقات عن بُعد؟ أخيراً: هل سيكون تحسين المهارات على المدى البعيد أكثر قيمة من الانتقال إلى عمل جديد في الوقت الحالي؟

 

ينضم الكثيرون منا إلى الشركات معتقدين أنه سيكون لدينا مسار واضح للتقدم والنمو المهني لسنوات مقبلة. وكان هذا هو الواقع الملموس في معظم الأحيان، منذ الركود الاقتصادي الأخير. لكن تطوّر الأحداث والتداعيات المصاحبة للأزمة الصحية التي نشبت مؤخراً أدى إلى إعادة تعريف العمل في ظل حصول ما يُقدَّر بنحو 18 مليون أميركي على إجازات إجبارية من عملهم منذ منتصف مارس/آذار.

لقد تعرض الاقتصاد لهبوط حاد ينذر بالخطر، وبات الملايين الذين ينتظرون استئناف حياتهم المهنية يواجهون الآن سؤالاً جديداً: هل يجب أن أنتظر حتى انتهاء مدة إجازتي الإجبارية، أم يجب أن أتقدم لوظيفة أخرى؟

لم يكن مصطلح “الإجازات الإجبارية” (Furloughs) مألوفاً لمعظم الناس حتى وقت قريب، بمن في ذلك قادة الشركات، ولكنه بات حديث الجميع في غرف الاجتماعات وعلى طاولات الإفطار في شتى أنحاء العالم. والإجازات الإجبارية هي إجازات مؤقتة غير مدفوعة الأجر يمنحها الكثير من الشركات للموظفين بسبب الصعوبات المالية التي تمر بها. وتتمثّل الفكرة الأساسية في أن الموظفين الذين يحصلون على إجازة إجبارية يحتفظون بتأمينهم الصحي ورواتبهم التقاعدية. لكنهم في الوقت نفسه لا يحصلون على رواتبهم خلال مدة الإجازة، وفي ظل هذه الظروف يمكنهم الحصول على إعانة البطالة والاستفادة من قانون كيرز الأميركي (قانون المساعدات والإغاثة والأمن الاقتصادي المتعلق بفيروس كورونا).

وأحد الاعتبارات الرئيسية في الإجازة الإجبارية أن الموظفين لديهم الفرصة للعودة إلى وظائفهم بمجرد تعافي مؤسساتهم، على الرغم من عدم تقديم أي ضمانات بحدوث ذلك. وتتوقف عودتهم من عدمها جزئياً على معدلات الطلب على وظائفهم التي كانوا يعملون بها في السابق. ويجد الكثيرون مِمَّن يتعرَّضون لهذا الموقف أنفسهم في حيرة من أمرهم للاختيار ما بين حلّين: هل ينتظرون عودة الأمور إلى وضعها الطبيعي (أو على الأقل وضعها غير الطبيعي المستجد)، أم عليهم أن يتدبروا أمرهم على المدى المنظور ويتقدموا لوظائف جديدة الآن؟

نرى من وجهة نظرنا أن هناك 5 نقاط رئيسية يجب مراعاتها لتحديد ما إذا كان عليك البحث عن فرصة عمل في أثناء الإجازة الإجبارية أم لا:

1. هل تستطيع تحمُّل الانتظار؟

تتعلّق هذه النقطة بالمسائل المالية البحتة. وفي ظل زيادة إعانات البطالة، يصل دخل الأميركيين الذين حصلوا على إجازات إجبارية إلى 24 دولاراً في الساعة في المتوسط لمدة 4 أشهر. لكن هذا الدخل لا يكفي الكثيرين لتدبر شؤون حياتهم، كما أن هذا الإطار الزمني المحدود يدعو للقلق. فقد تستمر الإجازات الإجبارية لمدة تصل إلى 6 أشهر قبل أن يُطلب من الشركة أن تقرر ما إذا كان الموظف سيعود إلى عمله أم لا. وهذا يعني أن هناك فرصة للتعرض للأزمات الاقتصادية في أثناء انتظار انتهاء الإجازة الإجبارية. وهناك أيضاً خطر عدم استدعاء العاملين مجدداً إلى العمل بعد انتهاء الأزمة وإهدار الفرص التي كانت متاحة في منتصف الأزمة.

وبالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون الانتظار، هناك بعض الخيارات الجيدة. إذ يمكنهم التقدم لوظائف جديدة، إما دائمة أو مؤقتة لمواصلة التعلم وتحسين الدخل. وعلى الرغم من أن لدينا عدداً قياسياً من الأشخاص الذين قدموا طلبات للحصول على إعانة البطالة، فوفقاً لتقرير شركة مان باور غروب (ManpowerGroup) حول الوظائف الشاغرة في الولايات المتحدة، فقد كان لدينا 5.8 ملايين فرصة عمل ابتداءً من 7 مايو/أيار. وحتى إذا كنت لا ترغب في الالتزام بمسار مهني جديد، يمكنك الالتحاق بعمل مؤقت يسمح لك بتجربة تغيير المسار المهني قبل الالتزام بعملك المؤقت.

2. هل تريد الانتظار؟

يوحي مصطلح “الإجازة الإجبارية” بالكثير من المخاوف، لكن يجب ألا نحصره في المخاوف وحدها. فقد تكون الإجازة الإجبارية بداية لمستقبل جديد. إذ يقع الكثيرون منا في مزلق اعتياد روتين وظائفنا وننسى مراجعة اهتماماتنا وأهدافنا الحياتية من حين لآخر. وتمنحنا هذه الأزمة الفرصة لإعادة تقييم مستقبلنا بطريقة ربما لم نألفها من قبل. فنحن مضطرون للتوقف والتفكير: هل هذا هو الطريق الذي أريد أن أسير فيه حقاً؟ هل أحب هذه الوظيفة وأريد العودة إليها مرة أخرى؟ أم حان الوقت للتفكير في عمل شيء جديد؟

خذ بعض الوقت للتريُّث والتفكير. أعد النظر في إمكاناتك بطريقة لم يكن يسمح بها روتين الحياة في السابق. اسأل نفسك ما إذا كانت وظيفتك تستحق الانتظار. هل تريد العودة إلى حياتك السابقة قبل اندلاع الأزمة؟ إذا تسرّب الشك إلى عقلك، فلا بأس بالتقدم بطلب الحصول على عمل جديد، ورؤية ما يمكن أن يتمخّض عنه المستقبل.

3. هل ستكون مكتسباتك أفضل من الأشياء التي تتخلّى عنها؟

غالباً ما يكون مفهوم “العشب أكثر نضرةً” صحيحاً عندما نفكر في الخيارات الوظيفية. وقد يلعب تحليل مزايا وعيوب اعتبارات وظيفتك دوراً حيوياً في اتخاذ قرار سديد. ألقِ نظرة جديدة على ما تستمتع به في وظيفتك التي حصلت فيها على إجازة إجبارية والمزايا التي تتيحها لك، بدايةً من الأساسيات، مثل الراتب والرعاية الصحية، وصولاً إلى الأمور الشخصية، مثل سمعتك التي اكتسبتها بشق الأنفس. كل هذه العناصر لها قيمة. قارنها الآن بالمكتسبات التي قد تحصل عليها في حال شغلك منصباً جديداً في مؤسسة جديدة. ضع في اعتبارك المرونة التي تريدها وفرص التعلم، وربما الأهم من ذلك الطلب المستقبلي على العمل الذي يمكنك متابعته مقارنة بالعمل الذي تنتظر العودة إليه.

وتذكر في أثناء المقارنة أنك ستضطر دائماً إلى التنازل عن شيء مقابل الحصول على شيء آخر (كالحصول على أموال أقل مقابل مزيد من المتعة، والحصول على المزيد من المال مقابل حرية أقل، والمزيد من المكانة الاجتماعية مقابل مغزى أقل). واحرص على أن تكون مكتسباتك تستحق الجهد المبذول في سبيل تحقيقها وتتوافق مع قيمك الأساسية.

قبل اتخاذ القرار، اغتنم هذه الفرصة المثالية أيضاً لمناقشة مسيرتك المهنية مع صاحب العمل الحالي ومعرفة ما إذا كانت هناك طرق لإعادة تشكيلها بالطرق التي تناسبكما. فقد يمنحك مكان عملك الحالي الدعم اللازم للحصول على فرص أخرى أو يعمل معك لتعديل جدول المواعيد بطريقة مناسبة لكليكما. واسأل عن الأشياء التي كنت تريدها ولكنك كنت تخشى طلبها من قبل. وإذا قررت إجراء تغيير بعد هذه الاعتبارات، فعليك أن تجريه باستخدام أكبر كمٍّ ممكن من المعلومات المتاحة.

4. هل أنت مستعد لبناء شبكة علاقات عن بُعد؟

لنفترض أنك ملتزم باستكشاف الفرص ومستعد لإجراء تغيير جذري أو تغييرين من أجل مستقبلك. من المهم أن تعي أن الانضمام إلى شركة جديدة خلال هذه الأزمة وما بعدها احتمال قائم بقوة. لا يستطيع أحد أن يؤكد إمكانية حدوث أمر كهذا أو ينفيه، لكن يمكنك توقعه، بل ويجب عليك توقعه. وما لم تتكهن بإمكانية حدوثه، فلن تخطّط له، ولا يسعك أن تفعل شيئاً الآن سوى التخطيط والترقُّب.

ولا شك في أن الشركات لن تخصّص الكثير من الوقت لفصول إعداد الموظفين الجدد التي تُتيح لك الفرصة للتواصل مع القيادات والتعارف مع غيرك من الموظفين الجدد. ولكن لا يزال بإمكانك طرح أكبر عدد ممكن من الأسئلة الضرورية في أثناء المقابلة الشخصية للتأكد أن تكهناتك مستندة إلى البيانات قدر الإمكان. قد لا تتلقى تدريبات عملية، حتى إذا كانت وظيفتك الجديدة كثيفة العمالة، وهو أمر مرجح، لأن النسبة الأكبر من التعلم في معظم الوظائف تعتمد على التعلم في أثناء العمل نفسه. وهذا لا يعني أن الشركات ستتوقف عن تقديم التدريب الرسمي. لكن سيكون عليك أن تكون طالباً مجتهداً وأن تستخلص الدروس الرسمية المستفادة من كل تجربة.

وفي ضوء هذه المعطيات، يجب أن تفكر في كيفية التعلم بشكل أفضل. هل يمكنك التعلم في بيئة افتراضية؟ وما مقدار الإشراف الذي تريده وتحتاج إليه؟ وهل تفضل اتباع التعليمات أم استكشاف الأمور بنفسك؟ إذا أردت النجاح في هذه البيئة، فستحتاج على الأرجح إلى الخروج من منطقة الراحة الاجتماعية أيضاً. هل يمكنك بناء شبكة علاقات دون رؤية زملائك في العمل حضورياً؟ وهل تعرف كيفية إظهار المهارات الاجتماعية الأساسية، مثل المشاركة الوجدانية وتعلم آداب الإتيكيت الجديدة على الإنترنت؟ فكّر في هذه الأسئلة وأنت تستكشف الخيارات المتاحة.

وتذكر أن البشر قادرون على التكيف مع كافة الظروف. لكننا أيضاً كسالى للغاية ونبحث دائماً عن طرق أكثر كفاءة ومن دون مجهود لحل مشاكلنا الطارئة. ولا نُقبِل على التعلم إلا عندما نضطر إلى ذلك اضطراراً، والآن يجب على البشرية جمعاء معرفة ما يجب القيام به في ظل هذه الظروف. سنجد أن العالم قد تغيَّر من حولنا حتى بعد عودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران من جديد. ويُعد فهم كيفية تأثير هذه التغيُّرات على انتقالك إلى وظيفة جديدة وشركة جديدة أمراً حيوياً.

5. هل سيكون تحسين المهارات على المدى البعيد أكثر قيمة من الانتقال إلى عمل جديد في الوقت الحالي؟

أخيراً، هناك خيار آخر، دعنا نُسمِّه “العمل خلال الانتظار”. إذ يجب ألا نهدر فرصة انتظار العمل. وبإمكاننا استغلال هذه الفرصة للاستثمار في أنفسنا أيضاً. وهناك العديد من الخيارات للتعلم المجاني وتحسين المهارات في الوقت الحالي، وللعلم فإن جامعة ييل تقدم واحدة من أشهر دوراتها في علم السعادة، وكذلك شركة مان باور غروب التي تقدم دورات مجانية بالشراكة مع جامعة فينيكس، بالإضافة إلى مجموعة من القائمين على إعداد المحتوى القيِّم المفتوح المصدر الذين يمكنهم مساعدتك على تحديد احتياجاتك التعليمية الأساسية. وهكذا تتعدد فرص التعلم في أثناء انتظارك للربح.

حتى في حقبة ما قبل اندلاع الأزمة، كنا نعلم أن المهارات تتغير بوتيرة متسارعة تواكب التطورات التكنولوجية. وقد أدت الأزمة من نواحٍ عديدة إلى تسريع هذه التطورات التكنولوجية وزيادة إمكانات تقديم إسهامات عبر الوسائط الافتراضية. ويعد الوقت الراهن فرصة رائعة لمعرفة المهارات التي ستكون مطلوبة لاحقاً، سواء المهارات الشخصية أو المهارات الفنية، والاستثمار في إعداد نفسك تحسباً للمتغيرات المرتقبة في المستقبل بما يمكّنك من أداء مهمات الوظيفة التي تنتظر العودة إليها أو الوظيفة التي تختار شغلها في أثناء الإجازة الإجبارية.

فكر في هذا “الوقت المستقطع” من العمل باعتباره فرصة لإعادة صياغة أفكارك على المديين المنظور والبعيد في ظل سباقات الماراثون المهنية وسباقات العمل. استغله لإعادة النظر في مستقبلك لأنه سيكون مختلفاً تماماً عما كان عليه في الماضي، حتى عندما نعود إلى العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .