لماذا ينبغي على القادة الحذر من النجاح السريع؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما تتقلّد منصباً رفيعاً في شركة تحتاج إلى تحسين طريقة عملها، تواجه ضغوطاً من أجل البدء بسرعة، ولكن أفضل طريقة للنجاح هي إنجاز الأمور ببطء.

تواجه قوى كبيرة تدفعك في الاتجاه المعاكس، أي نحو السرعة المفرطة، بينما يتوجّب عليك أن تثبت أنك القائد المناسب من خلال إيصال المؤسسة إلى تقديم أفضل النتائج وبأسرع وقت؛ وهذا في الأساس السبب وراء توظيفك.

لذلك تضع نصب عينيك تحقيق نجاحات مبكرة من خلال التركيز على إصلاح مكامن الخلل الواضحة، مثل العمل على التكلفة وربما تحسين سرعة عمليات الإنتاج، والعمل على الإيرادات من حيث زيادة حجم فريق المبيعات.

ولكن الاندفاع نحو تحقيق نجاحات كبيرة، حتى في المجالات التي تبدو غير مثيرة للجدل، يمكن أن يكون خطيراً على نحو غير متوقع. وهذا لأنه عندما يتسلم قائد جديد زمام الأمور، لا تقتصر التغييرات على الكفاءة أو الإيرادات فقط، بل ترتبط أيضاً بمشاعر الناس من ضعف وقلق حيال التغييرات وما تعنيه بالنسبة لهم.

يمكن للاندفاع بسرعة كبيرة نحو تحقيق نجاحات مبكرة أن يحرم القائد الجديد من الرؤية اللازمة لفهم ثقافة المؤسسة وبناء العلاقات فيها، بغضّ النظر عن مدى تقدمه ونضجه. وهو ما يؤدي إلى تقويض النجاحات السريعة في وقت قريب أو حصول مشاكل قيادية جديدة.

أما التباطؤ المتعمد فهو يسمح لك بتوضيح ما يريده الناس من حولك، وتأثير سلوكك عليهم، بالإضافة إلى معرفة عواقب قراراتك. والنتيجة: ستتحكم أكثر بوتيرة انتقالك إلى مسؤوليات القيادة الجديدة، وكذلك بانتقال الشركة إلى عصرها الجديد.

القائد الجديد الذي يبدأ بسرعة كبيرة

كمثال على أهمية التحكم بوتيرة الانتقال إلى مسؤوليات القيادة، دعنا نلقي نظرة على حالة مدير تنفيذي سنسميه هنا سامر. بعد تعيينه في شركة كبيرة للسلع الاستهلاكية كمدير تنفيذي للعمليات واعتباره الخليفة المفترض للرئيس التنفيذي الذي خطط للتقاعد بعد 24 شهراً، سمح سامر لنفسه بدخول دورة نشاط سلبية على الرغم من امتلاكه الموهبة والاختصاص.

شمّر سامر عن ساعديه وبذل جهداً أكثر من أي وقت مضى دافعاً بذلك نفسه وكذلك الشركة التي يعمل فيها. لكي يبدو متجاوباً وعلى قدر المسؤولية، درس كل عرض تقديمي وأجاب على كل بريد إلكتروني، ولكي يكون متجاوباً، قال نعم لكل مقابلة أو لقاء عرضي. كان هذا يأخذ الكثير من وقت سامر، ولكنه أراد أن يفعل كل شيء ممكن حتى يثبت لمجلس الإدارة والآخرين في الشركة، أنه كان الخيار الصحيح لتولي منصب الرئيس التنفيذي مستقبلاً.

أدت مشاريع سامر إلى إعادة تصميم سلسلة التوريد لتحقيق وفورات كبيرة في التكاليف والوقت، وإيجاد بنية جديدة لتسريع اتخاذ القرار وزيادة المرونة، وتحسين عملية تطوير المنتج الجديد. ولكن في المقابل، أبدى المدراء تذمرهم، والرئيس التنفيذي لم يكن متحمساً كما ينبغي، غير أنّ سامر افترض أنّ ذلك نتيجة لمقاومة التغيير الحتمية، واعتبر أنّ ما يهم هو سير الموظفين وفقاً لخططه وتجاوبهم مع توجيهاته وأنّ النتائج كانت جيدة.

كان سامر معتاداً على تفسير ما يريده بالتفصيل (باستخدام طريقة التفسير المزدوجة double-barreled communication) بحيث يرفق كل طلب بشرح يوضح ما يعنيه، فنجح الأمر وكان المرؤوسون يستمعون، ويومئون برؤوسائهم، ونادراً ما كانوا لا يستجيبون.

في شهره السادس عشر، ولدى استعداده لاستعراض أدائه، تساءل سامر عن حجم المكافأة التي سيحصل عليها وعن موعد اختياره كرئيس تنفيذي. ولكن، سمع بدلاً من ذلك أنّ الرئيس التنفيذي سيبقى إلى أن يطور المدير المالي القدرات التي تمكنه من خلافته، وأنّ باب الاستقالة مفتوح أمامه. وعلى الرغم من أنّ الرئيس التنفيذي أقر بأنّ التغييرات التي أجراها سامر حسّنت من أداء الشركة، لكنه أشار إلى أنّ الأخير لم يكسب ولاء الموظفين، وأسلوبه لم يكن متطابقاً مع ثقافة الشركة.

تلقّن سامر درساً مفاده أنّ الأشخاص في المناصب الإدارية الرفيعة نادراً ما يفشلون بسبب المشاكل الاستراتيجية أو التشغيلية، بل يفشلون عادة لأنهم يعانون من ضعف في الوعي بالذات ويسيئون إدارة العلاقات.

أساء سامر، وهو يستخدم كامل طاقته في تفسير ردود فعل الرئيس التنفيذي وفوّت على نفسه الإشارات التي تبيّن أنّ التقارير المباشرة أظهرته وكأنه يعمل للحصول على ترقية بدلاً من مساعدة الرئيس التنفيذي أو مساعدة الشركة. منعه سلوكه من الحصول على الآراء والتعليقات كما كلّفه غياب الدعم اللازم للنجاح. أما تقنية التفسير التي اتبعها فقد جاءت بنتائج عكسية، إذ اعتاد الأشخاص من حوله على أنّه ليس عليهم طرح أسئلة أو تقديم آراء وتعليقات أو حتى التفكير على نحو خلاق.

كيف يمكنك التباطؤ في وظيفة عالية السرعة؟

يفسر عالم النفس دانيال كانيمان، في كتابه “التفكير، بسرعة وببطء” (Thinking, Fast and Slow)، تعقيدات إطلاق الأحكام، ويرى أنّ الاختلاف في صياغة القرار أفضل للتحديات المختلفة. يجب أن تكون قرارات “الكر والفر والمراوحة” (fight/flight/freeze) بديهية وسريعة، ولكن الإجراءات التي تتسم بالتعقيد وتتطلب حكماً دقيقاً يجب أن تحصل بتأنّ وتروّ.

من أجل الانسجام، ينبغي على القائد الجديد أن يدرك أنّ التسلم والتسليم في المناصب الرفيعة أمر غير مريح للجميع. فالموظفون لا يعرفون ما ينتظرهم، والمدراء التنفيذيون يشعرون بالقلق حيال التأثير على سلطاتهم. ولكي يستطيع القائد الجديد أن يهدئ من المخاوف ويكسب الولاء يستغرقه الأمر بضعة أشهر، وهو أمر ينطبق حتى على القائد الذي يحصل على ترقية من داخل الشركة، كما أنّه قابل للقياس الكمي.

يتبع المرؤوسون القائد الذي يمكنهم الاعتماد عليه، فالحسم عامل مهم، غير أنّ الأهم منه إطلاق أحكام رشيدة في مواجهة تحديات معقدة ومهمة. يريد الناس من القائد أن يستمع إلى أفكارهم ويدمجها مع أفكاره، ويريدون أن يروه يتعامل مع المشاكل الصعبة بعناية. وكل هذا يتطلب السيطرة على الأفعال وإبطاء وتيرة العمل.

ثمة عدد من التقنيات التي تسمح للقائد الجديد بفعل ذلك، وهي تنقسم إلى خمس فئات: التحكم بتدفق المعلومات، والتفكير، والتكرار، والسؤال، واستخدام الصمت.

التحكم بتدفق المعلومات. لأن القائد الجديد يرث النظام الإداري لسلفه، يمكن لعدم التوافق بين إيقاع المكتب الجديد والأسلوب المتبع في صنع القرارات أن يبطئ التقدم نحو النجاح المبكر. ضع في الحسبان أنّ إدارة تدفق المعلومات إلى مكتبك ودماغك أمر بالغ الأهمية عند الحكم على أهم القضايا، ويمكن أن يحصل ذلك بسرعة أكبر من خلال القيام بخطوة منظمة: استحداث منصب مساعد رئيسي، مثل منصب رئيس الموظفين، يكون مسؤولاً عن التأكد من وصول المعلومات إليك في الوقت المناسب وبالصيغة الصحيحة.

التفكير. يجب أن يمنحك التحكم بتدفق المعلومات وقتاً أكبر للتفكير لكي تحسن فهم خفايا العلاقات والمعنى الكامن في المعلومات الواردة إليك. من المفيد جداً أن يكون لديك مستشارون موثوقون – سواء داخل الشركة أم خارجها – يعملون من أجل نجاحك ويمتلكون خبرة في المجالات التي تهمك. وإذا لم تجد شخصاً يمكنك التحدث إليه بسرية، سيكون عليك اقتناء دفتر لتدوين اليوميات تستعين به عند الحاجة. (انظر ضرورة تدوين اليوميات بالنسبة للقادة الإداريين).

التكتيكات الثلاثة التالية تساعد على التحكم بوتيرة التفاعلات.

التكرار. حتى لو كنت تفهم تماماً ما قيل في اجتماع أو نقاش فردي، كرر ما سمعته. وعلى نحو مماثل، عندما تريد التأكد من أنّ المستمعين قد فهموا عليك، اطلب منهم تكرار ما قلته لهم. يسمح التكرار بالتأكيد على القصد من الكلام، ويوقف المناقشات مؤقتاً بحيث يمنحك فرصة للتفكير بما تريد مناقشته لاحقاً.

السؤال. اطرح بين الوقت والآخر أسئلة تلخيصية، مثل “ماذا فعلنا للتوّ؟”، “ما الذي حدث هنا؟”، “ما الذي نتعلمه من ذلك؟”. فمثل هذه الأسئلة تجبر المتحاورين على التوقف قليلاً، ما يؤدي إلى منع النقاش من الاندفاع نحو قرار غير ناضج، أو إلى كبح مجموعة متحاورين قبل التوافق على استنتاج قد يكون خاطئاً. في هذه الحالة، وعلى عكس البيانات التصريحية، فإنّ الأسئلة تحثّ المتحاورين على أن “يكونوا نشيطين” كونهم يفكرون في الإجابة ويحاولون معرفة السبب الذي دفع القائد إلى طرح الأسئلة.

استخدم الصمت. التوقف قليلاً قبل الإجابة يعود على القائد بفائدة مضاعفة، فهو يوفر له فرصة لتقييم الخيارات واختيار أفضل طريقة للرد، كما يدفع الآخرين للتساؤل عما يدور في ذهنه، ما قد يدفعهم للتفكير بطريقة أكثر إبداعاً.

هذه الخطوات كانت ستساعد سامر كثيراً، إذ كانت ستساهم في إبطاء وتيرة تفاعلاته وقراراته بحيث يعرف أكثر عن نظرة الآخرين إليه ويتمكن بالتالي من تقييم نتائج قراراته بعناية. كان بإمكانه الارتقاء إلى منصب يمكنه فيه إطلاق أحكام أفضل، ولكان أدرك أنّ كيفية تحقيق النجاحات المبكرة لا تقل أهمية عن تحقيق هذه النجاحات نفسها. لو عمل سامر على إنجاز الأمور ببطء، لكان اليوم رئيساً تنفيذياً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .