لماذا تحتاج المنطقة العربية إلى تغيير طرق دعم المجتمع المدني؟

3 دقائق
shutterstock.com/Lightspring
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اجتاح وباء فيروس كورونا المستجد “كوفيد -19” العالم ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذي تحاول الحكومات إبطاء وتيرة انتشاره بدرجات متفاوتة من النجاح. وباتت القيود الحالية المفروضة على الحركة مقبولة إلى حد كبير باعتبارها ضرورة أملتها الظروف الطارئة، على الرغم من الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالمنطقة، ومع ذلك، فثمة غموض هائل يشوب الأثر السلبي للجائحة على المجتمعات الأكثر هشاشة في المنطقة ومؤسسات المجتمع المدني التي تلبي احتياجات أفرادها.

فقد كشف استقصاء شاركت به، وأُجري مؤخراً لـ 26 مؤسسة من مختلف دول المنطقة عن سوء أحوال اللاجئين والأسر منخفضة الدخل والأفراد الأكثر عرضة للتأثر بخطر الوباء الذين يكافحون من أجل كسب قوت يومهم مع تخفيض أجورهم اليومية بسبب إجراءات الإغلاق التي امتدت على مدار الأسابيع الماضية، وهو ما أدى بالعديد منهم إلى محاولة الحصول على مساعدات نقدية وقسائم للعقاقير الطبية والأغذية، لذا ستتعرض مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة لخطر التعثر ونحن في أمس الحاجة إليها، ما لم تتلق دعماً إضافياً.

المجتمع المدني تحت الضغط

يمثل تراجع التمويل بسرعة هائلة التحدي الأول الذي يواجه مؤسسات المجتمع المدني، وذلك بعد أن ضاقت بها السبل التقليدية التي ضمنت لها في الماضي جمع التبرعات، مثل: فعاليات جمع التبرعات، وبيع منتجاتها وخدماتها بصورة شخصية، بالإضافة إلى التبرعات الفردية. وهكذا بات من المستحيل أن يواصل الكثير منها برامجها النقدية، ناهيك عن تلبية الزيادة الكبيرة في الطلب على الإغاثة.

كانت مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة مثقلة بالكثير من الأعباء قبل فترة طويلة من تفشي “كوفيد -19” بسبب الأزمات الملاحقة مثل الحرب التي تدور رحاها منذ أمد طويل في سورية، وهشاشة الأوضاع الاقتصادية وتردي مستوى الخدمات الاجتماعية في دول مثل لبنان والعراق والتي أثقلت كاهل المؤسسات الصغيرة بمسؤوليات جسيمة في المجتمعات منخفضة الدخل. تعمل العديد من هذه المؤسسات الآن في المجتمعات التي تضررت بشدة نتيجة الآثار الاقتصادية السلبية لتفشي وباء “كوفيد -19”.

يواجه المجتمع المدني الآن تحدياً وجودياً، ففي حين قدمت الحكومات في الدول المتقدمة مثل كندا وأستراليا حزم مساعدات لمواجهة تداعيات تفشي فيروس “كوفيد -19” وقدمت إعانات لدفع الرواتب والمنح وغيرها من المزايا للمنظمات غير الربحية، تكافح مؤسسات المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للحفاظ على موظفيها وتغطية نفقاتها التشغيلية الأساسية.

يتمثل التحدي الثاني في تكييف خدماتها، حيث تدرك مؤسسات المجتمع المدني أنه يجب عليها رقمنة عملياتها استجابة للتداعيات المباشرة لتفشي فيروس “كوفيد -19″، حيث يقدم بعضها إرشادات وتعليمات على الإنترنت، بينما يحاول البعض الآخر إرسال المساعدات النقدية إلى المستفيدين “غير المسجلين” من خلال الدفع عبر الهاتف الجوال وجمع الأموال من خلال حملات التمويل الجماعي.

ومع ذلك، مثلما تبذل هذه المؤسسات هذه الجهود الرائعة للتأقلم مع التحديات الحالية، لا بد من الإقرار بأن بعض هذه التغييرات على الأقل تأخرت كثيراً ويجب الإبقاء عليها. إذ يتعين على مؤسسات المجتمع المدني أن تحافظ على روح الابتكار في مرحلة ما بعد “كوفيد -19” لتنمو بشكل أقوى، ولكن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تأقلمت الجهات المانحة وداعموها مع هذه الأوضاع.

طرق جديدة لدعم مؤسسات المجتمع المدني

إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حاجة ماسة إلى نهج جديد يتصف بالجماعية والقدرة على الابتكار في التعامل مع المجتمع المدني، نهج يرتقي لمستوى التحديات الناجمة عن هذا الوباء. ففي الوقت الذي تركز فيه الحكومات على الحد من انتشار المرض والضغط على القطاع الصحي، يجب على الأفراد والمؤسسات وشركات القطاع الخاص أداء الدور المنوط بها أيضاً، يجب أن تتكاتف جهودهم على المستويين الوطني والإقليمي لتقديم تمويل عاجل لمؤسسات المجتمع المدني ومساعدتها على الحد من الآثار المدمرة للوباء على الفئات الأكثر هشاشة في المنطقة.

ويمكن للجهات المانحة التي تعاني من ضائقة مالية أن تقدم مساهمات عينية قيّمة في صورة منتجات ونقل المهارات، على الرغم من احتياج مؤسسات المجتمع المدني والمجتمعات التي تخدمها إلى المساعدة المالية في المقام الأول. يمكن للشركات، على سبيل المثال، إقراض موظفيها للمساعدة في مواجهة أهم التحديات التشغيلية الجديدة، وتقديم التدريب على المهارات الرقمية، والتبرع بأجهزة الكمبيوتر أو البرامج أو إتاحة الإنترنت مجاناً.

ويمكن للقطاع الخاص أن يواصل أداء دوره المهم في دعم المجتمع المدني وإجراء التغييرات اللازمة لتعزيز قدرته المؤسسية لضمان استدامته على المدى الطويل بمجرد انحسار الأزمة. إذ تحتاج مؤسسات المجتمع المدني إلى الدعم المالي وإلى الدراية الفنية وشبكات العلاقات والخبرة التكنولوجية. ويجب أن يتكاتف القائمون عليها ليبدؤوا فصلاً جديداً لاستكشاف آليات التمويل التي تستفيد من مختلف الموارد وتهتم بالنتائج في الأساس. يجب بذل كل جهد ممكن من الجانبين لتجنب العودة إلى أساليب التمويل قصيرة الأجل والعشوائية التي يجري اتباعها حالياً وتتسبب في بقاء مؤسسات المجتمع المدني على حافة الانهيار.

إن قدرة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تحمل تداعيات “كوفيد -19” وآثارها على المجتمعات الأكثر ضعفاً، ومواجهة التحديات الأخرى، مشروطة بمدى دعمها للمجتمع المدني، إذ يعتمد عليها ملايين العرب من أيتام ولاجئين ومسنين وأصحاب الهمم وأرامل وعاطلين عن العمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .