تقرير خاص

ماذا يعني مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية؟

16 دقيقة
مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية
shutterstock.com/yuttana Contributor Studio
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

جولة سريعة للتعرف على مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية (EGDI) لعام 2020 لمعرفة كيف يمكن أن تستفيد الحكومات من هذا الأصل المذهل، وبعض الأفكار المتعمقة التي ينبغي على إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية التفكير فيها من أجل إعداد النسخ المستقبلية.

في العاشر من يوليو/تموز من عام 2020، أصدرت الأمم المتحدة النسخة الحادية عشرة المنتظرة من مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية، الذي يعتبر أداة قياس معيارية لواضعي السياسات حول تبني تقنيات المعلومات والاتصالات واستخدامها في الحكومات بهدف تقديم الخدمات.

كانت الدولة صاحبة أفضل أداء في استقصاء عام 2020 هي الدنمارك، التي تحتفظ بالمرتبة الأولى منذ عام 2018، وتأتي كوريا الجنوبية في المرتبة الثانية، وتليها إستونيا. وعلى مستوى المؤشرات الفرعية، شملت الدول في المقدمة كوريا الجنوبية في مؤشر الخدمات الإلكترونية على الإنترنت (OSI)، وأستراليا في مؤشر رأس المال البشري (HCI)، وليختنشتاين في مؤشر البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية (TII).

وليس مفاجئاً رؤية أن إستونيا سجلت أكبر قفزة، إذ صعدت إلى المرتبة الثالثة بعد أن كانت في المرتبة السادسة عشرة في الاستقصاء السابق الذي نشر عام 2018، ويضع الخبراء والأكاديميون تركيزهم عليها منذ فترة نظراً للثقافة الرقمية القوية التي تتمتع بها.

إضافة إلى هذه التصنيفات، سلط تقرير الاستقصاء الضوء على بعض التوجهات الإيجابية جداً، إلى جانب المجالات التي تحتاج إلى انتباه الحكومات في العالم. ازدادت القيمة الوسطية لمؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية على مستوى العالم من 0.55 في عام 2018 إلى 0.60 في 2020. وأيضاً، فإن 65% من الدول الأعضاء مصنفة في الفئات المتقدمة والمتقدمة جداً، كما يتحرك 22% من الدول الأعضاء صعوداً ضمن مجموعات مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية منذ عام 2018. تشير هذه الأرقام إلى أن الحكومات تبذل بالفعل جهوداً مستمرة لزيادة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تقديم الخدمات.

تبين لنا نظرة أعمق أن أكثر من 84% من الدول المشاركة في الاستقصاء تقدم اليوم خدمة معاملة إلكترونية واحدة على الأقل، في حين يبلغ المتوسط العالمي 14 خدمة إلكترونية. وأكثر الخدمات الرقمية المقدمة شيوعاً حول العالم هي تسجيل الشركات الجديدة وتقديم طلب لاستصدار ترخيص شركة وتقديم طلب لاستصدار شهادة ميلاد وتسديد فواتير المرافق العامة.

كما بدأت الحكومات الخوض في مجالات جديدة، مثل تقديم الحكومة الإلكترونية كمنصة ودمج قنوات الخدمات الإلكترونية وغير الإلكترونية والانتقال إلى استخدام منهجيات مرنة لتطوير الخدمات الرقمية وتحسين القدرات التحليلية من أجل صنع قرارات مستندة إلى البيانات.

ساعد التركيز على الاستناد إلى البيانات في تشجيع الحكومات على إعداد بوابات لبيانات الحكومة المفتوحة، وازداد عدد الدول الأعضاء التي تقوم بذلك بدرجة كبيرة من 46 في عام 2014 ليصل إلى 153 في عام 2020، أي ما يعادل 80% من جميع الدول المشاركة في الاستقصاء. ومع ذلك، ثمة تباين فيما يتعلق بالنضج، إذ تتبنى نسبة 59% فقط من الدول سياسة بيانات الحكومة المفتوحة، وتقدم نسبة 52% التوجيه حول استخدام بيانات الحكومة المفتوحة.

وفيما يخص المشاركة الإلكترونية، يمكن ملاحظة توجه لاستخدام منصات متعددة الوظائف تشمل منتديات التفكير والاستشارات أو العرائض الإلكترونية للسياسات الجديدة واستطلاع الرأي ونظام تقديم الشكاوى وتقديم تقارير عن الفساد وتوليد الأفكار والابتكارات. لكن مجدداً، هناك تباين كبير فيما يخص نضج هذه المنصات، وخصوصاً فيما يتعلق بميزات تقديم التقارير عن الفساد.

يقر التقرير أنه ليس من الواضح دائماً ما إذا كانت هذه المنصات قد ترجمت إلى توسع مشاركة الناس وتعمقها في مسائل الدولة. بالإضافة إلى أن الممارسات والأنظمة الحالية تحمّل الناس قدراً كبيراً من المسؤولية للتعرف على فرص كهذه، وبذلك أصبحت تفتقد العناصر التحفيزية التي تحرك الاستخدام. في الحقيقة، يعتبر النهج التفاعلي الذي تتبعه مؤسسات الدولة في هذا المجال بالإضافة إلى المستويات المتدنية من المعرفة الرقمية في الدول الأعضاء عوامل تحد من التقدم في مجال المشاركة الإلكترونية.

وإذا تمعنا في أولويات الحكومات كما هي محددة في الاستقصاء، نرى أن المقامات المشتركة تشمل تطوير السياسات الرقمية الاستراتيجية وخطط الترسيخ الإقليمية والوطنية ورقمنة الوظائف الأساسية في القطاع العام وإنشاء حكومة مفتوحة. تمثلت دوافع هذه المواضيع في التركيز على التقييم الذي يرتكز على المستخدم لتطوير الحكومة الإلكترونية وتسهيل الاقتصاد والتجارة الرقميين واستخدام التقنية في إدارة مخاطر الكوارث كما نرى في الاستجابة لجائحة “كوفيد-19”.

وعلى الرغم من أن نسبة تقارب 80% من الدول المشاركة في الاستقصاء تقدم اليوم خدمات مخصصة للشباب والنساء والمسنين وأصحاب الهمم من ذوي الاحتياجات الخاصة والمهاجرين والفقراء، فإن الانقسام الرقمي يبقى تحدياً رئيساً، وهو يشمل تكلفة الحصول على اتصال جيد بالإنترنت في بعض أجزاء العالم. وتشمل بعض التحديات الأخرى التي تواجهها الحكومات في رحلتها الرقمية محدودية الموارد ومشكلات فيما يتعلق بالقدرات والإمكانات وعدم توفر البنية التحتية الرقمية المتينة. بالإضافة إلى ظهور مشكلات جديدة مثل خصوصية البيانات والأمن السيبراني مع تزايد استخدام التقنيات الرقمية.

ما هي الغاية الجوهرية من مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية؟

في خضم المشهد المعقد والمتطور باستمرار، غالباً ما أصادف أسئلة مثل: “كيف يمكنني تطوير تصنيف دولتي في مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية؟ لماذا تراجع تصنيفنا عالمياً على الرغم من تحسن درجاتنا عما كانت عليه في الاستقصاء السابق؟”.

ومن أجل معرفة أجوبة هذه الأسئلة، يجب أولاً فهم الغاية من مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية والرسالة التي يحاول إيصالها. بعبارة أخرى، ما الذي يحاول المؤشر تحقيقه فعلاً من خلال مساعدة الحكومات في تحسين استخدامها لتقنية المعلومات والاتصالات؟

في حين يقيم الاستقصاء تطوير الحكومات الإلكترونية أو استخدام تقنية المعلومات والاتصالات في تقديم خدمات عامة على المستوى الوطني، فإن الغاية الجوهرية من الاستقصاء والمؤشر هي تشجيع الحكومات على استخدام التقنيات الرقمية كي تصبح مرتكزة أكثر على المواطن وتقدم خبرة حياة أفضل لمواطنيها.

وإذا تمعنا في تاريخ تقارير استقصاء مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية، نجد أن الموضوع الأساسي كان ولا يزال درجة تطور إتاحة المعلومات والخدمات في الحكومات وإمكانية الحصول عليها بالنسبة للأفراد والمؤسسات. في الأعوام الأخيرة، تكرر ذلك أكثر مع ربط إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية أهداف التطوير المستمر بالحكومة الإلكترونية.

لذا، يجب أن يكون الهدف الرئيس لأي حكومة متعلقاً بالتوصل إلى “الطريقة التي تمكنها من استخدام التقنيات المتاحة على أفضل نحو من أجل تحسين النتائج للناس”، وما يجب عليها فعله من أجل تحقيق هذا الهدف. ويؤدي النظر إلى مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية على أنه منافسة إلى تشتيت انتباه صناع القرار عن الهدف الحقيقي. يجب أن نتذكر أن الدرجات والتصنيف الأفضل في مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية هما نتيجة تلبية الحكومات للهدف الرئيس، وليس العكس.

إذ يجب أن تستخدم الجوانب الفنية للمؤشر كمنارة إرشاد؛ ويجب أن تستخدم الحكومات تقرير الاستقصاء كدليل توجيهي من أجل فهم الممارسات العالمية والتحقق من أنها تتحرك في الاتجاه الصحيح؛ ويجب أن تستخدم هذا التقرير من أجل تحسين التعاون مع قادة التقنيات الرقمية وتتعلم من نجاح الآخرين وأخطائهم من أجل تفادي إهدار الجهود المبذولة حيثما أمكن.

لكن ينبغي لنا الحذر من التقليد الأعمى. فما نجح في إحدى الدول قد لا يحقق نفس النجاح في دولة أخرى. وكل دولة تتمتع بخصوصية فيما يتعلق بتحدياتها الاجتماعية ومستوى نضج حكومتها والبنية التحتية الاجتماعية والرقمية والموارد المتاحة. لذا، يجب تصميم الحلول والمبادرات بما يتناسب مع كل دولة وفقاً للمشاكل التي تعاني منها في موقعها الجغرافي ومجتمعها. ولهذا السبب أيضاً لا يمكننا توقع تساوي درجات الفاعلية والتطوير في العالم.

يجب أن تهدف الحكومات إلى بناء نسخة أفضل عن نفسها والاستمرار بالتقدم في هذا الاتجاه. وقد لا يعطي التصنيف، على اعتباره مفهوماً نسبياً، صورة حقيقية عن تقدم الحكومة. ويجب التركيز على إنجاز مبادرات تهدف لتحسين حياة المواطنين، وستتحسن الدرجات التي تسجلها الحكومة في الاستقصاء نتيجة لذلك. وما أن يحدث ذلك، سيصبح التصنيف في نهاية المطاف أقل أهمية بعد وصول الحكومات إلى درجة معينة من النضج، إذ لن يكون مهماً حقاً إذا صنفت الدولة في المرتبة الأولى أو العاشرة لأن الفروقات ما بين المرتبات سيكون ضئيلاً. وإذا نظرنا اليوم إلى أعلى 10 درجات سنجد أن الفروقات بينها ثانوية. مثلاً، الفرق في مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية بين الدنمارك (في المرتبة الأولى) وفنلندا (في المرتبة العاشرة) يبلغ 0.0530 نقطة فقط.

مم يتألف مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية؟

بعد أن ناقشنا الغاية الرئيسة من مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية، فلنلق نظرة سريعة على مكوناته.

المؤشر نفسه مؤلف من متوسط مرجح متساو لثلاثة مؤشرات فرعية منظمة، وهي مؤشر الخدمة على الإنترنت (OSI)، ومؤشر البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية (TII) ومؤشر رأس المال البشري (HCI).

1- مؤشر الخدمة على الإنترنت

يركز مؤشر الخدمة على الإنترنت على توسيع نطاق الخدمات المتاحة على الإنترنت في الدولة ورفع جودتها. ولأجل تحقيق ذلك، يجمع المتطوعون والخبراء في إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية البيانات من الدول الأعضاء بناء على أكثر من 100 سؤال في استبانة حول الخدمات على الإنترنت. تشمل هذه الأسئلة مجموعة واسعة من المواضيع والقضايا، كنهج الحكومة المتكاملة وبيانات الحكومة المفتوحة والمشاركة الإلكترونية وتوصيل الخدمات عبر القنوات المتعددة وخدمات الهاتف الخلوي وفهم الاستخدام والانقسام الرقمي بالإضافة إلى الطرق المبتكرة لإتاحة الخدمة. والهدف من هذا الاستقصاء هو معرفة مدى إتاحة معلومات محددة على الإنترنت وما إذا كان المستخدمون قادرين على فعل شيء بخصوصها على الإنترنت، وإذا كان بإمكانهم تقديم طلب أو إجراء معاملة ما على الإنترنت.

كما تجمع إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية من أعضائها معلومات حول الاستراتيجيات الوطنية والحكومة الرقمية بمجملها، وما يخص التقنيات الجديدة والمبادرات الرقمية وتبني المصادر المفتوحة والسحب الإلكترونية والأمن السيبراني والسياسات والتشريعات وبوابات الخدمة الموحدة بأنواعها، بالإضافة إلى بوابات الخدمات المهمة الأخرى وبيانات الحكومة المفتوحة والمشاركة الإلكترونية وغير ذلك، من خلال الاستبانة الخاصة بالدول الأعضاء التي يتم مشاركتها مع السلطات المختصة في كل دولة مشاركة. والاختلاف الرئيس بين الاستبانة حول الخدمات على الإنترنت والاستبانة الخاصة بالدول الأعضاء هو أن بيانات الأولى قائمة على خبرات المتطوعين في أبحاث الأمم المتحدة، في حين تقوم بيانات الأخيرة على إجابات ممثلي الحكومات المختلفة.

2- مؤشر البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية

هدفه هو فهم مدى قدرة الناس على الحصول على خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وهو مطلب أساسي للمساعدة على إيصال الخدمات الرقمية لعموم الناس. يشمل هذا المؤشر بيانات كالعدد المقدر لمستخدمي الإنترنت وعدد المشتركين في خدمة الهاتف الخلوي بين كل 100 من سكان الدولة. كما يبحث في العدد التقديري لمستخدمي اتصال النطاق العريض (برودباند) الثابت وعدد الاشتراكات في خدمات اتصال النطاق العريض اللاسلكي من بين كل 100 مواطن. يعتبر هذا المؤشر دليلاً جيداً يساعد الحكومات على فهم الثغرات في البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية لديها، والتي قد تكون سبباً رئيساً في الحد من إمكانية حصول الناس على الخدمات على الإنترنت.

3- مؤشر رأس المال البشري

يشمل مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية مؤشر رأس المال البشري بناء على فكرة أن العوامل الفارقة في تطوير الخدمات الرقمية وإيصالها بين الدول تتمثل فيما يحظى به مواطنوها من تعليم وخبرة ومهارات، إلى جانب فهم عامة الناس لهذه الخدمات. وبهدف إجراء الحسابات، يأخذ هذا المؤشر الفرعي المتوسط المركب لبعض المؤشرات، مثل معدل معرفة البالغين ونسبة إجمالي التسجيل وعدد سنوات الدراسة التقديري ومتوسط سنوات الدراسة.

بالإضافة إلى أن الاستقصاء قد بدأ أيضاً بحساب مؤشر المشاركة الإلكترونية بصورة منفصلة، على الرغم من إدماج بعض عناصر المشاركة الإلكترونية في مؤشر الخدمة على الإنترنت. تركز هذه الدراسة على ثلاثة أوجه تشمل المعلومات الإلكترونية والاستشارات الإلكترونية وعملية صنع القرار الإلكترونية. ثمة اتجاه آخر لاحظناه في التقرير، وهو أنه يشمل تطوير الحكومة الإلكترونية المحلية. في هذه المرحلة، لا يؤثر أي من هذين المؤشرين في الدرجات العامة في مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية. لكن، من الجيد أن نحدد مجالات التعاون والإدماج ومشاركة المعارف والموارد بين السلطات الوطنية والمحلية في هذا الخصوص من أجل تلبية الهدف الأساسي من استخدام التقنيات الرقمية في الحكومة.

كيف يمكن الاستفادة من مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية؟

يجب على الحكومات أن تولي اهتماماً متكافئاً لكل من مؤشر الخدمة على الإنترنت ومؤشر البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية ومؤشر رأس المال البشري إذا كانت تهدف لتصبح حكومات رقمية مرتكزة على المواطن، تحظى بتصنيفات مرتفعة في دراسات مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية. تعتبر إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية أن التركيز على الخدمات الرقمية فقط هو نهج جزئي ينتج عنه رفع درجات الدولة بمقدار لا يتجاوز الثلث.

يعني اكتساب مرتبة في المقدمة في مؤشر الخدمة على الإنترنت أن على الحكومة إبقاء التميز في خدمة العملاء في قلب الخدمات الحكومية الرقمية. وبدلاً من الاكتفاء بجعل المعاملات الرقمية ممكنة، يجب اتباع نهج استباقي والنظر إلى الخدمة من منظور الخبرة والرحلة الكاملة من الألف إلى الياء، والتفكير ضمن إطار رقمي أولاً مع إتاحة الخيارات كي لا يبقى أحد متخلفاً عن الركب فيما يتعلق بالحصول على الخدمات والاستفادة منها. يمكن اجتياز شوط طويل من خلال طرح أسئلة مثل: ما هو الأمر الوحيد الذي يمكن القيام به من أجل تخفيض الجهود التي يبذلها العملاء في التعامل مع الخدمات الرقمية؟ وهذا يعني أيضاً أنه سيكون من الضروري تغيير طريقة العمل، ونوع الموظفين الذين يتم تعيينهم والأدوات المستخدمة والمنهجيات المتبعة والقنوات التي يتم تسليم الخدمة من خلالها، وفي كثير من الحالات يجب تغيير الشكل النهائي للخدمة ذاتها.

وفيما يتعلق بمؤشر البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية، يجب التفكير بما يمكن أن يشكل ثورة في قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية. مثلاً، قد يستغرق توصيل اتصال النطاق العريض الثابت إلى كل المنازل وقتاً طويلاً، في حين يمكن زيادة خدمات اتصال النطاق العريض اللاسلكي بدرجة كبيرة في وقت قليل نسبياً. إذن، كيف سيتم تسريع تبني تقنيات الجيل الخامس أو التقنية التالية التي سنشهد ولادتها مستقبلاً؟ أضف إلى ذلك ضرورة إعادة النظر في السياسات التي تعيق النشاطات والبنى التحتية المادية وتجزئة الخدمات، التي تؤدي إلى عدم استفادة مزودي الخدمات من الإمكانات ورفع الرسوم التي يدفعها المستهلكون.

في كثير من الحالات، يكون الامتداد الجغرافي للدولة إما شديد الاتساع أو مؤلفاً من تضاريس صعبة يتناثر السكان فيما بينها، وهذا لا يشجع مزودي الخدمات على توسيع عملياتهم في هذه المناطق. هل يجب أن تتحمل الحكومة التكاليف في هذه الحالات؟ أم أن تنشئ حوافز أخرى كالإعفاءات الضريبية والمساعدات التنظيمية من أجل تشجيع توسيع الشبكات؟ يجب استكشاف هذه المسائل بناء على الوضع الحالي لإمكانية الوصول إلى خدمة الانترنت في الدولة وتحديد الحلول التي تحقق أكبر فائدة لشعبها وشركاتها ومالياتها العامة.

للتفوق في مؤشر رأس المال البشري، يجب ألا تحدّ الحكومة نفسها بالنسب التي نراها اليوم. بل يجب أن تفكر بما ستبدو عليه القوة العاملة بعد 20 عاماً من الآن، والمهارات التي ستحتاج إليها كي تبقى مواكبة للعصر الرقمي الأول. وبعيداً عن النسب، يجب أن تفكر الدولة بما تعلمه لمواطنيها. كل ذلك سيتطلب تحويل نظام التعليم بأكمله، بالإضافة إلى زيادة قدرات المؤسسات عالية الجودة في الدولة. وعندما يصبح بإمكان مؤسسة ما إنشاء شركة في دولة ما من دون الحاجة إلى التفكير بموقعها بناء على مجموعة الموارد البشرية المتاحة، ستكون هذه الدولة عندئذ قد حققت المطلوب.

وأثبتت تجربتي في العمل عن قرب مع الحكومات أن هناك نقصاً شديداً في الملاءمة الوظيفية مع العصر الرقمي لدى الموارد البشرية في القطاع العام. وتجاهل مؤشر رأس المال البشري سيعني أنه مع تنامي تبني التقنيات الرقمية في القطاعين العام والخاص، ستزداد صعوبة العثور على موارد بشرية تتمتع بما يكفي من المهارات والقدرات الرقمية والعقليات الابتكارية ومهارات حل المشكلات.

ما هي الخطوات الأولى؟

على الرغم من أن الاستقصاء يبين علاقة ترابطية طردية بين مستوى التقدم الرقمي ومستوى الدخل، فإنه يؤكد على حقيقة أن هذه العلاقة ليست شاملة. إذ ساهمت العزيمة السياسية والقيادة الاستراتيجية والالتزام بتوسيع تقديم الخدمات الرقمية في مساعدة الدول على الوصول إلى تصنيف أعلى في مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية. خذ مثلاً مارتا آرسوفسكا توموفسكا، مديرة فريق لإنشاء تقارير عن الأداء والمساءلة والمستشارة التنفيذية لتقنية المعلومات والحكومة الإلكترونية في مكتب رئيس الوزراء الصربي. أثناء حلقة دراسية عبر الإنترنت حول “الحكومة في العصر الرقمي”، وضحت كيف تمكنت دولتها من تحويل خدمات التعليم بأكملها، كخدمة “إي بيبي” (E-baby)، خلال ثلاثة أعوام عن طريق الإرادة القوية والالتزام الشديد.

لكن، من أجل تحقيق فوائد ملموسة يجب أن يُدعم هذا الالتزام ببنية أو نهج شامل يساعد الحكومة على العمل بفاعلية على إدارة المحافظ الاستثمارية والبرامج والمشاريع ضمن الأبعاد الثلاثة لمؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية، ما يؤدي إلى تحقيق أكبر فائدة من الموارد والتوصل إلى أفضل النتائج.

يمكن أن يكون ذلك على شكل لجنة وطنية أو برنامج يتمتع بالقدر المناسب من السلطة والنفوذ للتأثير في جميع المساهمين. وهذا مهم جداً بما أن المكونات الفرعية لمؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية هي عادة من مسؤوليات الوزارات المختلفة في الحكومة. مثلاً، قد يندرج مؤشر الخدمة على الإنترنت ضمن أعمال الوكالة الرقمية الوطنية أو برنامج الحكومة الإلكترونية، ويندرج مؤشر البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية ضمن تنظيم الاتصالات السلكية واللاسلكية، وعلى الأرجح أن يندرج مؤشر رأس المال البشري ضمن مسؤوليات وزارة التعليم.

من الضروري أن نفهم أنه ليس هناك بنية موحدة تناسب جميع الدول. وكما تقول آرباين كوريكيان، المسؤولة عن الحوكمة والإدارة العامة في قسم المؤسسات العامة والحكومة الرقمية في إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وهي محقة في قولها: “التنسيق والاستمرار هما عاملا النجاح الأساسيان”. وإحدى الطرق لتحقيق ذلك هي وضع اللجنة أو البرنامج الوطني في مركز السلطة في الدولة مع تمثيل جميع المساهمين الرئيسيين.

وما أن يتم تحديد معالم البنية القوية، يمكن تكليف اللجنة بفهم التوجهات وأفضل الممارسات العالمية عن طريق مراجعة برامج الحكومات الرقمية في العالم. ويمكن أن يكون تقرير مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية نقطة انطلاق جيدة لهذه الخطوة.

يجب إكمال هذه الدراسة بإجراء استقصاء وطني أو جمع بيانات عن خبرة العملاء التي تمنح الدولة معلومات حول نظرة الناس للخدمات الحالية وتحدياتها في الدولة. كما يجب أن تسعى الهيئات الحكومية لجمع المعلومات حول مشكلاتها الحالية. وستقدم هذه الدراسات فهماً لموقع هذه الهيئات اليوم والمسار المحتمل لتحركها قدماً باتجاه التحول الرقمي.
كما يجب أن تضمن الحكومات توفر الميزانيات الكافية كي تتمكن هذه الهيئة من تنفيذ المبادرات المطلوبة وعملياتها اليومية، وقد يشمل ذلك القدرات الفنية والاستشارية لتقديم المساعدة لمختلف الوزارات والمؤسسات العامة عندما تحتاج إليها. ويمكن أن يأتي الدعم بشكل توجيه حول طريقة تنفيذ الأعمال، بالإضافة إلى تقديم الموارد التي يمكن إعادة استخدامها، مثل مقاييس الخدمات الرقمية والتقنيات والحزم والقوانين التقنية وأنظمة التصميم وبرامج التدريب والإطار الأمني والتطبيقات المشتركة.

وأخيراً، يجب تطوير إطار العمل والخطة المناسبين لضمان اشتراك المساهمين الخارجيين كالقطاع الخاص (ومنه شركات التقنية الكبيرة والشركات الناشئة) والقطاع الأكاديمي والمؤسسات الدولية ومتعددة الأطراف والمجتمعات المدنية وغيرهم. سيساعد هذا النهج المؤلف من عدة مساهمين في جلب المعلومات من الخارج إلى الداخل، إلى جانب سد الثغرات في القدرات البشرية والفنية.

يجب على الحكومات السماح لهؤلاء المساهمين ببذل الجهد الأكبر على مدى فترة من الزمن، في حين تدرب نفسها على ممارسة دور التمكين والتيسير. على سبيل المثال، يمكن فتح المجال للقطاع الخاص ليقوم بتوصيل الخدمات، حيث يمكن لعدة مؤسسات التنافس على العمل نفسه. ستخفض هذه الطريقة عبء توصيل الخدمات عن الحكومة، كما ستشجع المنافسة المؤسسات لتركز على تقديم خبرة أفضل للعملاء. كما يمكن للتعاون مع شركات التقنية الكبيرة التي تتمتع بحضور حول العالم جلب الخبرات والموارد التي قد لا تكون متاحة للحكومة في دولتها.

ما الذي يمكن لإدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية التفكير به استعداداً لمؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية 2022 وما بعده؟

بذلت جهدي فيما سبق لتقديم أجوبة عن أسئلة “لماذا، وماذا وكيف” التي يطرحها مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية، والآن أود مشاركة بعض أفكاري حول الطريقة التي تساعد على زيادة القيمة المستقبلية لهذا المورد المذهل.

تبسيط مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية 

على مدى أعوام، وسع استقصاء مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية نطاقه ليشمل كثيراً من التوجهات الجديدة. على المستوى الأعلى، يقوم مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية بتقييم التدابير المؤسسية والحكومة المتكاملة ونهج المجتمع المتكامل ومشاركة المساهمين غير الحكوميين في تنفيذ الاستراتيجيات الرقمية لأجل تحقيق التطوير المستدام. كما وسع الاستقصاء نطاقه ليشمل دراسات حول طريقة المدن الذكية في دعم المجتمعات المرنة والمستدامة والقابلة للحياة وطريقة التقنيات الذكية في تغيير حياتنا اليومية.

لكن، عندما تطلع الحكومات على التقرير وتلقي نظرة على المؤشرات الفرعية الثلاثة، لا تتمكن في أغلب الأحيان من فهم ترابط هذه المؤشرات لتحقيق الهدف النهائي. مثلاً، فيما يتعلق بالاستبانة حول الخدمات على الإنترنت، تدرك الدول الأعضاء أن زيادة عدد الإجابات “بنعم” تؤدي إلى ارتفاع درجاتها في مؤشر الخدمة على الإنترنت، بيد أنها لا ترى بوضوح تأثير المعلومات التي يتم جمعها من الاستبانة الخاصة بالدول الأعضاء لأنها ذات طبيعة موضوعية بدرجة كبيرة. طُرح علي السؤال التالي عدة مرات: “طلبت منا الاستبانة الخاصة بالدول الأعضاء تقديم معلومات حول الاستراتيجيات والبوابات الوطنية والسياسات وغيرها، مع الروابط والوثائق الداعمة، لكن كيف تميز الأمم المتحدة الاستراتيجيات والسياسات الأفضل إذا كانت إجابات الآخرين أيضاً هي ’نعم‘؟ وأيضاً، استراتيجياتنا ومبادراتنا الداعمة متناغمة مع الاحتياجات المحلية، فكيف إذن تحتسب الأمم المتحدة هذه الأمور في حين تجري دراسة قائمة على المقارنة في نفس الوقت؟”.

أعتقد أن علينا توضيح تأثير العمليات والبنى في تحديد درجة نضج الحكومات وفي المؤشر.

عرض مزيد من النماذج المستقبلية للحوكمة 

أعتقد أنه يجب على التقرير تقديم مزيد من المعلومات حول المسار الذي ينبغي اتباعه بأسلوب منظم أكثر، وبطريقة يسهل على صناع القرار فهمها. بعبارة أخرى، يجب عليه رسم صورة عن الحكومة الرقمية المثالية. كيف يتم تنظيمها؟ من أين تبدأ رحلتها؟ ما هي المنهجيات التي تتبعها لإنتاج الخدمات وإيصالها؟

اتخذ تقرير استقصاء 2020 بالفعل خطوات في هذا الاتجاه، لذا فإن هناك قاعدة ضخمة يمكن البناء عليها. وهذا أيضاً مهم من جهة أن إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية قد بدأت بالفعل بتجربة نفسها على اعتبارها منبراً يجمع مختلف المساهمين من أجل مساعدة الحكومات التي لا تملك القدرات المناسبة.

ومن منظور مستقبلي، قد تعني مساعدة الحكومات على القيام بالأمور على النحو الصحيح أيضاً تشجيع الدمار الإبداعي، عبر إتاحة إنشاء نماذج جديدة عن حكومات مصممة لتناسب العصر الرقمي.

على سبيل المثال، تتيح لنا التقنيات الرقمية اليوم الانتقال من “النموذج التمثيلي” لحكم دولة إلى “نموذج تشاركي”، حيث يعمل المواطنون، وليس ممثليهم، على تطوير السياسات والقوانين والتشريعات وما إلى ذلك. يحطم التطور الرقمي العراقيل والحدود، وسيؤدي النظام المصمم بأسلوب استراتيجي مع ما يكفي من الوعي إلى مساعدة الحكومة في التواصل مع غالبية شعبها والعكس بضغطة زر. صحيح أن هناك عدداً متزايداً من الأمثلة حول العالم، حيث تجرب الحكومات أفكاراً مماثلة، إلا أنها لا تزال ناشئة في مراحلها الأولى ويمكن دفعها لتزداد سرعة وتقدماً.

تحويل مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية باستخدام التقنيات الرقمية

إن مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية هو أكثر من مجرد تقرير جامد بخيارات محدودة يساعد مستخدميه على تصور البيانات أو تجزئتها وترتيبها على الإنترنت، ويمكن لإدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية التفكير بتوسيع نطاقه ليصبح مقياساً معيارياً رقمياً للتقييم والتوجيه الذاتيين. على سبيل المثال، يمكن أن تشكل هذه الأداة بنية أساسية للحكومة الرقمية تضم جميع الكتل الإنشائية الرقمية الرئيسة. يمكن عندئذ للحكومات اختيار الكتل اللازمة لتقييم وضعها الحالي بمساعدة الاستبانة، ما يساعدها على تحقيق نتيجة فورية على المقياس. ولكل كتلة يتم اختيارها، يمكن للمستخدم رؤية أفضل الممارسات المقترحة، والمساهمين المحتملين والمنهجيات التي يمكن التدرب عليها أكثر بحسب كل اقتراح. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تضم الأداة خياراً للحكومة يتمثل في بناء مجتمع من الخبراء على الإنترنت عن طريق نشر التحديات التي تحاول معالجتها.

وثمة بعد آخر للتقرير، وهو عملية تطوير التقرير نفسه. وكما وضحت آرباين كوريكيان أثناء الحلقة الدراسية عبر الإنترنت، فالاستقصاء والتقرير حالياً يحتاجان كثيراً من الجهود البشرية، بالإضافة إلى أنه بسبب صدور التقرير كل عامين، فإنه يضم مؤشرات متأخرة. ومع ذلك، إذا كان بإمكاننا التعرف على بعض المؤشرات الرئيسة، فستحظى الحكومة بمزيد من الوقت لتصحح مسارها. يمكن أن يكون ذلك مجالاً محتملاً يتيح للتقنيات الجديدة، كالذكاء الاصطناعي، ممارسة دور رئيس فيه لتخفيض العبء البشري وتسريع عملية توليد التقارير.

اتباع نهج أكثر شمولاً لإنشاء الحكومة الرقمية

ثمة نطاق للتوسع الرأسي لتعريف الحكومة المتكاملة الذي ينظر التقرير فيه حالياً. صحيح أن التقرير يشمل الحكومة المحلية، إلا أنه من الصعب على صناع القرار وصل النقاط بعضها ببعض، بدءاً من مستوى الحكومة الفيدرالية أو المركزية وصولاً إلى المستوى المحلي في مختلف الوزارات والمؤسسات. وهذا مهم من أجل تحقيق الهدف المتمثل بالارتكاز على المواطنين، إذ إن العلاقة مع الشعب في دولة ما لا تتوقف عند المستوى الفيدرالي أو المركزي.

يمكن الاستفادة من تبسيط معنى كلمة الشمول، يمكننا مثلاً تفكيك المفهوم إلى كتله الإنشائية الأساسية. وإحدى الطرق الممكنة تتمثل في التمعن في المحاور الرئيسية للحكومة، أي المحور التشريعي والمحور التنفيذي والمحور القضائي، بغض النظر عن مستوياتها الحالية. إلى أي حد دخل التحول الرقمي في هذه المحاور؟ هل نتج عنه التميز في خدمة العملاء والتميز التشغيلي والتميز الخدمي؟ وهل زاد من سهولة تحقيق تكامل أفضل بين هذه الكتل الإنشائية الثلاثة في الحكومة؟

وكذلك، ثمة نهج يتمثل في التمعن في تأثير التقنيات الرقمية على جميع تفاعلات الحكومة مع مساهميها. وهذا يعني جميع المعاملات التي تجريها الحكومة مع كل من المواطنين والشركات والحكومات.

يمكن أن يتمثل النموذج الثالث في التمعن في البنية التي أنشئت عليها الحكومة كي تتمكن من العمل. مثلاً، من أجل إيصال أي خدمة، تعمل معظم المؤسسات الحكومية وفق ثلاثة مستويات، الأول هو القيادة التي تقدم التوجيهات وتعمل على صناعة القرار؛ والثاني هو مستوى الإنتاج، الذي يشمل مدراء المنتج أو الخدمة والمصممين والموظفين الذين يحرصون على إتاحة هذا المنتج؛ والثالث هو الخطوط الأمامية أو نقطة التواصل مع المستهلك.

الاستفادة من قوة التعاون من أجل تحقيق نتائج أفضل 

في حين يعتبر مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية واحداً من أهم الدراسات التي تحظى بالاحترام، تجد الحكومات نفسها محاطة بعدة دراسات وتقارير من وكالات دولية أخرى أيضاً. وبالنتيجة، يتولد ضجيج أكبر مما ينبغي يعيق صناع القرار عن التركيز على مسار واحد. وفي كثير من الأحيان، وعلى الرغم من أن مجالات الدراسة مختلفة، نجد أن هناك عدة مواضيع متداخلة. خذ مثلاً مؤشر المنتدى الاقتصادي العالمي للتنافسية العالمية، إذ يهتم بدرجة كبيرة بتبني تقنية المعلومات والاتصالات ومهاراتها وقوتها العاملة (بما فيها التقنيات الرقمية)، وبيئة العمل الابتكارية. بالإضافة إلى أنه يؤثر على مواضيع كأداء القطاع العام، الذي إما أن يتداخل مباشرة مع الأهداف النهائية لمؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية، وإما أن يؤثر أحدهما على الآخر.

ثمة دراسة شهيرة أخرى، وهي مؤشر البيانات المفتوحة الذي تنتجه “مؤسسة شبكة الإنترنت العالمية” (World Wide Web Foundation) من أجل تقييم الدول الأعضاء من ناحية استعداد مبادرات البيانات المفتوحة لديها وتنفيذها وتأثيرها. كما يشدد استقصاء مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية تركيزه على البيانات المفتوحة والحكومة المفتوحة أيضاً. وبالمثل، يمكن استخراج نقاط متشابكة أخرى من دراسات مثل تصنيف المعهد الدولي لتطوير الإدارة للتنافسية الرقمية ومؤشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لحياة أفضل. كما يمكننا رؤية الرابط بين أهداف التطوير المستدام ومؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية داخلياً أيضاً.

لذا، فمن الضروري ألا ينظر إلى مستقبل مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية بمعزل عن المؤشرات الأخرى. ويجب أن تتحد الجهات المؤثرة في العالم وتبحث عن التعاون والتنسيق حول المواضيع والمشكلات والأهداف المتماثلة والمترابطة.

وهذا دون شك سيكون عملاً صعباً، لكني أرى أن فوائده ستتفوق على تكاليفه، ومع التصميم والصبر سنتمكن على مدى بضعة أعوام من تحقيق نموذج أكثر بساطة وترابطاً وتأثيراً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .