لماذا يقاوم الموظفون تطبيق التقنيات الجديدة في أعمالهم؟

5 دقائق
مقاومة الموظفين لتطبيق التقنيات الجديدة في الشركات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يوشك أن يعم استخدام التكنولوجيا وتطبيقاتها كل بقاع الأرض تقريباً، وعلى الرغم من ذلك لا يزال اعتماد الموظفين تطبيق التقنيات الجديدة والناشئة أقل من المستوى المطلوب في معظم المؤسسات، فغالباً ما يسير اعتماد التكنولوجيا على المستوى المؤسسي بخطى بطيئة أو حتى يُقابل بالتجاهل التام نظراً لوجود الكثير من العوائق، وإن كان هذا يحافظ على استمرارية الأنظمة القديمة العتيقة ويحول دون استغلال المؤسسة كامل إمكاناتها بكفاءة. ولطالما كان هذا التأخير في اعتماد التكنولوجيا مصدر قلق للشركات، لكنه بات الآن في ظل الجائحة أزمة حقيقية.

نظراً لأن الشركات اضطرت إلى إعادة تقييم نماذج عملها إما جزئياً أو كلياً، فقد لجأ الكثيرون إلى اعتماد التقنيات التكنولوجية لمواجهة ظروف السوق الصعبة، وذلك بإجراء تغييرات خارجية، مثل إعادة النظر في وجودها على الإنترنت لوقف التراجع في الإيرادات، أو تغييرات داخلية، مثل أتمتة وظائف كشوف الرواتب أو استخدام أداة موحدة على مستوى المؤسسة لمتابعة سير العمل وتمكين فرقهم من العمل بفاعلية وإنتاجية من المنزل.

تلقى عملية التحول السريع هذه دعماً غير محدود من قبل شركات التكنولوجيا التي تبدأ نماذج عملها غالباً بوضع منتجاتها في أيدي أكبر عدد ممكن من المستخدمين، إذ يؤمن معظم المبتكرين في مجال التكنولوجيا بـ “دمقرطة التكنولوجيا” بمعنى إتاحة منصات التكنولوجيا بالمجان أو مقابل رسوم رمزية فقط، والسماح للمستخدمين بتقديم آرائهم التي تلعب دوراً رئيسياً في تطوير هذه المنتجات والمبتكرات. فقد أتاحت الأعداد الوفيرة من المنتجات التي تقدمها “جوجل” وحدها، على سبيل المثال، سرعة اعتماد تقنيات التعليم وتطويرها بين المدارس والمعاهد، ومن المؤكد أنها ستسهم في رسم خارطة طريق منتجات الشركة في ظل الحاجة المفاجئة إلى المزيد من أدوات التعليم عبر الإنترنت.

بيد أننا ما زلنا نجد أن اعتماد التقنيات التكنولوجية يسير في أغلب الأحوال بخطى بطيئة للغاية وأن الآثار الدائمة غير واضحة المعالم، على الرغم من فورة النشاط بهذه الصورة الملحوظة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يصعب اعتماد التكنولوجيا بصورة حقيقية؟

على الرغم من أن قطاع الأعمال قد تأثر كثيراً بفيروس كورونا، فإن الأبحاث التي سبقت ظهور الفيروس يمكن أن تسهم في إلقاء بعض الضوء على هذا السؤال: أجرت وحدة الاستخبارات الاقتصادية بمجلة “ذي إيكونومست” استقصاء نُشر في الخريف الماضي استناداً إلى مقابلات شخصية مع 750 مسؤولاً تنفيذياً في كل من أستراليا والصين وهونغ كونغ ونيوزيلندا وسنغافورة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والهند، تناول عدداً من التحديات من أهمها: مهارات الموظفين وغياب وعي الإدارة العليا وعدم كفاية فرص العمل عن بعد والثقافة المؤسسية وقضايا التعقيد والتكلفة والمخاطر وعدم ملاءمة البنى التحتية. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما تكون الشركات الأعرق والأكبر محكومة بأنظمة قديمة ومنهجيات عتيقة للابتكار وحل المشكلات.

لا يمكن إنكار أن التكاليف والتعقيد والمهارات كلها عوائق مشروعة بطبيعة الحال، ولكن دون ثقافة مؤسسية صحيحة وداعمة للتكنولوجيا الحديثة، خاصة في عصر الجائحة، يمكن أن تضيع الاستثمارات المخصصة للتدريب أو لإتقان أدوات معينة هباءً، لذا نرى أن الثقافة المؤسسية مجال يجب أن ينال قسطاً وافراً من التركيز من جانب الشركات التي تتطلع إلى التكيف مع التقنيات الحديثة خلال الأشهر المقبلة.

كيف يمكن لقادة الشركات إنشاء ثقافة تحفز على تطبيق التقنيات الجديدة؟

لاحظنا من واقع خبرتنا في التعامل مع هذه المشكلات أن هناك خمسة عوامل رئيسية تساعد قادة الشركة على إنشاء ثقافة تسهم في تحفيز اعتماد التكنولوجيا على نحو أفضل وأكثر فاعلية.

تحفيز استخدام التكنولوجيا. يتطلب بناء مثل هذه الثقافة تطبيق أنواع مختلفة من الأساليب بحسب القطاع الذي يجري التعامل معه، ولكن ثمة استراتيجية مجربة وتتمثل في تحفيز استخدام التكنولوجيا. إذ يمكن أن تؤدي الفوائد المالية أو الحلول الجديدة للمشاكل الصعبة إلى تغييرات سلوكية إذا أُديرت بالشكل الصحيح. ويمكن توسيع نطاق مراجعات الموظفين ليشمل درجات استخدام التكنولوجيا بالطريقة نفسها التي تُحدد بها التقييمات الدورية كفاءة الموظفين، حيث تُستخدم تطبيقات الألعاب مثل “كاهوت” (Kahoot) من قبل فرق العمل والمعلمين، على سبيل المثال، في العديد من البلدان لتقييم أداء الموظفين والطلاب.

وتُقبِل الغالبية العظمى من الناس على استخدام التقنيات التكنولوجية بسهولة في حياتهم الشخصية، سواء كان ذلك في شكل هواتف ذكية أو ساعات ذكية أو تطبيقات تُستخدم في الشؤون المالية الشخصية واللياقة البدنية (وكل ما بينهما)، فهي تسهم في تبسيط الحياة وجعلها أكثر ملاءمة وكفاءة. وبصرف النظر عن تخزين الإحصائيات الضرورية للغاية، فإن الكثير من هذه التقنيات في الواقع يوفر الوقت ويحلل الأنماط في حياتنا اليومية، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الناس يحتاجون ببساطة إلى الحوافز المناسبة من أماكن عملهم أو من الحكومات، في حالة عملهم في القطاع العام.

استثمر في البنية التحتية. إذا كان استخدام التقنيات التكنولوجية بهذا التعقيد، فستكون معدلات الإقبال عليها مخيبة للآمال أيضاً، فثمة مطلب آخر لخلق ثقافة تشجع الإقبال على التكنولوجيا الحديثة يتمثل في تيسير استخدام البنية التحتية المحيطة بها، كالشبكات وأنظمة تقنية المعلومات والبرمجيات والعمليات والممارسات، وجعلها داعمة للمستخدم، حيث يصعب إقناع الموظفين بفوائد اعتماد التقنيات الجديدة دون استثمارات وخطة تنفيذ مدروسة للتقنيات الجديدة، وعلى الرغم من صعوبة الترويج لهذا المطلب من منظور الميزانية، فإن تشكيل رؤية مقبولة حول تكلفة الفرصة البديلة التي تواجهها الشركة من تقنيات مرهقة عفى عليها الزمن تُقدَّم دون أنظمة الدعم المناسبة قد يساعد في إثبات الحالة.

اجعل صقل المهارات والتعلم جزءاً من الخطة. على الشاكلة نفسها، فإن التعليم وصقل المهارات يلعبان دوراً كبيراً في تمكين الثقافة الصحيحة. تجدر الإشارة هنا إلى أن ماكنزي أجرت دراسة عالمية توصلت من خلالها إلى أن 87% من المسؤولين التنفيذيين كانوا إما يعانون بالفعل وجود فجوات في المهارات في قوة العمل لديهم أو يتوقعون المعاناة منها خلال العامين المقبلين، ولكن بدلاً من فرض التقنيات الحديثة على الموظفين فرضاً، يجب على المؤسسات أن توفر لهم التدريب والدعم المناسبين لاستخدام هذه الأدوات واعتمادها بشكل أفضل. قد يبدو هذا مختلفاً تماماً اعتماداً على القطاع الذي تعمل فيه، ولكنّ ثمة سؤالاً وجيهاً لا بد أن تطرحه على نفسك حول مدى صلة الفرد بالطبيعة المتطورة للعمل.

لا تجعلها مسألة تدريجية. يجب أن تكون لدى المؤسسات استراتيجية طويلة الأجل تجاه خلق ثقافة تشجع اعتماد التكنولوجيا واستيعابها. قد يبدو النهج التدريجي لاعتماد التكنولوجيا وتنفيذها بمثابة تقدم قصير الأجل، ولكنه لن يؤدي إلى خلق عقلية تركز على التكنولوجيا الرقمية، ولا إلى الخروج عن الأنظمة أو العقلية القديمة بطريقة سليمة.

افهم كيفية مشاركة الحكومات والسياسات. تلعب الحكومات أيضاً دوراً ملموساً في تعزيز وتشجيع ثقافة اعتماد التكنولوجيا، وغالباً ما ينتشر النوع الصحيح من الثقافة من أعلى هرم السلطة ما يخلق بيئة مواتية لازدهار التكنولوجيا، فهم يرسون الأساس القانوني ويشكلون بيئات العمل التي تجذب رواد الأعمال العاملين في قطاع التكنولوجيا والذين يقودون الابتكار بدورهم. إذ تلعب السياسة العامة دوراً محورياً في جعل الكرة تتدحرج في اتجاه التقنيات الحديثة وطرق إنشاء أبحاث أقوى ومشاركة المعرفة، سواء كان ذلك في وادي السيليكون أو سنغافورة.

يتعين على الحكومات العمل عن كثب مع مؤسسات القطاع الخاص لضمان حماية المصالح السيادية والاقتصادية، مع تزايد المخاوف بشأن تدفق البيانات عبر الحدود، ويجري تحفيز بعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من قبل حكوماتها لرقمنة خدماتها وعملياتها بصورة أسرع، وتعد سنغافورة من أبرز الأمثلة على هذا المسلك، حيث تحفز الحكومة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على التحول إلى التكنولوجيا الرقمية – وهذا جزء من حزم التحفيز التي أعلنت عنها الحكومة لدعم الشركات في مكافحة الآثار الاقتصادية لجائحة “كوفيد-19”.

بمقدور التكنولوجيا وتطبيق التقنيات الجديدة بناء ثقافة إيجابية وغرض واضح، ولا شك أنها سترفع مستوى الإمكانات التنظيمية، لكن لا بد من تحقيق التكامل بين التكنولوجيا والثقافة والغرض بصورة أفضل، هذا إذا أردنا بناء مؤسسات ومجتمعات قادرة على الصمود ومستدامة في المستقبل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .