الجهود المبذولة في تحقيق الأثر الاجتماعي ودورها في تكوين قيمة حقيقية

24 دقيقة
تحقيق الأثر الاجتماعي في الشركات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيتكم وأن تميّز شركتكم.

حتى أواسط العقد الأول من الألفية الجديدة، لم يكن هناك إلا قلة من المستثمرين الذين كانوا يولون الاهتمام للبيانات المتعلقة بالجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة، وتحديداً المعلومات الخاصة بالبصمة البيئية للشركات، وسياساتها العمالية، وتركيبة مجالس إدارتها، وهكذا دواليك. أما اليوم فقد أصبح المستثمرون يستعملون هذه البيانات على نطاق واسع، وذلك في سعيهم إلى تحقيق الأثر الاجتماعي في الشركات. فالبعض منهم يستبعد الشركات ذات الأداء السيئ في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، مفترضاً أن العوامل التي تتسبب بحصول الشركات على تصنيف منخفض فيما يخص المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة ستقود إلى نتائج مالية ضعيفة، بينما يبحث البعض الآخر من المستثمرين عن الشركات ذات الأداء الرفيع في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، متوقعين أن تقود السلوكيات التي تُحتذى في هذه المجالات إلى تحقيق نتائج مالية قوية، أو بسبب رغبتهم بالاستثمار في “الصناديق الخضراء” لأسباب أخلاقية فحسب. وثمة مستثمرون آخرون يدمجون البيانات الخاصة بالمجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة ضمن التحليل الأساسي. ويستعمل بعضهم البيانات كناشطين حيث يستثمرون ومن ثم يحثون الشركات على إصلاح أفعالهم.

ثمة سؤال مفتوح مطروح بخصوص ما إذا كانت المسائل المتعلقة بالمجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة ستظل تحظى بالأهمية في نظر المستثمرين خلال جائحة عالمية وما يرافقها من تراجع اقتصادي – لكنني أراهن على أنها ستبقى محط اهتمام. يعود السبب في ذلك إلى أن الشركات ستكون أكثر مرونة على الأرجح في مواجهة الصدمات والمصاعب غير المتوقعة إذا ما أديرت بنظرة بعيدة المدى وبما يتماشى مع الاتجاهات المجتمعية الكبرى مثل الشمول ودمج الجميع، والتغير المناخي. في الحقيقة، في الأسابيع الأولى التي شهدت هبوط الأسواق العالمية جرّاء تفشي جائحة “كوفيد-19″، تفوقت معظم الصناديق المعنية بالاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة على نظيراتها. وعندما راجعتُ أنا وزملائي البيانات التي تخص أكثر من 3,000 شركة بين أواخر فبراير/شباط وأواخر مارس/آذار 2020 – عندما كانت الأسواق المالية العالمية تنهار – وجدنا أن العوائد على أسهم الشركات التي كان عامة الناس ينظرون إليها على أنها كانت تتصرف بقدر أكبر من المسؤولية أقل سلبية بالمقارنة مع العوائد على أسهم منافساتها. وأنا أؤمن أن الأزمة ستسهم على المدى البعيد في زيادة مستوى الوعي بحقيقة أن الشركات يجب أن تأخذ بحسبانها احتياجات المجتمع، وليس تحقيق الأرباح على المدى القصير فقط. كما يُسهم بروز حركة “حياة السود مهمة” إلى واجهة الأحداث في الآونة الأخيرة أيضاً في تنامي الدعم لسياسات التنوع القوية وممارسات التوظيف العادلة. ويبدو واضحاً أن الشركات ستتعرض إلى ضغوط متزايدة لتحسين أدائها في الأبعاد البيئية والاجتماعية والحوكمة مستقبلاً.

فكرة المقالة باختصار

الوضع الحالي

يشعر العديد من الرؤساء التنفيذيين كما لو أنهم يفعلون كل ما هو مطلوب منهم لتحسين الممارسات في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة. ومع ذلك، فإن شركاتهم لا تحظى بالمكافأة من أسواق رأس المال.

النتيجة

لا يكمن الحل في مجاراة التيار العام عندما يتعلق الأمر بالأنشطة البيئية والاجتماعية وأنشطة الحوكمة. فالشركات التي ترغب في الحصول على ميزة تنافسية يجب عوضاً عن ذلك أن تركز على المسائل البيئية والاجتماعية ومسائل الحوكمة التي تعتبر مهمة لها مالياً والاهتمام بهذه المسائل بطريقة مميزة.

الإجراءات

يجب على الإدارة اتخاذ خمس خطوات هي: تبنّي ممارسات استراتيجية في المسائل البيئية والاجتماعية ومسائل الحوكمة؛ وإيجاد هيكليات محاسبة لإدماج الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة ضمن الشركة؛ وتحديد غاية الشركة وبناء ثقافة حولها؛ وإدخال تغييرات على العمليات والتشغيل لضمان تنفيذ استراتيجية المسائل البيئية والاجتماعية ومسائل الحوكمة بنجاح؛ والالتزام بالشفافية وبناء العلاقات مع المستثمرين.

يتمثل التحدي بالنسبة للعديد من قادة الشركات في أنهم غير واثقين كيف ينجزون هذه المهمة. فهم يفتقرون إلى الفهم الدقيق للمجالات التي يجب عليهم تركيز انتباههم عليها، وكيف سيعلنون عن جهودهم في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة. فالعديد من التنفيذيين يعتقدون خطأ أن اتخاذ إجراءات بسيطة مثل تحسين الإفصاح عن القضايا التي تخص المسائل البيئية والاجتماعية والحوكمة، أو إصدار تقرير عن الاستدامة، أو إقامة مناسبة عامة للمستثمرين تركز على الاستدامة، سيكون كافياً. بعض الشركات تتخذ هذه الإجراءات وتفشل في تحقيق أي منفعة، وتصاب بخيبة أمل أو إحباط. وفي بعض الحالات، تواجه انتقادات وتتلقى ردود أفعال سلبية من المستثمرين.

من السهولة بمكان أن نعرف لماذا حصل ذلك. فثمة عدد كبير من الشركات التي اعتمدت ثقافة تقوم على الاكتفاء بالإيفاء بالمتطلبات القانونية والتشريعية وتشجع على تبنّي أنشطة تتخذ طابعاً معيارياً متنامياً في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، والعديد من هذه الأنشطة وضعها محللون واستشاريون يعتمدون على المعايير القياسية في القطاعات وعلى الممارسات الفضلى. وقد تكون هذه الأنشطة جيدة بالنسبة للمجتمع والإيرادات على حد سواء. والشركات تحصد منافع واضحة على شكل كفاءات تشغيلية: ففني نهاية المطاف، تعتبر مقاييس الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة، مثل تقليل النفايات، وتعزيز العلاقات مع الجهات المعنية الخارجية، وتحسين إدارة المخاطر والامتثال، من الممارسات الجيدة في عالم الأعمال. وفي العديد من القطاعات، باتت هذه الجهود هي الحد الأدنى المطلوب الالتزام به من الشركات التي ترغب في المحافظة على موقعها التنافسي.

لكن هذه الجهود ليست كافية. إذ يجب على الشركات تجاوز الإجراءات الشكلية والتجميلية. وفي عالم بات يحكم على الشركات وبصورة متنامية بناءً على أدائها في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، يجب عليها أن تتطلع إلى محفزات أكثر جوهرية – ولاسيما الاستراتيجية – لكي تحقق نتائج حقيقية ولكي تُكافأ عليها. خلال العقدين الماضيين، حللت أنا ومجموعة متنوعة من زملائي أكثر من 10 آلاف شركة، وأجرينا أكثر من 30 دراسة ميدانية، ونشرنا أكثر من 15 دراسة تجريبية. وتشير أبحاثنا الجماعية إلى الحاجة إلى نموذج جديد في الإدارة يجب على قادة الشركات اتباعه، ويقوم على إدماج الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة ضمن الاستراتيجية والعمليات.

ثمة عدد كبير من الشركات التي اعتمدت ثقافة تقوم على الاكتفاء بالإيفاء بالمتطلبات القانونية والتشريعية التي تشجع على تبنّي أنشطة تتخذ طابعاً معيارياً متنامياً في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة.

أتناول بالوصف في هذه المقالة مقاربة خماسية لمساعدة الشركات على تحقيق أداء رفيع المستوى عبر الانتباه إلى الاستدامة البيئية، والمسؤولية الاجتماعية، والحكم الرشيد. ليس الهدف الأساسي من هذا العمل هو تغيير التصنيفات المتعلقة بالمجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة بحد ذاتها – بل الغاية هي إدماج هذه الاعتبارات ضمن الشركة من أجل إيجاد أشكال جديدة من الميزة التنافسية. وبما أنه يشمل خيارات استراتيجية وتشغيلية أساسية، فإنه لا يمكن أن يُترك بالكامل إلى فريق العلاقات مع المستثمرين أو قسم الاستدامة. عوضاً عن ذلك، يجب أن يكون أولوية للرئيس التنفيذي وكبار التنفيذيين، وأن يصبح عنصراً أساسياً في ثقافة الشركة.

لماذا تُعتبر المسائل البيئية والاجتماعية والحوكمة مهمة؟

أكثر سبب جوهري لمحاولة تحسين أداء الشركة في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة هو أن جميع البشر – سواء ضمن الشركات أو خارجها – مُلزمون بالتصرف بطرق اجتماعية. ولكن بعيداً عن الأسباب الأخلاقية الإيجابية، هناك الكثير من المكاسب الحقيقية التي تتأتى من التركيز على المسائل البيئية والاجتماعية والحوكمة. وهذه المكاسب تتجاوز المنافع التي قد تجنيها الشركات بسبب الزيادات في الإنتاجية الناجمة عن التفاعل الأكبر من الموظفين، أو التنامي في المبيعات بسبب تزايد ولاء الزبائن ورضاهم.

أولاً، يمكن للتركيز على المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة أن يقلل التكاليف الرأسمالية ويحسّن تقويم الشركة (أي قيمتها المالية). يعود السبب في ذلك إلى أنه مع تزايد أعداد المستثمرين الذين يضخّون أموالهم في الشركات ذات الأداء الأقوى في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، فإن قدراً أكبر من رؤوس الأموال سيكون متاحاً لهذه الشركات. توصلت أنا وزملائي الباحثين إلى أن هذا الأمر لا يحصل في أسواق الأسهم فقط، وإنما أيضاً في أسواق الديون، حيث توجد بعض البنوك التي تربط معدلات الفائدة على القروض بالأداء في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة. وهذا بالضبط ما فعلته “آي إن جي” (ING)، على سبيل المثال، في عام 2017 عندما قدّمت قرضاً بقيمة 1.2 مليار دولار إلى فيليبس، الشركة المُبتكرة في مجال التكنولوجيا الصحية والمنتجات الاستهلاكية.

ثانياً، يمكن للإجراءات الإيجابية والشفافية في المسائل البيئية والاجتماعية والحوكمة أن تساعد الشركات على حماية تقييماتها مع تزايد أعداد الجهات الناظمة والحكومات التي تشترط تقديم إفصاحات في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة. أظهرت أبحاثي مع جودي غريوال من جامعة تورنتو وإدوارد ريدل من جامعة بوسطن أنه بعد إعلان الاتحاد الأوروبي عن اشتراطات أوسع في مجال الإفصاح، تفاعلت البورصة إيجابياً مع الشركات ذات الإفصاح القوي في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، وتفاعلت سلبياً مع الشركات ذات الإفصاحات الأضعف. ولا يقتصر تبنّي قواعد الإفصاح وتطبيقها على الدول المتقدمة، فها هي أسواق ناشئة عديدة تحذو حذوها مثل جنوب أفريقيا، والبرازيل، والهند، والصين.

ثالثاً، ستساعد الجهود الرامية إلى ضمان اتباع الممارسات المستدامة في المحافظة على رضا المساهمين عن قيادة مجلس الإدارة. ومع التزام أعداد متنامية من المستثمرين الذين يمتلكون أصولاً أكثر قيد الإدارة بالاستثمار في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، فإنهم سيمتلكون قوة تصويت أكبر تسمح لهم بتحقيق التغييرات. وقد تقدّم المساهمون في عدد متزايد من الشركات بمقترحات لتحسين التنوع بين الجنسين في مجالس الإدارة، ما ساعد في الحصول على مستوى من الدعم لم يكن متصوراً حتى قبل 10 سنوات خلت. فعلى سبيل المثال، وافق 63% تقريباً من المساهمين في شركة “كوغنيكس” (Cognex)، المتخصصة بصناعة منتجات الرؤية الآلية على مقترح لتنويع أعضاء مجلس الإدارة، في حين حظي إجراء مشابه في شركة “هدسون باسيفيك بروبرتيز” (Hudson Pacific Properties) العقارية بدعم 85% من المساهمين. ولكي تتجنب الإدارة الأصوات المعارضة لأعضاء مجلس الإدارة، والتحدي الذي قد يواجه المبادرات المتعلقة بأجور التنفيذيين، وما شابه، فإنها بحاجة إلى أن تكون سباقة في معالجة المسائل المتعلقة بالجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة.

أخيراً، وربما النقطة الأهم، تعتبر الممارسات في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة جزءاً من الاستراتيجية بعيدة المدى، وكل شركة بحاجة إلى مستثمرين يدعمون رؤية الإدارة وخططها المستقبلية. عندما تولى بول بولمان منصب الرئيس التنفيذي لشركة “يونيليفر” (Unilever)، وكانت وقتها شركة عملاقة متخصصة بالسلع الاستهلاكية لا تقدم الأداء المتوقع منها، أنهى على الفور العمل بسياسة الإعلان عن الأرباح والإيرادات الفصلية المتوقعة للشركة، وأعلن صراحة عن التزامه باستراتيجية بعيدة المدى عوضاً عن الأرباح على المدى القصير. قادت هذه الخطوة إلى خروج المستثمرين الذين يركزون على المدى القصير، ما ساعد في استقطاب رؤوس الأموال التي تتحلى بصبر أكبر.

فكيف يمكن للشركات أن تستبق الأحداث وأن تحقق منافع مالية ملموسة من البرامج المخصصة للمجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة؟ بحسب تجربتي في دراسة الشركات ذات البرامج القوية وتقديم المشورة لها، فقد حددت خمسة إجراءات يمكن للإدارة أن تتخذها ألا وهي: تبنّي ممارسات استراتيجية في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة؛ وبناء هيكليات مساءلة تخص إدماج الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة؛ وتحديد غاية للشركة وبناء ثقافة تتمحور حولها؛ وإدخال تغييرات تشغيلية لضمان التنفيذ الناجح للاستراتيجية الخاصة بالاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة؛ والالتزام بالشفافية وبناء العلاقات مع المستثمرين.

برنامج استراتيجي للقضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة

حتى الآن، كانت معظم الشركات تعامل جهودها في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة كما لو أنها الحافظة التي يوضع فيها الهاتف المحمول – أي شيء يُضاف لتوفير الحماية (في هذه الحالة، حماية سمعة الشركة). يحتاج قادة الشركات الكبرى إلى استبدال هذه العقلية باستراتيجية طموحة ومتمايزة للمجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة إذا كانوا يريدون تحقيق مكاسب مالية حقيقية.

في مقال محوري نُشر في هارفارد بزنس ريفيو (عدد نوفمبر/ تشرين الثاني – ديسمبر/ كانون الأول 1996) بعنوان “ما هي الاستراتيجية؟“، يميّز مؤلفه مايكل بورتر بين الفاعلية التشغيلية والاستراتيجية. فالأولى، كما يقول “تعني أداء أنشطة مشابهة بطريقة أفضل من طريقة المنافسين”؛ أما الثانية، فهي “الاختلاف عن الآخرين”. وبالاستناد إلى هذا التمييز الذي يطرحه بورتر، فإن برنامجاً مخصصاً للاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة قد يسهم في تحقيق الكفاءات وغير ذلك من التحسينات التشغيلية – وحتى بعض الكفاءات والتحسينات الضرورية لبقاء الشركة على قيد الحياة – لكنه لن يعزز الأداء المالي على المدى البعيد إلا إذا منح الشركة ميزة تنافسية استراتيجية بالمقارنة مع المنافسين.

فعلى سبيل المثال، تنفّذ بعض الشركات أنظمة للإدارة البيئية أو إدارة المياه أو النفايات من أجل العمل بكفاءة أكبر. ورغم أن هذه الأنظمة سوف تكون جزءاً من التصنيفات الخاصة بالمجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، إلا أن قلة من الشركات، إن وجدت أصلاً، تتوقع أن تكتسب ميزة تنافسية بتبني هذه الأنظمة ببساطة. فالمنافسون قادرون عادة على أن يحذو حذوهم وأن يستحوذوا على أنظمة مشابهة. تشير أبحاثي مع يوانيس أيوانو من كلية لندن للأعمال أن هذا ما حصل فعلياً. فبعد أن حللنا بيانات تخص ما يقارب 4,000 شركة على مستوى العالم، وجدنا أنه في معظم القطاعات كانت الممارسات في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة قد تقاربت على مدار ثماني سنوات بين 2012 و2019. بعبارة أخرى، ثمة انخراط متزايد من الشركات في ذات أنواع أنشطة الاستدامة والحوكمة – وبالتالي فإنها تخفق في منح نفسها ميزة استراتيجية.

مارليز بلانك بافتتان كبير بالتأثير السريالي لفقاعات الصابون الكبيرة العائمة وسط المناظر الطبيعية
نبذة عن العمل الفني: تشعر مارليز بلانك بافتتان كبير بالتأثير السريالي لفقاعات الصابون الكبيرة العائمة وسط المناظر الطبيعية. وقد التقطت صوراً في أنحاء العالم، في دول مثل النمسا، والمغرب، وإسبانيا، وإيطاليا، وسلوفينيا.

إذا ما أرادت الشركات التفوق في الأداء على منافساتها، فإنها بحاجة إلى العثور على مقاربات سيكون تقليدها أصعب. وقد حددنا في دراستنا الأنشطة البيئية والاجتماعية وأنشطة الحوكمة التي باتت منتشرة على نطاق واسع في كل قطاع وصناعة، وأطلقنا عليها اسم الممارسات الشائعة، كما حددنا الأنشطة التي لم تحظ بذات الانتشار وأسميناها الأنشطة الاستراتيجية. ومن الأمثلة على النوع الثاني من الأنشطة ما فعلته شركة “إير بي إن بي” (Airbnb) التي أنشأت شبكة بين الأقران وأوجدت نموذجاً تجارياً وفق مبدأ “الاقتصاد الدائري” (وهو نموذج تجاري يقوم على إعادة استعمال الأصول الحالية)، أو مقاربة “جوجل” غير التقليدية في تعيين الموظفين، وتشجيعهم على الاندماج في العمل، والاحتفاظ بهم. وقد ساعدت هذه الممارسات المميزة كلاً من “إير بي إن بي” و”جوجل” على شغل موقعين منافسين لا يمكن لأحد أن يضاهيهما فيه بسهولة – وقد كافأت أسواق رأس المال الشركتين نتيجة لذلك. تؤكد أبحاثنا في الحقيقة على أن تبنّي الممارسة الاستراتيجية في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة يرتبط ارتباطاً كبيراً وإيجابياً بكل من العوائد على رأس المال ومضاعفات أرباح القيمة السوقية، حتى بعد أخذ أداء الشركة المالي في الماضي في الحسبان.

وعليه، كيف يمكن للشركات أن تحدد المبادرات الاستراتيجية في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة؟ كما هو الحال مع أي استراتيجية، فإن أنسب طريقة للبدء هي تحديد مجال العمل وكيفية تحقيق الفوز. ويحظى العنصر الأول بأهمية حيوية خاصة لأنه لا يمكن اعتبار كل المسائل البيئية والاجتماعية ومسائل الحوكمة ذات أهمية متساوية؛ فبعضها أهم، اعتماداً على القطاع الذي تعمل فيه الشركة. ففي قطاعي الطاقة والنقل، مثلاً، بات الاستثمار في الانتقال نحو اقتصاد منخفض الكربون ينال أهمية متنامية، ما يؤثر على تكاليف الشركات وهوامش أرباحها. أما في قطاع التكنولوجيا، فإن تقليص البصمة الكربونية ليس له ذات الأهمية التي يحظى بها بناء مؤسسة متنوعة، ما يمكن أن يعزز سمعة العلامة التجارية وأن يقود إلى زيادة الإيرادات.

أظهرت أبحاثي مع آرون يون من جامعة “نورث ويسترن”، ومظفر خان، الزميل السابق في كلية هارفارد للأعمال أن استهداف القضايا الصحيحة يسهم في تحقيق منافع مالية: فعند تحليل أكثر من 2,000 شركة أميركية على مدار 21 عاماً، وجدنا أن الشركات التي أدخلت تحسينات على المسائل المهمة المرتبطة بالمجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة حققت أداء أفضل بأشواط من أداء منافساتها. (حُددت الأهمية النسبية بحسب مجلس المعايير المحاسبية للاستدامة (SASB) الذي يوفر قائمة بالقضايا ذات الصلة بالنسبة لـ 77 قطاعاً. وقد عملت كعضو لا يتقاضى أجراً ضمن مجلس المعايير في هذا المجلس بين 2012 و2014). اللافت في الأمر هو أن الشركات التي تفوقت في الأداء في المسائل غير المهمة في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة كان أداؤها أقل بقليل من أداء منافساتها. ويشير ذلك إلى أن المستثمرين باتوا يتمتعون بالقدرات المعقدة الكافية للتمييز بين تظاهر الشركات بالحرص على البيئة وتحقيقها للقيمة.

بطبيعة الحال، لا يعتبر مفهوم الأهمية النسبية مفهوماً سكونياً. فالتحدي الاستراتيجي الذي يواجه قادة الشركات يتمثل في امتلاك بعد نظر عند اختيار المواضيع البيئية والاجتماعية ومواضيع الحوكمة التي تنبثق بوصفها محفزات مهمة في القطاع – لكي يحددوها هم قبل أن يحددها منافسوهم (وفي بعض الحالات حتى قبل أن يحددها مجلس المعايير المحاسبية للاستدامة أيضاً). يتطلب ذلك من القادة وضع تصور عن مختلف الجهات الفاعلة في النظام، وعن حوافزها، والتداخلات التي يمكن أن تشكل دافعاً للتغيير. ورغم أن هذه المهمة قد تبدو مباشرة وصريحة، إلا أنها ليست كذلك. لكن أبحاثي مع جين روجرز الرئيسة التنفيذية السابقة لمجلس المعايير المحاسبية للاستدامة ومؤسسته كشفت عن أن المسألة المتعلقة بالجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة ستصبح جوهرية مالياً على الأغلب ضمن شروط معينة:

  • عندما يصبح من الأسهل على الإدارة والجهات المعنية الخارجية التعرف على الأثر البيئي أو الاجتماعي للشركة (خذوا مثلاً كيف بات التقدم المحرز في التكنولوجيا الآن يساعد على تتبع المواد الخام في المنتجات الإلكترونية وتمييز ما استخرج منها بطريقة غير مستدامة).
  • عندما يكون لدى وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية سلطة أكبر، وعندما يكون السياسيون أكثر تجاوباً معها (فقد دفعت هذه السيناريوهات باتجاه سن قوانين لمكافحة الفساد وغيرها من التشريعات والأنظمة وإنفاذها).
  • عندما تفتقر الشركات إلى القدرة على ممارسة التنظيم الذاتي (على سبيل المثال، هذا ما يحصل في قطاع زيت النخيل، حيث يقود عدم التوافق في الحوافز المقدمة إلى المزارعين إلى القضاء على الغابات).
  • عندما تطور شركة ما خدمة متميزة أو منتجاً متميزاً يحلان مكان طريقة “غير نظيفة” أو غير مستدامة في العمل (خذوا على سبيل المثال حالة شركة “تيسلا” وقدرتها الكامنة على إحداث زعزعة في أسواق السيارات التي تعمل بالبنزين).

تُعدّ “إيكيا” من الشركات التي رسمت خارطة لبرنامج استراتيجي في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، لتعمل بذلك على إدخال التحولات على نفسها استجابة للتدهور البيئي المتسارع. فقد طرحت ابتكارات متنوعة في المنتجات والخدمات والعمليات للابتعاد عن اعتمادها التقليدي على تجارة التجزئة بالمفروشات الزهيدة الثمن التي يتخلص الزبائن منها غالباً بسرعة. وقد اقتحمت مؤخراً عالم الطاقة الشمسية المنزلية وتخزين الطاقة، حيث حقق نشاطها في هذا المجال نمواً بنسبة 29% في 2019. ورغم أن معظم منافسيها يركزون على استعمال المواد بطريقة أكثر كفاءة أو يحاولون العثور على طرق لإعادة تدوير المنتجات بعد تصميمها، إلا أن إيكيا وجهت جهودها نحو إعادة النظر في تصميمها لمنتجاتها بالكامل. ويتمثل الهدف في صنع منتجات من الممكن إعادة استخدامها، أو ترميمها، أو إعادة تصنيعها، أو إعادة تدويرها، ما يسهم في إطالة أمد استعمالها. وعلاوة على ما سبق، فإن منتجات “إيكيا” سوف تصنع وفق قوالب معينة بحيث يكون من السهل تفكيك موادها الأولية وإعادة استخدامها عندما لا تعود قادرة على أداء وظيفتها. ورغم أن هذه العملية سوف تستغرق سنوات، إلا أن الشركة ستبرز على الأغلب بوصفها رائدة في مجال الاقتصاد الدائري بما أن الضغوط الإضافية من الجهات الناظمة، والمستهلكين، والعلامة التجارية سوف تجبر الشركات على المنافسة على المنتجات ذات الخصائص البيئية الأفضل.

لا تُعتبر المقاربة المطبقة من قمة الهرم إلى قاعدته في مجالي الاستدامة والحكم الرشيد من المقاربات الفاعلة إذا لم تكن تحظى بالدعم من أسفل الهرم إلى قمته.

رغم أن استراتيجية “إيكيا” تنطوي على الابتعاد عن الممارسات القائمة على الهدر، إلا أن الشركات الأخرى وجدت أن المراجعات الاستراتيجية يمكن أن تحدد طرقاً للتميز من خلال الميل نحو ترك أثر إيجابي. فعندما أجرى كبار القادة في شركة “فازلين” (Vaseline) مقابلات مع المتخصصين الطبيين في مراكز مكافحة الأمراض، ومنظمة أطباء بلا حدود، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عرفوا أن المادة الهلامية التي تصنعها “فازلين” كانت عنصراً أساسياً لا غنى عنه في حقائب الإسعافات الأولية، ولاسيما في الدول النامية. كما علموا أيضاً أن المشاكل الجلدية التي يمكن الوقاية منها مثل التشقق العميق في اليدين والحروق الناجمة عن طهي الطعام على مواقد الغاز أو استعمال مصابيح الكاز كانت تمنع الناس من العمل، والذهاب إلى المدارس، والاندماج في الأنشطة الأساسية الأخرى – وهو وضع يمكن لشركة “فازلين” أن تخفف من وطأته. قاد هذا الاستنتاج إلى وضع استراتيجية جديدة للتأثير الاجتماعي للمساعدة في شفاء الحالات الجلدية لدى 5 ملايين إنسان يعيشون في أوضاع تعصف بها الأزمات أو النزاعات. ربطت الاستراتيجية بين الأهداف التجارية والاحتياجات الاجتماعية وميزت العلامة التجارية عن منافساتها وساعدت في الوقت ذاته على زيادة الإيرادات.

آليات المساءلة

يشمل تنفيذ استراتيجية خاصة بالجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة إدخال الكثير من التغييرات التشغيلية والاستراتيجية الكبيرة. وهي يجب أن تبدأ في أعلى الهرم لدى مجلس الإدارة وأن تُنشر في أرجاء المؤسسة. (راجعوا مقالاً بعنوان “دور مجلس الإدارة في الاستدامة” في هذا العدد). ومع ذلك، فإن أبحاثي تُظهر أن مجالس الإدارة في معظم الشركات أبعد ما تكون عن الانخراط في الجهود البيئية والاجتماعية وجهود الحوكمة، وهذا خطأ. إذ يجب على مجلس الإدارة أن يكون الجهة التي تضمن أخذ المقاييس البيئية والاجتماعية ومقاييس الحوكمة بعين الاعتبار وبالشكل المناسب في تعويضات التنفيذيين، وأن تُقاس ويُفصح عنها على نحو كافٍ كجزء من عمل لجنة التدقيق الداخلي. وقد توصلنا أنا وزملائي في واقع الأمر إلى أن إحدى خصائص المؤسسات ذات الأداء الرفيع في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة هي وجود عملية ترسيخ للمسائل البيئية والاجتماعية والحوكمة بعمق ضمن عمل مجلس الإدارة ورواتب التنفيذيين.

رغم أن معظم الشركات العالمية الكبيرة تقول إن مجالس إداراتها تشرف على الاستدامة، إلا أن ذلك يحصل عموماً بطريقة مجزأة واعتباطية، وإن كانت ثمة استثناءات. فمؤسسة “بي إن بي باريبا” (BNP Paribas)، وهي شركة مالية عالمية، تتبنى مقاربة منهجية تجاه حوكمة الاستدامة، ولديها أعضاء مجلس إدارة يشاركون بنشاط في المنتديات الخاصة بالتمويل المستدام، بما في ذلك رئيس مجلس إدارة سبق له أن شغل منصب الرئيس السابق للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. كما ربطت شركات كبيرة ملوِّثة مثل “بي إتش بي” (BHP)، و”رويال داتش شل” (Royal Dutch Shell)، و”إيسكوم” (Eskom)، تعويضات التنفيذيين بالانبعاثات الغازية فيها، لتحفز بذلك الإدارة على التصرف عندما تواجه الأخطار المتزايدة الناجمة عن التشريعات ومنافسة التكنولوجيات الجديدة. وقد ربطت مايكروسوفت وغيرها من شركات التكنولوجيا تعويضات التنفيذيين بالمستهدفات المتعلقة بتنوع القوى العاملة، وهي إحدى المسائل البيئية والاجتماعية ومسائل الحوكمة التي تعتبر أساسية في قطاع يتطلب التنافس فيه ابتكاراً، وأفكاراً جديدة، وتفكيراً إبداعياً.

قوة الغاية

لا تعتبر المقاربة المطبقة من قمة الهرم إلى قاعدته في مجالي الاستدامة والحكم الرشيد من المقاربات الفاعلة إذا لم تكن مدعومة من أسفل الهرم إلى قمته بثقافة تؤازر المبادرات البيئية والاجتماعية ومبادرات الحوكمة. وتفشل جهود استراتيجية عديدة لأن الموظفين الموجودين في أدنى التراتبية المؤسسية لا يصدقون أن هناك التزاماً حقيقياً بالأهداف البيئية والاجتماعية وأهداف الحوكمة، أو أنهم يفتقرون إلى توجيهات واضحة بخصوص كيفية تحقيقها. ويقود التشكيك، بل وحتى السخرية، إلى تهميش مثل هذه الجهود أو تطبيقها بطريقة غير متسقة في مختلف الوظائف والأقسام والخطوط التجارية.

يجب على المؤسسات الراغبة في معالجة هذه المشكلة تحديد غاية للشركة وبناء ثقافة حولها. عندما حللت أنا وكلودين غارتنبيرغ من كلية “وارتون”، وأندريا بارت من “جامعة كولومبيا”، البيانات المأخوذة من أكثر من 1,000 شركة أميركية تضم أكثر من مليون ونصف المليون موظف، وجدنا أن الوضوح بخصوص الإحساس بالغاية يتراجع من الإدارة العليا إلى الإدارة الوسطى ثم إلى الموظفين في المستوى الأدنى. كما توصّلنا أيضاً إلى أن الشركات القادرة على تسطيح الهيكل التنظيمي، ونشر إحساس بالغاية ضمن صفوف مختلف المستويات في الشركة تفوقت في الأداء على منافساتها.

كُتب كلام كثير في السنوات القليلة الماضية عن الغاية، غير أنه لا يوجد إجماع كبير على دلالة هذه الكلمة أصلاً. أرفع ما قيل حول مفهوم الغاية كان ما أورده لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة “بلاك روك” (BlackRock)، وهي أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم. فقد كتب قائلاً: “ليس بوسع شركة تحقيق الأرباح على المدى البعيد دون أن تتبنى غاية” لأن “إحساساً قوياً بالغاية والتزاماً تجاه الجهات المعنية بالشركة يساعدانها على الارتباط بشكل أعمق بزبائنها والتأقلم مع المطالب المتغيرة للمجتمع”. في أغسطس/ آب 2019، عدّل الرؤساء التنفيذيون في 181 شركة من كبريات شركات العالم – في إطار مجموعة الضغط المسماة “المائدة المستديرة للأعمال” (Business Roundtable (BRT)) – موقفاً كانت المجموعة قد تمسكت به منذ عام 1971 من خلال الإعلان عن أن غاية الشركة لا تقتصر على خدمة مصالح المساهمين، وإنما تشمل إيجاد القيمة لجميع الجهات المعنية.

لا يفسر ما أكد عليه فينك أو “المائدة المستديرة للأعمال” ما الذي تعنيه الغاية بالضبط، بطبيعة الحال. لكننا نعلم بالتأكيد ما لا يندرج في إطار الغاية، ونقصد هنا تحديداً الكلمات التي ترونها على جدار عندما تدخلون المقر الرئيس للشركة، أو بيانات رسالتها المنشورة على مواقع الإنترنت، أو الخطابات العظيمة التي يلقيها الرؤساء التنفيذيون في الاجتماعات العامة. فقد أظهرت الأبحاث أن ذلك مجرد كلام فارغ لا صلة له بالنتائج الحقيقية في المؤسسة.

عرّفنا أنا وزملائي الغاية على أنها الطريقة التي ينظر بها الموظفون – وهم أفضل من يعرف المؤسسة – إلى مغزى عملهم وأثره. ورغبة منا في قياس إحساس الموظفين بالغاية في ثلاثة من دراساتنا التي أجريناها مؤخراً، استعملنا أسئلة من استطلاعات رأي يجريها “معهد مكان العمل العظيم” (Great Place to Work Institute)، حيث طلبنا من المشاركين تصنيف مستوى موافقتهم على عبارات من قبيل: “عملي له معنى خاص وهو ليس مجرد وظيفة”، و”أشعر بالفخر بالطرق التي نقدم إسهاماتنا بها إلى المجتمع”، و”تمتلك الإدارة رؤية واضحة بخصوص الوجهة التي تمضي المؤسسة إليها وكيف ستصل إليها”.

يبدو أن المستثمرين يولون اهتماماً متزايداً بالشركات التي تجيد ربط الاستراتيجية بالغاية. وقد حصل تعاون مؤخراً بين “مبادرة المستثمر الاستراتيجي” (Strategic Investor Initiative)، التي انبثقت عن تحالف “رؤساء تنفيذيون يدعمون غاية الشركة” (Chief Executives for Corporate Purpose)، وشركة “كيه كيه إس أدفايزرز” (KKS Advisors) (التي شاركتُ في تأسيسها) لتحليل 20 عرضاً قدّمها رؤساء تنفيذيون عن الخطط الاستراتيجية البعيدة المدى. وقد وجدنا أنه عندما برع الرؤساء التنفيذيون في التعبير عن غاية الشركة، فإن أسعار الأسهم وحجم التداول بها ارتفعا في الأيام التالية. الخلاصة التي استنتجناها هي أن المستثمرين يجدون قيمة في المعلومات المتعلقة بالغاية. في أحد العروض التي درسناها، قال كينيث فريزر، الرئيس التنفيذي لشركة “ميرك” (Merck) للمساهمين: “غايتنا واضحة جداً بالنسبة لنا ولجميع موظفينا، وهي تتمثل في أن نكتشف أدوية تنقذ حياة الناس وأن نطورها لصالح المجتمع”. ثم أضاف قائلاً: “هذا ما يجعل موظفينا يأتون إلى العمل كل يوم، وهو ما يجعلهم يظهرون الالتزام الهائل الذي يمنحهم الاستعداد لبذل جهود تفوق الجهود المطلوبة منهم”.

بالنسبة لبعض الشركات، تعريف غايتها يعني التخلي عن بعض الأرباح والمكاسب على المدى القصير. وهذا هو حال شركات صناعة السيارات التي في طور التحول من السيارات التي تعمل بالغاز وتطلق الكربون إلى المركبات الكهربائية التي تعتبر أكثر صداقة للبيئة لكنها تحقق أرباحاً أقل. لكن البشرى السارة تتمثل في أننا نرى المزيد من الأمثلة التي تثبت أن مقايضة الأرباح بالاستدامة على المدى البعيد ليس أمراً ضرورياً نظراً إلى أن الشركات قادرة على إعادة تصميم الطريقة التي تحقق إيراداتها بها. لنأخذ على سبيل المثال “فيليبس لايتينغ” (Philips Lighting) التي تحولت من بيع منتجات مصابيح الإنارة الكهربائية ذات العمر الزمني المحدود إلى بيع الإنارة بوصفها خدمة مستدامة. فالزبائن يدفعون ثمن النور الذي يستخدمونه عوضاً عن الاستثمار في تجهيزات مادية؛ في حين تحتفظ فيليبس بملكية جميع تجهيزات الإنارة وتستعيدها عندما يكون من المناسب إعادة تدويرها أو ترقيتها.

كما أن الالتزام بغاية معينة سيدفع الشركات أحياناً إلى الاضطلاع بمبادرات قد لا تكون منطقية عندما يتعلق الأمر بالأرباح والخسائر. وكان فريزر قد وصف مبادرة من هذا النوع عندما تحدث عن جهود “ميرك” الرامية إلى تطوير لقاح الإيبولا: “كان من المستحيل القول إننا “لن نصل إلى ذلك الهدف لأنه ليس هناك سوق تجارية قوية”. وأعتقد أن هذا جزء مما نتحدث عنه عندما يكون الكلام حول مؤسسة تعمل وفق غاية معينة”.

مع تزايد عدد الشركات التي تعمل على التعبير عن غايتها وبناء ثقافة تتبناها بالكامل، سنتعرف أكثر على العوامل التي ستضمن النجاح. بيد أن أبحاثي مع غارتينبيرغ تشير أصلاً إلى ثلاثة شروط أساسية هي: استراتيجية هادفة لتطوير القادة ضمن المؤسسة وتقود إلى ترقية المرشحين الداخليين إلى منصب الرئيس التنفيذي؛ وهيكليات أجور عادلة (تكون فيها نسبة أجر الرئيس التنفيذي إلى متوسط الأجر الذي يحصل عليه العامل غير مبالغ فيها بحسب معايير القطاع)؛ وتنفيذ متأن لعمليات الاندماج والاستحواذ لتجنب حصول صدام بين الثقافات. يشير البحث إلى أن الرؤساء التنفيذيين المعينين من خارج أروقة الشركة وكذلك الشركات التي تنجز عدداً أكبر من عمليات الاستحواذ بحاجة إلى أن تبذل جهداً أكبر لخلق إحساس بالغاية، رغم أن أسباب ذلك غير مفهومة بالكامل.

التغييرات في العمليات والجوانب التشغيلية

عند دراستي للشركات التي نجحت في تطبيق استراتيجية للمجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، لاحظت أنها تميل إلى المرور بثلاث مراحل هي: الجهود الرامية إلى التقليل من المخاطر وضمان الامتثال إلى الأنظمة البيئية والقوانين الأخرى؛ والجهود الرامية إلى تحسين كفاءة التشغيل والعمليات؛ والجهود الرامية إلى الابتكار والنمو. ولكي تحقق الشركات التي تشكل مثالاً يُحتذى هذه النقلة، فإنها تبدأ عادة بإضفاء الطابع المركزي على الأنشطة البيئية والاجتماعية وأنشطة الحوكمة، وهذا أمر مفيد للانتقال من التركيز على المخاطر والامتثال إلى التركيز على الكفاءة في التشغيل والعمليات. لكن الوصول إلى مرحلة الابتكار والنمو يتطلب من الشركات إضفاء الطابع اللامركزي على الأنشطة البيئية والاجتماعية وأنشطة الحوكمة وتمكين مختلف الأقسام الوظيفية في الشركة من تولي مسؤوليتها. ويصح هذا الأمر من خلال توزيع السلطة عبر نقلها من يد كبار المدراء إلى الإدارة الوسطى، لكنه يصح على مستوى مجلس الإدارة أيضاً. ففي بادئ الأمر، يحتاج مجلس الإدارة إلى إنشاء لجنة منفصلة للاستدامة. أما في المرحلة الثالثة، فإنه سيعيد تخصيص المسؤوليات عادة لتعود إلى لجان مجلس الإدارة التي كانت قائمة مسبقاً (التدقيق الداخلي، والترشيحات، وغيرهما).

تحتاج عملية إضفاء الطابع اللامركزي بطبيعة الحال إلى آليات دعم مناسبة. فعلى سبيل المثال، طورت شركة الكيماويات “سولفاي” (Solvay) أداة لتقويم الأثر البيئي لكل تطبيق من تطبيقات منتجاتها. مكّن ذلك صناع القرار في الأقسام الوظيفية المختلفة من أخذ الاعتبارات البيئية بالحسبان حال اضطلاع كل واحد منهم بمسؤولياته وذلك عند تخصيص موازنة الأبحاث والتطوير، أو اكتتاب المخاطر أثناء مرحلة الواجب الائتماني في عمليات الاستحواذ، أو إنجاز عمليات التصنيع بطريقة مثالية مع تغير الأنظمة والتشريعات. وسجلت “سولفاي” بين العامين 2016 و2018 نمواً سنوياً بمقدار 4% في مبيعات المنتجات ذات الأثر البيئي السلبي الضعيف، في حين تراجعت مبيعات المنتجات الأكثر ضرراً بنسبة 5%.

مع استمرار نضوج الحقل المتخصص بالمجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، فإن المستثمرين سينظرون إلى الطريقة التي ستُحدد بها المؤسسات هيكلياتها للإيفاء بما تعد بها غايتها المعلنة. ولكي تزيد الشركات الرابحة من فرص نجاحها، فإنها ستضمن امتلاك الأشخاص الذين سيديرون أهم محددات الأداء في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة للقدرات والموارد المطلوبة لإنجاز المهمة.

تتمثل الخطوة الأولى في ضمان أن يكون مدير الاستدامة أو أعلى مسؤول تنفيذي يتولى مسؤوليات الجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة الشخص الأقرب إلى أهم القضايا التي تخص هذه الجوانب في الشركة. فإذا ما كانت العلامات التجارية هي من الأصول الأساسية (كما هو الحال بالنسبة لشركات البضائع الاستهلاكية)، فإن هذا الشخص قد يكون مدير التسويق أو مدير العلامات التجارية. وإذا كانت إدارة المخاطر من الأمور الأساسية التي تشغل بال المؤسسة (كما هو حال المؤسسات المالية)، فإن هذا الشخص يمكن أن يكون مدير المخاطر أو مدير الاستثمار. وإذا كانت مسائل رأس المال البشري هي العنصر الأهم، فإن مسؤولية الأنشطة البيئية والاجتماعية وأنشطة الحوكمة قد تقع على عاتق مدير الموارد البشرية. في شركة “تايسون فودز” للأطعمة (Tyson Foods)، كان مدير الاستدامة السابق يشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي لشؤون استراتيجية الشركة وكان هو من يقود جهود التحسين المتواصل فيها. إضافة إلى ما سبق، كان يدير صندوق رأس المال المغامر في الشركة الذي يستثمر في البروتين المصنّع في المعامل واللحوم المستنبتة كبدائل أكثر استدامة لمنتجات اللحوم التقليدية.

يجب على الشركات أن تنظر إلى الإفصاح في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة بوصفه فرصة مستمرة لبناء السمعة والعلاقات.

فقاعات الصابون الكبيرة العائمة وسط المناظر الطبيعية
نبذة عن العمل الفني: تشعر مارليز بلانك بافتتان كبير بالتأثير السريالي لفقاعات الصابون الكبيرة العائمة وسط المناظر الطبيعية. وقد التقطت صوراً في أنحاء العالم، في دول مثل النمسا، والمغرب، وإسبانيا، وإيطاليا، وسلوفينيا.

يمكن لعملية وضع الأهداف أن تكون مفيدة في مساعدة الشركات على تحقيق تقدّم من المركزية إلى اللامركزية في الأنشطة البيئية والاجتماعية وأنشطة الحوكمة. ورغم أن كبار القادة يجب أن يحددوا مستهدفات للمسائل البيئية والاجتماعية والحوكمة، إلا أن قادة الوحدات ومسؤولي الإدارة الوسطى يجب أن يمتلكوا الصلاحيات التي تسمح لهم بتحديد كيفية تحقيقها. وتكمن المفارقة في الأمر في أن المستهدفات الجريئة جداً أكثر ميلاً إلى أن تتحقق من المستهدفات المتواضعة. هذه كانت النتيجة التي ظهرت عندما حللنا أنا وإيوناو، إلى جانب شيلي شين من جامعة “جنوب كاليفورنيا” أكثر من 800 مستهدف مرتبط بالتغير المناخي وضعتها شركات مختلفة. وأكدت دراسة منفصلة – أجريتها أنا وغريوال وزميلي في كلية هارفارد للأعمال ديفيد فرايبيرغ – المنافع المتحققة من اتخاذ مقاربة طموحة، فقد راجعنا وضع أكثر من 1,000 شركة واكتشفنا أن الشركات ذات المستهدفات الطموحة نسبياً والمتصلة بالتغير المناخي استثمرت أكثر من أقرانها، وأدخلت تغييرات مهمة على العمليات، وفي معرض هذه العملية، دعمت الابتكار.

التواصل مع المستثمرين (الجيدين)

يجب على الشركات تجنّب التركيز على تحسين تصنيفاتها في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة بطريقة قائمة على الخنوع، ومع ذلك فإن التواصل مع قاعدة المستثمرين يظل أمراً مهماً. بيد أن هناك تصورات خاطئة تحيط بغالبية القرارات المتعلقة بما يجب قياسه وكيفية إبقاء المستثمرين على اطلاع.

أول هذه التصورات الخاطئة هو الاعتقاد السائد في أوساط العديد من قادة الشركات أن قاعدة مستثمري أي شركة لا تخضع إلى نفوذ الإدارة أو سيطرتها. أما في واقع الأمر، فإن بوسع الشركة التأثير في تحديد هوية من يشتري أسهمها، وإذا اقتضت الضرورة تغيير قاعدة المساهمين. ليس الأمر بسهولة تحديد طبيعة الزبائن أو الموظفين، لكنه ممكن. فعلى سبيل المثال، قبل استحواذ شركة “تاكيدا فارماسوتيكالز” (Takeda Pharmaceuticals) لصناعة الأدوية على شركة “شاير” (Shire)، كانت الأخيرة قد أدخلت تغييراً كبيراً على قاعدة مستثمريها بين عامي 2006 و2012 من خلال الالتزام بدمج المسائل البيئية والاجتماعية ومسائل الحوكمة ذات الأهمية المالية ضمن استراتيجيتها، ووضع تقارير بشأنها، ورفعها إلى المساهمين فيها. كان المستثمرون الملتزمون بالاستثمار على المدى البعيد (بما في ذلك “أفيفا إنفستورز” (Aviva Investors)، و”سكوتيش ويدوز” (Scottish Widows)، وصندوق الثروة السيادية النرويجي) قد امتلكوا في بادئ الأمر نسبة صغيرة من أسهم “شاير”، لكن مقتنياتهم سجلت زيادة مضطردة وأصبحت في نهاية المطاف أكبر من مقتنيات المستثمرين العابرين – وهذه ظاهرة نادرة الحدوث بالنسبة لشركة مدرجة في البورصة.

يتمثل التصور الخاطئ الثاني في أن مطالب المحللين في جانب البيع الذين تعيّنهم شركات الوساطة الكبيرة يجب أن يحددوا ما الذي يجب التواصل بشأنه. فمعظم الشركات لا تزال تشدد في معظم الأحيان في تواصلها مع مستثمريها على المعلومات المتعلقة بالمدى القصير. ويعود السبب في ذلك إلى أنها تنظر إلى جانب البيع بوصفه “الزبون” التقليدي لقسم العلاقات مع المستثمرين. ولا بد لهذا الحال أن يتغير؛ فالتركيز يجب أن ينصبّ على التواصل المباشر مع جانب الشراء – أي مدراء الأصول في المؤسسات الاستثمارية الكبيرة التي تحتفظ بسهم الشركة.

التصور الخاطئ الثالث هو أن المقاييس الخاصة بالمعايير البيئية والاجتماعية ومعايير الحوكمة تعتبر كافية للمستثمرين لدمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية واعتبارات الحوكمة ضمن تحليلهم التجاري، وتقويمها، ونمذجتها. أما في الحقيقة، فإن المستثمرين يجدون معاناة في إدماج هذه المقاييس في النماذج المالية لأنه من غير الواضح ما الذي تعنيه أو كيف يمكن أن تؤثر على الجوانب المالية. وقد يتمثل أحد الحلول في إنشاء نظام موزون للمحاسبة يأخذ الأثر بالحسبان ويكون قادراً على قياس الآثار البيئية والاجتماعية للشركة (سواء السلبية أو الإيجابية منها)، وتحويلها إلى أرقام مالية ونقدية، ومن ثم التعبير عنها في القوائم المالية. رغم أن الطرق العلمية التي يمكن أن تستعمل لإنجاز هذه العملية لم تكتمل بعد، إلا أن نظاماً من هذا النوع يعتبر واعداً جداً لثلاثة أسباب ألا وهي: أنه سيترجم تلك الآثار إلى وحدات قياس يفهمها المدراء التجاريون والمستثمرون؛ وسيسمح باستعمال أدوات التحليل المالي والتجاري لدراسة هذه الآثار؛ وسيمكّن من جمع التحليلات ومقارنتها ضمن أنواع مختلفة من الأثر بطريقة لن تكون ممكنة دون وجود وحدات قياس موحدة ومعيارية.

في “مبادرة الحسابات الموزونة بالأثر” (Impact-Weighted Accounts Initiative) (وهي عبارة عن مشروع أقوده بنفسي في كلية هارفارد للأعمال)، نتعاون مع المجموعة التوجيهية العالمية للاستثمار المؤثر (Global Steering Group for Impact Investing)، و”مشروع إدارة الأثر” (Impact Management Project) على مقاربة بسيطة هي: تعديل مقاييس الحسابات التقليدية لأخذ الأنواع المختلفة للأثر الذي قد تتركه الإجراءات في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة بالحسبان. وتشمل أثر المنتج، الذي يؤثر على أرقام الإيرادات؛ والأثر على التوظيف، الذي يؤثر على مصاريف الموظفين في قائمة الدخل؛ والأثر البيئي، الذي يؤثر على تكلفة البضاعة المباعة. فعلى سبيل المثال، يمكن للأثر الإيجابي للمنتج أن يعني المزيد من الإيرادات لشركة وربما تحقيق نمو أعلى. والأثر الإيجابي على التوظيف (الذي يقاس بالمبالغ التي تُنفق على تدريب الموظفين مثلاً) سيبعث بإشارة قوية إلى المستثمرين مفادها أن الإدارة تنظر إلى مصاريف الموظفين على أنها استثمارات تقود إلى تحقيق الأرباح في المستقبل وليست مجرد مصاريف. أما الأثر البيئي السلبي فقد يرفع تكلفة السلع المباعة، من خلال التسبب بسن تشريعات جديدة ومقيدة.

يسهم تقدير قيمة الآثار التي تتركها شركة معينة على الناس والكوكب – وإدماج هذه القيمة ضمن التحليل المالي التقليدي – في تقديم صورة أشمل عن الأداء الفعلي للشركة. وقد لجأت بعض الشركات، مثل “دي إس إم” (DSM) التي تركز على العلوم، وعملاقة صناعة الأدوية “نوفارتس” (Novartis)، إلى تجريب المحاسبة الموزونة بالأثر. قدرت “نوفارتس” أثرها على الموظفين في عام 2017 بما في ذلك المنافع المتحققة من تطوير الموظفين، وجهودها في مجال السلامة المهنية، ودفع أجور المعيشة، بمبلغ 7 مليارات دولار. أما أثرها البيئي، الذي يقاس بالانبعاثات الكربونية، وتأثيرها على الماء وفي مجال النفايات، فقد وصل إلى 4.7 مليارات دولار بحسب التقديرات. وقدر الأثر الإيجابي للمنتجات، وهو عنصر لطالما كان غائباً إلى حد كبير عن معظم الأطر الخاصة بالمجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة، بمبلغ 72 مليار دولار.

يتعلق التصور الخاطئ الجوهري الأخير المرتبط بالعلاقات مع المستثمرين بفكرة أن الإفصاح في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة هو أمر متصل بالصفقات والعمليات ويمكن أن يحصل بصورة متقطعة. بينما يجب على الشركات في المقابل أن تنظر إليه بوصفه فرصة مستمرة لبناء السمعة والعلاقات. كان من المعتاد أن يحصل أهم تواصل مع المستثمرين (جانب الشراء) عبر محللي وول ستريت (جانب البيع). غير أن هناك اتجاهاً متزايداً يتمثل في رغبة المستثمرين بفتح خط تواصل مباشر، وهم يقدّرون كثيراً طرح المعلومات بشكل استباقي وفاعل، وهذا الأمر له منفعة إضافية تتمثل في إطالة أمد صبر المستثمرين عندما تحصل تراجعات في الأداء. أما عندما يقدّم الرؤساء التنفيذيون أعذاراً إلى المستثمرين بعد وقوع الواقعة، دون أن يكونوا قد بنوا الثقة، فإنهم لن يجدوا على الأغلب من يلتمس لهم العذر أو يمنحهم الوقت الذي يحتاجون إليه لعكس مسار التراجع.

الدرب نحو المستقبل

فشلت شركات عديدة في إدراك أن الدور الوظيفي للبيانات البيئية والاجتماعية وبيانات الحوكمة قد تغيّر مع مرور الوقت. في بادئ الأمر، كانت أمثال هذه البيانات تستعمل للحكم على مدى استعداد شركة ما لتجنب إلحاق الضرر أو فعل الخير. ونتيجة لذلك، فقد كانت أساساً عبارة عن مُعطى يساعد في صياغة السياسات ويشير إلى استعداد الشركة لتحقيق نتائج إيجابية لصالح البيئة والمجتمع.

بيد أن المستثمرين باتوا وبصورة متزايدة يطرحون سؤالاً مختلفاً؛ فهم لم يعودوا يتساءلون عما إذا كانت شركة معينة لديها نيات حسنة، وإنما ما إذا كانت تمتلك الرؤية الاستراتيجية والقدرات التي تسمح لها بتحقيق أداء قوي في المجالات البيئية والاجتماعية والحوكمة والمحافظة على قوة هذا الأداء. ذلك يعني أن الشركات بحاجة إلى البدء بقياس نتائج مبادراتها، وإصدار تقارير تتضمن هذه النتائج. وعوضاً عن الحديث عن سياساتها الخاصة بتحسين خصوصية البيانات، وإدارة المياه، والتخفيف من التغير المناخي، والتنوع، وغيرها من المسائل، يجب عليها أن تعلن نتائج مقاييس مثل عدد حسابات الزبائن التي تعرضت للقرصنة، وعدد لترات الماء التي استهلكتها كل وحدة من المنتجات التي أنتجتها، والنسبة المئوية للنساء والأشخاص المنتمين للأقليات الذين حصلوا على ترقية داخل الشركة وتبوؤا مناصب إدارية فيها.

يُعتبر الانتقال من النيات إلى النتائج خطوة الارتقاء التالية التي يتطلع إليها المستثمرون في طريقهم إلى تحقيق الأثر الاجتماعي للشركات. والطريقة الوحيدة لتقديم أداء أفضل من أداء الآخرين في هذا الزمان هي أن تعطي الشركات للمسائل البيئية والاجتماعية ومسائل الحوكمة ذات الأهمية النسبية مكانة أساسية ضمن استراتيجياتها وعملياتها، وأن تفعل أكثر بكثير مما تفعله منافساتها، ومن ثم أن تقيس أداءها الرفيع وأن تعلن عنه. يواجه المجتمع العالمي تحديات هائلة، لكن الشركات التي تتحلى بالجرأة وتتبنى موقفاً استراتيجياً في التعامل مع الأنشطة البيئية والاجتماعية وأنشطة الحوكمة لن تعدم السبيل لنيل المكافأة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .