هل تحاول تحديد هوية الموظفين المتحمسين للعمل والراغبين في المغادرة؟

5 دقائق
تحديد هوية الموظفين
Vitalii Vodolazskyi/shutterstock
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: بينما تجتاح موجة غير عادية من الاستقالات عالم الأعمال، تواجه الشركات صعوبة في إعادة تقييم استراتيجياتها المتعلقة باستبقاء المواهب. يقترح البحث الذي يقدمه المؤلفون أن تتبع الشركات نهجاً مستهدفاً مع التركيز على الموظفين الذين يرغبون في مواصلة العمل مع الشركة بحماس. وتعرض هذه المقالة طريقة تحديد هوية الموظفين “ومواصلي العمل المتحمسين” وتوصي بطرق لاستبقائهم.

 

أشعلت جائحة “كوفيد-19” فتيل معركة التنافس الحاد لاستقطاب المواهب. على سبيل المثال، عرضت المستشفيات التي كانت في حاجة ماسة إلى الممرضات مكافآت تعيين بلغت 40 ألف دولار. وتعمل شركات “وول ستريت” على زيادة الرواتب الأساسية للمحللين المبتدئين ليصبح ما لا يقل عن 100 ألف دولار. وتعد مطاعم الوجبات السريعة بتقديم علاوات استبقاء إضافية تتراوح بين 500 دولار و1,500 دولار لجذب المواهب الجديدة. وعلى الرغم من أن تلك الأساليب قد تكون فعالة لشغل الوظائف الشاغرة، من غير المرجح أن تسفر عن اندماج الموظفين وتعزيز أدائهم على المدى الطويل. والأسوأ من ذلك أن تلك الأساليب قد تسبب “خللاً في استبقاء” المواهب المترددة، أي الموظفين الذين يفضلون ترك العمل ولكن يؤول بهم المطاف إلى مواصلة العمل بأداء ضعيف.

كيفية تحديد هوية الموظفين

بدلاً من الاعتماد على الحوافز التي تقدم مرة واحدة والتي تكون في أحسن الأحوال رد فعل غير مباشر لاستبقاء الموظفين، يجب على المؤسسات إلقاء نظرة فاحصة على كيفية تحديد هوية الموظفين المتحمسين والمندمجين والإبقاء عليهم. كما يجب عليها السماح “لمواصلي العمل المترددين” بترك العمل وتطوير أماكن عمل تحفّز “مواصلي العمل المتحمسين” على مواصلة العمل والنجاح. حددنا في بحث أكاديمي نُشر مؤخراً تأثير استبقاء كل من “مواصلي العمل المتحمسين” و”مواصلي العمل المترددين” وقيّمناه، كما تحدّينا الافتراض القائل بأن بقاء جميع الموظفين على رأس عملهم هو أمر جيد.

وأجرينا دراسة على أكثر من 450 موظفاً في مؤسستين غير ربحيتين لمدة عامين. ثم صُنّف كل مشارك ضمن واحدة من 4 فئات استناداً إلى نوايا دورانهم الوظيفي التي قيّمناها من خلال استقصاءات نُفّذت في 4 أوقات مختلفة ودورانهم الوظيفي الفعلي خلال فترة العامين. تم صُنف الموظفون الذين أشاروا إلى أنهم يعتزمون ترك العمل في مؤسساتهم وتركوها بالفعل ضمن فئة “تاركو العمل المتحمسون”، في حين صنّف أولئك الذين أشاروا إلى أنهم يعتزمون البقاء في المؤسسة ثم تركوا العمل ضمن فئة “تاركو العمل المترددون”. وبالمثل، صُنّف أولئك الذين يعتزمون مواصلة العمل وواصلوا العمل بالفعل ضمن فئة “مواصلو العمل المتحمسون”، في حين صُنّف أولئك الذين كانوا يعتزمون ترك العمل لكنهم واصلوا العمل ضمن فئة “مواصلو العمل المترددون”. ووجدنا أن 38% من الموظفين كانوا من مواصلي العمل المتحمسين، و42% من مواصلي العمل المترددين، في حين كان 16% منهم من تاركي العمل المتحمسين، و4% من تاركي العمل المترددين. وعلى الرغم من أن النتائج في كل مؤسسة ستكون مختلفة، تدعم بياناتنا النتائج التي توصلت إليها مؤسسة “غالوب” عام 2020 والتي تفيد بأن 39% فقط من العاملين في الولايات المتحدة “منخرطون في العمل” (أي أنهم مندمجون في أعمالهم وأماكن عملهم ويتحمسون لأدائها ويلتزمون بها).

ويُعتبر تحديد هوية الموظفين الذين من المرجح أن يواصلوا العمل بحماس أمراً بالغ الأهمية للمؤسسات. فعند تقييم النتائج المالية لجامعي التبرعات في عينتنا نهاية العام، وجدنا أن مواصلي العمل المتحمسين جمعوا 3,155,190 دولاراً في المتوسط، في حين جمع مواصلو العمل المترددون 2,238,134 دولاراً، وهو فرق يزيد عن 40%. وبالتالي، أثبت مواصلو العمل المتحمسون أنهم ذوو قيمة للمؤسسات بسبب إنتاجيتهم المتفوقة وعدم تركهم العمل.

كيف يمكن للمؤسسات إذاً التمييز بين مواصلي العمل المتحمسين ومواصلي العمل المترددين؟

تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن الحل قد يكمن في تحديد مدى اندماج الموظفين في مؤسساتهم. ومن بين مجموعة من المؤشرات المعروفة التي تتضمن الرضا الوظيفي والأداء الوظيفي، كان الاندماج الوظيفي أفضل مؤشر على ما إذا كان الموظف سيكون من مواصلي العمل المتحمسين أم لا، إذ يقيس ذلك المؤشر الدرجة التي يرتبط بها الشخص في النسيج الاجتماعي للمؤسسة. ينطوي مؤشر الاندماج الوظيفي على 3 أبعاد فرعية، ألا وهي التواؤم مع ثقافة المؤسسة، والعلاقات مع زملاء العمل، والتضحيات التي قد يبذلها الموظف في حال ترك العمل. وفيما يلي اقتراحات قائمة على البحوث لتحديد هوية مواصلي العمل المتحمسين وطرق تعزيز اندماجهم في العمل من خلال تلك الأبعاد وزيادة احتمالات استبقاء المواهب المناسبة.

تصورات الموظفين عن الملاءمة الوظيفية

عادة ما تستثمر المؤسسات جهداً كبيراً في أثناء عملية التعيين لتحديد المرشحين الملائمين من الناحية الثقافية الذين تتناسب مهاراتهم مع الوظيفة. لكن كم عدد المؤسسات التي تتقفى أثر الموظفين الملائمين؟ إن تصورات الموظفين عن الملاءمة الوظيفية ديناميكية؛ وتُظهر البحوث أن الموظفين غالباً ما يعيدون تقييم مدى ملاءمتهم لمؤسسة ما عند حدوث تغييرات في المناصب وزملاء العمل وهياكل الشركة. ومن المؤكد أن جائحة “كوفيد-19” حفّزت إجراء تغييرات في أماكن العمل. ويساعد تقييم ما إذا كان الموظف “يرى مستقبلاً له في المؤسسة” في تقييم ما إذا كانت درجة الملاءمة الوظيفية الأولية صحيحة أو لا.

ويمكن للشركات أيضاً أن تتجاوز مرحلة تقييم مدى ملاءمة الموظف بأن تروّج لفكرة الملاءمة الوظيفية بالفعل. وأحد الأمثلة على ذلك هو تطبيق طورته شركة “جنرال إلكتريك” للمساعدة في التخطيط لتعاقب الموظفين. يستخدم التطبيق الحركة السابقة للموظفين في جميع أنحاء العالم بالإضافة إلى مدى ملاءمتهم للوظائف استناداً على أوصافهم للعثور على فرص عمل محتملة في جميع أنحاء المؤسسة، وليس فقط في بلد أو قسم معين؛ وهو ما منح الأفراد مزيداً من الوظائف التي يمكنهم أخذها في الحسبان عند رسم مسارات وظيفية تتناسب مع أهدافهم وتطلعاتهم. ونظراً لأن تلك الاحتمالات ترتكز على تجربة حقيقية مجسدة في مجموعات بيانات كبيرة، فهي تمكن المرشحين من اختيار مسارات عملهم بثقة.

علاقات الموظفين

تشير البحوث التي أُجريت على مدى عقود إلى أهمية علاقات عمل الموظف مع الآخرين في تقليل احتمالية الدوران الوظيفي الطوعي. ومع التطور الأخير لأدوات تحليل الشبكات المؤسسية، أصبحت العديد من المؤسسات اليوم قادرة على تقييم شبكات التواصل الداخلي والمشورة والثقة بسهولة نسبية. قد يسهّل فهم تلك الشبكات تحديد التفاعلات الرئيسية وإدارتها، كما يمكن استخدامها للحصول على رؤى ثاقبة وقيّمة حول تواصلات كل موظف مع الآخرين. وقد تؤدي مقارنة شبكات استشارات الموظفين مع شبكات التواصل الافتراضية إلى الكشف عن حالات أدى فيها الانتقال إلى العمل عن بُعد إلى زعزعة علاقات العمل الهادفة.

من جهة أخرى، يمكن للمؤسسات تسهيل الفرص للأسر للمشاركة في شبكات دعم المجتمع. على سبيل المثال، أطلقت “مجموعة موارد الموظفين للآباء والأمهات في منصة لينكد إن” (Parents at LinkedIn (PAL) Employee Resource Group) العديد من المبادرات المجتمعية في أثناء الجائحة، بدءاً من أنشطة عيد الأب إلى المشاريع الفنية. حيث أسفر ربط الأسر والمجتمعات عن تذكير الأفراد أنهم ليسوا وحدهم من يواجه صعوبة في تجاوز ضغوط العمل والأسرة. وقد أظهرت مثل تلك الأنشطة مدى أهمية نظام الدعم الأوسع نطاقاً الذي يربط الموظفين بالأعضاء الداعمين للمجتمعات التي يعتبرونها بيوتهم. كما سيسفر تعزيز تلك الروابط عن تقليل احتمالية ترك الموظفين العمل والبحث عن وظيفة أخرى في موقع جغرافي آخر.

الأصول غير الملموسة التي يصعب التخلي عنها

يسهل على المنافسين مطابقة المكافآت الملموسة مثل الأجور والعلاوات الإضافية؛ وبالتالي، لا تنطوي تلك المكافآت على أي مزايا تنافسية دائمة. في المقابل، قد يخلق سؤال الموظفين عما يقدّرونه في علاقاتهم بمؤسساتهم والسعي لتوفيره مزايا مستدامة. على سبيل المثال، سلّطت عدة استقصاءات وطنية الضوء على مقدار الأجور التي يرغب الأشخاص في التخلي عنها بهدف الحصول على مزيد من المرونة في أوقات عملهم وأماكن العمل وكيفية عملهم حتى، إذ لتلك الاستقلالية قيمة حقيقية بالفعل.

لكن نظراً لعدم تساوي جميع مساهمات الموظفين، فمن هم الموظفون الذين سيحظون بالأولوية في الحصول على مثل تلك المرونة؟ نوصي بأخذ عوامل متعددة في الاعتبار. يجب على المؤسسات جمع معلومات حول الزيادات في الأجور والعلاوات الإضافية وتقييمات التدريب وتقييمات الأقران وبيانات النتائج الأخرى بشكل مستمر بدلاً من الاعتماد على تقييمات الأداء فقط بهدف تحديد هوية الموظفين المتحمسين وعالي الأداء. كما يجب عليها تسهيل الأمور على الموظفين غير المتحمسين لترك العمل، كما فعلت شركة “أمازون” من خلال برنامجها “احصل على أجرك واترك العمل”. حيث تقدم شركة “أمازون” لموظفي مركز التوزيع دفعة لمرة واحدة كل عام لحث الموظفين المترددين على ترك العمل في الشركة، في حين يتخذ الموظفون الذين يختارون مواصلة العمل في الشركة قراراهم بوعي، وهو ما يخلق موظفين أكثر اندماجاً والتزاماً وذوي أداء عالٍ.

وفي نهاية الحديث عن كيفية تحديد هوية الموظفين تحديداً، لقد غيرت الجائحة طريقة عملنا ونظرتنا إلى العمل. ولعكس تيار الاستقالة العظيمة، يجب على القادة تركيز انتباههم وجهودهم على الظروف التي ستساعد الموظفين في مواصلة العمل وتحقيق النجاح بحماس، وليس بتردد، أي تعزيز الإحساس بالملاءمة الوظيفية والهدف، وتقديم نظام الدعم في العمل وفي المجتمع، إضافة إلى الحزم الشخصية التي يصعب العثور عليها في أي مكان آخر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .