مع انخفاض حالات الإصابة بكوفيد-19، لاحظ أحد متاجر التجزئة الأوروبية المتعدد القنوات تراجعاً في إيراداته عبر الإنترنت، ما أثار القلق. لكنهم بعد ذلك نظروا إلى البيانات بطريقة مختلفة، مع التركيز على معاملات فرادى العملاء. وعندما قسّموا البيانات إلى شرائح، أدركوا أن قاعدة عملائهم كانت جيدة بالفعل، لكن سلوك قنوات البيع التي يستخدمونها قد تغير: فقد بدأ الشراء عبر الإنترنت، الذي تسارع بشكل غير طبيعي في أثناء الجائحة، بالعودة الآن إلى نمط أقرب إلى الطبيعي سواء عبر الإنترنت أو في المتاجر.

كان هذا المتجر الأوروبي، المتخصص في بيع الملابس الداخلية بالتجزئة لعدة علامات تجارية، من الموزعين الرئيسيين للعلامة التجارية الإيطالية لا بيرلا (La Perla) للملابس الداخلية النسائية الفاخرة. أجرى قائد جديد لقسم التسويق مراجعة لربحية العلامة التجارية، ورأى أن الشركة كانت تخسر أموالاً من مبيعاتها للعلامة التجارية لا بيرلا. فقد كانت للعلامة التجارية هوامش ربح منخفضة نسبياً ومعدل عائد مرتفع، وتطلبت تصويراً فوتوغرافياً بتكلفة باهظة لإظهار مدى أناقة منتجاتها عبر الإنترنت. ناقشت الشركة ما إن كان الأمر يستحق البيع لعلامة تجارية تتسبب باستمرار في خسائر. ومع ذلك، عندما نظروا إلى لا بيرلا من منظور العميل، توصلوا إلى استنتاجات مختلفة تماماً. غالباً ما كانت لا بيرلا هي العلامة التجارية الأولى التي يشتري منها عملاؤهم الأكثر قيمة، وهم أيضاً العملاء الذين يشترون مجموعة متنوعة من المنتجات الأكثر ربحية. وبدلاً من قطع العلاقات مع لا بيرلا بسبب قلة الأرباح، وسَّع المتجر في نهاية المطاف نطاق عروض لا بيرلا، ما أصبح محركاً مهماً لنموه.

فما هو القاسم المشترك بين هذين المثالين؟ غالباً ما تنظر الشركات إلى أعمالها من خلال التركيز على المناطق الجغرافية أو العلامات التجارية أو منتجات محددة أو قناة المبيعات. وهذا منطقي، لأن هذه هي البيانات المتوفرة دائماً، وغالباً ما يتم تشكيل هيكل المؤسسات بناءً على المناطق الجغرافية أو قنوات البيع. ولكن من خلال النظر إلى البيانات ومشكلات الأعمال من إطار مرجعي يكون فيه العميل هو الوحدة المستخدمة لتحليل الإيرادات والربحية، تمكنت هذه الشركات من اكتساب منظور جديد للمشكلة التي كانت تواجهها، وهو أن عليها إما تشخيص المشكلة بشكل صحيح وإما القيام بما يمنعها من اتخاذ قرار سيئ.

ما هي وحدة التحليل التي تستخدمها عند تحليل إيرادات شركتك وأرباحها أو وضع خطط للمستقبل؟

لا يحظى تحليل بيانات فرادى العملاء إلا بقليل من الاهتمام في العديد من الشركات. فأنظمة إعداد التقارير الإدارية تجعل من الأسهل التركيز على أشياء أخرى، ويمكن أن يعطي الهيكل التنظيمي الأولوية لمقاييس أخرى. (إذا كان لديك شخص مسؤول عن المبيعات عبر الإنترنت، فمن الطبيعي أن تحكم على أدائه بناءً على المقاييس المتعلقة بقناة البيع). وهذا النقص في التركيز على بيانات فرادى العملاء غالباً ما يكون أمراً خاطئاً. فالإيرادات تتحقق من خلال العملاء الذين يدفعون ثمن منتجاتك وخدماتك. والإيرادات هي مجموع قيمة جميع معاملات العملاء التي حدثت في فترة زمنية معينة.

تدرك شركات عديدة ضرورة التفكير في استخدام بيانات العملاء بطريقة مختلفة، لكنها لا تعرف من أين تبدأ. وغالباً ما تواصل التفكير في أعمالها بمنظور “عفا عليه الزمن” يتمحور حول المنتجات أو قنوات البيع. إذاً، كيف تقنع موظفيك بتغيير وجهة نظرهم وتبدأ بالتفكير في أداء شركتك معتبراً أن العميل هو وحدة قياس الإيرادات والربحية؟

وجدنا أن “التدقيق في قاعدة العملاء” يُعد محفزاً أساسياً للتغيير.

ما هي عملية “التدقيق في قاعدة العملاء”؟

هي مراجعة منهجية لسلوك الشراء الذي ينتهجه عملاء الشركة باستخدام البيانات التي تم جمعها من أنظمة المعاملات التي تستخدمها الشركة. والهدف منها هو فهم الاختلاف في سلوكيات الشراء وكيف تتغير مع مرور الوقت.

  • لا نتحدث عن “معرفة العميل” من منظور بحوث السوق التقليدية، ولسنا مهتمين بالسمات الديموغرافية لعملائنا ولا بمواقفهم، بل بفهم سلوكهم الشرائي الفعلي.
  • تنطوي هذه العملية على الوصف والتشخيص بجرأة. ولا تتضمن أي نماذج تنبؤ أو أساليب الذكاء الاصطناعي أو تعلم الآلة أو نصائح توجيهية. فهي ترسي الأسس لأداء هذه الأنواع من المهمات بفعالية أكبر بعد الانتهاء من عملية التدقيق.

في البداية يجب إعداد قائمة بالمعاملات التي يجريها كل عميل (تتضمن التاريخ والوقت والمنتجات المشتراة وإجمالي المبلغ الذي تم إنفاقه، وما إلى ذلك). ستكون هذه المعلومات متاحة في مكان ما في نظام تكنولوجيا المعلومات التشغيلي بشركتك.

تقدم التقارير التقليدية موجزاً عن الأداء حسب المنتج. تخيل ورقة عمل في برنامج “إكسل”، مع إدراج المنتجات في الصفوف والفترة الزمنية (على سبيل المثال، ربع سنة) في الأعمدة.

والآن تخيل جدولاً آخر في ورقة عمل في برنامج “إكسل” أيضاً، مع إدراج فرادى العملاء في الصفوف والفترة الزمنية (على سبيل المثال، ربع سنة) في الأعمدة. تشير المدخلات في الجدول إلى إجمالي ما أنفقه كل عميل مع الشركة في تلك الفترة الزمنية المحددة. ويمكن أن يخبرنا جدول آخر بعدد المعاملات التي أجراها كل عميل مع الشركة. (بالنسبة إلى معظم الشركات، ستحتوي هذه الجداول على الكثير من الأصفار). وإذا كنت محظوظاً، فسيكون لديك أيضاً جدول مماثل يقدم موجزاً حول الأرباح المتحققة من كل عميل في كل فترة.

كيف نكتسب رؤى من هذا الموجز على مستوى العميل؟ عندما نفكر في الأسئلة المختلفة التي يتم طرحها عندما يناقش القادة بجدية فكرة فهم أداء شركاتهم ووضعها باستخدام العميل كوحدة لقياس الإيرادات والربحية، تظهر 5 موضوعات عريضة نسميها “المنظورات الخمسة للتدقيق في قاعدة العملاء”.

المنظور الأول: كيف نحدد أفضل عملائنا وأسوأهم؟

إذا تأملنا أي شريحة رأسية من الجدول، على سبيل المثال الأعمدة المتصلة بالعام الماضي، فستتبادر الأنواع التالية من الأسئلة إلى الذهن: كم كان عدد عملائنا العام الماضي؟ كيف يختلف هؤلاء العملاء من حيث قيمتهم بالنسبة إلى الشركة؟ على سبيل المثال، كم عدد العملاء الذين اشتروا منّا مرة واحدة العام الماضي؟ وكم عدد العملاء الذين مثّلوا نصف إيراداتنا العام الماضي؟ وكم عدد العملاء الذين حققنا منهم نصف أرباحنا العام الماضي؟ إذا قارنا، على سبيل المثال، بين نسبة الـ 10% من العملاء الأكثر ربحية ونسبة الـ 10% من العملاء الأقل ربحية، فما الذي يمكن أن نستخلصه من هذه الاختلافات؟ وإلى أي مدى تتأثر بالاختلافات في عدد المعاملات ومتوسط قيمة كل معاملة ومتوسط هامش الربح من كل معاملة؟ ولمزيد من العمق، ماذا عن الاختلافات بين أنواع المنتجات التي اشتروها؟

هذه المجموعة البسيطة من التحليلات التي تستكشف مدى اختلاف عملائنا بعضهم عن بعض تؤدي إلى استنتاج جوهري: العملاء ليسوا متساوين. إذ يستهين معظم الناس بمدى التفاوت في توزيع الإيرادات والأرباح بين العملاء.

المنظور الثاني: كيف تتغير سلوكيات العملاء؟

إذا تأملنا شريحتين رأسيتين من الجدول، على سبيل المثال الأعمدة المتصلة بالعام الماضي والعام السابق له، فستتبادر الأنواع التالية من الأسئلة إلى الذهن: كم عدد العملاء الذين اشتروا منّا في كلا العامين؟ كيف تختلف سلوكياتهم وربحيتهم عن العملاء الذين اشتروا منّا في عام واحد فقط من هذين العامين؟ ما مدى الاستقرار في سلوكيات العملاء؟ ما هي نسبة “أهم” عملائنا في عام واحد الذين ظلوا من “أهم” عملائنا في العام التالي؟ ما الذي يمكن أن نستخلصه من التغييرات التي جرت ملاحظتها في الربحية على مستوى العميل؟ وإلى أي مدى تتأثر بالتغييرات في عدد المعاملات (متوسط معدل تكرار الطلب) ومتوسط قيمة كل معاملة ومتوسط هامش الربح من كل معاملة؟

تساعد التحليلات التي تجيب عن هذه الأسئلة في تحديد التغييرات في سلوك المشتري من فترة إلى أخرى، وتُظهر أن الفروق بين الفترات يمكن أن تفسرها التغييرات في متوسط معدل تكرار الطلب ومتوسط قيمة الطلب لكل عميل.

المنظور الثالث: كيف تتغير مجموعات العملاء بمرور الوقت؟

لنفترض أننا ننظر إلى شريحة أفقية من الجدول، ما يعني أن نفكر في سلوك مجموعة من العملاء، بدءاً من أول معاملة أجروها مع الشركة. (مجموعة العملاء هي مجموعة العملاء الذين تم اكتسابهم في الفترة الزمنية نفسها، على سبيل المثال، العملاء الذين أجروا عملية الشراء الأولى في يناير/كانون الثاني، أو في الربع الثاني من السنة). وهنا تتضمن الأسئلة التي يمكن طرحها: كم عدد العملاء الذين يبدو أنهم لن يُجروا إلا معاملة واحدة؟ وبالنسبة إلى العملاء الذين يُجرون عملية شراء ثانية، ما المدة التي يستغرقونها لإجرائها؟ ما هي طبيعة التراجع في نشاط العميل؟ بالنسبة إلى مجموعة العملاء الذين يظلون نشطين بمرور الوقت، كيف يتغير معدل تكرار معاملاتهم ومتوسط الإنفاق لكل معاملة ومتوسط هامش الربح بمرور الوقت؟

تُعد التحليلات التي تجيب عن هذه الأسئلة ذات أهمية محورية في توجيه الشركة إلى التفكير في مجموعة العملاء كوحدة رئيسية للتحليل عند السعي إلى فهم ديناميات الإيرادات والأرباح. وهناك استنتاج مشترك مفاده أن الإيرادات لكل مجموعة تنخفض بمرور الوقت، ومن المهم للغاية إدراك طبيعة هذا الانخفاض لفهم النمو على المدى الطويل.

المنظور الرابع: كيف تتصرف مجموعات العملاء المختلفة بطريقة مختلفة؟

بعد تحليل إحدى المجموعات، من الطبيعي الانتقال إلى تحليل مجموعة أخرى والبدء بالتساؤل عن أوجه الاختلاف بين المجموعات وسبب وجودها. ومن خلال النظر إلى ما هو أبعد من إجراء مقارنة سطحية من حيث إجمالي الإيرادات أو الربحية، سيطرح المدير الفضولي أسئلة يسعى من خلالها إلى فهم الاختلافات من حيث: حجم المجموعة، والتغيُّر في النسبة المئوية لأعضاء المجموعة الذين يظلون نشطين بمرور الوقت، والتغيُّر في الإنفاق لكل معاملة، وما إلى ذلك.

المنظور الخامس: الجمع بين هذه المنظورات الخمسة

من المهم أخذ خطوة إلى الوراء والنظر إلى ورقة عمل “العميل × الفترة الزمنية” بأكملها، ودمج أنواع التحليلات التي أُجريت عبر المنظورات الأربعة للحصول على رؤية شاملة متمركزة حول العميل لأداء الشركة. تشمل أنواع الأسئلة التي سيتم التوصل إلى إجابات عنها:

  • إلى أي مدى تبدو قاعدة عملائنا “جيدة”؟ ما مدى اعتمادنا على مجموعة صغيرة من العملاء؟ كيف تغيرت “نوعية” عملائنا بمرور الوقت؟ كيف يمكن المقارنة بين سلوكيات “أجدد” عملائنا و”أقدمهم”؟ هل الاختلافات بينهم جيدة أم سيئة؟
  • ما مستوى العمليات التجارية الذي يمكن أن نتوقعه من عملائنا الحاليين خلال العام أو العامين المقبلين؟ وفي ضوء ذلك، هل وضعنا أهداف نمو/خطط عمل واقعية بناءً على التوقعات المتعلقة باكتساب العملاء والاحتفاظ بهم وما إلى ذلك؟

الخاتمة

مثلما غيّر كوبرنيكوس الطريقة التي يفكر فيها الناس في موقع الأرض في الكون، لاحظنا أن إلقاء نظرة على أداء الشركة مع اعتبار أن العميل هو وحدة التحليل يمكن أن يكون له تأثير كبير بصورة مماثلة على الطريقة التي تفكر فيها الشركات عند تقييم الأداء والتخطيط من أجل النمو. إذ يؤدي هذا التحول في طريقة تفكير الشركات إلى الانتقال من الحديث عن “ما الذي يجلب لنا الأموال؟” إلى “مَن الذي يجلب لنا الأموال؟”.

نتوقع أن يقوم بعض الأشخاص، العاملين في أجزاء مختلفة من مؤسستك، بإجراء تحليلات مخصصة يمكن أن توفر إجابات عن بعض الأسئلة المطروحة أعلاه. لكن من النادر أن تجد هذه التحليلات مجمعة في مكان واحد، وأن تشق طريقها إلى الإدارة العليا والرئيس التنفيذي.

ومع ذلك، دون فهم سليم لسلوك الشراء الذي ينتهجه عملاؤك، بما في ذلك إدراك الاختلاف في قيمتهم بالنسبة إلى الشركة، وأيضاً فهم الكيفية التي يتغير بها سلوكهم بمرور الوقت، كيف يمكن طرح الأسئلة الصحيحة واتخاذ قرارات مستنيرة؟

توفر عملية “التدقيق في قاعدة العملاء” الأسس التي يحتاج إليها كل مسؤول تنفيذي يرغب في فهم وضع الإيرادات وتدفقات الأرباح وجدوى خطط النمو بمؤسسته.