كيف تبني علاقة تتسم بالشفافية مع مورّديك؟

6 دقائق
بناء علاقة شفافة مع المورّدين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: كي تستطيع الشركات الحدّ من مخاطر سلسلة التوريد وتخفيف حدتها يتعين عليها التعامل مع مورديها على أنهم شركاء، وهذا يعني إنشاء علاقات تتسم بالشفافية تتيح للموردين مشاركة المعلومات السلبية دون خوف من التعرض للعقاب. من الضروري تغيير الآليات الأساسية لضرورة توجيه الموردين نحو “الدفع” الاستباقي للمعلومات المهمة إلى الشركات المصنّعة وإبعاد هذه الشركات عن “السحب” التفاعلي للمعلومات من الموردين، ويجب أن تطالب الشركات جميع الموردين بالاستثمار في هذه الآلية وتحديد المخاطر المحتملة في سلسلة التوريد وإطلاعها عليها دائماً، فكيف يمكن بناء علاقة شفافة مع المورّدين بشكل صحيح؟

 

تأثرت الشركات على اختلافها باضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن الجائحة التي أدت في الحقيقة إلى تفاقم كثير من المشكلات التشغيلية التي واجهتها الشركات على مدار العام ونصف العام الماضيين، ولم تكن سبباً في تشكلها. تعكس هذه المشكلات قصوراً جوهرياً قديماً في الطرق التي تتبعها الشركات لتنظيم علاقاتها مع موردي المنتجات والمكونات ممن تتعامل معهم، وحتى في غياب ظاهرة البجعة السوداء ستبقى الشركات المصنعة عرضة لهذه المخاطر إلى أن تنشئ طرقاً جديدة للعمل مع الموردين تضمن الشفافية الكاملة فيما يتعلق بمصادر المنتجات والمكونات الأساسية وتوافرها ودورات حياتها.

تدرك معظم الشركات أن الشفافية في سلسلة التوريد تؤثر في قدرتها على تصنيع المنتجات وتسليمها، ومع ذلك، نجد أن قلّة من الشركات تتبع عملية منظمة تلزم الموردين بتزويدها بالمعلومات المهمة عن المنتجات وسلسلة التوريد، بل تكتفي بانتظار أن يقدم لها الموردون المعلومات المهمة من دون أن تتخذ أيّ إجراء، أو تحاول جمع هذه المعلومات وإدارتها بنفسها فتفقد بذلك ما يوفره الموردون من عمق أو تفاصيل فيها. بالنتيجة تضطر الشركات للتفاعل مع الأحداث السلبية بدلاً من التخطيط لها، إذ إنها تركز بشدة على تكاليف المنتجات أو المكونات الأساسية دون أن تولي الاهتمام الكافي للمخاطر الكامنة في سلسلة التوريد.

تشير تجربة شركتي إلى أنه من النادر أن تشارك الشركات مخاوفها المتعلقة بالمخاطر مع مورديها، ومن الممكن ألا تعرف الأماكن التي يتعين على الموردين البحث فيها عن المخاطر، وهي غالباً تهتم بعقوبة التخلف عن مواعيد التسليم النهائية أكثر من الاهتمام بمعرفة أسبابه الأساسية. تركز طلبات بيان الأسعار المقدمة للموردين على السعر وفترات الإنجاز، في حين أنها لا تطلب أي معلومات عن التجارة الإقليمية وغيرها من المشكلات المتعلقة بالامتثال أو تقادم المنتج أو الاستدامة أو المخاوف ذات الصلة مثل التزام الشركة المصنعة بالممارسات الأخلاقية في سلسلة التوريد.

في بيئة التصنيع الحالية التي تفتقر إلى معايير واضحة لمخاطر سلسلة التوريد المقبولة وغير المقبولة، يجب تطوير العلاقات التي تحدد مصالح كل من المورد والمشتري وتعمل رسمياً على مواءمتها. من الضروري استثمار الوقت والموارد لبناء هذا النوع من الدعم عالي المستوى وغير المتعلق بالمعاملات الذي يقدمه الموردون للشركة. كما يجب أن تستند هذه العلاقات إلى الثقة كي لا يشعر الموردون بحرج من مشاركة معلومات يحتمل أن تكون سلبية مع عملائهم.

من أجل إحداث تغيير حقيقي في إدارة مخاطر سلسلة التوريد، يجب تغيير الديناميات الأساسية في العلاقة بين الشركة والمورد بتوجيه الموردين نحو “الدفع” الاستباقي للمعلومات المهمة إلى الشركات المصنّعة وإبعاد هذه الشركات عن “السحب” التفاعلي للمعلومات من الموردين، ويجب أن تطالب الشركات جميع الموردين بالاستثمار في هذه الآلية وتحديد المخاطر المحتملة في سلسلة التوريد وإطلاعها عليها دائماً.

كيفية بناء علاقة شفافة مع المورّدين

من الصعب دائماً محاولة إعادة تنظيم أي ممارسة مقبولة وغير مكتوبة في القطاع أو إنشاء سياسة جديدة، لذلك يجب أن تؤمن شركتك منذ البداية بأن الفوائد النهائية للشراكة مع الموردين بناء على الشفافية الكاملة ستتفوق كثيراً على الصعوبات التي تواجه إدارة عملية التغيير، ويجب أن تكون على استعداد للقيام بكل ما يلزم للنجاح والتعبير عن هذا الإحساس القوي بالهدف. فيما يلي بعض الدروس التي تعلمناها حول طرق إنشاء هذه الآليات.

حدد وتيرة بنّاءة

يجب أن يفهم موردوك أن إدارة مخاطر سلسلة التوريد تحظى بالأولوية، فشركتك تعتمد عليها للحصول على معلومات مهمة، وأنت عازم على إنشاء نظام رسمي قائم على الشفافية وتحمّل المسؤولية. الهدف المشترك هو إنشاء مسار واضح يتيح للمورد الإبلاغ عن مخاطر سلسلة التوريد التي يمكن لشركتك معالجتها مسبقاً قبل وقوع مشكلة، فإلقاء اللوم بعد وقوع حدث سلبي لن يجدي نفعاً.

من أجل ضمان بقاء إدارة المخاطر على رأس أولويات الشركة ومراقبة الظروف المتغيرة، تحرص بعض الشركات التي نعمل معها على إجراء مكالمات مع مورديها الاستراتيجيين في مواعيد محددة منتظمة، وتتم مشاركة الملاحظات المطروحة في المكالمة على نطاق واسع مع أصحاب المصلحة الداخليين الرئيسيين. كما تحفّز هذه المكالمات الموردين على اتخاذ قراراتهم بناءً على المخاطر المحددة، وتساعد على تجنب حالات نفاد المخزون وغيرها من المشكلات غير المتوقعة.

ابدأ عند مرحلة التصميم

استشر مورديك في مراحل تصميم المنتج والمواصفات كي تتمكنوا معاً من إنشاء مرونة سلسلة التوريد منذ البداية. ينبغي أن تطالب الموردين بالالتزام بقائمة مرجعية مفصلة لعوامل الخطورة والمسؤوليات ذات الصلة في كل عرض أسعار يقدمونه (انظر الشكل التوضيحي بعنوان “قائمة مرجعية لعوامل الخطورة في سلسلة التوريد”)، فذلك سيمنح شركتك الخيار في تحمل هذه المخاطر أو مشاركتها أو رفضها أو تعديلها. يمكن أن تشمل عوامل الخطورة بلد المنشأ للمكونات الفردية للجزء أو النظام المعني، وتاريخ انتهاء عمر المنتج، ومدة شراكة المورد مع الشركة المصنّعة لمكونات معينة في الجزء أو النظام.

كما أن تحديد متطلبات المخاطر في طلبات بيان الأسعار أو اتفاقيات الخدمة الرئيسية يتيح لفريق المشتريات لديك مراعاة عوامل الخطورة عند تقييم العروض. إذا كان مهندسو المنتج وغيرهم من صانعي القرار الأعلى على دراية مسبقة بمشكلات مخاطر سلسلة التوريد، فسيكون بإمكانهم تجنب المواصفات عالية المخاطر عند تصميم العرض.

توقع معارضة المورّد

يتطلب تقديم تفاصيل حول مخاطر سلسلة التوريد جهداً كبيراً وفهماً أعمق لمتطلبات العميل بما يتجاوز مواصفات المنتج وفترة الإنجاز والتسعير، ومن الممكن أن يتراجع بعض الموردين بسبب العبء الإداري الإضافي إلى جانب المخاوف بشأن الالتزامات القانونية المحتملة لعدم إبلاغ العملاء بالمخاطر. يمكن تخفيف هذه العقبات في أثناء المفاوضات عن طريق إبداء الرغبة في إقامة علاقات طويلة الأمد أعمق مع الموردين في مقابل الدخول معهم في شراكات حقيقية لإدارة المخاطر.

استعن بالرفع المالي إن لزم الأمر

سيعي معظم الموردين التبعات المترتبة على رفضهم التعاون مع العميل الذي يطالب بالشفافية، قد تؤدي أساليب القوة إلى نتائج عكسية، لكن يجب أن تكون مستعداً عند اللزوم لمنح المورد الأعمال بناءً على تعاونه في توفير المعلومات الضرورية. بالإضافة إلى ذلك، يجب عند مراجعة أداء المورد أن تقيّم قدرته على الاستمرار في تقديم بيانات دقيقة عن مخاطر سلسلة التوريد بنفس كثافة تقييمك للتسليم في الوقت المحدد وضبط التكاليف.

احرص على استخدام المعلومات من أجل بناء علاقة شفافة مع المورّدين

يجب أن تصل المعلومات التي يقدمها الموردون إلى فرق المنتج والهندسة في شركتك بالوقت المناسب، وتشمل هذه المعلومات عوامل الخطورة لمكونات محددة وإشعارات نهاية عمر المنتج وتفاصيل عن الاضطرابات المحتملة في سلسلة التوريد. مثلاً، قد يقوم فريق تطوير المنتج الخاص بك بإلغاء بعض المكونات بسبب تكلفتها الكبيرة من دون معرفة أو مراعاة أن مخاطرها على سلسلة التوريد منخفضة جداً.

في شركة كبيرة لتصنيع أجهزة طبية تتبع عملية تتسم بالشفافية لإدارة المخاطر، تبين أن محول الطاقة منخفض التكلفة المستخدم في أحد الأجهزة التي تدر أكبر الأرباح يتم تصنيعه في شركة واحدة بالصين ولا يمكن استبداله بأي محول متاح آخر. بدلاً من قبول هذه المخاطر على الأداء وعلى سمعة العلامة التجارية، أعادت الشركة تصميم الجهاز ليتناسب مع أنواع محولات الطاقة الأخرى.

كما يجب إتاحة تواصل المورد مع الموظفين الداخليين الذين يمكنهم تزويده بإرشادات مفصلة عن المواصفات والموافقة على توصياته المتعلقة بالمخاطر المحتملة.

أنشئ نظاماً لتقييم المخاطر والتخفيف من حدتها: سيساعدك ذلك في بناء علاقة شفافة مع المورّدين

نظراً للمخاطر المالية والتشغيلية الكبيرة والمخاطر على السمعة، لا يمكن لشركتك الاعتماد على شفافية الموردين فقط للحدّ من المخاطر. وحتى مع اعتماد الاتفاقيات المدروسة مع الموردين المتعاونين سيبقى الاحتمال قائماً لنشوء فجوات في المعلومات ووقوع أحداث غير متوقعة في سلسلة التوريد؛ من الممكن مثلاً ألا يبلغ موظفو شركتك أحد الموردين بطبيعة المكون الحرجة كما يجب، ويستحيل التنبؤ بالاضطرابات غير المتوقعة كالتي شهدناها عقب حادثة جنوح سفينة الشحن العملاقة بقناة السويس في شهر مارس/آذار الماضي. ولذلك يجب على الشركات إنشاء عملية داخلية صارمة مستندة إلى البيانات تتبعها الإدارة العليا لتقييم كلّ من مخاطر سلسلة التوريد وسياسة تخفيف المخاطر المعتمدة ومراقبتها من كثب.

شركتك من أي نوع؟

من المرجح أن تتأثر الشركات المصنّعة بالاضطرابات الشديدة التي شهدتها سلاسل التوريد في العام ونصف العام الماضيين بإحدى طريقتين؛ من الممكن أن تعتبرها بعض الشركات تنبيهاً لضرورة إعادة النظر في ممارسات إدارة المخاطر الحالية وتقويتها، في حين قد تستنتج شركات أخرى أن احتمال وقوع أحداث مماثلة في المستقبل المنظور مستبعد جداً وأنها لا تستطيع تحمّل تكاليف اتخاذ أي خطوات إضافية لإدارة المخاطر، وهذا خطأ فادح.

وفي نهاية الحديث عن كيفية بناء علاقة شفافة مع المورّدين بشكل صحيح، لا يمكن اعتماد المجازفة والحظّ كاستراتيجية لإدارة المخاطر؛ فمع ازدياد ترابط سلسلة التوريد العالمية وتعقيدها يتوسع تأثير التغير المناخي وتزداد التوترات الجيوسياسية والقيود التجارية وتزداد احتمالات حدوث الاضطرابات، لذلك يجب على الشركات التخطيط بما يتناسب مع ذلك ويجب أن تتضمن خططها تجديداً لطرق اختيار الموردين والعمل معهم من أجل ضمان تحقيق قدر أكبر من الشفافية ومشاركة المخاطر أكثر واستدامة سلسلة التوريد بدرجة أكبر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .