بحث: النساء يطلبن زيادة على الراتب كما الرجال ولكنهنّ أقل احتمالاً للحصول عليها

5 دقائق
التمييز في الزيادة في الراتب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هناك حقيقة مؤكدة عن التمييز في الزيادة في الراتب، إذ إنّ النساء تكسبنّ أقل من الرجال، ولكن فجوة الأجور الحقيقية بين الجنسين غير مقدرة بشكل دقيق، وعند المقارنة بين أشخاص مؤهلين بنفس القدر ويقومون بنفس العمل، فإنّ معظم تقديرات خبراء الاقتصاد في مجال العمل تتراوح نسبتها ما بين 10% إلى 20%.

ويبقى السؤال الذي لا بدّ وأن يطرح: ما سبب هذا التفاوت؟ إنّ أحد التفسيرات الشائعة تقول أنّ النساء تتفاوض بدرجة أقل حول مرتباتهنّ. وقد ذُكر ذلك في الكتب الأكثر مبيعاً في مجال الأعمال مثل كتاب “تقدمي إلى الأمام” (Lean In) لشيريل ساندبيرغ، وفي دراسات سابقة قائمة على البحوث مثل “النساء لا تطلبنّ علاوات” (Women Don’t Ask).

ولقد أتاح لنا حصولنا على مجموعة من البيانات الحديثة والأكثر دقة؛ البحث من أجل الإجابة عن هذا السؤال من جديد. وما وجدناه في بحثنا يتناقض مع البحوث السابقة، والذي خلص إلى أنّ النساء “تطلبنّ” زيادة على الراتب بقدر ما يفعل الرجال؛ إلا أنه ليس بالضرورة أن تحصلنّ عليها”.

أسباب عدم حصول النساء على علاوة الراتب

وكانت النتائج مفاجئة بالنسبة لنا؛ إذ كنا نتوقع أنّ النساء تطلبنّ بمعدل أقل من الرجال، لكن النتيجة خلصت (مع جعل العوامل الأساسية ثابتة) إلى أنّ النساء تطلبنّ زيادة على الراتب كما الرجال، إلا أنّ الرجال أكثر احتمالاً للحصول عليها؛ أي أنه تم الاستجابة إلى طلب النساء للزيادة بنسبة 15%، بينما حصل الرجال على نسبة 20%. وبينما يبدو هذا فرقاً بسيطاً، إلا أنه يعطي مجموعة نتائج سلبية على المدى الطويل.

وتطرقنا أيضاً إلى فكرة أنّ المرأة أقل حزماً أثناء التفاوض على الراتب خوفاً من تأذي العلاقة مع مديرها في العمل أو زملائها، (وظهرت بعض النتائج التي تؤكد هذا في بحوث سابقة، أبرزها البحث الذي قامت به إميلي أمانة الله ومايكل موريس في ورقتهما البحثية في العام 2010). لكننا لم نعثر على ما يؤكد هذا في بياناتنا، بل وجدنا أنّ الموظفين، رجالاً ونساء، يصرحون أحياناً بأنهم لا يطلبون زيادة على الراتب خوفاً على تأثّر علاقاتهم في مكان العمل، إذ يقول 14% من الذكور و14% من الإناث أنهم فعلوا ذلك.

في بحثنا، قمنا بدراسة عينة مكونة من 4,600 موظف تم اختيارهم عشوائياً في 800 مؤسسة في أستراليا، وتم استكمال الاستقصاء ﻓﻲ العام 2014. وبحسب معرفتنا؛ أستراليا هي اﻟدوﻟﺔ اﻟوﺣﯾدة اﻟﺗﻲ نستطيع الحصول فيها على ﻣﻌﻟوﻣﺎت ﺟﯾدة ﺣول ﺳﻟوك “طلب” الزيادة. وعلى الرغم من أنه بلد صغير، إلا أنه يتمتع بميزة مهمة لعملنا وهو أنه يمثل خليطاً من عدة ثقافات (مثل بريطانيا، وجنوب شرق آسيا، وأميركا، وأوروبا). وإنّ معظم المصادر الإحصائية المستخدمة من قبل الباحثين في مجال الإدارة، وخبراء الاقتصاد في مجال العمل لا تثبت سلوك “الطلب”، والدوافع التي تمنع الموظفين من طلب الزيادة. لكن مجموعة المعطيات التي لدينا تحتوي على هذه المعلومات.

أولاً، تم سؤال الأفراد للإجابة بالتفصيل عن دوافعهم وسلوكهم وتاريخهم ذي الصلة. وخلافاً لمصادر البيانات القياسية، فإنه يجب، من حيث المبدأ ومن الناحية العملية، السؤال عن السبب الذي يجعل النساء والرجال يختارون التصرف بالطريقة التي تمت ملاحظتها. ثانياً، إنّ بياناتنا مأخوذة من استقصاءات مطابقة بين أصحاب العمل والموظفين والتي يمكن فيها دراسة عينات عشوائية من الموظفين الذكور والإناث. وهذا يعطي أهمية للبحث، حيث يجعل من الممكن التحكم في عدد كبير من العوامل الأساسية حول أماكن العمل التي لا يمكن أن يلاحظها الباحث الإحصائي، وسيكون من المستحيل إتاحتها بشكل ملائم في العديد من المصادر الإحصائية التقليدية.

وقمنا بدراسة الإجابات عن أسئلة الاستقصاء مثل: “هل حاولت الحصول على راتب أفضل منذ أن بدأت العمل في هذه المؤسسة؟”، “هل تعتبر نفسك ناجحاً؟” “لماذا لم تحاول الحصول على راتب أفضل منذ أن بدأت وظيفتك؟ … هل كنت قلقاً بشأن الآثار السلبية التي يمكن أن تطرأ على علاقتك مع مديرك أو صاحب العمل؟”.

وكما يمكن تخمينه، يبدو أنّ الكثير من العوامل المختلفة تلعب دوراً في “طلب” الزيادة. إذ يطلب العمال الأكبر سناً، والموظفون المثبتون، والموظفون بدوام كامل زيادة على الراتب بشكل أكثر تواتراً. وربما ليس غريباً، بأن يقوم الموظفون الذين يعملون بدوام جزئي، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، بطلب زيادة على الراتب والحصول على أقل مما طلبوا.

لقد تساءلنا إذا كنا سنجد فرقاً من ناحية المستوى التعليمي. وكانت بحوث مشابهة سابقة؛ قامت بها كل من ليندا بابكوك وسارة لاستشيفر (والتي نُشرت نتائجها في عامي 2003 و2009، وبابكوك وآخرون في العام 2006) بدراسة سلوك طلاب ماجستير إدارة الأعمال، ووجدتا من بين تلك الفئة أنّ النساء أقل احتمالاً لطلب الزيادة على الراتب. لذا، قمنا نحن بطرح السؤال التالي: هل يطلب الرجال “النخبة” أكثر من النساء “النخبة”؟ ولكن عندما قمنا بتجزئة عينة العاملين لدينا إلى فئة ذات مستوى تعليم عال وفئة ذات مستوى تعليم منخفض، لم نجد فرقاً بين الإناث والذكور. حتى عندما فصلنا فئة الحاصلين على شهادات عليا عن سواهم؛ لم تظهر لدينا أية فروق مهمة.

لكننا وجدنا اختلافات مهمة من ناحية الفئات العمرية، إذ أنّ النساء الأصغر في سوق العمل لا يمكن تمييزهنّ إحصائياً – حتى في “الحصول” على الزيادة – عن الرجال الأصغر سناً. وعليه نجد أنّ سلوك التفاوض قد يتغير مع التقدم بالعمر، وقد تكون البحوث المستقبلية قادرة على إظهار ما إذا كانت التغيرات الفعلية مستمرة في سوق العمل الحديث، فربما بدأ العالم في التحول بالفعل.

هذا هو التفسير الذي تطلعنا إليه بكون نتائجنا تختلف عن غيرها، والتفسير الآخر هو أنّ مجموعة البيانات التي لدينا تستند على سلوك الموظف الفعلي، وليس على التجارب المعملية أو الاستقصاءات. (وأنّ النساء الأستراليات أكثر احتمالاً بأن تطلبنّ زيادة على الراتب من غيرهنّ في بلدان أخرى). وكان هناك بعض الإشارات السابقة في المؤلفات تفيد بأنّ سلوك النساء في طلب الزيادة ليس مختلفاً عن الرجال كما هو شائع. وفي تجربة ميدانية، يقدم أندرياس ليبراندت وجون ليست نتائج مهمة ودقيقة، إذ أنهما لا يجدا أي تباين بين الرجال والنساء في ظروف خاصة، أي مثلاً عندما يُقال للعمال بشكل مباشر بأنّ التفاوض على الأجور مسموح به. أما عندما تترك “قرارات تحديد الأجور” غامضة؛ يخلص ليبراندت وليست إلى أنّ الرجال يميلون إلى التفاوض على أجور أعلى.

تفاوض النساء على أجورهن

عندما لا يوجد تصريح واضح بأنّ الأجور قابلة للتفاوض، فإنّ الإناث أكثر احتمالاً للعمل بمعدل أجر أقل من الذكور. وفشلت كذلك دراسة سابقة في بريطانيا، (ماكغوفيرن وآخرون، 2017)، في العثور على نتيجة تؤيد وجهة النظر القائلة بأنّ النساء لا يطلبنّ زيادة. ولم يتمكنوا كذلك من التحكم بعدد من العوامل المهمة؛ مثل ساعات العمل أو حجم الشركة، وهي المتغيرات التي تمكنّا من ضبطها في دراستنا.

عندما أظهرت الصحافة تقاريراً مبكرة عن عملنا، تم نقد البحث من قبل سارة لاستشيفر وغيرها، لبسبب عدم تقييم البحث من قبل مختصين في نفس المجال أو ما يسمى بـ”مراجعة الأقران“. وقد تم بعدها إخضاع البحث لتلك المراجعة ونُشرت المقالة هذا الشهر في صحيفة “اندستريال ريليشن المرموقة في مدينة بيركيلي الأميركية. وتم إقناع حكام الصحيفة باستنتاجنا الرئيسي، ولكن طُلب منا القيام بعدد من المراجعات الإضافية؛ التي أثبتت أهميتها، فبناء على طلب الحكام، وبعد إجراء المزيد من التحليلات الإحصائية، تمكنا من إثبات استنتاجنا الرئيسي وهو أنّ: “النساء تطلبنّ زيادة على الراتب”، ويجري هذا في الشركات الكبيرة والصغيرة على حد سواء، وبين النساء الحاصلات على درجات تعليم عال أو منخفض. كما أثبتنا أنّ النتيجة ليست بسبب أنّ العاملات تعملنّ بشكل مؤقت أو تتصرفنّ بشكل مختلف عن الرجال عندما يكون لديهنّ أطفال.

وبالحديث عن التمييز في الزيادة في الراتب، ربما تكون النساء قد طلبنّ زيادات على الراتب أكثر مما حصلنّ، والبيانات الأكثر دقة سمحت لنا برؤية ذلك في النهاية. والخلاصة: هي أنّ الأنماط التي وجدناها تتسق مع فكرة أنّ طلب النساء للزيادة على الراتب أو الترقية يتم الاستجابة إليها بشكل مختلف عن طلب الرجال، أي أنّ “طلب” الزيادة لا يعني “الحصول” عليها؛ على الأقل بالنسبة للنساء.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .