هل الرغبة في إنجاز الأشياء تقوّض الفعالية؟

4 دقائق
النزعة نحو إكمال المهام
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من الأقوال المأثورة للرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور: “لديّ نوعان من المشاكل: المشاكل الملحّة، والمشاكل المهمة. الملحّة منها غير مهمة، والمهمة منها ليست ملحّة”.

لم يكن الرئيس أيزنهاور الوحيد الذي يؤمن بهذا الاعتقاد. فالأشخاص الذين يعيشون ذلك النمط من الحياة العملية، يشعرون بشكل روتيني أنهم ممزقون بين نوعين من المهام، النوع الأول يتطلب اهتماماً مباشراً، والنوع الثاني مهمّ وهو الذي يجعلهم أقرب لتحقيق أهدافهم طويلة الأمد. لكن للأسف، يظهر بحثنا وأبحاث أخرى أن الأشخاص لديهم ميل طبيعي للتركيز المفرط على النوع الأول (كالرد على رسائل البريد الإلكتروني العادية) على حساب النوع الثاني.

النزعة نحو إكمال المهام

أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن العقل البشري مجبول على البحث عن إكمال المهام والسعادة التي يجلبها معه، وهو ما نطلق عليه مصطلح “النزعة نحو إكمال المهام”. فمثلاً، إتمام مهمات بسيطة مثل الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو نشر تحديث على حسابك الخاص على “تويتر” هي أمور لا تستغرق إلا القليل من الوقت، بيد أنها تسمح لك بشطب بنود من قائمة المهام التي عليك إنجازها. اكتشفنا في بحثنا أن شطب بنود بعد إنجازها هو أمر مجزٍ نفسياً. فبعد أن تنجز مهمة ما، كأن تتمكن حرفياً من التحقق من صندوق البريد، ستشعر بسعادة تفوق حالتك فيما لو لم يكن لديك أصلاً صندوق بريد لتتحقق منه.

وفي الحقيقة، إن إنهاء مهمات فورية وبسيطة من شأنه أن يحسّن قدرتك على التعامل مع أشياء أخرى أكثر صعوبة وأهمية. إذ يفرز دماغك مادة الدوبامين عندما تنجز أهدافك، وحيث إن الدوبامين يحسن من التركيز والذاكرة والتحفيز، فحتى مجرد إنجاز هدف صغير من شأنه أن يعود عليك بنتائج إيجابية تدفعك للعمل بجد أكبر والمضي قدماً.

في بحثنا الذي شمل أكثر من 500 موظف يعملون في مختلف القطاعات، طلبنا من المشاركين أن يقضوا الدقائق القليلة الأولى من يوم عملهم بتدوين المهام التي يودون إتمامها على مدار اليوم، وأن يقوموا بإنجازها وفق الترتيب الذي ذكروها فيه. كما طلبنا من ثلثي هؤلاء الموظفين شطب المهام فور إنجازها، كما وُجِّهت تعليمات إلى نصف تلك المجموعة لكتابة بضع مهمات سريعة وبسيطة وجعلها على رأس القائمة (مثلاً، الرد على رسالة عاجلة في البريد الإلكتروني). التزم كل الموظفين بهذا المسار في عملهم على مدار أسبوعين.

فماذا كانت النتائج؟ تبيّن أن أولئك الذين أتموا بضع مهمات قصيرة أولاً ثم قاموا بشطب المهام فور إتمامها كانوا الأكثر شعوراً بالرضا في عملهم، كما شعروا بأعلى مستوى من التحفيز، واستناداً إلى سجلاتهم، اتضح أنهم كانوا الموظفين الأكثر إنجازاً طوال الأسبوع. يبدو أن إتمام المهام القليلة الأولى سريعاً قد منحهم الدعم اللازم لاستكمال بقية عملهم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إنجاز مهمات صغيرة يؤدي إلى تحرير مصادر الإدراك التي يحتاج إليها الأشخاص للتعامل مع الأنشطة الأخرى. وفي الواقع، أظهر البحث كذلك أن عدم إتمام المهام يجعلك مشغول البال. إذ يبدو أن الشخص لا يستطيع نسيان المهام التي بدأها ولم يكملها، وبالتالي يجد صعوبة في تكريس كامل اهتمامه لأداء بقية الأنشطة.

ضمن دراسة مخبرية أجرتها عالمة النفس بلوما زيغارنيك عام 1927، أدى المشاركون البالغون مهمات متنوعة بسيطة مثل تعبئة الخيط بالخرز وحل الألغاز. في بعض الأحيان تمت مقاطعة المشاركين فلم يتمكنوا من إتمام مهمتهم، وفي أحيان أخرى سُمح لهم بإكمالها. بعد ذلك، سألت زيغارنيك المشاركين عن الأنشطة التي يتذكرونها. فكانت النتيجة أنهم كانوا أكثر تذكراً للمهمات التي لم يكملوها بمعدل الضعف.

في عام 2011، وجد عالما النفس أي جي ماسيكامبو وروي باومايستر أن أداء الأشخاص كان أسوأ في مهمة العصف الذهني عندما لم يتمكنوا من إنهاء نشاط الإحماء المؤلف من عمل جسدي وآخر عقلي. ولأنهم لم يشطبوا المهمة الذهنية من قائمة أعمالهم، فقد تداخلت مع عملهم التالي.

بطبيعة الحال، تكمن خطورة الأمر في تكريس الكثير من الوقت للمشاريع البسيطة والقليل منه للمشاريع المهمة.

في بحث أجريته مع ديواس كيه سي من “جامعة إيموري” (Emory University) ومريم كوتشاكي من “جامعة نورث وسترن” (Northwestern University)، درسنا حالة النزعة نحو إكمال المهام عند الأطباء في قسم الطوارئ في مستشفى مزدحم، حيث يتوافد المرضى دون مواعيد مسبقة. وباستخدام بيانات من حوالي 43,000 لقاء مختلف للكشف الطبي مع المرضى، وجدنا أن الأطباء يظهرون نزعة نحو إكمال المهام السهلة عندما يواجهون عبء عمل متزايد بسبب زيادة عدد المرضى الوافدين.

ويُقصد بالمهام السهلة في قسم الطوارئ أي حالات المرضى “الأقل حدية”، بمعنى آخر، الأشخاص الأقل مرضاً. مبدئياً، تبدو هذه الاستراتيجية مفيدة. فمن خلال تركيز الطبيب على مثل هذه الحالات، يشعر بتحسن إنتاجيته، لأن هؤلاء المرضى لا يمكثون طويلاً. على الرغم من ذلك، لا يزال هنالك مشكلتان على الأقل فيما يتعلق بهذا المفهوم. الأولى، أن المرضى الذين يعانون من حالات حادة سينتظرون فترة أطول، وهذا بالتأكيد ليس بالأمر الجيد. والثانية، هي أنه كلما فحص الطبيب مريضاً إضافيا صاحب وضع صحي بسيط، يتباطأ أداؤه، وبالتالي هناك خطورة من أن ينال منه التعب ويصبح أقل كفاءة في العمل عندما يأتي الدور لفحص المرضى الذين يعانون من وضع صحي خطير.

كيف لا ترضخ للنزعة نحو إكمال المهام؟

فكيف يمكنك التأكد من أنك غير راضخ لمفهوم النزعة نحو إكمال المهام، بحيث تحقق التوازن بين إنجاز أعمال سهلة على المدى القصير، وتسعى إلى أهدافك طويلة الأمد التي تتطلب جهداً أكثر؟ إحدى الطرق لتتحقق من ذلك هي أن تدقق في كيفية تنظيمك ليوم عملك، وإذا دعت الحاجة عليك تغيير الخطة التي تضعها لتنفيذ مهماتك اليومية.

من المهم أن تحدد أولوياتك. قد يبدو ذلك واضحاً، لكن عجباً كيف أن الكثير من الناس لا يستطيعون تحديد الأولويات الثلاث أو الخمس الأولى الخاصة بهم، أو أن منهم من يخفق في تغيير طريقة تنظيمه ليوم عمله عندما تتغير الأولويات لديه. سيساعدك توضيح الأولويات على تخصيص وقت كافٍ لها. ونقدم لكم هنا مثالاً عن الطريقة التي اتّبعها الفريق القيادي في شركة “جنرال إلكتريك” (GE).

وكما تشير الدراسة التي شملت أكثر من 500 موظف، فهناك أسلوب آخر يمكن اتباعه يتمثل في استثمار حالة النزعة إلى إكمال المهام من خلال مزاولة بضع مهمات بسيطة في بداية يوم العمل ما يمكنك من تهيئة عقلك للتعامل مع أنشطة أكثر أهمية بعد ذلك مباشرة.

عندما تمعن التفكير في روتين عملك، ستتأكد من أن النزعة نحو إكمال المهام ستقودك لتكون أكثر إنتاجية وفعالية، وليس العكس.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .