الرقمنة ليست كالتحول الرقمي

5 دقائق
النجاح في التحول الرقمي
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو/وكالة ناسا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: دفعت جائحة “كوفيد-19” الكثير من الشركات لتسريع مبادراتها الرقمية، ومع ذلك فإن الكثير من المسؤولين التنفيذيين قلقون من أن يكونوا متخلفين بالفعل عن الركب فيما يتعلق بالخيارات المهمة التي تؤدي إلى التمايز. ومن أجل النجاح في عالم ما بعد الجائحة، يجب على القائد إعادة تخيل طريقة عمل شركته وما يجب عليه فعله كي تتمكن من خلق القيمة في العصر الرقمي. يوصي المؤلفان بثلاثة إجراءات يمكن للقادة الذين يسعون لتأمين مستقبل شركاتهم اتباعها، وذلك بناء على دراستهما لأكثر من 12 شركة استطاعت النجاح في التحول الرقمي. 1) تخيل مكانك في العالم من جديد، بدلاً من التركيز على رقمنة ما تفعله حالياً، 2) اسع لخلق القيمة من خلال العمل التعاوني في بيئات العمل بدلاً من خلقها بمفردك، 3) تخيل شركتك من جديد كي تتمكن من تطبيق نموذج جديد لخلق القيمة بدلاً من مطالبة الموظفين بالعمل بالطرق الجديدة ضمن قيود النموذج التنظيمي القديم.

 

إذا كانت شركتك مشغولة بـ “الرقمنة” أكثر من أي وقت مضى، فأنت لست وحدك. إذ انتشرت الجهود الرقمية منذ أعوام مع سعي الشركات لمواكبة الابتكارات التكنولوجية، كما أدت جائحة “كوفيد-19” إلى تسريع هذه الجهود بدرجة كبيرة مع انتقال كل شيء إلى العمل على الإنترنت، بدءاً من “شراء البقالة” وصولاً إلى “الذهاب إلى العمل”.

الفرق بين الرقمنة والتحول الرقمي

لكن يجب ألا نخلط بين موجة المبادرات الرقمية (الرقمنة) المتسارعة هذه والتحول الرقمي الحقيقي الذي تحتاج الشركات إليه كي تنجح في العصر الرقمي. فالمبادرات الرقمية هي استمرار سير العمل كعادته مع مواكبة التطورات التقنية، في حين أن التحول الرقمي هو بناء ميزة تنافسية حقيقية طويلة الأجل في سبيل النجاح.

وعلى الرغم من الطاقة والاستثمار الكبيرين المبذولين في الرقمنة، فنحن نسمع كثيراً من المسؤولين التنفيذيين يعبرون عن قلقهم من التخلف عن الركب فيما يتعلق بالخيارات المهمة التي تؤدي إلى التمايز. وهم محقون، لأن النجاح في عالم ما بعد “كوفيد” سيتطلب منك تخيلاً جديداً لطريقة عملك وما تفعله من أجل خلق القيمة في العصر الرقمي. مهما بلغ عدد المبادرات الرقمية التي تنفذها، لا يمكنك توقع النجاح إذا كنت تفعل ما يفعله منافسوك الذين يفعلون الأمور نفسها حتى وإن اختلفت سرعاتهم.

بل يجب على الشركات بدلاً من ذلك وضع تصور جديد للطرق التي تتبعها من أجل خلق القيمة، ويجب عليها تخيل مكانها في العالم من جديد، وإعادة النظر في طريقة خلق القيمة عن طريق العمل التعاوني في بيئات العمل وتحويل مؤسساتها كي تتمكن من تطبيق نماذج جديدة لخلق القيمة. الخلاصة هي أنه على الشركات تشكيل مستقبلها بنفسها، إذ تدرك أن العالم قد تغير بصورة جوهرية، وأن عليها تحديد هدفها فيه. إذا لم يكن بإمكانك الإجابة عن السؤال: “لماذا نحن هنا؟” أو “ما هي القيمة الفريدة التي نضيفها لعملائنا؟” فمن المرجح أنك في أفضل الأحوال باق في مكانك.

أجرينا بحثاً على أكثر من 12 شركة تبذل جهداً كبيراً للتحول بهذه الطريقة من قبل انتشار الجائحة بزمن طويل. حافظت هذه الشركات على زخمها في خضم أسوأ فترات الركود وأزمات الصحة العامة في زماننا، ويتعارض مجموع خبراتها على نحو كبير مع خبرات الشركات التي لا تركز سوى على رقمنة ما تفعله حالياً.

مثالنا التوضيحي الأول هو شركة “فيليبس”، التي فكرت بالمستقبل من قبل انتشار جائحة “كوفيد” وقررت التحول من شركة متعددة القطاعات والأنشطة تركز على التصنيع إلى شركة تركز على إنتاج خدمات التكنولوجيا الصحية وحلولها. فتخلت عن أعمال الإضاءة التي كانت تقوم بها منذ تأسيسها، وتطورت من تصنيع المنتجات وتوزيعها على نطاق واسع إلى جمع الأجهزة والبرمجيات والبيانات والخبرات السريرية والرؤى القائمة على الذكاء الاصطناعي في سبيل دعم تقديم رعاية صحية ذات جودة أفضل وكلفة أقلّ.

عندما انتشرت جائحة “كوفيد-19″، سارعت شركة “فيليبس” إلى تصميم جهاز تنفس صناعي جديد وإنتاج كميات كبيرة منه، وأضافت عليه مجسات حيوية ترسل معلومات المريض إلى منصة مراقبة عن بعد للمساعدة في تقديم رعاية آمنة لمرضى “كوفيد-19” الناقلين للعدوى بدرجة كبيرة. كما أطلقت الشركة بوابة إلكترونية لمساعدة الأطباء في المستشفيات الهولندية على مشاركة بيانات المرضى. على الرغم من أن أعمال شركة “فيليبس” واجهت صعوبات جراء انهيار الطلب بعد انتشار الجائحة، تمكن نموذجها الجديد في العمل من دعم الانتقال السريع إلى الحلول التي ساهمت في استقرار نمو إيراداتها عند نهاية العام.

يُعرف قطاع البناء بأنه قطاع يستخدم أصولاً ثابتة خاصة ولا يعتمد على التكنولوجيا، لكن شركة “كوماتسو” التي تبيع معدات البناء تتطور لتصبح رائدة في حلول البناء الذكية القائمة على التقنيات الرقمية. وهذا يساعد عملاءها على تحقيق زيادة كبيرة في الإنتاجية وخلق القيمة في قطاع لم يحقق أي زيادة في الإنتاجية على مدى العقدين الأخيرين.

بدأت شركة “كوماتسو” بطرح آلات بناء تستخدم نظام تحديد المواقع (GPS) وتقنيات رسم الخرائط الرقمية وأجهزة الاستشعار ومزودة بميزة الاتصال بإنترنت الأشياء كي يتمكن عملاؤها من استخدام معداتها بفاعلية أكبر. ومنذئذ، ازدادت الشركة تقدماً وفتحت منصتها “لاند لوغ” (Landlog) وبياناتها التي تتيح للعملاء والمنافسين والشركات الأخرى التي تعمل ضمن بيئة عمل البناء بتنسيق أنشطتها على نحو أفضل وتحسين إنتاجيتها الكلية في أي مشروع بناء تنفذه. تمكنت شركة “كوماتسو” بواسطة هذه التغييرات التي ابتكرتها في نموذج العمل قبل انتشار جائحة “كوفيد” من توسيع مصادر جديدة للإيرادات عن طريق الخدمات المُدارة والمنصات المؤتمتة، حتى أنها سرعت طرح عروض جديدة بعد انتشار الجائحة على الرغم من الركود في حركة البناء.

والمثال الثالث هو شركة “مايكروسوفت”، التي كانت تخوض عملية تحول على مدى الأعوام الخمسة الماضية لتتحول من أكبر شركة لبيع البرمجيات في العالم إلى شركة تقدم الحلول القائمة على التكنولوجيا (الأجهزة والبرمجيات والخدمات والحوسبة السحابية) من أجل مساعدة عملاء شركات التعامل التجاري بين الشركات (B2B) والشركات التجارية الموجهة للمستهلك (B2C) في تحسين عملياتهم وتجاربهم في الحياة اليومية. أعادت “مايكروسوفت” ابتكار مؤسستها القديمة بالكامل، عن طريق الانتقال من التركيز على إدخال منتجاتها إلى السوق العامة إلى التركيز على إنشاء فرق موجهة نحو تقديم حلول للعملاء تتمثل مهمتها في جمع المهارات متعددة الاختصاصات اللازمة لتصميم الخدمات المناسبة لاحتياجات العملاء المحددة.

وبعد أن وضحت شركة “مايكروسوفت” هدفها وخضعت لعملية إعادة تنظيم جذرية لتصبح قائمة على الفرق الموجهة نحو الحلول، أصبح بإمكانها “العمل بوصفها فريق طوارئ رقمي يساعد فرق الطوارئ الصحية العالمية” عندما انتشرت الجائحة، وهذا ما قاله ناديلا في رسالة إلكترونية موجهة لموظفيه. حققت الشركة مستويات تاريخية من نمو عائدات السحابة الإلكترونية الناجمة عن حلول مثل دعم الجامعات لنقل “أعمالها” بصورة كاملة إلى الإنترنت. تأخرت شركة “مايكروسوفت” القديمة التي كانت قبل 10 أعوام في تحقيق هذا المستوى من السرعة وقابلية الاستجابة لاحتياجات العميل الفريدة على الرغم من إرثها في الريادة الرقمية.

كيفية النجاح في التحول الرقمي

ما تعلمناه من هذه الأمثلة الثلاثة والشركات الأخرى التي أجرينا عليها دراستنا هو أنه يجب على القادة الذين يرغبون بتأمين مستقبل شركاتهم فعل بما يلي:

تخيل مكان الشركة في العالم من جديد، بدلاً من التركيز على رقمنة ما تقوم به حالياً. تحدد الشركات التي تخوض عملية التحول الرقمي في سبيل النجاح في العصر الرقمي الهدف من وجودها وفقاً للقيمة الواضحة التي تخلقها لعملائها (وعملاء عملائها) وسبب سعيها لخلقها. وتستفيد من التكنولوجيا الجديدة، لكن ليس لتقليد ما يفعله الجميع، بل لدعم رسالتها عن طريق الاستثمار في القدرات المميِزة التي تتيح لها تحقيق هدفها. وغالباً، يكون من الضروري أن تتخلى الشركات عن نماذج عملها وأصولها ومعتقداتها القديمة فيما يتعلق بخلق القيمة كي تتمكن من ملء مكانها الجديد في العالم بالحياة.

السعي لخلق القيمة من خلال عمل الشركة التعاوني ضمن بيئات العمل، بدلاً من محاولة خلقها بمفردها. تدرك الشركات الناجحة في العصر الرقمي أن السبيل للحفاظ على أهميتها هو العمل المشترك في بيئة عمل تضم عدداً من اللاعبين من أجل تقديم عروض القيمة الطموحة التي يريدها العملاء والإسراع بالابتكار وتوسيع القدرات المذهلة اللازمة. تستدعي طريقة العمل هذه أن يفكر القادة في خلق القيمة من منظور أوسع، ويتحققوا مما يجب أن تمتلكه مؤسساتهم حقاً، ويستعدوا للتعامل بانفتاح مع المنافسين والتخلي عن مصادر الإيرادات التقليدية في سبيل معالجة بعض من أهم احتياجات العملاء الأساسية.

إعادة تخيل المؤسسة كي تتمكن من تطبيق نموذج جديد لخلق القيمة بدلاً من مطالبة الموظفين بالعمل بطرق جديدة ضمن قيود النموذج التنظيمي القديم. تتخلى الشركات الناجحة في العصر الرقمي عن البنية التنظيمية القديمة للسلطة كي تتمكن من توليد مزيد من الأفكار والقدرات الجديدة عن طريق زيادة العمل التعاوني. وتشكل فرقاً موجهة نحو النتائج تتمثل مهمتها في تحقيق التعاون بين جميع أقسام المؤسسة والعمل مع الشركات الشريكة في بيئة العمل من أجل تنمية القدرات المميِزة (ومتعددة الاختصاصات غالباً) التي تحتاج إليها للنجاح.

سيتعين على القادة دائماً مواجهة الأسئلة المهمة حول مقدار التغيير اللازم إجراؤه والسرعة المحتملة لزعزعة الأعمال الحالية في شركاتهم ومقدار توسع الاستراتيجية نسبة إلى القدرات الحالية وأفضل طريقة لإدارة عملية التحول.

لكن يجب ألا تُستخدم هذه الأسئلة كأعذار للتمسك بنماذج العمل الحالية، فالمبادرات الرقمية وحدها من دون إجراء عملية تحول رقمية جذرية ستكون جهداً بلا طائل. تذكّر مقولة بيتر دراكر الشهيرة: “الإدارة هي العمل بطريقة صحيحة، لكن القيادة هي القيام بالأمور الصحيحة”. الوقت الآن مناسب لينهض المسؤولون التنفيذيون ويزعزعوا أنفسهم ويصبحوا قادة في العصر الرقمي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .