لماذا تعد عبارة “لا تأخذ أمور العمل على محمل شخصي” نصيحة سيئة؟

3 دقائق
نصيحة "لا تأخذ أمور العمل على محمل شخصي"
shutterstock.com/T.Dallas
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كنت أعمل مؤخراً مع أحد القادة الذي فقدوا للتو موظفاً مرموقاً انتقل للعمل لصالح أحد المنافسين. لقد استثمر وقتاً طويلاً في إرشاد ذلك الموظف وتدريبه وكانت لديه آمال وتوقعات كبيرة لمساره المهني. كان واضحاً أن هذا الموظف “عالي الكفاءة” في الشركة ومثلت استقالته مفاجأة تامة. وشعر قائد فريقه بالخذلان والانزعاج. فهل هذا يعني أن نصيحة “لا تأخذ أمور العمل على محمل شخصي” وقال: “أعتقد أن الخلاصة التي استنتجتها هي أنني لا يجب أن آخذ أمور العمل هذا الأمر على محمل شخصي”.

النصيحة الخاطئة “لا تأخذ أمور العمل على محمل شخصي”

لقد سمعنا جميعاً في الغالب عن هذا الشعور يتردد في سياقات العمل من خلال هاتين المقولتين: “لا تأخذ الأمر على محمل شخصي” أو “يا هذا، هذا الأمر ليس أمراً شخصياً ولكنه أمر يتعلق بالعمل”. سمعتُ هاتين العبارتين في سياق كل القضايا اليومية التي تطرح في أماكن العمل مثل تقديم الملاحظات والتعليقات والخلافات والمناقشات الصعبة وإعادة الهيكلة وخسارة الصفقات والتعاون مع الآخرين والتعامل مع تقلبات مجال العمل.

ومع ذلك فإن هذه المقولة تطرح فكرة سخيفة.

فالعمل هو المجال الذي سأقضي فيه جل أوقات يومي وجل حياتي، فكيف يُفترض أن لا أتخذه قضية شخصية؟ هل علي أن أقبل فكرة مفادها أن جل حياتي منذ العشرينيات حتى الستينيات من عمري فترة ليست شخصية بمعنى من المعاني؟

وإذا كنت أتفهم أن “عدم أخذ الأمور في العمل على محمل شخصي” يساعدنا على حماية أنفسنا في ظروف العمل المفعمة بالتحدي والتهديد والعناد، إلا أنني أعتقد أن هناك فوائد من اعتبار عملنا وقيادتنا ومرؤوسينا قضية شخصية.

فوائد اعتبار العمل قضية شخصية

ترتبط الفائدة الأولى بالنجاح والرفاهة في العمل

تمهل وفكر في الأشخاص الذين قابلتهم وتعتبرهم ملهَمين ونشطين وناجحين، فمن الممكن أنهم يعتبرون العمل قضية شخصية. أما الوجه الآخر لهذه المسألة فهو أن الناس الذين لم يأخذوا عملهم على محمل شخصي ربما ليسوا هم الأشخاص ذاتهم الذين استمتعت بالعمل معهم. إن خبرتك الخاصة تظهر أن النجاح يبدو مرتبطاً باعتبار عملك قضية شخصية،

لكنه لا يتعلق فقط باستخدام تعبير لغوي دقيق وتحليل نفسي شخصي، وإنما يتعلق أيضاً بتحقيق نتائج حقيقية في العمل. وبالنظر إلى الترابط بين الالتزام الوظيفي والأداء في العمل، ما معنى الارتباط إن لم يكن هو “اعتبار العمل قضية شخصية”؟ وإذا أخذنا بعين الاعتبار مستويات الارتباط المتدنية المسجلة في أماكن العمل، يصبح من الواضح أن “عدم أخذ أمور العمل على محمل شخصي” قد يكون له كلفة كبيرة.

ثم إن هناك مسألة الأخلاق

“فعدم أخذ أمور العمل على محمل شخصي” مسألة في صميم عدد من الفضائح الأخلاقية في الشركات وتبدأ بالاختلاس والغش المحاسبي وتنتهي بقضايا سلامة العمال وحماية البيئة. وعندما يتبنى المسؤولون التنفيذيون الفكرة القائلة: “الأمر ليس شخصياً، إنه عمل” فهم يتنصلون من مسؤولياتهم كفاعلين اجتماعيين وحُماة للكوكب ولرفاهة موظفيهم وعملائهم ومجتمعاتهم.

ويبدو لي واضحاً لهذه الأسباب وغيرها أنه إذا أردنا أن نلتزم بمسؤولياتنا وواجباتنا كمسؤولين تنفيذيين، وكمرشحين للقيادة، فإننا نحتاج إلى أن نأخذ الأمور بعمق من منطلق شخصي. ويمكن أن نعتبر ببساطة أن قوة العمل اللاإنسانية والتي لا تأخذ أمور العمل بشكل شخصي مرشحة أكثر من غيرها لمعاملة أصحاب المصلحة معاملة سيئة.

هناك فرق كبير بين اعتبار العمل قضية شخصية وبين العجز عن إدارة حدود قدراتك، وهناك فرق بين شغفك بعملك وبين تخصيص اهتمام شخصي له بشكل مبالغ فيه إلى درجة لا تستطيع معها حماية ذاتك نفسياً، حيث تتعامل مع كل حادث أو خطأ بصفة شخصية مبالغ فيها وتخترق جوهر تقديرك لذاتك، وعندما يصبح العمل مهيمناً جداً على جزء من هويتك فإن هذا أيضاً قد يكون خطيراً.

لكن من المؤكد أنه يمكن إيجاد حل وسط مناسب يكمن بين إدمان العمل وتخدير النفس.

إذا عدنا إلى حكاية المدير التي تطرقنا إليها في بداية هذا المقال، فإني أتمنى لو كنت قلت له بعض الكلمات: لا تلم نفسك كثيراً من أجل ذلك الموظف، ولا تبالغ في اعتبار ما وقع فشلاً يمثل قيمتك ومكانتك كشخص. فهذا لا يحدد طبيعة حياتك ومسارك المهني، لكن عليك أن تشعر بالخيبة والإحباط. حاول فهم ما جرى، وحاول أن تعرف ما إذا كان بإمكانك تطوير أسلوب إدارتك وقيادتك، ثم ابحث عن استخلاص الدروس من هذه التجربة، لكن أرجو منك ألا ترفع ذلك الشعار المحبط “إنه ليس قضية شخصية”.

صحيح أنك إذا اعتبرت العمل قضية شخصية فإنك ستتألم طوال الوقت، وستصاب بالخيبة والخذلان وستتساءل أحياناً إن كان الأمر يستحق. لكن ما هو البديل المتاح أمام هذه القضية التي تشبه ذلك السر العظيم من أسرار الحياة المتمثل في الدخول بعلاقة عاطفية؟ هل ستتجنب الدخول في علاقة عاطفية تماماً حتى لا ينكسر قلبك؟ الجواب هو: لا بكل تأكيد. هل ستتجنب اعتبار العمل مسألة شخصية حتى لا تصاب بخيبة الأمل؟ الجواب هو: لا بكل تأكيد.

هذه حياتك وفي سبيل مصلحتك الخاصة ومصلحة الذين يعملون معك اعتبرها كلها قضية شخصية، ولا تهتم بالنصيحة الخاطئة التالية: “لا تأخذ أمور العمل على محمل شخصي”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .