ما الصعوبات الأساسية التي يواجهها الموظفون ذوو الإمكانات العالية حسب تعريفهم لها؟ وما مجالات التطوير التي يجب أن يركزوا عليها مع ارتقائهم في السلم الوظيفي بالشركة؟

لاكتساب فهم أعمق لهذه التحديات، فحصنا أكثر من 3 آلاف طلب وبيان رعاية للمقبولين في برنامج القيادة لأصحاب الإمكانات العالية (HPLP) الرائد في كلية هارفارد للأعمال بين عامي 2003 و2021. طلب فريق القبول من المتقدمين وصف تحدي القيادة الأساسي بالنسبة لهم وأهدافهم النهائية من المشاركة بالبرنامج وأسلوبهم في القيادة ونهجهم فيها، وطُلب من الرعاة تحديد مواطن القوة والضعف لدى مقدم الطلب وشرح أسباب ترشيحهم له وتوضيح أهدافهم وتوقعاتهم منه.

يسلط تحليلنا الضوء على الطرق التي تقيّم بها الشركات مواطن القوة والاحتياجات التنموية لمسؤوليها التنفيذيين الذين يتقدمون بسرعة أكبر في مسارهم المهني، بالإضافة إلى تعريف هؤلاء المسؤولين التنفيذيين للتحديات الرئيسية التي يواجهونها. يمكن أن تساعد هذه الرؤى الثاقبة المدراء في دعم المسؤولين التنفيذيين الذين يتقدمون سريعاً للاستفادة من كامل إمكاناتهم، وتساعد المؤسسات في تصميم محتوى برامج تطوير القدرات القيادية وتنفيذها.

التحديات الرئيسية التي تواجه أصحاب الإمكانات العالية

على مدى عقدين من الزمان تقريباً، حدد أصحاب الإمكانات العالية المشاركون في برنامجنا مراراً 5 تحديات أساسية للقيادة، هي:

  • قيادة الفرق
  • قيادة التغيير
  • أسلوب القيادة
  • القيادة على نطاق واسع
  • تحفيز نتائج الأعمال

أفاد أكثر من 30% من أصحاب الإمكانات العالية بأن قيادة الفِرق هي التحدي الأساسي الذي يواجههم، يقول أحد المسؤولين التنفيذيين عام 2005: “يتمثل التحدي الأكبر الذي أواجهه في القيادة في تحديد أساليب قيادة أعضاء الفريق. إذ إن لكل عضو في الفريق تاريخ مهني وخبرات فريدة ودوافع مختلفة، لذلك يجب أن أعمل على إدارته بأسلوب مختلف”.

بعد 15 عاماً، لاحظ أصحاب الإمكانات العالية التعقيد الإضافي الذي خلقته قيادة الفرق العالمية التي تعمل عن بعد. يقول أحد المشاركين في البرنامج عام 2020: “يمثل توفير الوقت الكافي لتطوير الموظفين وتعزيز الأهداف المؤسساتية في نفس الوقت تحدياً حقيقياً خاصة في بيئة العمل الافتراضية”.

وقد أشار كل من النساء والرجال في معظم الأحيان إلى تحديات قيادية مماثلة، لكن النساء أشرن إلى “أسلوب القيادة” على أنه تحدٍ أكثر من الرجال، تقول إحداهن: “لدي مشكلة في أسلوب قيادتي؛ فأنا شديدة الحماس وأركّز بشدة على تحقيق الهدف النهائي بفعالية، وغالباً أتوقع أن يكون الآخرون من حولي مثلي. وقد تبدو الطريقة التي أعطي بها التوجيهات أو أتواصل من خلالها مع أعضاء فريقي أبوية وإرشادية إلى حد ما. على الرغم من أنني أحظى بتقدير واحترام كبيرَين، أهدف إلى ضمان أن يظل أسلوب قيادتي قائماً على التشجيع والتحفيز والتطوير بدلاً من اتباع أسلوب ينفّر الموظفين ويقتل رغبتهم في تنفيذ توجيهاتي والالتزام برؤيتي”.

الطرق القديمة لن تجدي نفعاً

قد ينطوي التحول من مسهم فردي إلى قائد فريق على صعوبة كبيرة، وأشار الرعاة على مدار العقدين الماضيين إلى نقطتي قوة رئيسيتين كسببين أساسيين لتحديد الموظفين وترشيحهم باعتبارهم من ذوي الإمكانات العالية: القدرة على تحقيق النتائج والخبرة الفنية أو الوظيفية.

ولكن للتقدم إلى المستوى التالي، يجب على أصحاب الإمكانات العالية الذين تمت مكافأتهم على إنجازاتهم الشخصية تعلّم إعادة ضبط منظورهم للنجاح بناءً على الأداء الجماعي للفريق، إذ لا يكفي الاعتماد ببساطة على سجل الإنجازات السابقة لأن أصحاب الإمكانات العالية سيواجهون تحديات أكبر مع حجم أدوار الإدارة العامة العليا ونطاقها وتعقيدها.

وفقاً لما أفاد به المدراء في مجموعة البيانات لدينا، هناك 6 مهارات أساسية مطلوبة للارتقاء إلى مستويات أعلى من القيادة، هي:

  • الإدارة الإستراتيجية
  • الذكاء العاطفي
  • التواصل
  • القيادة على نطاق واسع
  • قيادة الفرق
  • إدارة العلاقات

عندما سُئل الرعاة في مجموعة بياناتنا عن الخطوة التالية لأصحاب الإمكانات العالية، أشاروا غالباً إلى ضرورة اكتسابهم رؤية أوسع وفهماً أعمق للمشهد التنافسي والاستراتيجي، وأشاروا إلى أن المهارات الفنية والوظيفية التي مكنت ذوي الإمكانات العالية من التفوق قد تعوق في الواقع قدرتهم على رؤية “الصورة الشاملة”. ويكتب أحد المدراء في هذا السياق: “تتمثل نقطة ضعف أحمد في عدم قدرته على رؤية الصورة الشاملة لتأثير إدارته على المؤسسة بأكملها”.

بالإضافة إلى توسيع منظورهم، يجب على أصحاب الإمكانات العالية أيضاً تنمية مهاراتهم في الذكاء العاطفي والتواصل، يقول أحد الرعاة في تعليق يمثل أغلب التعليقات: “يتمتع محمد بمهارات فنية قوية. إنه بارع في العمليات والمبيعات ويقود تطوير التكنولوجيا الجديدة، ولكن يجب عليه تحسين مهاراته الشخصية لأنه يعاني قصر نظر كبير في تعامله مع الناس”. كان الرعاة في عيّنتنا أكثر ميلاً إلى تحديد الإدارة الإستراتيجية كفرصة تنموية للنساء، والذكاء العاطفي كفرصة تنموية للرجال.

كيف يمكن للمؤسسات تطوير أصحاب الإمكانات العالية؟

عندما تبحث المؤسسات عن طرق لضمان استفادة أصحاب الإمكانات العالية من كامل قدراتهم، يجب أن تكون مستعدة لتزويدهم بالأدوات التي تتيح لهم التفكير والعمل على نحو استراتيجي أكثر والقيادة بثقة أكبر وتعزيز العلاقات ورعايتها، وذلك في جوهره ينطوي على إنشاء بيئة داعمة تسمح لأصحاب الإمكانات العالية بتطوير المهارات الأساسية لنجاح الاستراتيجية، وفي الوقت نفسه، تطوير المهارات الثانوية التي تضمن نجاح العلاقات الشخصية وتعزيزها.

أشار بحثنا إلى 3 أولويات واضحة يجب على المؤسسات أخذها بعين الاعتبار عندما تتطلع إلى تطوير أصحاب الإمكانات العالية:

1. تقييم أصحاب الإمكانات العالية بناءً على كفاءات محددة لمساعدتهم في توسيع أسلوب قيادتهم

على الرغم من أن معظم أصحاب الإمكانات العالية يتمتعون بخبرة في إدارة الفرق الصغيرة، قد تنطوي خطوتهم المهنية التالية على قيادة فرق أكبر، وبالتالي لن يكون بمقدورهم التفاعل بانتظام مع كل عضو في الفريق. مع انتقال أصحاب الإمكانات العالية للقيادة على نطاق واسع، يجب عليهم تهيئة الظروف التي تمكّن أعضاء الفريق من العمل بفعالية دون الحاجة إلى حضورهم اليومي، وينطوي ذلك على تطوير المنصات التشغيلية والحوافز لتعزيز السلوكيات الإيجابية وبناء ثقافة إيجابية وصحية وتنميتها وخلق سياق يوفر فرصاً لأعضاء الفريق ويمكّنهم من النمو والتطور والإنتاج.

يمكن للمدراء دعم هذا الجهد من خلال تتبع تقدم أصحاب الإمكانات العالية في المهارات القيادية الرئيسية، مثل إدارة الفريق وبناء العلاقات والتواصل. وعلى وجه الخصوص، تعتمد قدرة أصحاب الإمكانات العالية على قيادة فرق فعّالة وإلهام الآخرين وتحفيزهم وصياغة رؤية مقنعة إلى حد كبير عن قدرتهم على التواصل الفعّال والناجح. في الواقع، حتى لو كان تواصلهم فعّالاً في اجتماعات الفريق الصغيرة أو التفاعلات الفردية، يجب على أصحاب الإمكانات العالية التفوق في التواصل على نطاق واسع، وهذا يتطلب إظهار الثقة والإقناع والوضوح.

2. مساعدة أصحاب الإمكانات العالية على تنمية ذكائهم العاطفي

يتطلب الارتقاء في المسار المهني غالباً الاعتماد على الآخرين لإنجاز العمل، وهذا يتطلب الثقة والدعم والتوجيه، ويتطلب في جوهره ذكاءً عاطفياً، وثمة عاملان أساسيان للذكاء العاطفي يجب أن يتمتع بهما أصحاب الإمكانات العالية هما الوعي الذاتي والمشاركة الوجدانية. في هذا الصدد، ربط العديد من الدراسات البحثية بين القادة المتمتعين بالوعي الذاتي والمناخات الإيجابية والداعمة والمنتجة، لذلك تكتسب البرامج والخبرات التي تمكّن أصحاب الإمكانات العالية من تعزيز وعيهم الذاتي بأنفسهم أهمية كبيرة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الملاحظات والتقييمات وتمارين تبادل الأدوار بالإضافة إلى تسجيل مقاطع الفيديو لمراجعة سلوكياتهم وأساليبهم في التواصل.

إلى جانب الوعي الذاتي، تُعد المشاركة الوجدانية جوهر القدرة على إدارة النزاعات بنجاح وتدريب المرؤوسين وتوجيههم وتحفيز الآخرين وإلهامهم. كما تبين أيضاً أنها ضرورية للعمل مع الفرق المتعددة الثقافات. ومع ذلك، قد يتم إهمال المشاركة الوجدانية على الرغم من فوائدها عند الإفراط في التركيز على النتائج والإنجاز. من المفارقات أن المشاركة الوجدانية تتراجع عندما يرتقي المرء في مساره المهني على الرغم من الحاجة الماسة إليها في هذا الوقت، خاصة عند تولي المرء أدواراً قيادية.

يعتقد الكثيرون أن المشاركة الوجدانية هي مهارة فطرية، لكن بالإمكان تعلمها، إلا أن ذلك يتطلب جهداً حثيثاً لتغيير سلوك الفرد. يمكن لأصحاب الإمكانات العالية صقل مهاراتهم في المشاركة الوجدانية من خلال التركيز على الاستفسار وتطوير مهارات استماع فعّالة وتقبّل وجهات النظر المختلفة وإظهار اهتمام حقيقي بالآخرين.

3. شجّع عقلية التعلّم

يتطلب انتقال أصحاب الإمكانات العالية من مجال تقني أساسي أو وظيفي محدد إلى دور إداري عام فهم تفاعل الوظائف المختلفة فيما بينها وكيف تتأثر الضرورات الاستراتيجية لمؤسساتهم بالمشهد السياقي السائد وتؤثر فيه. وفي هذا الصدد، يستفيد القادة من تطوير الذكاء السياقي (contextual intelligence) الذي ينطوي على القدرة على فهم السياق وتكييف أسلوب الفرد ونهجه معه، ولكن ذلك يتطلب الانتقال خارج منطقة الراحة (على سبيل المثال، تجاوز مجال الشخص التقني الأساسي) وتبنّي عقلية منفتحة على التعلّم.

يتطلب تطوير عقلية التعلم وتعزيزها الانفتاح على التجارب الجديدة وحب الاستطلاع وطرح الأسئلة وتقبّل التشكيك بافتراضات المرء وتحيزاته ووجهات نظره. يمكن للمؤسسات دعم تطوير هذه القدرات من خلال تعزيز ثقافة الأمان النفسي لتشجيع أصحاب الإمكانات العالية على المخاطرة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للمؤسسات منح أصحاب الإمكانات العالية فرص تقديم مبادرات استراتيجية خارج مجالهم الوظيفي الأساسي وإتاحة مشاركتهم في تخطيط التصورات وتحليل التوقعات، ومنحهم فرصاً للعمل خارج مجالاتهم الوظيفية الأساسية في الأسواق الجديدة أو مجالات المنتجات أو الخدمات الجديدة.

على الرغم من تقدير أصحاب الإمكانات العالية لتركيزهم على تحقيق النتائج وتمتعهم بأخلاقيات العمل، فخطوتهم التالية في رحلة القيادة تعتمد على قدرتهم على العمل مع الآخرين وقيادتهم بفعالية. يتحقق هذا النجاح من خلال زيادة التركيز على مهارات الذكاء العاطفي والتواصل وإدارة العلاقات. ولضمان نجاح أصحاب الإمكانات العالية، يجب على المدراء والمؤسسات توفير التدريب المهني والدعم التنموي وفرص التطوير الشخصي لهم، ويجب على أصحاب الإمكانات العالية بالمقابل تبنيها بعقلية منفتحة تركز على التعلم.

تم تغيير الأسماء في المقالة.

قدمت ليتي غارسيا وكارينا غرازينا من مبادرة القيادة في كلية هارفارد للأعمال دعماً لا يقدّر بثمن في جمع البيانات الخاصة بهذه المقالة وتوثيقها وتحليلها.