لماذا يجب أن تستثمر في المواهب غير التقليدية؟

6 دقائق
المواهب غير العادية

ملخص: لقد تأكدت لدينا أهمية بناء مؤسسات متنوعة، حتى إنها لم تعد موضع جدال أو نقاش. ويرتبط التنوع بزيادة معدلات الابتكار وارتفاع مستوى الأداء، كما أثبتت البحوث أن الشركات الأكثر تنوعاً تحقق أرباحاً أعلى من تلك التي حققتها الشركات الأكثر تجانساً. لكن لا بد من توافر العزيمة والإصرار إذا أردنا تشكيل فريق يتألف من أعضاء يملكون مهارات وخبرات حياتية مختلفة ومواهب غير عادية. ويمكنك إتاحة المزيد من الفرص أمام شريحة واسعة من المرشحين الرائعين، وذلك من خلال تصميم منهجيات التوظيف الشاملة والتخلي عن فكرة وجود نمط مثالي واحد لا غير للمرشحين لشغل منصب ما. إذ يتطلب الأمر التفكير بعقلية تتجاوز حدود أساليب التعيين التقليدية. فاستعد للتعامل مع الموظفين الجدد الذين سيغيرون نظرتك للعالم من حولك وسيتحدون الافتراضات المسبقة حول المسارات المهنية، ثم واصل الاستثمار في نموهم. ويمكنكم معاً رسم مسار غير تقليدي وصولاً إلى توفير مكان عمل شامل يرحب بالمواهب غير العادية.

ما القاسم المشترك بين المساعد الإداري وأخصائي طب الرياضة والمُلحّن الموسيقي؟ أنهم جميعاً من بين أفضل المرشحين لشغل وظائف مطوري البرمجيات في شركتنا.

إذ لا يمتلك الكثير من المهندسين المتميزين شهادات تعليمية أو مؤهلات رسمية، بل إن بعضهم لم يلتحق بالجامعة من الأساس. فنحن نؤمن بأنه لا يوجد طريق واحد ووحيد لشغل أي وظيفة أياً كانت. وقد توفر الطرق غير المستغلة تجربة لا تقدر بثمن وأفكاراً غير متوقعة في كثير من الأحيان.

لقد سلكنا هذه المسارات غير التقليدية بصفتنا مخترقين إلكترونيين (هكر) علمنا أنفسنا بأنفسنا وبصفتنا خريجين جامعيين من الجيل الأول. فقد عملنا في شركات كنا فيها الأعضاء “الوحيدين” ضمن فريق العمل، فكان كل واحد منا المهندس الوحيد صاحب البشرة السمراء أو المرأة الوحيدة، وقد قيل لنا ضمنياً وصراحة إننا لا نستوفي معايير الملاءمة الوظيفية. لقد كنا في القاعة ذاتها عندما تعمدت لجان التعيين رفض المرشحين المؤهلين لصالح أولئك الذين ينتمون إلى أصول تقليدية.

غذّت هذه التجارب شغفنا باتباع مسارات مختلفة في تعيين الموظفين وتشجيع القادة الآخرين على فعل الشيء نفسه.

لقد تأكدت لدينا أهمية بناء مؤسسات متنوعة، حتى إنها لم تعد موضع جدال أو نقاش. ويرتبط التنوع بزيادة معدلات الابتكار وارتفاع مستوى الأداء، كما توصلت “ماكنزي” مؤخراً إلى أن الشركات الأكثر تنوعاً حققت أرباحاً أعلى من تلك التي تحققها الشركات الأكثر تجانساً.

في المقابل، قد يؤدي نقص التنوع إلى تشابه أساليب التفكير، ذلك أن الأشخاص الذين يتلقون التدريبات ذاتها ويكتسبون الخبرات نفسها يصلون في الغالب إلى إجماع الآراء بشكل أسرع من غيرهم لأنهم ينظرون إلى المشكلات بالطريقة نفسها. ومع ذلك، فإن أثر هذا السلوك سيتحول على المدى البعيد إلى ضعف في مستوى التناغم، وهو ما يؤدي بدوره إلى ضيق الأفق وضعف التفكير، وبالتالي منتجات لا ترقى إلى مستوى إمكاناتهم.

ولا بد من توافر العزيمة والإصرار إذا ما أردنا تشكيل فريق يتألف من أعضاء يملكون مهارات وخبرات حياتية مختلفة. ويمكننا إتاحة المزيد من الفرص أمام شريحة واسعة من المرشحين الرائعين، وذلك من خلال تصميم منهجيات التوظيف الشاملة والتخلي عن فكرة وجود نمط مثالي واحد لا غير للمرشحين لشغل منصب ما. وإليك الطريقة:

ركز على الإمكانات بدلاً من التركيز على الأصل والنَّسب

طلبنا من مطوري البرمجيات في شركة “جستو” (Gusto) أن يحدثونا عن أفكارهم ولاحظنا أنها تدور كلها حول فكرة مشتركة، فقد اكتشف الكثيرون شغفهم بإعداد البرمجيات من خلال مزيج من التعليم الذاتي والتجريب العملي والمناهج الدراسية الرسمية، بينما اكتشف آخرون حبهم للهندسة من خلال وظائف لا علاقة لها بالهندسة في الظاهر، بما في ذلك العمل مساعد محامي ومحرر أفلام فيديو.

وقد بدأ كلانا حياتنا المهنية بمجموعة أدوات مختلفة عن تلك التي نستخدمها اليوم. وهذا يثبت أنه بمقدور الإنسان أن يتعلم الكثير من المهارات، إن لم يكن معظمها، في أثناء عمله بالوظيفة. المهم أن تتوافر لديه الرغبة في النجاح والقدرات الأساسية. حيث تشهد الوظائف تغيرات متلاحقة وبسرعة كبيرة، لذا يزداد الطلب على المتعلمين القادرين على التأقلم. ومن هذا المنطلق بات الكثير من الشركات الكبرى، مثل “جوجل” و”آبل” و”بنك أوف أميركا”، أقل تركيزاً على المؤهلات “الرسمية”، حتى إن معظمها لم يعد يطلب شهادات تعليمية بالمعنى التقليدي، ونود أن يستمر هذا الاتجاه في التنامي.

والحقيقة أن المهارات التي تبدو مثالية لوظيفة ما اليوم قد لا تكون مناسبة بعد عام واحد. فعندما تفحص المرشحين لشغل الوظيفة وتجري معهم مقابلات شخصية، ابحث عن طرق لاستكشاف القدرات التي ستمكن الفرد من الازدهار مع تغير الأوضاع من حوله. واحرص على أن تطرح أسئلة، مثل ما يلي:

اذكر مشكلة وصف كيف أسهمت في حلها. قد يُظهر المرشح قدرته على حل المشكلات بطرق غير متوقعة. فربما استطاع زيادة المحصول في حديقته أو أعاد تنظيم فعالية خيرية لتكون أكثر تأثيراً.

ماذا فعلت آخر مرة نظرت فيها إلى الساعة وأدركت أنك تأخرت لأنك لم تنتبه لمرور الوقت؟ قد يسهم طرح سؤال مفتوح كهذا في الكشف عن حب الاستطلاع الفكري وفهم ما يحفز الآخرين.

صِف مشروعاً تفخر به والذي كان يتضمن العمل من كثب مع أشخاص آخرين. وامنح المرشح الفرصة لإظهار الوعي الذاتي والقدرة على العمل الجماعي، على سبيل المثال، من خلال مناقشة كيفية رفعه مستوى فريقه والعكس صحيح.

ابحث عن اللآلئ في شبكة مرشحي الوظائف الموهوبين

يعتبر التوظيف غير التقليدي تمريناً للكشف عن اللآلئ الدفينة، لأنك تدرب عينيك على تحديد الجواهر اللامعة والتي قد تكون عملاً تطوعياً أو دفاعاً عن قضية ما، وقد تكون موسيقى أو مؤلفات كتابية أو سلسلة تغريدات مؤثرة على “تويتر”.

وتستند واحدة من أمهر مسؤولي التوظيف وأكثرهن قدرة على قدرتها في طرح الأسئلة خلال المقابلات الشخصية إلى الملف التعريفي للمرشح لشغل الوظيفة على “لينكد إن”، لكن دون الاعتماد على القسم الذي قد يدور في خلدك، بل تقفز إلى اهتمامات المرشح والأشخاص الذين يتابعهم، بدلاً من البدء بالشهادات التعليمية أو المصادقات أو حتى الخبرات المكتسبة. وقد تكون هذه المؤشرات أكثر دلالة من المسمى الوظيفي.

وقد تفيدك الفعاليات والمسابقات أيضاً في توسيع شبكة مرشحي الوظائف الموهوبين، بحيث تشمل الأشخاص الذين قد لا يعتبرون أنفسهم مهنيين متمرسين. فكثيراً ما نجد أن مسابقات كتابة الشفرة البرمجية بمثابة مصادر غنية بالمواهب الشغوفة وغير التقليدية. وقد كان أحد أفضل موظفينا في مجال الهندسة الأمنية محللاً مالياً برع في مسابقة للأمن السيبراني، وإن كان التألق في هذه المسابقات لا يعني الفوز بالضرورة. فغالباً ما يكون أصحاب المركز الثاني مرشحين أقوياء لأنهم أقل تركيزاً على الاندفاع لإكمال التحدي وأكثر اهتماماً بحل المشكلة الماثلة أمامهم بطريقة منهجية.

ساعد المرشحين غير التقليديين على تخيل أنفسهم في شركتك

تنطوي منهجية تعيين موظفين غير تقليديين في بعص الأحيان على فكرة إقناع شخص ما بأنه يستطيع تحقيق النجاح في موقع لم يكن يتخيله حتى اللحظة. ويمكن اعتبار الوصف الوظيفي والملف التعريفي لشركتك على “لينكد إن” وقسم الوظائف في الموقع الإلكتروني لشركتك بمثابة مواضع ممتازة لتعزيز ثقافتك وروح الجماعة. استغل هذه الفرص السانحة لوصف أجواء العمل في شركتك، والتزم أقصى درجات الصدق في وصفها، ثم فكّر في صدى هذه الأوصاف لدى المرشحين على اختلاف خبراتهم وخلفياتهم المهنية. احرص، على سبيل المثال، على البحث عن طرق لتقليل استخدام مفردات اللغة الاصطلاحية قدر الإمكان، لأن استخدام لغة داخلية قد يثني المرشحين المحتملين عن التقدم لشغل الوظيفة، حتى لو كانت لديهم فرصة حقيقية في نَيلها.

ثمة طريقة أخرى للترحيب بالمرشحين غير التقليديين المتقدمين لشعل الوظيفة، وتتمثل في رسم الصورة الكبيرة للوظيفة المطلوب شغلها بدلاً من تسليمهم قائمة مراجعة تحوي المهارات التخصصية أو الشهادات التعليمية أو سنوات الخبرة المطلوبة. وعند صياغة الوصف الوظيفي، فإننا نركز على توقعات المرشح للمهمات المطلوبة منه يومياً وما نبحث عنه نحن على أعلى المستويات، مثل “الاهتمام بمشكلات تطوير المنتجات المعقدة”. وإذا أتينا على ذكر لغات برمجية معينة، فسنوضح أنك لست بحاجة إلى معرفتها لأنك ستتلقى التدريب على المهمات التفصيلية للوظيفة.

عند كتابة الوصف الوظيفي، ركِّز على المكونات الأساسية للمنصب الوظيفي. استمر في التساؤل عن سبب أهمية كل مطلب أو مسؤولية. فعلى سبيل المثال، عندما نكتب الوصف الوظيفي لوظيفة هندسية، يمكننا أن نطلب امتلاك المتقدمين خبرة في العمل لدى شركة “أمازون ويب سيرفيسز” (Amazon Web Services) المتخصصة في الخدمات السحابية التي نستخدمها، ولكن لماذا؟ لأننا نحتاج إلى مهندسين يفهمون الحوسبة السحابية والاحتياجات الأمنية وما يصاحبها من توسع في حجم العمل. لا شك في أن هذه الخبرة في التعامل مع الخدمات السحابية ضرورية ومهمة، لكن اشتراط اكتسابها في شركة معينة ليس ضرورياً ولا مهماً. فنحن نحتاج إلى شخص يعرف كيف يقود سيارة، وليس شخصاً يعرف كيفية قيادة سيارة من نوع محدد أو طراز بعينه. ويجب أن يعكس الوصف الوظيفي ذلك، وإلا فإننا سنضيّق شبكة مرشحي الوظائف دون داعٍ.

اكسر التقليد في إعداد الموظفين الجدد وتدريبهم

يتجاوز التوظيف غير التقليدي حدود عمليات التعيين وإجراء مقابلات التوظيف المتعارف عليها. ولمساعدة مجموعة واسعة من الموظفين على الازدهار، يجب أن تدعمهم في كل مراحل دورة حياة الموظف. فعلى سبيل المثال، يمكنك إعادة تقييم الأهداف قصيرة ومتوسطة المدى والجوانب الرئيسية للوظيفة إذا كان المرشح سيتعلم في الوظيفة. في هذه الحالة، بدلاً من تقييم قدرة الموظف الجديد على حل مشكلة معينة في أول 30 يوماً، يمكنك تقييم إسهاماته في إبداع الفريق ورفاهة أقرانه.

ثمة جزء آخر من الأحجية يتمثل في الإعلان عن أنك تتوقع من الموظفين الجدد تخصيص بعض الوقت والجهد لاكتساب مهارات جديدة. وقد تتخذ فرص بناء المهارات صوراً مختلفة، بداية من التوجيه مروراً بمواعيد العمل وصولاً إلى المناهج الرسمية.

ولا يمكن اعتبار منهجيات التوظيف الشاملة سوى مجرد بداية، ويجب مواصلة الاستثمار فيها باعتبارها مفتاح دعم المرشحين بمجرد انضمامهم.

ونحن نشجع كل شركة على التفكير بعقلية تتجاوز حدود أساليب التعيين التقليدية. فاستعد للتعامل مع الموظفين الجدد الذين قد يغيرون نظرتك للعالم من حولك ويتحدون الافتراضات المسبقة حول المسارات المهنية، واحرص على مواصلة الاستثمار في نموهم. واعملوا معاً على رسم مسار غير تقليدي وصولاً إلى الوجهة النهائية، ممثلة في مكان عمل شامل يرحب بالمواهب غير العادية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .