بلغ استخدام المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين، أي المخصصات النقدية المقدمة للموظفين كحافز للبقاء في وظائفهم حتى تاريخ محدد أو إلى حين الانتهاء من إنجاز مراحل رئيسية معينة من مشروع معين، “أعلى مستوياته على الإطلاق”، وهو الإجراء الذي ينفذه ما يقرب من 60% من المؤسسات، وفقاً لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة وورلد آت ورك (WorldatWork).

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يتم إنفاق هذه الأموال بطريقة رشيدة؟

يقول رئيس قطاع مكافآت الخبراء في شركة كورن فيري (Korn Ferry)، توم مكمولين، إن المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين تُقدَّم عادةً للموظفين الذين يؤدون أدواراً رئيسية ويُظهرون أداءً متميزاً. وقد تكون مفيدة في حالات معينة، كتشجيع الموظفين على البقاء في المؤسسة خلال عمليات الاندماج أو الاستحواذ أو خلال العمل على إنجاز مشروع رئيسي في المؤسسة.

وقد تكون المكافآت المالية أداة مفيدة أيضاً لاستبقاء الموظفين خلال الفترات التي تشهد منافسة حامية الوطيس على جذب المواهب. تقول نائبة الرئيس التنفيذي ومديرة الموارد البشرية في شركة نيويورك تايمز كومباني (The New York Times Company)، جاكلين ويلش: “يرتبط هذا النمط ببيئة الاقتصاد الكلي”. ويوافقها مكمولين الرأي، مشيراً إلى أن الشركات تستخدم المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين عندما تتلقى إشارة تفيد بأنها قد تتعرض لاستنزاف المواهب، مثل ارتفاع معدل دوران الموظفين في مناصب معينة.

وقد يكون العمل عن بُعد عاملاً آخر يسهم في زيادة استخدام المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين؛ ففي أعقاب جائحة فيروس كورونا المستجد، تدهورت الثقافة المؤسسية وبدت مظاهر الضعف على علاقات الصداقة المهنية بين الموظفين. ويلفت مكمولين إلى أن هذا العامل ربما جعل المكافآت المالية تبدو ضرورية أكثر من أي وقت مضى.

لكن ثمة مخاطر يجب أن نكون على دراية بها عند تقديم مكافآت مالية لاستبقاء الموظفين؛ إذ لا يوجد دليل ملموس على أنها تؤدي إلى زيادة ارتباط الموظفين بالمؤسسة أو ولائهم لها على المدى البعيد. وهذا ما دعا النائبة الأولى لرئيس الموارد البشرية في شركة أيوفانس بايوثيرابيوتكس (Iovance Biotherapeutics)، تريسي وينتون، إلى استخدامها باعتدال. وتوضح قائلة: “إنها تحوّل العلاقة بين الموظف وصاحب العمل من علاقة تقوم على الشراكة المتبادلة إلى علاقة نفعية بحتة”، مشيرة إلى أنها عندما قدّمت المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين، فإنها لم تحقق النتيجة المرجوة؛ لأن 90% من هؤلاء الموظفين قرروا مغادرة الشركة على الرغم من المغريات المقدَّمة لهم.

تقول مستشارة التوظيف في مدينة نيويورك، راندي ماي: “يحتاج أصحاب العمل إلى فهم طريقة نظر الموظفين إلى عملهم؛ فبمجرد حلول يوم قبض الأجر، يكونون خارج المؤسسة، ويبدؤون البحث عن وظائف جديدة عند اقتراب التاريخ المحدّد للحصول على مكافآتهم المالية”. وتجعلهم المكافآت المالية للاستبقاء يقولون لأنفسهم: “إن المؤسسة تريديني أن أبقى بها حتى حلول هذا الموعد فقط”.

ويستخدم بعض المؤسسات المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين أو مكافآت الانضمام إلى العمل لاستقطاب المواهب ومجاراة عروض العمل التي تقدّمها المؤسسات المنافسة. لكن هذه الاستراتيجية القصيرة الأجل تخاطر بتنفير الموظفين الحاليين، وقد تؤدي إلى إفساد الأمور فيما يتعلق بالمساواة في الأجور.

وهناك حجة أخرى تدحض أهمية المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين؛ إذ تقول مستشارة الموارد البشرية في نيوجيرسي، إريكا دنكان: “إن المؤسسات تدفع المال لموظفيها مقابل أداء مهماتهم الأساسية، وبالتالي لا يوجد مبرر منطقي لدفع المزيد من المال”.

طريقة أكثر فاعلية لاستخدام المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين

تُترك المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين لتقدير الإدارة في معظم المؤسسات. ووفقاً لدراسة مؤسسة وورلد آت ورك، فإن أقل من ثلث الشركات لديها مبادئ توجيهية رسمية ومعايير تحدّد أهلية الموظف للحصول على هذه المكافآت. وتُستخدم المكافآت بشكل أساسي لاستبقاء الموظفين الذين يشغلون المناصب الإدارية العليا التي يصعب استبدالها (مثل المبيعات وتكنولوجيا المعلومات والموظفين التقنيين)، ويتم دفع المكافآت نقداً في صورة مبالغ مالية مقطوعة. ويستخدم نحو ربع المؤسسات نظام المكافآت الدورية على فترات زمنية منتظمة أو عند إنجاز مراحل رئيسية معينة من مشروع معين. وينص الكثير من العقود على بنود تقضي باسترداد مبالغ المكافآت التي توجب على الموظف رد المكافأة (أو جزء محدّد منها) إذا غادر المؤسسة قبل الفترة الزمنية المنصوص عليها. ولا تكون مدة الخدمة معياراً لأهلية الموظف للحصول على هذه المكافآت في العادة.

ولاستخدام المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين بشكل أكثر فاعلية، يوصي الخبراء باتباع الخطوات الأربع التالية:

1. التفكير برؤية استراتيجية.

عندما تقدم مكافأة مالية لاستبقاء الموظفين، فإنك تحدّد للموظف في واقع الأمر تاريخاً لانتهاء فترة عمله بالمؤسسة. ومن هنا يجب أن تسأل نفسك: ما الذي يعزّز مخاطر مغادرة الموظفين؟ هل ستقلل المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين من هذا الخطر؟ وكيف ستقيس النجاح؟

إذا كنت تعاني ارتفاع معدل دوران الموظفين بسبب انخفاض الراتب الأساسي عن متوسط الرواتب في سوق العمل، مثلاً، فإن المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين ليست حلاً، وعليك أن ترفع الراتب الأساسي. وإذا كنت تريد تكريم الموظف على نتائجه وجهوده الاستثنائية، فامنحه مكافأة فورية لمرة واحدة. وإذا أردت استبقاء المسؤولين التنفيذيين ذوي المناصب الرفيعة، فقد يكون من المنطقي أن تجرّب منحهم أسهماً مقيَّدة يحين موعد استحقاقها بعد مرور فترة محدَّدة من الزمن.

قد تكون المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين طريقة إبداعية لإبطاء نمو معدلات مغادرة العمل إذا كنت تحتاج إلى الموظفين على المدى القصير فقط. وتوضح إريكا دنكان هذه النقطة قائلة: “يمكنك تصميم برنامج تدريجي بمقياس متدرج على مدار فترات تبدأ، مثلاً، من 4 أشهر، ثم 6 أشهر، وما إلى ذلك”.

2. توضيح أهلية الموظف للانضمام إلى برنامج المكافآت وتقديم المبادئ التوجيهية للمدراء حول كيفية استخدامها.

يُعتبر هذا الإجراء مهماً لسببين. أولاً: تتعرض الشركات التي لا توفر حوكمة جيدة لخطر دفع الأموال بلا حدود في أغلب الأحيان. ثانياً: اعتمدت المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين في أكثر من 25% من الشركات على تقدير الإدارة، وبالتالي عجزت هذه الشركات عن تحديد كيفية حسابها، وفقاً لمؤسسة وورلد آت ورك.

وهكذا فإن وجود سياسة واضحة من شأنه أن يضمن أيضاً اتباع شركتك لنهج أكثر اعتدالاً تجاه المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين، أمّا تركها لتقدير الإدارة بالكامل، دون أي رقابة، فمن شأنه أن يعرّض عملية توزيع المكافآت لمخاطر المحسوبية وعدم الإنصاف وتدمير المعنويات.

3. تقديم العروض كتابةً.

حدّد تواريخ أهلية الموظف للحصول على المكافآت وشروطها والأساس المنطقي لاستحقاقها. وإذا اقتضت الضرورة، حدّد المراحل الرئيسية للمشاريع المؤهِّلة للحصول على المكافآت. وفكّر فيما إذا كان سيتم تضمين شروط تقضي باسترداد مبالغ المكافآت، وعدم الأهلية في حالة الفصل المسبَّب من العمل، والدفع المشروط بإصدار مطالبات. ويجب أن تكون اللغة التعاقدية سهلة الفهم وخالية من أي تعقيدات قانونية.

4. معرفة إن كان برنامج المكافآت المالية قادراً على اجتياز اختبار “الطابعة العامة”.

اسأل نفسك: إذا تم اكتشاف نسخة من برنامج المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين على طابعة الشركة من قبل موظف مؤتمن، فهل ستجتاز اختبار الإنصاف؟ تقول ويلش: “يجب أن يكون البرنامج ميسور الفهم، بحيث إذا تم إبلاغ الموظفين كلهم به، فإنهم سيفهمون استراتيجيته”.

وإذا كنت ستستخدم المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين على نطاق واسع، ففكر في كيفية الإعلان عن البرنامج. قد لا يروق للعاملين، لكنهم سيثقون بك ويحترمونك أكثر إذا سمعوا عن البرنامج من قادة الشركة ووثقوا في الأساس المنطقي الذي يرتكز عليه برنامجهم التحفيزي، دون أن يسمعوا به من خلال مطحنة شائعات الموظفين.

وضربت ويلش مثالاً للتطبيقات العملية لهذه المواصفات على أرض الواقع. فقد اشتهر أحد أرباب عملها السابقين بقدرته على تطوير دور وظيفي معين؛ إذ كان العملاء يأتون لصيد هذه الموهبة بعد فترة تتراوح ما بين 12 و18 شهراً، وكان الأمر يسير على هذا المنوال مثل الساعة.

ومع ارتفاع معدل دوران الموظفين في هذا المنصب من 10% إلى 25%، أنشأت الشركة استراتيجية الاستبقاء والتطوير. كانوا صريحين مع الموظفين الذين يشغلون هذا الدور، وأبلغوهم بأن العملاء سيحاولون استقطابهم وتوظيفهم بعد مرور عام واحد من شغل المنصب. وحرصوا على توعيتهم بأسباب البقاء في الشركة، وشرح السلم الوظيفي وفرص الترقية. وكلما وجدوا الفرصة سانحة، منحوا الترقيات لهؤلاء الموظفين على فترات زمنية قصيرة. وإذا وجدوا أن الموظفين غير جاهزين تماماً للترقية، كانوا يستخدمون المكافآت المالية لاستبقائهم كحل مؤقت لتحفيزهم على اكتساب المهارات اللازمة للوصول إلى المستوى التالي.

نصيحة أخيرة لا بد منها: لا تدفع المال للحمقى من أجل البقاء على رأس العمل، وافتح باب الخروج لأصحاب الأداء المتميز الذين يهددون بالمغادرة ويتسببون في إفساد بيئة العمل. دعهم يغادروا، مهما كانت روعة نتائجهم. تقول ويلش: “لا تسمح للآخرين بأن يضعوك تحت رحمتهم”. وتوافقها وينتون الرأي، قائلة: “أحرص دائماً على إخبار المدراء بأنهم عندما يتخذون قراراً بشأن التعويضات بدافع الخوف من مغادرة الموظفين، فإن هذه القرارات لا تُجدي نفعاً”.

وإذا كانت مؤسستك لا تستطيع تحمل تكاليف برنامج المكافآت، فيمكنك مكافأة الموظفين الرئيسيين بمنحهم فرص التطوير المهني وتكريمهم بعبارات الإشادة التقديرية الموجهة لهم على نحو خاص. هناك الكثير من الأساليب غير المالية لاستبقاء الموظفين.

وقد تكون المكافآت المالية لاستبقاء الموظفين أداة فعَّالة اقتصادياً، لكن على المدى القصير فقط، إذا تم استخدامها بطريقة غير مدروسة في المؤسسات. لكن استبقاء الموظفين والحفاظ على ولائهم على المدى البعيد لا يرتبطان بالضرورة بالمال، ولكنهما يعتمدان على العلاقات التي لا تقدر بثمن التي يبنيها المدراء مع أعضاء فريقهم.