لماذا يجب أن يتحلى القادة بالتعاطف؟

5 دقائق
المشاركة الوجدانية
shutterstock.com/rangizzz
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تم تصميم دورة “مكان العمل الإيجابي” في مركز “هارفارد للتطوير المهني” لتعليم قادة اليوم كيفية جذب المواهب واستبقائها من خلال علم النفس الإيجابي، وقد أدهشنا عدد المشاركين الذين دار حديثهم حول المشاركة الوجدانية واندماج الموظفين. وبتحديد أكثر، فإن المؤسسات التي تفتقر إلى المشاركة الوجدانية تعاني ارتفاع معدلات استنزاف الموظفين. وقد أردنا التعرُّف إلى أسباب ازدياد أهمية موضوع المشاركة الوجدانية، ولماذا الآن؟

يمكن القول إن المشاركة الوجدانية بحكم التعريف هي القدرة على فهم مشاعر الآخرين وتجاربهم، وقد أصبح العاملون في السنوات القليلة الماضية أكثر وعياً بنوعية خبرة العمل التي يودون معايشتها. إذ يريدون تحلّي مدرائهم بالمزيد من المشاركة الوجدانية وأن يتم دمجهم على نحو مدروس في مكان العمل. يريدون أن يشعروا بأنهم موضع اهتمام وبأن آراءهم تلقى آذاناً مصغية، كما يريدون أن يشعروا بالتقدير ويحسوا بالانتماء.

ووفقاً لمركز “بيو للأبحاث”، فقد ترك 35% من العاملين وظائفهم في عام 2021 لأنهم شعروا بأنهم لا يلقون الاحترام اللازم في العمل. ولك أن تتخيل كيف كانت ستبدو هذه الإحصاءات لو أن المشاركة الوجدانية كانت جزءاً من أسلوب القيادة المؤسسية المتكاملة.

ووفقاً لمؤسسة “غالوب”، فإن تكلفة استبدال الموظف قد تعادل ما بين نصف إلى ضعف الراتب السنوي للموظف. لذلك، فإن وجود قيادة تعجز عن إبداء المشاركة الوجدانية في المؤسسة قد يؤثر سلباً في صافي الأرباح. وببساطة، فإن أسلوب الإدارة المتمثل في “إنجاز العمل وإبقاء حياتك الخاصة خارج جدران المكتب” لم يعد يلقى صدى طيباً الآن.

وقد أجرينا مقابلة شخصية مع جيني كارلييه، نائبة رئيس مجلس إدارة شركة “إرنست آند يونغ” لشؤون إدارة المواهب في بودكاست بعنوان “السعادة في العمل” (Happy at Work)، حيث يعبّر كبار قادة الشركات العالمية عن رؤاهم حول كيفية التعامل مع الظروف المحيطة ببيئة الأعمال الحالية، وسلّطت الضوء على كيفية خلق المؤسسات لميزات قيادية تنافسية من خلال المشاركة الوجدانية.

وقد صرّحت كارلييه بأن إحدى هذه الفوائد تتمثّل في أن القادة الذين يحرصون على إبداء المشاركة الوجدانية في إدارة فرقهم يستطيعون مواجهة الكثير من التحديات المشتركة التي يواجهها الموظفون اليوم، وعلى رأسها الاحتراق الوظيفي والقناعة بالوضع الراهن وعدم الثقة وانعدام القدرة على التحمل.

ولا تدّخر شركة “إرنست آند يونغ” وسعاً في مساعدة القادة على استغلال مهارات المشاركة الوجدانية عند إدارة الفرق، وتشدد كارلييه على أن المشاركة الوجدانية لا يمكن أن تتحول إلى مجرد تدريب “إضافي”. ومثلها مثل فعاليات تشجيع الرفاهة التي كانت تقيمها الشركات في مطلع التسعينيات، فإن الاكتفاء بتوزيع فرشاة أسنان مجاناً ليس كافياً. إذ يجب أن يكون التدريب عميقاً، كما يجب أن يكون حقيقياً.

[su_note note_color=”#f4eaaa” radius=”15″]”المشاركة الوجدانية سلوك قيادي مهم أعتقد أنه قد كشف عن نفسه بأسرع مما كنا نتخيل في أثناء الجائحة”.                                                             – جيني كارلييه[/su_note]

يمتد التدريب على المشاركة الوجدانية ليشمل جميع أصحاب المصالح في المؤسسة. ويبدأ ببناء مستوى من الوعي الذاتي يسمح لكل موظف بمراقبة أفكاره واكتشاف التوتر البدني الذي قد يتعرَّض له الجسم وقد يؤدي إلى الإصابة بالاحتراق الوظيفي.

وتتضمن مجموعة المهارات أيضاً تعلُّم التواصل بطريقة تجعل الطرف الآخر يشعر بأنه موضع اهتمام وبأن آراءه تلقى آذاناً مصغية.

[su_note note_color=”#f4eaaa” radius=”15″]”عندما نكون قادرين على التدخُّل والتحدث معهم حول أهمية الرفاهة والتفكير في أهمية القيادة التي تبدي المشاركة الوجدانية، فإننا بذلك سنثير نوعاً مختلفاً تماماً من المحادثات لأنهم يمرون بما نمر به نحن أيضاً…”                                                             – جيني كارلييه[/su_note]

يؤدي التواصل القائم على المشاركة الوجدانية إلى بناء الثقة بين الموظفين بمرور الوقت، ويؤدي هذا بدوره إلى تحسين ديناميات الفريق، ما يشجع على مزيد من الشفافية بين العاملين والمدراء عند ظهور التحديات. ويَسهُل إجراء المحادثات الصعبة مع التدريب على التواصل القائم على المشاركة الوجدانية حتى نتمكن من معالجة المشكلات فور وقوعها بدلاً من تحاشيها.

أثر بناء مهارات المشاركة الوجدانية

يبدأ بناء مجموعة مهارات المشاركة الوجدانية بتطوير المهارات ضمن الأرباع الأربعة للذكاء العاطفي، ويتمثل أولها في الوعي الذاتي. ومن خلال القيام بذلك، نتعلم الاهتمام بأفكارنا، بالإضافة إلى التعرُّف على التركيب التشريحي للجسم الذي يسمح لنا بقياس قدرتنا على الاستجابة للآخرين بطريقة تنم عن المشاركة الوجدانية. لكن إذا كنا مصابين بالتعب أو التوتر أو الإرهاق، أو بعبارة أخرى إذا كنا مصابين بالاحتراق الوظيفي، فإن قدرتنا على الاستجابة بشكل مدروس للآخرين بإبداء المشاركة الوجدانية ستتلاشى بسرعة. وكان أثر هذه الحقيقة أوضح ما يكون في قطاع الرعاية الصحية، مقارنة بباقي القطاعات الأخرى.

وفي دراسة نشرتها مجلة “التواصل الصحي” (Journal of Health Communication)، تناولت كيفية تفاعل المرضى مع الأطباء بعد وقوع حوادث الإهمال الطبي. ووجدت الدراسة أن الأطباء الذين أبدوا المشاركة الوجدانية انخفضت معدلات تعرُّضهم لغضب المرضى وازدادت معدلات التعامل معهم بصورة إيجابية. لكن سوء التواصل يؤدي إلى ارتفاع معدلات انتشار دعاوى الإهمال الطبي. ولكن ما الظروف التي تؤدي إلى نشوء حواجز التواصل الضارة بين مقدم الخدمة والمريض؟

أثبت بحث نُشر في مجلة “اللجنة المشتركة حول الجودة وسلامة المرضى” (The Joint Commission Journal on Quality and Patient Safety) أن الأطباء الذين لا يزالون في مراحل التدريب ويعملون على مدار 24 ساعة أو أكثر في مناوبات العمل معرضون بشكل كبير لخطر ارتكاب أخطاء طبية قاتلة. ومقارنةً بالعمل في مناوبات عمل مدتها 16 ساعة، فإن الأطباء المقيمين يعانون ضِعف عدد حالات فقدان القدرة على التركيز عند العمل طوال الليل ويرتكبون أخطاء طبية جسيمة بمعدلات أعلى بنسبة 36%. كما أفادوا بأنهم يرتكبون 300% من الأخطاء الطبية المرتبطة بالإعياء التي تؤدي إلى وفاة المرضى. وفي حين أن الأطباء الذين لا يزالون في مراحل التدريب ويعملون فوق طاقتهم معرضون بالفعل لخطر ارتكاب أخطاء طبية جسيمة بسبب الإعياء، فإنهم أيضاً معرضون لخطر سوء التواصل مع المرضى بسبب نقص الوعي الذاتي الناجم عن الشعور بالتوتر والإرهاق.

ويُظهر الرسم البياني التالي الإحصاءات الدالة على تراجع مخاطر تحميل الأطباء مسؤولية الإهمال الطبي في حال إبدائهم نوعاً من المشاركة الوجدانية.

داستن سميث، جيسي كيلار، إليزابيث والترز، إلين ريبلينغ، تامي فان، ستيفن غرين، (2016). هل التعاطف مع طبيب الطوارئ يقلل من التفكير في رفع القضايا؟ تجربة عشوائية. مجلة طب الطوارئ، 33 (8)، 548-552. دوى: 10.1136 / emermed-2015-205312 Emergency Medicine Journal, 33(8), 548–552. doi:10.1136/emermed-2015-205312.

هل المشاركة الوجدانية ترياق فاعل للحيلولة دون دعاوى تحميل الأطباء مسؤولية الإهمال الطبي؟ قد لا يكون ترياقاً فاعلاً في كل الأحوال، ولكن في أعقاب جائحة عالمية يشعر فيها مقدمو الرعاية الصحية بالإعياء التام قد يؤدي تدريب مقدمي الرعاية على إبداء المشاركة الوجدانية مع المريض إلى خفض الدعاوى القضائية التي تصاحب الأخطاء الطبية بكل تأكيد.

كيفية ممارسة المشاركة الوجدانية

  1. طالع العلوم الإنسانية. اقرأ الروايات والقصص. يتيح الخيال للقرَّاء الغوص بعمق في الحياة العاطفية لشخصيات الرواية. ويمدهم برؤى ثاقبة حول مشاعر هذه الشخصيات التي قد لا نأبه بها في العادة. كما أن فتح أعيننا على تجارب الآخرين من خلال المؤلفات الأدبية لا يوسع منظورنا فحسب، وإنما يعتبر أيضاً طريقة فاعلة للتخلص من الضغوط والاسترخاء. وهكذا فقد يكون لوجود مكتبة صغيرة في غرفة الاستراحة أثر كبير في ازدياد المشاركة الوجدانية.
  2. لا تلعب دور المصلح. امتنع قدر الإمكان عن محاولة “إصلاح” الأشخاص ومشاكلهم أو تقديم النصائح غير المرغوب فيها (التي غالباً ما تُعتبر نوعاً من الإهانة). وبغض النظر عن نواياك الحسنة، فإن الكثيرين يريدون أن يشعروا بأنهم موضع اهتمام وبأن آراءهم تلقى آذاناً مصغية وبأن لهم دوراً ملموساً في الحلول المقدمة، بغض النظر عن مدى توافر حسن النية. يمكنك أن تقول أشياء مثل: “كيف يمكنني المساعدة؟” أو “هل تبحث عن دعم أو اقتراحات؟” لكن احذر، فإنك إذا بدأت كلامك بعبارة: “أنت تعرف ما عليك فعله…” أو “أنت تعلم ما يجب عليك فعله…”. لأنك عندئذ ستلعب دور “المصلح” وقد لا يكون ذلك مفيداً بالضرورة.
  3. أنصِت باهتمام. الإنصات باهتمام هو ذلك النوع من الإنصات الذي يحدث عندما يستمع الشخص باهتمام كامل وبيقظة تامة. ركز تماماً على الشخص الذي يكلمك. لا تلتفت إلى هاتفك وتجاهل المشتتات الأخرى. وأظهِر الإنصات باهتمام المصحوب بالتواصل البصري وتعبيرات الوجه الإيجابية، مثل الإيماءات التي توحي بفهمك لما يقوله الطرف الآخر. واطرح أسئلة للمتابعة أو الاستيضاح. فهذا يسمح للمتحدثين بأن يشعروا بأنهم موضع اهتمام وبأن آراءهم تلقى آذاناً مصغية وبأنك تفهم ما يقال جيداً.
  4. اعتنِ بنفسك أولاً. تذكر أنه من الصعب أن تُظهِر المشاركة الوجدانية مع الآخرين إذا كنت تعجز عن إبداء المشاركة الوجدانية تجاهك أنت شخصياً. تأكد من امتلاء كوبك أنت أولاً عن طريق الاعتناء بنفسك. احصل على قسط وافر من الراحة ومارس اليقظة الذهنية وامنح نفسك فترات راحة صغيرة للتعافي بعد الأحداث المثيرة للقلق.

تسهم هذه الاستراتيجيات في زيادة المشاركة الوجدانية التي تؤدي بدورها إلى زيادة استبقاء الموظفين لأنهم سيشعرون آنذاك بأنهم موضع اهتمام وبأن آراءهم تلقى آذاناً مصغية. ما الفوائد الأخرى التي تعود على المؤسسة من خلال اتباع هذه الاستراتيجيات في القيادة؟ أنها مجانية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .