أظهر المشاركة الوجدانية في تواصلك مع الموظفين والتعاطف في قيادتك لهم

5 دقائق
المشاركة الوجدانية
هانز نيلمان/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يحمل القادة عبئاً عاطفياً كبيراً على عاتقهم منذ سنتين؛ يساعدون أفراد فرقهم على التعافي من الحزن والخسارة الناجمين عن الجائحة ويساندون موظفيهم الذين يعانون تراجعاً في الصحة النفسية ويتعاملون بحساسية مع مخاوفهم. المشاركة الوجدانية (empathy) اللازمة للقيام بكل ذلك ضرورية في القيادة الجيدة، لكن الكثير منها يرهق القائد ويؤدي إلى الاحتراق النفسي واتخاذ قرارات سيئة. لكن من الممكن تفادي ذلك عن طريق الارتقاء من المشاركة الوجدانية إلى التعاطف (compassion). “الرأفة” (Sympathy) و”المشاركة الوجدانية” و”التعاطف” هي كلمات تستخدم غالباً للتعبير عن نفس المعنى، لكن في حين أن “الرأفة” و”المشاركة الوجدانية” هما شعوران يشعر بهما القائد تجاه الآخرين ومعهم، فالتعاطف يتعدى العواطف ليشمل اعتزام العمل لمساعدتهم. يقترح المؤلفون 6 استراتيجيات لإظهار التعاطف في القيادة: ابتعد قليلاً ذهنياً وعاطفياً، واسأل الشخص الآخر عما يحتاج إليه، ووجّهه كي يتوصل إلى الحلّ بنفسه، واعتن بنفسك.

وجد القادة أنفسهم مضطرين لممارسة دور “رئيس المستشارين” على مدى قرابة سنتين؛ إذ يساعد القائد أفراد فريقه على التعافي من الحزن والخسارة الناجمين عن الجائحة، ويدعم موظفيه الذين يعانون تراجع صحتهم النفسية ويتعامل بحساسية مع مخاوفهم، ويشارك نقاط ضعفه مع الآخرين علناً. باختصار، يحمل القادة عبئاً عاطفياً كبيراً على عاتقهم.

هذه المشاركة الوجدانية مهمة بالتأكيد للقيادة الجيدة، لكن الكثير منها يرهقك، وهذه مشكلة. لذلك نقول للقائد إنه ليس مضطراً لحمل الصعوبات التي يواجهها الموظفون الذين يقودهم على عاتقه، وذلك يزيح حملاً ثقيلاً عن كاهله.

بدلاً من حمل عبء المشاركة الوجدانية يمكن أن تتعلم الارتقاء إلى تجربة التعاطف الرفيعة التي تعدّ نقلة هائلة في طريقة تفاعل القائد مع فريقه وتعود بالفائدة على جميع الأطراف. تبدأ هذه النقلة بفهم الاختلاف بين المشاركة الوجدانية والتعاطف.

المشاركة الوجدانية والتعاطف: ما الفرق بينهما؟

فلنبدأ بتعريف المصطلحات. تستخدم كلمتا “المشاركة الوجدانية” و”التعاطف”، إلى جانب كلمة “الرأفة”، للتعبير عن نفس المعنى أحياناً، فجميعها تمثل سمات إيجابية إيثارية، ولكنها لا تشير إلى التجربة ذاتها. من المفيد أن نتمعن في ميزتين يتميز بهما التعاطف؛ تفهّم ما يشعر به الشخص الآخر والعزم على اتخاذ إجراء فعلي لتخفيف معاناته. توضح الصورة التالية اختلاف التعاطف عن التجارب المشابهة المتمثلة في المشاركة الوجدانية والرأفة.

في الزاوية اليسارية السفلى، لدينا الرأفة. عندما نشعر بالرأفة يكون عزمنا على اتخاذ إجراء فعلي تجاه الشخص الآخر ضعيفاً، ويكون فهمنا لما يمرّ به ضئيلاً، أي إننا ببساطة نشعر بالأسف تجاهه. وبالصعود على المخطط التوضيحي باتجاه اليمين نمر بتجربة الرأفة، نلاحظ زيادة صغيرة في عزمنا على المساعدة وفهمنا لما يمر به الشخص الآخر، أي إننا نتفهم ما يشعر به.

وبالصعود إلى المستوى التالي نصل إلى المشاركة الوجدانية. عندما نشارك الشخص الآخر وجدانياً يكون لدينا فهم دقيق وعميق لما يمر به، أي إننا نشعر بما يشعر به. في هذه الحالة نأخذ مشاعر الشخص الآخر حرفياً ونحملها في داخلنا، على الرغم من نبل هذا الشعور فهو لن يفيد الشخص الآخر إلا في منحه شعوراً بأنه ليس وحده فيما يعيشه.

وأخيراً، في الزاوية اليمينية العليا نصل إلى فهم جيد لما يمرّ به الشخص الآخر مع اعتزام اتخاذ إجراء فعلي تجاهه، يصبح فهمنا لما يمرّ به الشخص الآخر أكبر مقارنة بالمشاركة الوجدانية لأننا نتعامل معه من خلال وعينا العاطفي وفهمنا المنطقي في آن معاً. التعاطف هو الابتعاد قليلاً عن المشاركة الوجدانية والتفكير فيما يمكن فعله من أجل دعم الشخص صاحب المعاناة، بهذه الطريقة يكون التعاطف هو اعتزام الفعل وليس عواطف صرفة.

ما الذي يجعل ذلك مهماً؟

يقول الرئيس التنفيذي السابق لشركة “يونيليفر”، بول بولمان: “إذا عملت على القيادة بالمشاركة الوجدانية فلن أتمكن من اتخاذ أي قرار. لماذا؟ لأن المشاركة الوجدانية تجعل عواطف الآخرين تنعكس عليّ، ما يجعل التفكير بالصالح العام مستحيلاً”.

بول محق. على الرغم من فوائد المشاركة الوجدانية الكثيرة، فمن الممكن أن تكون دليلاً توجيهياً سيئاً للقادة.

تساعدنا المشاركة الوجدانية عادة في القيام بالأمر الصحيح، ولكنها تدفعنا أحياناً لارتكاب خطأ. أجرى بول بلوم، أستاذ العلوم الإدراكية وعلم النفس في جامعة “ييل”، ومؤلف كتاب “ضد المشاركة الوجدانية”، بحثاً اكتشف فيه أن المشاركة الوجدانية قادرة على تشويش قدرتنا على الحكم. في دراسته استمعت مجموعتان من المشاركين لتسجيل صوتي لصبيّ في مرحلة متقدمة من المرض يصف الألم الذي يعانيه، ثم طلب من المشاركين في إحدى المجموعتين التفاعل مع الصبي عاطفياً ووضع أنفسهم في مكانه، وطلب من المجموعة الأخرى الاستماع للتسجيل بموضوعية من دون التفاعل معه عاطفياً. بعد الاستماع للتسجيل طُلب من كل مشارك اتخاذ قرار حول منح أولوية أكبر لمعالجة الصبي ضمن قائمة تضم مرضى يحتاجون إلى العلاج يرتبها الأطباء حسب الأولوية؛ في مجموعة التفاعل العاطفي، قرر ثلاثة أرباع المشاركين منح الصبي أولوية أكبر في القائمة بما يتعارض مع رأي الأطباء المتخصصين، ما يؤدي إلى احتمال تعريض أشخاص يعانون أمراضاً أشد إلى الخطر، في حين اتخذ ثلث المشاركين في المجموعة الموضوعية هذا القرار.

وكذلك الأمر بالنسبة للقادة، فالمشاركة الوجدانية تشوش قدرتهم على الحكم وتشجع التحيز وتقلل كفاءتهم في اتخاذ قرارات حكيمة. لكن يجب ألا نتفادى المشاركة الوجدانية تماماً، فالقائد من دونها يصبح كالمحرك من دون شمعة إشعال، لن يدور ببساطة. المشاركة الوجدانية أساسية للتواصل ويمكننا الاستفادة من الشرارة التي تطلقها كي نتمكن من إظهار التعاطف في القيادة.

وهنا يكمن التحدي الذي يواجه معظم القادة؛ يقعون في فخ المشاركة الوجدانية فيصبحون غير قادرين على الانتقال إلى التعاطف.

تجنب فخ المشاركة الوجدانية، وكن متعاطفاً في قيادتك

التغلب على فخ المشاركة الوجدانية هو مهارة أساسية يجب أن يمتلكها جميع القادة، وعندما تحاول إتقان هذه المهارة تذكر أن الابتعاد عن المشاركة الوجدانية لا يجعلك أقلّ إنسانية أو أقلّ لطفاً وإنما يمنحك قدرة أكبر على تقديم الدعم للموظفين في الأوقات العصيبة. إليك 6 استراتيجيات للاستفادة من المشاركة الوجدانية كمحفز للقيادة بتعاطف أكبر.

ابتعد قليلاً ذهنياً وعاطفياً

من أجل تفادي الوقوع في فخ المشاركة الوجدانية مع شخص يعاني، حاول أن تبتعد قليلاً ذهنياً وعاطفياً، اخرج عن الإطار العاطفي كي تصل إلى صورة أوضح عن الوضع والشخص، فهذه الصورة وحدها هي ما سيمكّنك من المساعدة. عن طريق إنشاء هذه المسافة العاطفية ستشعر أنك غير لطيف في تعاملك، لكن تذكر أنك لا تبتعد عن الشخص نفسه بل تبتعد عن المشكلة كي تساعده على حلّها.

سَل الشخص الآخر عما يحتاج إليه

عندما تطرح سؤالاً بسيطاً: “ما الذي تحتاج إليه؟” تكون قد بدأت في حلّ المسألة عن طريق منح الشخص الآخر فرصة للتفكير فيما يحتاج إليه، وبذلك ستحصل على معلومات أكثر عما يمكنك فعله للمساعدة. وبالنسبة للشخص الذي يعاني، ستكون الخطوة الأولى تجاه الحصول على المساعدة هي أن يشعر بأنك تراه وتسمعه.

تذكر قوة عدم فعل شيء

يجيد القادة عادة إنجاز الأعمال، ولكن عندما يتعلق الأمر بموظف يواجه صعوبات فمن الضروري أن تتذكر أنه في كثير من الحالات لا يحتاج الشخص الآخر إلى حلولك، بل يحتاج إلى استماعك له وحضورك واهتمامك، فكثير من المشكلات لا يحتاج سوى إلى الاستماع والإقرار. وبهذه الطريقة سيكون “عدم فعل شيء” هو أقوى وسيلة للمساعدة.

وجّه الشخص الآخر كي يتوصل إلى الحلّ بنفسه

لا تتعلق القيادة بحلّ مشكلات الآخرين، وإنما بتنميتهم وتطويرهم كي يكتسبوا القدرة على حلّ مشكلاتهم بأنفسهم. لا تحرم الشخص الآخر فرصة التعلم من تجربته الحياتية بحلّ مشكلته بدلاً عنه، بل قدم له التوجيه والتدريب وبين له الطريق الذي يجب أن يسلكه كي يتوصل إلى الأجوبة التي يحتاج إليها بنفسه.

اعتن بنفسك

أبدِ تعاطفك مع ذاتك عن طريق الاعتناء بنفسك بصدق، فالعمل على إدارة عواطفك من أجل إدارة عواطف الآخرين مكلف. يتمثل “العمل العاطفي” في امتصاص مشاعر الآخرين وعكسها على نفسك وإعادة توجيهها، وهو مهمة مرهقة. ولذلك يجب على القائد الاعتناء بنفسه عن طريق أخذ استراحات والحصول على القدر الكافي من النوم والغذاء وبناء علاقات هادفة وممارسة اليقظة الذهنية، ويجب أن يتوصل إلى طرق للحفاظ على مرونته النفسية وتماسكه وتصالحه مع نفسه. فعندما يحضر إلى مكان العمل مع هذه الميزات سيتمتع بصحة نفسية تتيح لموظفيه الاعتماد عليه وتمنحهم شعوراً بالعافية.

هذا المقال مقتبس عن كتاب “القيادة المتعاطفة: كيف تقوم بالأعمال الصعبة بطريقة إنسانية” (Compassionate Leadership: How to do Hard Things in a Human Way) تأليف راسموس هوغارد وجاكلين كارتر (من إصدارات “هارفارد بزنس ريفيو برس” لعام 2022).

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .