ما الذي يميّز المدير العربي عن المدير الغربي؟

7 دقائق
المدير العربي
shutterstock.com/Sono_Moza
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

وصف الكاتب رافائيل باتاي العرب في كتابه “العقل العربي” بأنهم يتسّمون بالشجاعة والكرم والضيافة والشرف واحترام الذات، وهي صفات متجذرة فيهم منذ القِدم، غير أنها ليست الصفات الوحيدة التي تميّزهم عن باقي الشعوب من البلدان الغربية الأخرى، بل توجد ممارسات ثقافية أخرى تميّز الإنسان العربي، وتحديداً المدير العربي الذي لديه أسلوب مختلف في القيادة والإدارة مقارنة بغيره من المدراء الغربيّين.

يمكن أن تختلف أساليب الإدارة بين الثقافات العربية والغربية على نحو كبير، ولكلّ منها نقاط القوة والضعف، لذلك يعدّ فهم هذه الاختلافات أمراً بالغ الأهمية للشركات التي تنشط في مختلف أنحاء العالم بما في ذلك البلدان العربية، وكذلك بالنسبة للمدراء الذين قد يشرفوا على زملاء أو موظفين من خلفيات ثقافية مختلفة.

مبدئياً، تختلف العقلية العربية عن الغربية، بأنها جماعية وأُسرية أكثر منها فردية، لذا تنعكس هذه العقلية على أسلوب الإدارة، فالمدير العربي المتأصل بالعقلية العربية قد يميل لخلق جوّ أسري في العمل، ما قد يؤثر إيجاباً مثل العمل بروح الفريق، لكنه قد يؤثر سلباً عندما يخترق تسلسل العمل الإداري وعدالة التعامل بين الموظفين، إذ قد تتأثر هذه العلاقة بالصداقة أو القرابة أو التأثير الاجتماعي أو السياسي للموظف، بينما تميل العقلية الغربية إلى الفردية، حيث يميل المدير الغربي لتقدير العمل الفردي أكثر من الجماعي، ولهذا يكثر في الدراسات الحديثة في المجتمعات الغربية التشجيع على دعم نموذج عمل الفرق وتطوير روح التعاطف بين الموظفين لخلق جو أكثر تعاونية؛ لكن السؤال الجوهري هنا: ما السبب الكامن وراء هذه الاختلافات بين المدير العربي والغربي؟

للإجابة عن هذا السؤال، يجب أولاً توضيح العوامل التي تؤدي إلى اختلاف شخصيات الأفراد من منطقة إلى أخرى، والتي يمكن حصرها في عامليْن رئيسين هما:

1. العقلية (Mindset): تُعرّف على أنها “مجموعة التصوّرات الذاتية والمعتقدات التي تكوّن سلوك الفرد وتحدّد كيفية تصرفه تجاه مختلف المواقف”، أي أنها تمثل النظارة التي ينظر بها الفرد للعالم الخارجي، لا سيما في مكان العمل.

2. الثقافة (Culture): عرّفها الأستاذ دونال كاربوه (Donal Carbaugh) على أنها “مجموعة من المعارف المكتسبة حول المعتقدات والقِيَم والمعايير، تؤثر في سلوك مجموعة كبيرة نسبياً من الأفراد”، لذلك فكلّ بلد (أو منطقة جغرافية) يتميز بثقافته الخاصة التي تؤثر، مع مرور الوقت، في تشكيل العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية، ويشمل ذلك المعتقدات الدينية والتوجهات السياسية.

تقاطع هذين البُعدين قد ينتج عنه مجموعة من المعايير التي تمكّن من المقارنة بين شخصيات الأفراد من ثقافات مختلفة، والتي تصوغ بدورها مجموعة من النماذج العلمية لقياس الاختلافات الثقافية، لعّل أشهرها نموذج مختص علم النفس الهولندي خِيرت هوفتسيد (Geert Hofstede) الذي عدّد 6 معايير بعد أن درس ثقافة آلاف الموظفين في شركة آي بي إم من أكثر من 50 جنسية مختلفة، من بين هذه المعايير مؤشر قوّة المسافة ومؤشر الفردية والجماعية؛ غير أننا سنعتمد في هذا المقال على نموذج آخر ابتكره مجموعة من الباحثين الأميركيين من جامعة فلوريدا على رأسهم سكوت شوميت (Scott Shumate)، وسبب هذا الاختيار هو تركيز هذا النموذج على بُعدين رئيسيين يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالمهام التي يؤديها المدير وهما: عملية صُنع القرار وأسلوب التواصل.

وفقاً لهذا النموذج العلمي، يختلف المدير العربي عن المدير الغربي في هذه النواحي:

1. أسلوب الإدراك (Perceptual Style)

يتعلق هذا المعيار بكيفية تشخيص المدير للمشكلة وطريقة التفكير فيها وردة الفعل المتوقعة تُجاهها. ويُعدّ عامل الوقت حجر الزاوية ضمن هذا المعيار، إذ يميل المدير الغربي إلى تحليل المشكلة أو أي حدث يطرأ ضمن إطار زمني متسلسل ومنطقي، معناه أنّ المدير الغربي سيكيّف تفكيره وردة فعله على إطار زمني محدّد يُحيط بالمشكلة وفقاً لمبدأ السببية والعقلانية؛ المدير العربي على النقيض من ذلك، لا يولي مسألة التأطير الزمني أهمية جوهرية ولا يعتبره موجّهاً، وإنما يعتبره مجرد أداة تُستخدم لتحقيق غايات الموظفين، وكأنها مورد لا ينفد بسرعة، فهو يُستخدم لتعزيز العلاقات المهنية التي تؤدي دورها لتعزيز الثقة ومشاركة المعلومات، فأسلوب المدير العربي يعتمد على الحدسية والروابط الموجودة بين الأحداث أو الأفراد لتشخيص مشكلة أو حدث ما. على سبيل المثال، لو طُلب من مرشح في مقابلة شخصية وصفُ مشكلة صادفته في العمل ونجح في حلها، فالمدير الغربي يُفضل سماع التفاصيل ضمن تسلسل زمني واضح يصف الأحداث بدقة مجردة، بينما يُفضل المدير العربي سماع الأحداث ضمن قالب به شخصيات وأحداث وأسماء أماكن معينة (وصل فلان للمكتب بعد غروب الشمس مباشرة، فوجد البيانات قد حُذفت من كمبيوتر فلان في مكتبه الذي يقع بمبنى المدينة الفلاني، فتواصل معي وأنا في طريقي للمنزل، فعُدت مباشرة وحللت المشكلة قبل منتصف الليل).

2. تصور الذات (Self Concept)

يتعلق هذا المعيار بمدى تأثير الثقافة في نظرة الفرد لنفسه وتقييمه لها، حيث يميل المدير الغربي إلى تبنّي الشخصية المستقلة الفردية، ويربط قيمته بمدى تفرّده وتميّزه عن الآخرين وعدم انتمائه لأي مجموعة متجانسة، بينما يميل المدير العربي لتحديد هوّيته بناء على شبكة معارفه وانتمائه لمجموعة أكبر، ويعود هذا إلى مجموعة من الأسباب، منها التاريخية على غرار النظام القبلي. والفرق الثاني ضمن هذا المعيار هو ما يسمّيه الخبراء نطاق التحكّم (Locus of Control)، وهو درجة أو مدى اعتقاد الناس أنهم متحكمون في الظروف التي تؤثر في حياتهم، حيث يعتقد المدير الغربي أن حياته يمكن أن يتحكم فيها داخلياً وأن يحقق أي شيء يريده بغض النظر عن الظروف الخارجية مادام يعمل بجد ويحترم القانون (فلسفة الحلم الأمريكي)، بينما يؤمن المدير العربي بتأثير الأحداث الخارجية، خاصة إن كان فهمه للقضاء والقدر قاصراً، حتى أن بعض الغربيين يؤكدون أن شيوع استخدام كلمة “إن شاء الله” هي أحد مظاهر “نطاق التحكّم الخارجي” (External Locus of Control). حس الانتماء للمجموعة يجعل المدير العربي يولي أهمية أكبر لأداء المجموعة ككل ومدى مساهمتها في تحقيق غاية المؤسسة، أكثر من التركيز على الأداء الفردي.

3. الحافز (Motivation)

باختصار الحافز هو ما يقود السلوك الإنساني، وقد حصره عالم النفس فرويد في دافعين اثنين يقودان كل الخيارات هما الرغبة في الحصول على المتعة أو تجنب الألم. من هذا المنطلق، يسعى المدير الغربي إلى تحقيق كل ما هو مرغوب فيه من ثراء وشُهرة وسُلطة، وفي الوقت نفسه يسعى لتجنب الفقر والإحساس بالضعف والحرمان؛ بينما يسعى المدير العربي في العادة لتوسيع دائرة نفوذه، وهنا قد يظهر مفهوم “الواسطة” الذي يدل على قوة تأثير المدير وشبكة معارفه التي تسدي له هذه “الخدمة”. في سياق “الواسطة”، فإن أحد مؤشرات نموذج هوفتسيد، وهو مؤشر “مسافة السلطة”، يُبرز دافعاً آخر وراء انتشارها في البلدان العربية، وهو مؤشر يقيس مدى تقبّل الناس لتوزيع السلطة في المجتمع، أي مدى تقبل الفئات الأقل سلطة في الشركات والمجتمعات لسُلطة من هم أعلى منهم، وبالتالي، فهو يفصل بين المجتمعات التي تتقبل التوزيع العادل للسلطة وتلك التي لا تقبل بذلك. لذلك، ووفقاً لهذا المؤشر، فإن المجتمعات منقسمة إلى نوعين، الأول يتميز ببُعد مسافة السلطة (High Power Distance)، والثاني يتميز بقُرب هذه المسافة (Low Power Distance). البلدان التي فيها مسافة السلطة كبيرة (أو بعيدة)، لن يقوم فيها أعضاء فرق العمل بأي مبادرة، ويفضلون أن يتم توجيههم وإدارتهم لإكمال المهمة. إذا لم يتولى المدير المسؤولية، فقد يعتقد المرؤوسون أن المُهمة ليست مهمّة، كما أنّ الواسطة تنتشر في هذا النوع من البلدان، لا سيما بعض البلدان العربية، لأنّ الكل يخضع للسلطة الهرمية وطلبات المدير، وهذا على عكس البلدان التي تتسم بقصر مسافة السلطة، حيث تسود فيها الديموقراطية ويُعامل الناس بمساواة بغض النظر عن مناصبهم، إضافة إلى أنهم يستطيعون المشاركة في اتخاذ القرار وانتقاد المسؤولين.

4. أخلاقيات العمل (Business Ethics)

الأخلاق هي مجموعة القِيم التي تجعل الفرد يميز بين الخير والشر، وتُسمى أيضاً الضمير و”الأنا الأعلى”، ويعرّف الأستاذ يوسف صيداني أخلاقيات العمل على أنها “فرع ضمن موضوع “الأخلاقيات” الأوسع، حيث تعالج قضايا الصواب والخطأ في مجال إدارة الأعمال، وهي تتعلق بتلك القواعد والمعايير التي تُرشد الأشخاص نحو اختيار السلوك الصحيح في بيئة عمل معينة، أي أنها تجيب عن سؤال: ماذا ينبغي لي فعله عند مواجهة مُعضلة أخلاقية؟”

أهم فرق بين المدير الغربي والعربي هنا هو الشعور الذي يصحب كلاً منهما عند اقتراف أخطاء وتجاوز حدود أخلاق المهنة، مثل تسريب معلومات خاصة بالمؤسسة لمنافسين. المدير الغربي يشعر بالذنب وتراوده أفكار سلبية وحتى اضطرابات القلق التي قد تقوده في النهاية إلى الاعتراف، وهو شعور مستقل عن تأثير المجتمع، بينما يشعر المدير العربي بالعار أو الخزي، وهو شعور مرتبط بتأثير المجتمع وله علاقة بالشرف الشخصي لذلك يصعب عليه الاعتراف بالخطأ وتحديداً قول عبارة “أنا المسؤول”، لما لذلك علاقة بالتأثير الخارجي ونطاق التحكم المذكور آنفاً.

يؤكد الأستاذ يوسف صيداني في مقاله “دليل المدير إلى أخلاقيات العمل” إنّ الثقافة العربية تُبرز فضيلة المروءة وُهي التي يقال عنها أنها “جِماع الأخلاق كلها عند العرب”، ويشكل هذا معياراً أساسياً يمكن الاستناد إليه في التعاملات الاجتماعية والاقتصادية؛ كما وقد يستند بعض المدراء إلى قيَمهم الدينية في تبرير ابتعادهم عن الأمور غير الأخلاقية في بيئة العمل. والأديان بصفة عامة تأمر بالعدل وتحرّم الظلم الرشاوى والفساد، وتحث على القاعدة الذهبية في التعامل “أن تعامِل الآخرين كما تودُ أن يعاملوك” أي بكل عدالة وإنصاف. وفي البلدان العربية تحديداً، توجد ضرورة ملحة لمقاربة موضوع الأخلاق في عالم إدارة الأعمال. على سبيل المثال، قاد الأستاذ صيداني دراسة شملت أكثر من 200 مدير وموظف في أكثر من بلد عربي حيث تبيّن أن نحو 67% منهم واجهوا حادثة خلال العام قام فيها أحد الموظفين بمخالفة القانون أو انتهاك قواعد السلوك الأخلاقي.

5. أسلوب التواصل (Communication Pattern)

التواصل عملية تفاعلية، وأحياناً ما ينوي المُرسل إيصاله سواء شفوياً أم كتابياً ليس ما يتلقاه فعلاً مستقبل الرسالة. المدير العربي بطبعه لا يُحب أن يُرفض طلبه نظراً لما ذكرنا في عنصر الحافز، أي أنه يحب دائماً “حفظ ماء وجهه”، وفي الوقت ذاته لا يحب أن يحرج الآخرين لذلك تجده يلجأ إلى أسلوب التواصل غير المباشر، كما أنه نادراً ما يقول “لا” بأسلوب صريح، حيث غالباً ما يستخدم الإشارات غير اللفظية واللغة الضمنية للتعبير عن رسالته. بينما يميل المدير الغربي إلى الأسلوب المباشر الصريح واستخدام عبارة “دعني أذهب مباشرة إلى جوهر الموضوع” (let me get straight to the point). هوفتسيد ذكر في كتابه “آثار الثقافة” أنّ الاجتماعات التي يقودها مدير غربي لا يتجاوز فيها الحديث الجانبي 10% من وقت الاجتماع، بينما الاجتماعات التي يقودها مدير عربي يُولى فيها اهتماماً ووقتاً أكبر بكثير للحديث الجانبي الذي يبني الثقة والعلاقات الشخصية.

ما ذكرناه من فروقات لا تقبل التعميم دائماً، إذ هي فروقات مبنية على أبحاث علمية ضمن سياق محدد قد لا يمكّن من التعميم الدائم على الكل، ثم إنّ بعض المدراء من أصل عربي تبنوا الأسلوب الغربي في الإدارة وحققوا نجاحاً باهراً؛ فعلى سبيل المثال، حقق كارلوس غصن ما يشبه معجزة في عالم الأعمال عندما أنقذ شركة نيسان (Nissan) من الإفلاس بعدما تولى منصب الرئيس التنفيذي عام 1999، وهو لبناني الأصل على غرار المهندس اللامع الآخر والرئيس التنفيذي السابق لشركة سواتش (Swatch) لصناعة الساعات نيكولاس حايك، الذي أنقذ بدوره صناعة الساعات السويسرية من الهجوم الكاسح الذي تعرضت له من الساعات الإلكترونية اليابانية خلال ثمانينات القرن الماضي. وصف كارلوس غصن عقلية اللبنانيين بأنها “دولية”، يعني أنهم أشخاص متعددو الثقافات يستطيعون التأقلم بسرعة خارج حدود الوطن الأم، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل متعلقة بالبيئة التي نشؤوا فيها وساعدت في إكسابهم هذه العقلية التي يسميها بعض الباحثين “الحرباء الثقافية” (Cultural Chameleon)، سكان هونغ كونغ على سبيل المثال يعدّون أيضاً متعددي الثقافات نظراً لتاريخ المدينة. من السمات الأخرى للمدراء متعددي الثقافات قدرتهم على العمل بفعالية في أكثر من ثقافة واحدة، كإتقانهم للعديد من اللغات أو تحلّيهم “بعقليات متعددة الثقافات“، بمعنى أنهم قادرون على التفكير بأساليب تعكس ثقافات متعددة.

الجدير بالذكر أنّه ووفقاً لتقرير حديث صادر عن مركز ماكنزي العالمي للأبحاث، سيصل عدد الأشخاص الذين ينتمون لشريحة العمالة العالمية إلى 3.5 مليارات نسمة بحلول عام 2030، وعلى الرغم من ذلك سيكون هناك نقص في العمالة الماهرة. والأرجح أنّ نتيجة ذلك تتمثل في المنافسة العالمية المتصاعدة على المواهب. وبدلاً من افتراض أننا سنعمل ضمن موقع واحد، في ثقافتنا الأم، سنحتاج إلى مهارات وتوجهات وسلوكيات جديدة تساعدنا على معرفة كيف نعمل بنجاح عبر الثقافات المختلفة وتحت إمرة مدراء من خلفيات متباينة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .