لماذا يعتبر الفشل أولى خطوات النجاح؟

3 دقائق
الفشل هو أولى خطوات النجاح
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” مؤخراً عموداً حول أفضل الأسهم أداء خلال الأعوام الثلاثين الماضية. وأكثر ما يثير الاهتمام في قصص النجاح العظيمة المذكورة هو أن العديد منها يخص شركات غير معروفة إجمالاً، بل في الحقيقة بعضها يعود لشركات تعمل في مجالات مملة، مثل: السكك الحديدية والتأمين الصحي وأتمتة المكاتب الخلفية. أما الفوز الساحق الذي حقق نمواً في سعر السهم بلغ 107.099% منذ 1985 فقد أحرزته شركة مغمورة تدعى “بالكيم” (Balchem Corp) التي تعمل في مجال المنكهات والإضافات الغذائية لأطعمة الحيوانات، أي أننا لا نتحدث هنا عن فوز لشركة “جوجل” أو “ديزني”. فهل حقاً الفشل هو أولى خطوات النجاح؟

“تجربة الاقتراب من الموت” وعلاقتها بنجاح الشركات

الجزء الأهم من القصة هو الدرس الذي يمكن تعميمه على كل أنواع الشركات بمختلف مجالات عملها، وهو أن كل واحد من نجوم الأداء أولئك قد واجه على الأقل “تجربة الاقتراب من الموت” مرة خلال مسيرة نجاحه الطويلة. ولا أعني بضعة أرباع في السنة من النمو البطيء أو فشل المنتج لمرة واحدة، بل التحول الجذري في السوق، أو الزعزعة التقنية الكبرى، أو الرهان الاستراتيجي الكارثي الذي يهدد وجود الشركة. في حالة “بالكيم”، كان الاستثمار الضخم الذي ضخته الشركة في تكنولوجيا الطلاء بطيئا للغاية من حيث تعويض نفقاته، لدرجة أن الشركة خسرت 53% من قيمتها السوقية في أقل من 13 شهراً. وفي النهاية استغرق الأمر الكثير من الصبر والجرأة والحظ الطيب لتنتقل “بالكيم” من حالة الفشل الذريع إلى نجاح مبهر واستثمار فائق الأرباح

وبينما كنت أمعن النظر في أداء هذه الاستثمارات الفائقة على مدى 30 عاماً، عدت بذاكرتي إلى حدث ساعدت بتنظيمه قبل 20 سنة عندما كنت أحرر “مجلة فاست كومباني” (Fast Company). في محاولة لفهم المنطق الجديد للتغيير والقواعد المستجدة للنجاح، عقدنا مؤتمراً تحت عنوان “كيف تطيح بشركة ناجحة؟” لم يكن المؤتمر مجرد لقاء يضم المهووسين بالإنترنت أومؤسسي الشركات الناشئة المتحمسين لإنشاء شركاتهم. بل كان تجمعاً للمسؤولين التنفيذيين، والخبراء الاستراتيجيين، وعملاء التغيير من مختلف الشركات الكبرى المرموقة أمثال “زيروكس” (Xerox)، و”ليفي شتراوس” (Levi Strauss)، و”روش” (Roche)، و”سيتي غروب” (Citigroup)، الذين شعروا بوجود تحولات ضخمة تلوح في الأفق والذين عقدوا العزم على خوض هذه التحولات واحتضان جيل جديد من نماذج الأعمال، والدخول في عصر جديد من التكنولوجيا والاتصالات، وتحقيق مستوى جديد من توقعات العملاء ومن التقدم والتطور.

بعبارة أخرى، كانوا قادة يتطلعون لأن تحقق شركاتهم فوزاً ساحقاً بأقصر وقت ممكن دون خوض تجربة الاقتراب من الموت. كانت فكرة المؤتمر مذهلة، لكنها ذهبت هباء منثوراً. بذلت “زيروكس” قصارى جهدها، لكن صراعاتها الطويلة أودت بها لتعلن مؤخراً عن تفكيكها وإعادة هيكلتها. وكشركة وعلامة تجارية فارقة، انتقلت شركة “ليفي شتراوس” من أيقونة أميركية إلى حالة الصراع من أجل البقاء. وعلقت شركة “سيتي غروب” في الأزمة المالية ولم تعد لسابق عهدها أبداً.

ما هي “مفارقات الخبرة”؟

تُرى ما سبب الصعوبة التي تواجهها الشركات والقادة لاحتضان التغيير وطي صفحة الماضي دون خوض تجربة الاقتراب من الموت؟ الجواب كما أعتقد يتعلق بما وصفته خبيرة الابتكار الاستراتيجية سينثيا بارتون ريب “مفارقات الخبرة”. يتصارع الكثير من الشركات والقادة، وغالباً أفضل الشركات وأنجح القادة، مع الواقع المحبط المتمثل بأنه كلما كنت مغموراً في السوق أو في صنف منتجك، أو التكنولوجيا التي تطبقها، زادت صعوبة قدرتك على أن يتفتح ذهنك لنماذج عمل جديدة من شأنها أن تعيد صياغة ذلك السوق أو إثارة طرق جديدة لتحقيق قفزة نوعية في تلك التكنولوجيا. ليس من الضروري أن تكون النتائج السابقة عدواً للإنجازات الخارقة لاحقاً، لكنها قد تكبح من قدرتك في السيطرة على المستقبل.

تناقش سينثيا فكرتها قائلة: “عندما يتعلق الأمر بالابتكار، تجد أن الخبرة التي تحصل عليها بشق الأنفس، وأفضل الممارسات والعمليات التي تشكل حجر الزاوية في نجاح المؤسسة قد تكون هي ذاتها الأثقال التي تهدد المؤسسة بالغرق. بعبارة أخرى، إن ثقل ما نعرفه، وعلى الأخص ما نعرفه بشكل جماعي، يقتل الابتكار لدينا، فلماذا يمكن أن تكون كل من المعرفة والخبرة عاملين قاتلين للابتكار؟ لأننا عندما نصبح خبراء، فإننا غالباً ما نتجاهل السؤال الإبداعي “ماذا لو” ونتشبث بالواقع لنسأل “ما هو”.

تمنيت لو أن لدي برنامج من 5 خطوات ليساعد القادة في التغلب على مفارقات الخبرة، أو مجموعة من الاستراتيجيات المضمونة التي من شأنها أن تلهم بنتائج تحولية بمعزل عن حدوث أزمة استراتيجية مروعة. ولكن للأسف، تبيّن أن الأداء الناجح للاستثمارات فائقة الأرباح التي أدرجتها صحيفة “وول ستريت جورنال”، وأن الصراعات المريرة التي خاضها القادة في مؤتمر “فاست كومباني” بحسن نية، توحي بأن الإجابات البسيطة قد تكون مجرد ضرب من التمني أو أحلام اليقظة. ويبدو أنه كلما تغيرت الأمور أكثر، تظل التحديات التي تواجه قيادة التغيير كما هي. لا يزال الأمر يستحق محاولة أن “تطيح” بشركتك الناجحة، لكن لا تتفاجأ إذا كان الازدهار طويل الأمد يتطلب منك مواجهة موتها لأن الفشل هو أولى خطوات النجاح كما ذكرنا أعلاه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .