كيف تعوّد نفسك على التفكير خارج الصندوق؟

11 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في مساء يوم 14 أبريل/نيسان 1912، اصطدمت السفينة “آر إم إس تايتانك” بجبل جليدي في شمال المحيط الأطلسي وغرقت بعد ساعتين و40 دقيقة. ومن ركابها وطاقمها البالغ عددهم 2,200 شخص، نجا 705 منهم فحسب، نقلهم 16 قارب نجاة إلى السفينة كارباثيا. ولك أن تتخيل عدد الأشخاص الذين ربما كان ستتسنى لهم النجاة لو أنّ أفراد الطاقم قد فكروا في الجبل الجليدي ليس بصفته سبباً في الكارثة بل بصفته حلاً لإنقاذ الأرواح. إذ كان الجبل الجليدي يرتفع فوق الماء ويمتد طوله نحو 400 قدم. وربما كان يمكن لقوارب النجاة نقل الأشخاص إلى الجبل الجليدي للبحث عن بقعة مسطحة عليه. وكانت السفينة “تايتانك” نفسها صالحة للملاحة لفترة من الوقت وربما كانت قادرة على الاقتراب بما فيه الكفاية من الجبل الجليدي لكي يتسنى للأشخاص بلوغه. إلا أنّ عملية الإنقاذ هذه لم تكن سابقة جديدة؛ فقبل نحو 60 عاماً، أنقذ 127 مسافراً من أصل 176 مسافراً مهاجرين من أيرلندا إلى كندا أنفسهم في خليج سان لورانس عن طريق التسلق على متن طوف جليدي.

ومن المستحيل معرفة ما إذا كانت محاولة الإنقاذ هذه ستنجح أم لا. غير أنها، على الأقل، تُعد فكرة مثيرة للاهتمام، إلا أنّ من المستغرب أنه يصعب تصورها. فلو أنك طلبت من مجموعة من المدراء التنفيذيين، وحتى مدراء المنتجات والمسوّقين المبدعين، التوصل إلى سيناريوهات مبتكرة يمكن أن يجري فيها إنقاذ ركاب السفينة تايتانك جميعاً، فمن المرجح أن يخفى هذا الأمر عليهم مثلما خفي على طاقم السفينة. والسبب في ذلك هو وجود تحيز نفسي شائع – يُطلق عليه الثبات الوظيفي – يحد من رؤية الشخص لأمر ما لتكون فقط بالطريقة المستخدمة عادة. وفي سياق بحري، يمثل الجبل الجليدي خطراً يجب تجنبه، ومن الصعب للغاية رؤيته بأي طريقة أخرى.

وعندما يتعلق الأمر بالابتكار، يُعوق الثبات الوظيفي والتحيزات المعرفية الأخرى التي تجعل الأشخاص يتجاهلون الحلول المثالية المتخفية أمام أعين الشركات باستمرار. وقد أمضينا سنوات نستكشف كيفية تطوير التصميمات المبتكرة من خلال الاستفادة من قدرات الأشياء التي نتجاهلها في العادة. وحددنا التقنيات والأدوات للمساعدة في التغلب على الفخاخ المعرفية وحل المشكلات بطرق ابتكارية، سواء أكان ذلك تصوّر منتجات جديدة أو العثور على تطبيقات جديدة للمنتجات الحالية أو توقع تهديدات تنافسية. ولا يتطلب استخدام هذه الأدوات مواهب خاصة أو مستويات خارقة من الإبداع، وتشكل، عند تنفيذها مجتمعة، طريقة بسيطة ومنخفضة التكلفة ومنهجية لتحفيز الابتكار.

ولفهم كيفية عمل هذه الأدوات، دعونا أولاً نلقي نظرة على الحواجز المعرفية الثلاثة التي تعالجها.

الثبات الوظيفي

في الثلاثينيات من القرن الماضي، أظهر عالم النفس الألماني كارل دنكر ظاهرة الثبات الوظيفي بلغز مشهور. إذ أعطى الأشخاص شمعة وصندوقاً من مسامير تثبيت الورق وعلبة أعواد ثقاب، وطلب منهم أن يجدوا طريقة لإلصاق الشمعة على الحائط بشرط ألا يتساقط الشمع على الأرض عند إشعال الشمعة. ووجد الكثير من الأشخاص صعوبة في إدراك أن الإجابة كانت تكمن في تفريغ صندوق المسامير وإلصاق الشمعة بداخل الصندوق باستخدام الشمع المذاب ثم تثبيت الصندوق على الحائط. فيعمل الصندوق نفسه رفاً يسند الشمعة ويلتقط الشمع المتساقط. ونظراً لأن الصندوق قُدّم للمشاركين باعتباره حامل مسامير، لم يتمكنوا من رؤيته بأي طريقة أخرى.

وفي الألغاز المماثلة – التي يعرفها علماء النفس المعرفي باسم “مشكلات الرؤية” – يجد الأشخاص صعوبة في رؤية أنه عند الاحتياج يمكن استخدام كرسي الحديقة البلاستيكي باعتباره مجدافاَ (اقلبه وامسك بساقيه وابدأ التجديف)، وأنه يمكن تفريغ كرة السلة وتشكيلها على شكل وعاء واستخدامها في نقل الفحم الساخن بأمان من موقع إلى آخر، أو أنه يمكن استخدام فتيلة الشمعة لربط الأشياء ببعضها البعض (كشط الشمعة لاستخراج الخيط).

ما الذي يسبب الثبات الوظيفي؟ عندما نرى شيئاً شائعاً، فإننا نستبعد تلقائياً الوعي بالميزات غير المهمة لاستخدامه. وهذا تكتيك عصبي فعال للحياة اليومية، لكنه عدو للابتكار.

وإحدى الطرق التي تستخدم للتغلب على هذه المشكلة هي تغيير كيفية وصف الشيء. على سبيل المثال، يدرك الجميع تقريباً، عند إخبارهم أن فتيلة الشمعة هي عبارة عن خيط، أنه يمكن استخدامها لربط الأشياء ببعضها البعض. ويُعد أسلوبنا المسمى “أسلوب الأجزاء العامة” طريقة منهجية لتغيير طريقة وصف الشيء لتجنب تضييق مفهوم الأشخاص له عن غير قصد، وفتح الباب أمامهم للمزيد من الأفكار لاستخداماته.

نحن نعتبر كل عنصر من عناصر الشيء شيئاً بدوره ونطرح سؤالين: هل يمكن تجزئته أكثر من ذلك؟، وهل يعني وصفنا له استخداماً معيناً؟ فإنْ كانت الإجابة عن أي سؤال من السؤالين بنعم، فسوف نستمر في تجزئة العناصر إلى أن توصَف بأكثر عباراتها عمومية، ووضع النتائج على شجرة بسيطة. وعند وصف جبل جليدي بشكل عام على أنه سطح عائم يبلغ طوله ما بين 200 قدم إلى 400 قدم، فإن إمكاناته بصفته مركبة بحرية لإنقاذ الأرواح سرعان ما ستظهر.

وعندما نطلق على شيء “الفتيل”، فذلك يعني استخدامه باعتباره قناة للهب. بينما يزيل وصفه باعتباره “خيطاً” مستوى الاستخدامات المتصورة مسبقاً ويقترح استخدامات أقل شيوعاً. ومن شأن تجزئته إلى الأجزاء المكونة له من “الخيوط الليفية” أن يسفر عن مزيد من الاستخدامات.

ولمعرفة ما إذا كان إيجاد أوصاف عامة يعزز التفكير الإبداعي، عرض فريقنا البحثي على مجموعتين من الطلاب ثماني مشكلات من مشكلات الرؤية التي تتطلب التغلب على تحيز الثبات الوظيفي من أجل حلها. وأخبرنا أعضاء إحدى المجموعتين ببذل قصارى جهدهم فحسب. بينما علّمنا المجموعة الأخرى أسلوب الأجزاء العامة ثم طلبنا منهم استخدامه في حل المشكلات. وتمكن الأشخاص في المجموعة الأولى من حل 49% من المشكلات في المتوسط (ما يقارب أربع مشكلات). بينما كان بوسع أولئك الذين شاركوا بشكل منهجي في إيجاد أوصاف عامة لمواردهم حل 83% من المشكلات في المتوسط (أو 6.64) من هذه المشكلات الثمان.

التعلّق بالتصميم

يمكن حل مشكلات الرؤية البسيطة في مختبر لعلم النفس من خلال التركيز على أربعة أنواع فقط من الميزات، وهي: المواد والحجم والشكل والأجزاء. غير أن حلول المشكلات الهندسية في العالم الواقعي تعتمد غالباً على ملاحظة الجوانب غير العادية لمجموعة واسعة من الميزات. وهذا أمر صعب للغاية كما أشرنا.

وقد درسنا هذه الظاهرة عن طريق طلبِنا من 15 شخصاً إدراج أكبر عدد ممكن من الميزات والروابط بين الشمعة والمكنسة وعشرات الأشياء الشائعة الأخرى. ومن ثم صنفنا ردودهم حسب نوع الميزة، بما في ذلك اللون والشكل والمادة والاستخدام المصمم والخصائص الجمالية، إلى جانب المشاعر التي تثيرها، وحتى نوع الطاقة التي تولدها، والأشياء التي تقترن بها عادة. وفي المتوسط، تجاهل المشاركون ما يقرب من 21 نوعاً من أصل 32 نوعاً من الميزات (حوالي 65%) التي حددناها مسبقاً لكل شيء من هذه الأشياء.

والسبب في ذلك أن الأشخاص عندما يتسلمون منتجاً ويُطلب منهم وضع تصميم جديد له أو إجراء تغيير فيه، فإنهم يركزون غالباً على ميزات التصميم الحالي. ويُطلق على هذه العقبة التي تحول دون الحداثة التعلّق بالتصميم. ولنأخذ مثالاً من العالم الواقعي، فعندما يُعرض على الأشخاص كيس متين وقابل لإعادة الإغلاق مليء بالحلوى ويُطلب منهم التفكير في تصميم جديد يمكن أن يؤدي إلى استخدامات جديدة له، فإنهم غالباً يتدبرون أنواع الميزات المستخدمة لإنشاء التصميم الحالي، أي أنهم يركزون على عرض قاعدة الكيس أو صلابة البلاستيك الذي يُبقيه ثابتاً. إذ يلزمك، لكي تكون ابتكارياً حقاً، تدبّر الميزات التي يتجاهلها الجميع.

ولكن كيف يمكنك أن تفعل ذلك؟ مثلما استخدم الطيارون قوائم المراجعة منذ وقت طويل للتأكد من عدم تخطيهم لأي خطوات ضرورية عند التحضير لرحلة طيران، طوّرنا قائمة مراجعة لأنواع ميزات المنتج التي غالباً ما يتجاهلها الأشخاص. وسواء أكان منتجك شيئاً مادياً أو عملية غير ملموسة، نوصيك بتطوير قائمة للمراجعة بالميزات التي كانت مهمة لمشاريع الابتكار السابقة والحالية الخاصة بك وإضافة ميزات إلى القائمة مع كل مشروع جديد. ويمكن للفِرق العاملة في مشاريع الابتكار الاسترشاد بالقائمة لحفزهم على النظر في الميزات التي ربما يغفلونها، وبالتالي توفير الوقت والجهد والإحباط. وقد أتاحتْ لنا دراسة كيس الحلوى مع وضع قائمتنا للمراجعة في الاعتبار الكشف بسهولة عن العديد من الميزات التي يمكن أن تؤدي إلى تصميمات جديدة واستخدامات جديدة. أولاً، كل كيس يباع يحتوي على شيء بداخله. وهذه الميزة واضحة للغاية يتم التغاضي عن عدم وجودها عادة. لمَ لا تبيع الأكياس الفارغة بحيث يمكن للعملاء أن يقرروا الأغراض التي يستخدمونها فيها؛ مثل المجوهرات والفكة واللوازم الأساسية ومستحضرات التجميل وما إلى ذلك؟ ولك أن تتخيل الأكياس الفارغة إلى جانب أكياس الساندويتش وأكياس المجمدات وأكياس التخزين في السوبر ماركت. ثانياً، معظم الأكياس المباعة هي بحجم يدك. ويضفي النظر بطريقة منهجية في إجراء تغييرات على حجم الأكياس أفكاراً جديدة للمحتويات المحتملة لهذه الأكياس. يمكنك، على سبيل المثال، بيع غالون من الدهان في كيس قابل لإعادة الإغلاق. ثالثاً، الأكياس الحالية لديها حيّز داخلي واحد. ولكن ماذا يمكن أن تفعل بكيس له أكثر من حيّز؟ يمكنك، على سبيل المثال، بيع الأكياس المكونة من جزأين للأشياء التي ترغب في مزجها معاً لاحقاً، مثل وضع الحبوب في الجزء العلوي من الكيس ووضع الحليب في الجزء السفلي، ووضع السَلطة في الجزء السفلي والصلصة في الجزء العلوي، وما إلى ذلك. رابعاً، النظر إلى الكيس باعتباره وعاءً للروائح (أو باعتباره وسيلة احترازية منها). يمكنك بيع كيس كبير باعتباره صندوق للقمامة يُغلق ليحتفظ بالرائحة. وهذه مجرد أمثلة قليلة من التصميمات الجديدة التي تنبثق من التفكير في قائمة مراجعة للميزات التي لا تحظى بالملاحظة.

التعلّق بالهدف

لنفترض أننا طلبنا منك التفكير في طريقة لإلصاق شيء ما بصندوق قمامة. من المحتمل أن تفكر، مثل معظم الأشخاص، في استخدام الغراء أو الشريط، وكليهما من المواد اللاصقة. ولكن ماذا لو طلبنا منك بدلاً من ذلك ربط شيء ما بالصندوق؟ من شأن مجرد تغيير فعل معين مثل “اللصق” بفعل أكثر عمومية أن يدفعك على الأرجح إلى سرد مجموعة واسعة من الاحتمالات مثل: الدبوس اللاصق ودبوس الورق والمسمار والخيط والشريط اللاصق، وهلم جرا. وهذا لأن طريقة صياغة الغرض غالباً ما تضيّق حيّز تفكير الأشخاص. ونسمي هذا الحاجز “التعلق بالهدف”. ويمكن أن يساعد وضع إطار للمشكلة بعبارات أكثر عمومية في التغلب عليها.

ولكن يمكن أن يكون من الصعب تحديد العناصر التي تشكل “مصطلحاً أكثر عمومية”. هل “الربط” أكثر عمومية من “اللصق”؟ وأحد المصادر الجيدة لتحديد المصطلحات هو قاموس المرادفات الذي يجعل الهيكل الهرمي واضحاً عن طريق تحديد الكلمات المنضوية تحتها، وهي المرادفات الأكثر تحديداً. على سبيل المثال، يشير قاموس المرادفات عبر الإنترنت، “وورد نت” (WordNet)، إلى وجود 61 طريقة على الأقل لربط الأشياء، بما فيها: الخياطة والمشبك والتصفيد والرباط والشريط والخطاف ومشبك الأوراق، والحزام، والمسمار المقلوظ، والسلك، والمِحبك، والأسمنت، ودبوس الرسم والوصلة والأزرار ومسمار البرشام. وتصف كل طريقة من هذه الطرائق مفهوم الربط بين شيء وآخر بطريقة مختلفة قليلاً، وتفضي إلى حلول متنوعة. وعلى النقيض من ذلك، ليس لكلمة “لصق” سوى أربع كلمات منضوية تحتها.

وغالباً ما تكون لدى كلمات الفعل، وهي المحور الأساسي لمعظم الأهداف، كلمات منضوية تحتها. وتشير كل كلمة منضوية إلى طريقة أكثر تحديداً لتحقيق الهدف. فتوجد 172 كلمة منضوية تحت كلمة “إزالة” و50 كلمة منضوية تحت كلمة “دليل” و46 كلمة منضوية تحت كلمة “نقل” و115 مصطلحاً منضوياً تحت كلمة “فصل”، ولعل من المستغرب وجود 24 كلمة فحسب منضوية تحت كلمة “مزج” التي تبدو مصطلحاً عاماً للغاية.

ويتكون الهدف، بالطبع، من أكثر من فعل فحسب. إذ يعبّر الفعل عن نوع التغيير الذي تبحث عنه، بيد أن الأسماء تعبّر عما يلزمه التغيير، وتعبّر عبارات الجر عن القيود والعلاقات المهمة بين الأشياء. ضع هذه المكونات سوية، وسيمكن التعبير عن أي هدف تقريباً بصفته فعلاً (ربط) واسماً (شيء) وعبارة جر (بصندوق قمامة). جرّب ذلك في: زيادة المبيعات في ولاية ماساتشوستس، وتقليل الاهتزازات في الزلاجات، وهلم جرا. فتستطيع، من خلال وضع هدفك في هذه الصيغة واللعب على الكلمات المنضوية تحت كل جزء من أجزائها، استكشاف أساليب متنوعة تجاه مشكلتك بطريقة بسيطة وفعالة من حيث التكلفة.

وإليك الطريقة التي نجح بها هذا النهج عندما طبّقه أحدنا (وهو جيم) على هدف من الحياة الواقعية يتمثل في تقليل حالات الارتجاج في كرة القدم الأميركية. أولاً، أسقطَ عبارة الجر “في كرة القدم” من الاعتبار وركز على الفعل والاسم: “تقليل حالات الارتجاج”. واستخدم، للتحرر من قيود الافتراضات الخفية، قاموس المرادفات “وورد نت” لإعادة صياغة الهدف بمختلف الطرق الممكنة، مثل: تقليل الصدمة النفسية وتخفيف الاصطدامات وتقليل الصدمات وتخفيض الطاقة وامتصاص الطاقة وتقليل القوة وتبادل القوى واستبدال الطاقة ومقاومة الطاقة وصد الطاقة وتخفيف الاندفاع، وهلم جرا. وأجرى، باستخدام محرك البحث “جوجل”، عمليات بحث مثل “حالات الارتجاج تقلل من الصدمات النفسية” لمعرفة ما هي طرق صياغة الهدف التي جرى البحث عنها بشكل كبير بالفعل والطرق التي لم تُحظ بالبحث.

وجد جيم أنه في سياق حالات الارتجاج، كانت عبارة “صد الطاقة” قليلة نسبياً في نتائج البحث، وهي علامة على أن الحل الذي تنطوي عليه ربما لم يحظ بالملاحظة. وإحدى الطرق لصد الطاقة هي من خلال المغناطيسات، وهذا يقترح نهجاً يمكن اتباعه، وهو جعل كل خوذة مغناطيسية بالقطب نفسه حتى يتسنى لخوذتين صد بعضها البعض عندما تكونان على مقربة. وأظهرت النتائج من الاختبارات الأولية أن الخوذات تباطأت عندما كانت على وشك الاصطدام، وأنها كانت، بسبب شكلها الدائري، غالباً ما تتفرق عن بعضها البعض، مثلما هو حال كرات البلياردو المغناطيسية، بدلاً من تحطمها وجهاً لوجه. وقد تحقق العديد من علماء الفيزياء من معقولية هذا النهج لتقليل القوة بشكل كبير خلال تصادم الخوذات.

وقد بدأنا عملية تسجيل براءة الاختراع لهذا الحل الذي ابتكرناه، غير أن محامينا اكتشف أن أحد الأشخاص قدّم الفكرة نفسها قبل أسابيع فقط. ونحن نرفع قبعاتنا تحية لذلك الشخص.

تصوّر التفكير الابتكاري

يتكون حل المشكلات في مستواه الأساسي من نشاطين مترابطين، هما: وضع إطار لهدف وتجميع الموارد لتحقيقه. ويمكن أن يشير كل تغيّر في الهدف وكل اكتشاف لميزة “خفية” لمورد من الموارد المتاحة إلى مسار مختلف لحل المشكلة. ويتضمن نهجنا تحديد العلاقات بين جميع الاحتمالات في رسم بياني بسيط مماثل إلى حد ما لشجرة القرارات.

su_expand more_text=”المزيد” less_text=”أقل ” height=”80″ link_color=”المزيد” link_align=”right”]

طريقة أذكى للعصف الذهني

عندما ينشئ الأشخاص رسوماً بيانية للتضافر الذهني معاً، من الأفضل أن تعمل المجموعة في البداية في صمت، وأن تكتب مساهمات على الملاحظات اللاصقة، وتضع الملاحظات اللاصقة في المكان المناسب على الرسم البياني المتنامي باستمرار. وتشمل فوائد الصمت ما يلي:

  • لا تستطيع القلة الثرثارة السيطرة على الجلسة.
  • لا توجد حاجة لمنسق لمنع الأشخاص من اختطاف المناقشة أو إصدار الأحكام على الآخرين.
  • يمكن للأشخاص العمل بشكل متواز بحيث يجري التوصل إلى الأفكار بشكل أسرع.
  • لا يلزم أن يضع أحد ملخصاً للجلسة. قم بالتقاط صورة للرسم البياني وتوزيعها عن طريق البريد الإلكتروني، أو احتفظ فحسب بالرسم البياني على الجدار للاستخدام في وقت لاحق.
  • لا توجد حاجة إلى تجميع الأفكار المتشابهة معاً، كما هو الحال في جلسات العصف الذهني التقليدية، لأنّ التجميع يتم عند إنشاء الرسم البياني.
  • الأفكار مقتضبة، لأنّ المساهمات كلها يجب أن تُكتب في ملاحظات لاصقة.
  • يتيح الصمت للأشخاص الانتقال بين التفكير وكتابة الأفكار ووضعها على الرسم البياني والاستفادة من أفكار بعضهم البعض.
  • يمكن للمفكرين بصورة تنازلية (المعنيين بالصورة العامة) العمل جنباً إلى جنب مع المفكرين بصورة تصاعدية (الذين يركزون على التفاصيل).
  • تقليل الخوف من الأحكام التي يصدرها المدير أو الزملاء.
  • لا توجد حاجة لحضور الجميع في الوقت نفسه أثناء الجلسة. فيمكن أن يبقى الرسم البياني على الجدار حتى يتمكن الأشخاص من المساهمة في أوقات مختلفة. ويتيح التضافر الذهني للمجموعات من جميع أنحاء العالم العمل معاً عن بُعد.

/su_expand]

وبدءاً من الهدف في الأعلى، فإننا نمثل كل تنقيح للهدف بصفته متجهاً نحو الأسفل. وتوضع الموارد المتاحة في الأسفل مع توسيع ميزاتها لأعلى. وتمتد التفاعلات بين الموارد وميزاتها نحو الأعلى. وعندما تتصل مجموعتا المتجهات، يكون لدينا “مسار حل”. ويمكن بناء مسار حل من خلال العمل تنازلياً وتصاعدياً أو من خلال التبديل جيئة وذهاباً بين النظر في الهدف والتفكير في الموارد.

ويُعد هذا النهج بديلاً فعالاً لجلسات العصف الذهني التقليدية لأعمال الابتكار الجماعي، لأنه يتيح للأشخاص اللعب على نقاط قوتهم؛ فيمكن للأشخاص أصحاب المنحى الاستراتيجي التركيز على تنقيح الهدف، في حين يمكن للأشخاص الأكثر دراية بالتقنيات وعمليات الإنتاج البدء بالموارد. ونطلق على هذا النهج “التضافر الذهني” في إشارة إلى مفهوم ذكاء السرب. إذ عندما يُساهم الأشخاص في الرسم البياني المتنامي، يشبه نشاطهم سرباً من الحشرات.

ولكي نفهم كيف يعمل هذا النهج، دعونا نعود إلى المشكلة التي واجهت ركاب السفينة “تايتانك”. سنبدأ بالهدف وهو “إنقاذ الركاب”. فالموارد الأكثر وضوحاً هي قوارب النجاة. وأبسط تطبيق للموارد لتحقيق الهدف هو “وضع الأشخاص في قوارب النجاة”. وهكذا، نبدأ بخط مستقيم.

وبعد ذلك، نجد سبلاً مختلفة للتعبير عن الهدف لإظهار حلول مختلفة. على سبيل المثال، ستتمثل الأهداف المختلفة قليلاً في “تدفئة الأشخاص وإبقاؤهم أحياء” و”إبقاء الأشخاص خارج الماء”. ودعونا ننظر عن كثب إلى أحد الخيارات وهو إبقاء الأشخاص خارج الماء. إحدى الطرق لفعل ذلك هي وضعهم على أشياء عائمة – ليس قوارب النجاة فحسب – التي يمكن أن تستحث النظر بصورة أوفى في الموارد المتاحة. وربما تتذكر أن العوامات الخشبية، على سبيل المثال، تشير إلى أن الطاولات الخشبية يمكن أن تكون مفيدة. ويمكن أن تكون الألواح، أو ربما الأبواب، من السفينة قد وُضعت بين قوارب النجاة لحمل المزيد من الأشخاص خارج الماء.

ويمكن أن يُذكرنا الانتقال من الأشياء العائمة إلى اعتبارات أكثر عمومية بشأن الطفو بالعديد من الصناديق البخارية على متن السفينة. إذ ربما كان ربط مجموعة من الصناديق لإنشاء نوع آخر من مركبة عائمة مؤقتة يكفي لدعم عدة أشخاص بشكل مباشر أو لتوفير أساس لبناء مركبة أكثر أماناً من الألواح الخشبية.

وكان يقدّر أنّ ما يصل إلى 40 سيارة كانت على متن السفينة. وهذا يعني أن 160 من الإطارات والأنابيب الداخلية (ناهيك عن الإطارات الاحتياطية) كانت تحت تصرف الركاب. وكان من الممكن أن يُنشئ ربط الإطارات المطاطية والأنابيب الداخلية طوفاً عائماً يمكن وضع ألواح خشبية عليه. وبالطبع، فإن الجبل الجليدي نفسه هو شيء عملاق عائم.

وربما ما كان لأي من هذه الأفكار أن ينجح في تلك الليلة من أبريل/نيسان عام 1912، خصوصاً وأن الأشخاص استغرقوا وقتاً طويلاً لفهم الخطر الذي كان يهددهم. إلا أنّ الهدف من هذه العملية ليس اكتشاف “الحل الصحيح” بل الكشف عن أكبر عدد ممكن من الروابط بين الهدف وأوسع رؤية لميزات الموارد المتاحة تتيح للأشخاص أن ينظروا إلى ما هو أبعد من الأمور الواضحة.

ولذا، فالهدف من الرسم البياني للتضافر الذهني هو تقطير عملية حل المشكلات إلى مكوناتها الأساسية، وإظهار مدى ارتباط هذه المكونات ببعضها البعض. ولا يتعين على الأشخاص تذكّر المكونات قيد الدراسة كلها، لأنّ الرسم البياني يعرضها في لمحة. ويزيل هذا النهج المنهجي بعض الغموض عن الابتكار.

ونكتشف في بحثنا أن العوائق التي تحول دون الابتكار تشبه الجاذبية؛ فهي متفشية وقابلة للتنبؤ، وليست كلها بهذه القوة. ويوجد العديد من السبل للتغلب عليها، لكنّ أبسط السبل وأسهلها هو مساعدة المبتكرين على ملاحظة ما يتجاهلونه. وغالباً ما يكون ما يتجاهلونه أمام أعينهم تماماً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .