$User->is_logged_in:  bool(false)
$User->user_info:  NULL
$User->check_post:  object(stdClass)#7065 (18) {
  ["is_valid"]=>
  int(1)
  ["global_remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["number_all_post"]=>
  int(0)
  ["number_post_read"]=>
  int(0)
  ["is_from_gifts_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["all_gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_read_articles"]=>
  int(0)
  ["exceeded_daily_limit"]=>
  int(0)
  ["is_watched_before"]=>
  int(0)
  ["sso_id"]=>
  int(5293)
  ["user_agent"]=>
  string(9) "claudebot"
  ["user_ip"]=>
  string(14) "18.233.223.189"
  ["user_header"]=>
  object(stdClass)#7072 (45) {
    ["SERVER_SOFTWARE"]=>
    string(22) "Apache/2.4.57 (Debian)"
    ["REQUEST_URI"]=>
    string(75) "/%D8%A3%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%88%D8%B6/"
    ["REDIRECT_HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["REDIRECT_STATUS"]=>
    string(3) "200"
    ["HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["HTTP_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_ACCEPT_ENCODING"]=>
    string(8) "gzip, br"
    ["HTTP_X_FORWARDED_FOR"]=>
    string(14) "18.233.223.189"
    ["HTTP_CF_RAY"]=>
    string(20) "86b6e7775ad2577e-FRA"
    ["HTTP_X_FORWARDED_PROTO"]=>
    string(5) "https"
    ["HTTP_CF_VISITOR"]=>
    string(22) "{\"scheme\":\"https\"}"
    ["HTTP_ACCEPT"]=>
    string(3) "*/*"
    ["HTTP_USER_AGENT"]=>
    string(9) "claudebot"
    ["HTTP_REFERER"]=>
    string(194) "https://hbrarabic.com/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%aa-%d9%84%d9%84%d9%85%d9%81%d8%a7%d9%88%d8%b6%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%86/"
    ["HTTP_CF_CONNECTING_IP"]=>
    string(14) "18.233.223.189"
    ["HTTP_CDN_LOOP"]=>
    string(10) "cloudflare"
    ["HTTP_CF_IPCOUNTRY"]=>
    string(2) "US"
    ["HTTP_X_FORWARDED_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_X_FORWARDED_SERVER"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_CONNECTION"]=>
    string(10) "Keep-Alive"
    ["PATH"]=>
    string(60) "/usr/local/sbin:/usr/local/bin:/usr/sbin:/usr/bin:/sbin:/bin"
    ["SERVER_SIGNATURE"]=>
    string(73) "
Apache/2.4.57 (Debian) Server at hbrarabic.com Port 80
" ["SERVER_NAME"]=> string(13) "hbrarabic.com" ["SERVER_ADDR"]=> string(10) "172.21.0.4" ["SERVER_PORT"]=> string(2) "80" ["REMOTE_ADDR"]=> string(13) "162.158.87.38" ["DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["REQUEST_SCHEME"]=> string(4) "http" ["CONTEXT_PREFIX"]=> NULL ["CONTEXT_DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["SERVER_ADMIN"]=> string(19) "webmaster@localhost" ["SCRIPT_FILENAME"]=> string(23) "/var/www/html/index.php" ["REMOTE_PORT"]=> string(5) "47824" ["REDIRECT_URL"]=> string(27) "/أخطاء-التفاوض/" ["GATEWAY_INTERFACE"]=> string(7) "CGI/1.1" ["SERVER_PROTOCOL"]=> string(8) "HTTP/1.1" ["REQUEST_METHOD"]=> string(3) "GET" ["QUERY_STRING"]=> NULL ["SCRIPT_NAME"]=> string(10) "/index.php" ["PHP_SELF"]=> string(10) "/index.php" ["REQUEST_TIME_FLOAT"]=> float(1711621400.29117) ["REQUEST_TIME"]=> int(1711621400) ["argv"]=> array(0) { } ["argc"]=> int(0) ["HTTPS"]=> string(2) "on" } ["content_user_category"]=> string(16) "paid_subscribers" ["content_cookies"]=> object(stdClass)#7073 (3) { ["status"]=> int(0) ["sso"]=> object(stdClass)#7074 (2) { ["content_id"]=> int(5293) ["client_id"]=> string(36) "e2b36148-fa88-11eb-8499-0242ac120007" } ["count_read"]=> NULL } ["is_agent_bot"]=> int(1) }
$User->gift_id:  NULL

العادات الست للمفاوضين الفعالين فقط

28 دقيقة
أخطاء عملية التفاوض
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بلغت قيمة صفقات الاندماج والاستحواذ التي أبرمها المفاوضون على مستوى العالم 3.3 تريليون دولار في العام 1999، ولا يتعدى ذلك كونه مجرد جزء من إجمالي رأس المال الذي تاجر به المفاوضون في ذلك العام. وقبل التوصل إلى إبرام الصفقات الكبرى هنالك العديد من أخطاء التفاوض، والمفاوضات المضنية والطويلة التي يجريها المدراء مع الزبائن والموردين والشركاء والدائنين والحلفاء والمستثمرين المحتملين والموظفين داخل الشركات وعبر الحدود.

وفي الواقع أينما كان هنالك طرفان لهما مصالح وتصورات مختلفة ويعتمد نجاح كل منها على الآخر، يكون التفاوض فيما بينهما مهماً وضرورياً. ولا عجب من قول بوب ديفيس، نائب رئيس شركة “تيرا ليكوس”، إن على الشركات “أن تجعل من مهارة التفاوض كفاءة أساسية لا غنى عنها”.

لحسن الحظ يعرف غالبية المدراء المبادئ الأساسية للتفاوض، سواء أكان ذلك من الكتب المدرسية أم من مدرسة الحياة العملية القاسية، حتى إن بعض المدراء قد اكتسبوا مهارات مذهلة في فنون التفاوض. ومع ذلك فإن الضغط الشديد قد يؤدي إلى ارتكاب أخطاء مكلفة جداً.

وقد تتسلل بعض العادات السيئة إلى آليات التفاوض المتبعة وربما تؤدي الخبرة العملية إلى ترسيخ تلك العادات. وفي الواقع، عندما أفكر في آلاف جلسات التفاوض التي شاركت فيها ودرستها عبر السنين، فإنني أقف مذهولاً أمام حجم وتواتر الأخطاء المرتكبة حتى من قبل المفاوضين الخبراء والمخضرمين، تلك الأخطاء التي قد تؤدي إلى خسارة الأموال أو الاستعصاء أو تدهور العلاقات أو تفاقم الصراعات. (للمزيد من المبادئ النظرية الثرية حول التفاوض التي طورها العلماء والباحثون على مدار الخمسين عاماً المنصرمة يمكن مراجع الفقرة الأخيرة بعنوان “أكاديميون يجلسون على طاولة التفاوض”).

اقرأ أيضاً: المفاوض الماهر قادر على التجاوب مع كل لحظة في المفاوضات

هنالك من الأسباب التفصيلية المتنوعة المؤدية إلى نتائج سيئة في المفاوضات بعدد ما هنالك من أفراد ومن صفقات. ومع ذلك توجد أنماط أعم من الأخطاء، هي التي سنستكشفها في هذه المقالة، وذلك من خلال المقارنة بين ممارسات التفاوض الجيدة والسيئة. ولكن دعونا أولاً ننظر بعمق أكبر إلى المشكلة الحقيقية في التفاوض التي من المفترض أن يحلها منهجك.

تحديد المشكلة الحقيقية في التفاوض

في كل عملية تفاوض يتعين على كل طرف أن ينتقي أحد الخيارين: إما قبول الصفقة وإما الرجوع إلى أفضل خيارات عدم الاتفاق، وهو مسار الأمور في حال لم يكن بالإمكان عقد الصفقة. وكمفاوض عليك أن تسعى إلى تحقيق مصلحتك كاملة من خلال إقناع الطرف الآخر بالموافقة – قولاً وفعلاً – على العرض الذي يلبي مصالحك بشكل أفضل من أفضل خيارات عدم الاتفاق بالنسبة لك. ولكن ما الذي يدفع الطرف الآخر إلى الموافقة؟ لأن الصفقة المقترحة تلبي مصالحه الخاصة بشكل أفضل من أفضل خيارات عدم الاتفاق بالنسبة له.

إذاً، بينما تسعى إلى تحقيق مصالحك، ستجد أن مشكلتك في التفاوض هي فهم قرار الطرف الآخر والتأثير به – الموافقة مقابل عدم الموافقة – بحيث تدفعه إلى الموافقة على الخيار الأفضل بالنسبة لك ولكن انطلاقاً من مصلحته الخاصة. وكما قال الدبلوماسي الإيطالي دانيال فاري منذ زمن بعيد عن العمل الدبلوماسي: “التفاوض هو فن جعل الآخرين يسيرون على دربك”.

اقرأ أيضاً: صفات المفاوض الناجح

قد يبدو هذا النهج إذا ما نظرنا إليه نظرة سطحية وكأنه يدعو إلى التلاعب بالآخرين، ولكن في الواقع إن فهم مصالح الطرف المقابل والتأثير في قراره ودفعه للموافقة على ما تريده أنت انطلاقاً من أسبابه الخاصة، يعد المفتاح الرئيس لخلق القيمة المشتركة والمستدامة من عملية التفاوض.

ستة أخطاء في عملية التفاوض تؤدي إلى نتائج سيئة

تجاهل مشكلة الطرف الآخر

لا يمكنك التفاوض بشكل فعال ما لم تدرك تماماً مصالحك الخاصة وخيارات عدم الاتفاق بالنسبة لك. هذا أمر مفروغ منه – غير أن المطلوب أكثر من ذلك. فبما أن الطرف الآخر إنما يقبل لأسبابه الخاصة، لا لأسبابك أنت، فإن الوصول إلى اتفاق يتطلب فهم مشكلة الطرف الآخر ومعالجتها وحلها كوسيلة لحل مشكلتك أنت.

وبالحد الأدنى يتعين عليك أن تفهم المشكلة من منظور الطرف الآخر. نأخذ على سبيل المثال إحدى شركات التكنولوجيا التي يضغط مجلس إدارتها بقوة نحو تطوير منتج جديد مثير لا مثيل له، وذلك بعد طرح أسهمها في السوق. طورت الشركة أداة تكنولوجية لاكتشاف التسربات من خزانات الغاز الأرضية، أرخص مما هو متوفر في السوق وأدق منه بحوالي 100 مرة، وذلك في وقت كانت فيه وكالة حماية البيئة تحاول إقناع الكونغرس بإقرار تشريع يفرض على تلك الخزانات قياس كمية التسرب باستمرار. ومن غير المستغرب أن مجلس الإدارة كان يرى أن الوقت مناسب جداً للتحرك ولذلك كان يدفع الموظفين لطرح المنتج وتسويقه في الوقت المناسب وبالكميات التي تلبي الطلب المتوقع عليه.

ولكن لسوء الحظ اتضح أن عملية البيع الأولى التي قامت بها الشركة كانت الأولى والأخيرة. ولقد مثل ذلك لغزاً يكتنفه الكثير من الغموض، بما أن التكنولوجيا كانت تعمل بشكل جيد، والمنتج أرخص من منافسيه، والتشريع قد صدر فعلاً. لنتصور ما يمكن أن يقوله مهندسو البيع بثقة كبيرة في جلسة التفاوض مع الزبون المحتمل: “إن هذه التكنولوجيا أرخص وأكثر دقة من منافسيها في السوق”. ولكن فلنفكر ولو للحظة فيما يمكن أن يقوله الزبون المحتمل من منطلق مصلحته الذاتية، خاصة وأن قواعد وكالة حماية البيئة تسمح بكمية تسرب كبيرة نسبياً تبلغ 1,500 غالون (5,678 لتراً) في حين أن التكنولوجيا الجديدة قادرة على اكتشاف التسرب الصغير الذي لا يتعدى 8 أونصات (حوالي 0.23 لتراً): “يا لها من تكنولوجيا رائعة، لكنها خطرة! فمن شبه المؤكد أن هذه الأداة الرشيقة الجديدة ستجلب لي مشاكل رقابية مكلفة أنا في غنى عنها. كما إنها ستسبب لي مشاكل ذات صلة بالعلاقات العامة أيضاً. أظن أنني سأستنكف، لكن منافسي سيشترونه بكل تأكيد”.

من منظور شركة التكنولوجيا، فإن مواصفات السرعة والجودة وتدني السعر يجب أن تضمن نجاح الصفقة، أما من منظور الطرف الآخر، فإن هذه التكنولوجيا قد تجلب له المشاكل ووجع الرأس، ولذلك قرر رفض الصفقة.

مشكلتك في التفاوض هي فهم قرار الطرف الآخر والتأثير به بحيث تدفعه إلى الموافقة على الخيار الأفضل بالنسبة لك ولكن انطلاقاً من مصلحته الخاصة.

لطالما ناقش علماء النفس الاجتماعي الصعوبة التي يواجهها غالبية الناس في فهم وجهة نظر الطرف الآخر. وعلى أرض الواقع يقر المفاوضون الناجحون أن تخطي النظرة الذاتية والقدرة على رؤية المسألة من منظور الطرف الآخر أمر مهم لنجاح التفاوض. وكما يقول ستيف هولتزمان من شركة “ميلينيوم فارماسيوتيكالز” بعد إبرام الشركة سلسلة من الصفقات التي نقلت شركته من شركة ناشئة عام 1993 إلى لاعب رئيسي في السوق بقيمة 10.6 مليار دولار اليوم: “لقد كنا نمضي الكثير من الوقت نتخيل كيف يمكن لهذا الشخص الفقير الذي يجلس إلى الطرف الآخر من الطاولة أن يقنع رؤساءه بالصفقة المقترحة. لقد أمضينا الكثير من الوقت نحاول أن نفهم كيف ينظرون إليها ويقولبونها”.

أما وين هويزينغا، المفاوض المخضرم الذي عقد أكثر من ألف صفقة لصالح عدد كبير من الشركات كشركة “ويست مانجمنت”، وشركة “آوتونيشن”، وشركة “بلوك باستر”، فقد لخص خبرته الطويلة في نصيحة أساسية نسمعها كثيراً ولكننا غالباً ما ننساها، إذ يقول: “من خلال كل هذه السنين التي قضيتها في إبرام الصفقات، استخلصت بعض القواعد والدروس. أهمها أن على المفاوض أن يضع نفسه مكان الطرف الآخر. ومن الضروري أن يحاول كل طرف فهم ما يبتغيه الطرف الآخر من الصفقة فهماً عميقاً”.

وأحياناً يرى المفاوضون الأشداء مخاوف واهتمامات الطرف الآخر لكنهم يتجاهلونها، قائلين لأنفسهم: “تلك هي مشكلاتهم وقضاياهم، فليقوموا بحلها بأنفسهم. ونحن نهتم بمشاكلنا”. من شأن هذه النظرة أن تقوض قدرتك على التأثير في كيفية نظرة الطرف المقابل لمشكلته والاستفادة من ذلك لتحقيق مصلحتك الخاصة. في بدايات مهنته كصانع صفقات في شركة “سيسكو سيستمز”، كان مايك فولبي، الذي يشغل اليوم منصب كبير مدراء الاستراتيجيا، يجد صعوبة في إتمام صفقاته المقترحة، لأن ثقته الخارجية بالنفس غالباً ما كانت تفهم بوصفها تكبراً.

وبعد نجاحه في إبرام العديد من صفقات الاستحواذ لاحظ أحد زملائه أن “الجزء الأهم في تطور فولبي هو أنه تعلم أن القوة لا تنبع من إبلاغ الآخرين بأنك قوي وقادر. لقد تطور في مفاوضاته وانتقل من كونه الشخص الذي يقود الصفقة من موقعه على الطاولة إلى الشخص الذي يفهم الصفقة من موقع الطرف الآخر”.

يقول أحد زملاء روبرت مردوخ: “لقد كان مردوخ كمشترٍ يعي مصالح البائع، وقد كان في جميع الحالات يصوغ عرضه وفق مبدأ فهم الطرف الآخر”. فإذا ما رغبت في تغيير تفكير شخص ما، عليك أولاً أن تعرف ما الذي يفكره ذلك الشخص. ومن ثم يمكنكما معاً أن تحاولا بناء ما يسميه زميلي بيل يوري “الجسر الذهبي” الذي يجسر الهوة بين الموقف الراهن للطرف الآخر والوجهة النهائية المرجوة. فذلك أكثر فعالية بكثير من محاولة إجبار الطرف الآخر على اتخاذ موقفك أنت.

لقد أشار أحد بابوات القرن الثامن عشر إلى المهارات الدبلوماسية للكاردينال بولينياس قائلاً: “دائماً ما يبدو هذا الشاب في بداية المفاوضات موافقاً لي في الرأي، وفي نهايتها أجد نفسي متبنياً لرأيه”. باختصار، إن أول خطأ ممكن أن ترتكبه هو تركيز جل اهتمامك على مشكلتك الخاصة حصراً. وحري بك أن تحل مشكلة الطرف الآخر كوسيلة لحل مشكلتك أنت.

السماح للسعر بإزاحة المصالح الأخرى

إن تركيز المفاوضين على موضوع السعر حصراً يحول الصفقات التعاونية المحتملة إلى صفقات خصومة. وهكذا تؤدي تكتيكات المساومة المتشددة التي يلجأ إليها أولئك المفاوضون المنحوسون (على عكس الملك ميداس) إلى خسارة الأرباح المشتركة المحتملة. ذلك لأن السعر مع أنه يشكل عاملاً مهماً في غالبية الصفقات، إلا أنه نادراً ما يكون العامل الوحيد. وكما يلاحظ “فيليكس روهاتين”، الشريك الإداري السابق في بنك الاستثمار “لازارد فريرز”، فإن “غالبية الصفقات مؤلفة من 50% مشاعر و50% اقتصاد”.

هنالك كم كبير من الأبحاث التي تدعم وجهة نظر روهاتين. خذ على سبيل المثال عملية التفاوض المبسطة التالية حول الربح المالي الحقيقي التي كثيراً ما تُدرَّس في الجامعات: يُعطَى أحد طرفي التفاوض مبلغاً من المال، ولنقل 100 دولار، لكي يتقاسمه مع الطرف الآخر كما يحلو له، وبوسع الطرف الآخر إما أن يوافق وإما أن يرفض هذا الترتيب، فإذا وافق تتم القسمة وفق مقترح الطرف الأول، أما إذا رفض، فلا يحصل أي طرف على أي شيء.

إن اعتماد منطق السعر البحت يؤدي إلى اقتراح القسمة على الشكل 99 دولار للطرف الأول و1 دولار للطرف الثاني على سبيل المثال. ومع أن هذه القسمة منحازة وظالمة للغاية، فإنها تمثل حالة يحصل فيها الطرف الثاني على نذر يسير بدلاً من اللاشيء. إن المفاوضين الذين يركزون جل اهتمامهم على السعر سيتوقعون بثقة كبيرة موافقة الطرف الثاني على هذه الصفقة، فبالمحصلة سيحصل الطرف الثاني على المال من دون أن يقدم شيئاً، وكأن الطرف الثاني يجد دولاراً مرمياً في الشارع فيلتقطه ويضعه في جيبه. من منا لن يفعل ذلك؟

بيد أن التجارب على أرض الواقع تشير إلى أن غالبية المفاوضين يرفضون المقترحات التي لا تمنحهم على الأقل 35% إلى 40% من الهبة – حتى عندما تكون قيمة الهبة أكبر بكثير بحيث تكون الحصة التي يحصلون عليها وازنة. وفي حين يبدو هذا الرفض غير منطقي على قاعدة السعر البحت، وغير مفهوم عملياً بالنسبة للمفاوضين من عكس نمط الملك ميداس، تظهر الدراسات أن القسمة الموغلة في عدم التكافؤ يرفضها الناس بوصفها مجحفة ويشعرون بالانزعاج من عملية التفاوض حتى إنهم يحاولون تلقين الشخص الطماع الذي يجلس إلى الطرف الآخر درساً لن ينساه أبداً.

الناس الحقيقيون يولون اهتمامهم لعناصر كثيرة أخرى غير القيمة المطلقة للنتائج الاقتصادية الخاصة التي يحصلون عليها في الصفقة مثل القيمة النسبية لتلك النتائج، والشعور بالإنصاف، والصورة الذاتية، والسمعة، وما إلى ذلك.

تنطوي نتائج التجارب المخبرية هذه على رسالة واقعية مهمة، ألا وهي أن الناس الحقيقيين يولون اهتمامهم لعناصر كثيرة أخرى غير القيمة المطلقة للنتائج الاقتصادية الخاصة التي يحصلون عليها في الصفقة مثل القيمة النسبية لتلك النتائج، والشعور بالإنصاف، والصورة الذاتية، والسمعة، وما إلى ذلك. وهكذا يميل المفاوضون الذين يقرون أن النتائج الاقتصادية ليست كل شيء إلى تركيز اهتمامهم على عوامل أربع مهمة ليست مرتبطة بالسعر مباشرة.

1- العلاقات

غالباً ما يقع المفاوضون الأقل خبرة في خطأ التقليل من أهمية تطوير علاقات العمل مع الأطراف الأخرى، فيعرضون تلك العلاقات للخطر من خلال استخدام تكتيكات مبالغ في قسوتها أو من خلال إهمال تلك العلاقات وعدم إيلائها أي اهتمام. وهذا ينطبق بوجه خاص على الصفقات التي تعقد مع أطراف من خارج حدود الولايات المتحدة الأميركية. ففي الجزء الأكبر من أميركا اللاتينية وجنوب أوروبا وجنوب شرق آسيا على سبيل المثال، يمكن للعلاقات – أكثر من العوامل الاقتصادية – أن تشكل المصلحة الأهم أثناء المفاوضات للتوصل إلى صفقة طويلة الأجل. ولذلك فإن المفاوضين من أميركا الشمالية وأوروبا الشمالية وأستراليا الذين يركزون جل اهتمامهم على النتائج الاقتصادية غالباً ما يواجهون المصاعب لأنهم يقللون من أهمية مسألة العلاقات ويصرون عن عدم نضوج على أن يقلصوا التفاوض على القضايا الاقتصادية الصرف.

2- العقد الاجتماعي

وبالمثل يميل المفاوضون أحياناً إلى التركيز على الجوانب الاقتصادية للصفقة – تقاسم ملكية الأسهم، وتشارك التكاليف، والحوكمة، وما إلى ذلك – على حساب جوانبها الاجتماعية أو ما يسمى “روح الصفقة”، التي تتخطى علاقة العمل فيما بين الطرفين لتشمل توقعات الناس وتطلعاتهم حول طبيعة العمل المشترك ونطاقه ومدته وحول آلية التفاوض وحول طريقة التعامل مع الأحداث غير المتوقعة وفي حالات الشراكات الجديدة والتحالفات الاستراتيجية على وجه الخصوص تحظى النية الحسنة والتطلعات الكبرى المشتركة بأهمية بالغة ويغدو الوصول إلى اتفاق جيد حول الجوانب الاجتماعية للصفقة وسيلة فعالة لتعزيز جوانبها الاقتصادية. وهكذا فإن إهمال الاتفاق على قواعد وإجراءات السلوك في حالات الخلاف، التي لا يمكن تفاديها على المدى البعيد، يشير إلى أن الاتفاق سيئ من جوانبه الاجتماعية.

3- آلية التفاوض

كثيراً ما يغفل المفاوضون حقيقة أن آلية التفاوض يمكن أن تساوي مضمون الاتفاق أهمية. يحكى عن الشاب تيب أونيل الذي أصبح لاحقاً رئيساً لمجلس النواب، أنه التقى مرة إحدى السيدات المسنات في أحد شوارع دائرته الانتخابية في نورث كامبريدج بولاية ماساتشوستس، وفوجئ بأنها لا تخطط للتصويت لصالحه في الانتخابات، فسارع إلى سؤالها: “ألا تعرفينني وتعرفين عائلتي طوال حياتي؟”، أجابت: “بلى!”، فقال: “ألم أجز لك العشب في الصيف وأجرف الثلج في الشتاء من أمام منزلك؟”، أجابت: “بلى!”، قال: “ألا توافقين على سياساتي ومواقفي؟”، أجابت: “بلى!”، فقال: “لماذا إذاً لن تصوّتي لي في الانتخابات؟”، أجابت: “لأنك لم تطلب مني ذلك”.

إن عدداً كبيراً من الأبحاث الأكاديمية تصادق على ما تعلمه أونيل من هذا الحوار، ألا وهو أن آلية التفاوض مهمة. والأكثر من ذلك أن احتمال التوصل إلى نتائج مستدامة يكون أكبر عندما يشعر جميع الأطراف أن آلية التفاوض تتسم بالشخصية والاحترام والاستقامة والإنصاف.

4- احترام مصالح جميع الأطراف

قد يبالغ المفاوضون قليلو الخبرة في تركيز اهتمامهم على النتائج الاقتصادية الكلية للصفقة، مهملين بذلك مصالح اللاعبين الآخرين القادرين على نسف الصفقة من أساسها. عندما أعلن مجلسا إدارة عملاقي الصناعات الدوائية “غلاكسو” و”سميث كلاين بيتشام” عن اندماجهما في العام 1998، فرح المستثمرون وسارعوا إلى زيادة القيمة السوقية للشركة المندمجة بمقدار مدهش بلغ 20 مليار دولار. ولكن بالرغم من الاتفاق المسبق حول من سيتبوأ أية مناصب تنفيذية عليا في الشركة الجديدة، ظهرت إلى السطح تناقضات داخلية حول مسألة الإدارة وتوزيع المناصب القيادية في الشركة المندمجة حديثاً، الأمر الذي أفسد الصفقة وأدى إلى تبخر مبلغ الـ 20 مليار دولار. (في نهاية المطاف عادت الشركتان للاندماج بعد أن ساد لدى قيادتيهما منطق التفكير الاستراتيجي، ولكن بعد خسارة حوالي سنتين من الزمن). تؤكد هذه القصة على عبرتين اثنتين: أولاً، من الضروري أن تكون النتائج الاقتصادية الإجمالية إيجابية، لكن ذلك لا يكفي دائماً لعقد الصفقة، وثانياً، عليك الاهتمام بجميع اللاعبين الداخليين المؤثرين، فلا تهمل مصالحهم ولا قدرتهم على التأثير في مسار التفاوض، وما يبدو منطقياً وعقلانياً بالنسبة للكل قد لا يبدو كذلك بالنسبة للأجزاء.

قد يكون من الصعب جداً مسح الأثر السلبي السحري للمفاوضين المنحوسين. فإذا تعاملت مع المفاوضات التي تحتمل الوصول إلى اتفاق مفيد للطرفين انطلاقاً من منطق السعر المحض، فإنها ستتحول في الغالب إلى مفاوضات مادية بحتة. لنتصور مفاوضاً يدخل في عملية التفاوض وفي ذهنه أنها ستكون متشددة ومركزة على السعر. لذلك فهو سيبدأ التفاوض بطرح متشدد انطلاقاً من موقف شديد الحذر، ومن المرجح أن يتصرف الطرف الآخر بنفس الدرجة من التشدد، الأمر الذي سيؤكد ظنون الطرف الأول ويجعله يقول في نفسه: “لقد كنتُ على حق حينما فكرت أن هذه المفاوضات ستكون متشددة للغاية ومركزة على السعر فقط”.

كثيراً ما يستطيع المفاوض التأثير في طبيعة التفاوض وتحديد ما إذا كان عامل السعر سيكون هو السائد أم أنه سيبقى ضمن حدوده الطبيعية. لنأخذ مثلاً المفاوضات الجارية بين شركتين لتأسيس مشروع أسهم مشترك. فمن بين المسائل التي سيجري التفاوض حولها تحديد قيمة مساهمة كل طرف لتحديد عدد أسهم ملكيته. وهنا يمكن للمفاوض أن يوجه المفاوضات وفق مسارين مختلفين كلياً: المسار الأول يركز على السعر ويحسم بسرعة مسألة تقييم مساهمة كل طرف ويصل بسرعة إلى الحل، أما المسار البديل فيقوم على وضع رؤية مشتركة ومفصلة حول المشروع المشترك (وتصور مشترك حول الكنز الثمين الذي سيخلقانه) ومحاولة فهم الشواغل المهمة لكل طرف – بما فيها السعر – والوصول إلى حلول وسط لمجموعة الشواغل مجتمعة بما يحقق جميع المصالح. ووفق المسار الثاني تغدو مسألة السعر واحدة من مجموعة مركبات أو حتى نتيجة لتلك المركبات ذات التأثير طويل الأمد، بدلاً من أن تحتل الاهتمام الأكبر.

قد تتركز بعض المفاوضات بالفعل حول مسألة السعر بحيث لا يتم التطرق سوى إلى الجوانب الاقتصادية من الصفقة، لكن في كثير من الأحيان تكون الجوانب الأخرى مهمة أيضاً. وعلى العموم ينجح المفاوضون الحكماء في إيلاء مسألة السعر الاهتمام الذي تستحقه من دون تعريض المصالح الأخرى المهمة للخطر. إنهم يأخذون بالحسبان العوامل الموضوعية كما العوامل الذاتية، وآلية التفاوض كما العلاقات بين الأطراف، وروح الصفقة كما مضمونها الحرفي، ومصالح الأجزاء كما مصالح الكل.

السماح للمواقف بإقصاء المصالح

هنالك ثلاثة عناصر تؤدي دورها في المفاوضات: القضايا التي سيتطرق لها الاتفاق بشكل صريح، والمواقف التي يتخذها كل من الطرفين حيال تلك القضايا، والمصالح التي ستتأثر بالاتفاق الذي سيبرم بين الطرفين. وبالطبع فإن المواقف حيال القضايا المختلفة تعكس مصالح كل من الطرفين، لكن المصالح والمواقف ليست متطابقة بالضرورة.

فالنفترض على سبيل المثال أنك تدرس عرضاً للتوظيف. وقد يشكل الراتب الأساسي إحدى القضايا المهمة، وقد يكون موقفك من تلك القضية أنك بحاجة إلى راتب يبلغ 100,000 دولار. أما مصالحك التي تبني عليها هذا الموقف، فتشمل إلى جانب حاجتك إلى راتب جيد، حاجتك إلى تحسين مكانتك الاجتماعية وضمان الأمان والحصول على فرص جديدة وغير ذلك من الحاجات التي يمكن تلبيتها بطرق أخرى غير الراتب. وهنا حتى المفاوضون المحترفون قد يرون جوهر العملية التفاوضية محصوراً في تقاذف المواقف. فإذا تقاربت المواقف يتم عقد الصفقة، وإلا وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود.

وبخلاف ذلك ينظر المفاوضون المدفوعون بالمصالح إلى عملية التفاوض بوصفها في المقام الأول عملية تسوية بين المصالح الأساسية المتناقضة. فلكل طرف مجموعة مصالح خاصة به، ومن خلال سعينا معاً لإيجاد حل مشترك سنعزز قدرتنا على تحقيق مصالح كلينا وخلق قيمة جديدة.

لنأخذ على سبيل المثال صراعاً حول إنشاء سد مائي. فنشطاء حماية البيئة والمزارعون يعارضون خطط إحدى الشركات الأميركية العاملة في قطاع توليد الطاقة لبناء سد على أحد الأنهار. لكلا الطرفين موقف غير قابل للتسوية مع موقف الطرف الآخر: “نعم مطلقة” مقابل “لا مطلقة”. بيد أن هذين الموقفين المتناقضين تماماً يخفيان مصالح قابلة للتسوية. فالمزارعون يخشون انخفاض تدفق المياه بعد السد، ونشطاء حماية البيئة قلقون بشأن موئل طائر الكركي المهدد بالانقراض، أما شركة توليد الطاقة فكانت بحاجة إلى قدرات توليدية جديدة وصورة أقرب إلى صداقة البيئة.

وبعد صراع قانوني طويل ومكلف توصل الأطراف الثلاثة إلى اتفاق مدفوع بالمصالح وجدته أفضل من المضي قدماً في التقاضي أمام المحاكم. وينص الاتفاق على بناء سد أصغر من السد الذي كان مقترحاً في البداية على أحد فروع النهر سريعة الجريان، وضمان تدفق كمية كافية من المياه، وحماية موئل الطيور، وإنشاء صندوق استئماني لتعزيز موائل طائر الكركي في أماكن أخرى.

وبرغم الفوائد الجلية التي يحققها نهج التسوية بين المصالح الأساسية للفريقين، يميل الناس تلقائياً نحو تركيز اهتمامهم على مواقفهم الخاصة والتمسك بها. ولعل هذا الاعتقاد الراسخ بأن مصالحنا متناقضة يقوم على أساس فكرة المجموع الصفري حيث يكون ربح أحد الطرفين خسارة للطرف الآخر. ولقد أثبتت الأبحاث في مجال علم النفس أن هذه الفكرة الخيالية حول المجموع الصفري لنتائج التفاوض هي الفكرة السائدة لدى عموم الناس.

ففي دراسة استقصائية شارك فيها 5,000 وضمت 32 عملية تفاوض أجريت في غالبيتها حول حصص مالية، لم يستطع المشاركون رؤية القضايا المتوافقة في نصف الأحيان. وهذا يعني في الواقع أن أولئك الأشخاص قد ضيعوا على أنفسهم قدراً كبيراً جداً من القيمة الكامنة عن غير وعي، حيث إنهم كانوا يغادرون طاولة المفاوضات دون الوصول إلى اتفاق، تاركين الأموال مكدسة على الطاولة.

فالمفاوضون من عكس نمط الملك ميداس على سبيل المثال يميلون بشكل شبه تلقائي إلى تركيز اهتمامهم على السعر واتخاذ مواقف متشددة لتحصيل القيمة. فبعد الكلام التمهيدي المعتاد تصبح المفاوضات جدية عندما يسأل أحد الطرفين “ما هو موقفك إذاً؟” أو عندما يبادر بالقول “إن موقفي هو التالي…”. وكثيراً ما يؤدي هذا النهج القائم على المواقف إلى دفع عملية التفاوض نحو المفاصلة والتقاذف الطقسي لمقادير القيمة. بيد أن المفاوضين العظماء يدركون تماماً أن هذا التقاذف للمواقف ليس إلا الغلاف الخارجي للعبة، أما الجوهر الحقيقي والفعل الجدي فيجري بعد أن يكون الطرفان قد سبرا حقيقة المصالح التي تخفيها المواقف ويسعى الطرفان إلى تحقيقها أو حمايتها.

وهكذا فإن النجاح في تسوية المصالح المختلفة وخلق القيمة يحتاج إلى الصبر والإرادة في استكشاف وفهم مصالح الطرف الآخر وإلى طرح الكثير من الأسئلة والاستماع إلى الأجوبة واستيعابها. من السخف عدم الاعتراف بأهمية السعر أو الموقف التفاوضي، فهما مهمان للغاية، وهنالك بالطبع سقف لمدى الاستفادة من نهج خلق القيمة المشتركة. ولذلك يتمثل الحل في الإقرار بوجود نوع من التوتر بين الإجراءات التعاونية الضرورية لخلق القيمة من جهة والإجراءات التنافسية الضرورية للمطالبة بحصة من تلك القيمة من جهة أخرى، ومن ثم إدارة ذلك التوتر بطريقة بناءة. وبعبارة أخرى من الضروري توسيع الكعكة أولاً ومن ثم اقتسامها.

المبالغة في البحث عن القواسم المشتركة

تملي علينا الحكمة التقليدية أن نتفاوض لتجاوز الاختلافات التي تفرقنا. ولذلك عادة ما تأتينا النصيحة بالسعي للوصول إلى اتفاق مربح للطرفين من خلال البحث عن القواسم المشتركة. ولا شك في أن إيجاد القواسم المشتركة أمر جيد، بيد أن جزءاً كبيراً من مصادر خلق القيمة التي غالباً ما يتم إغفالها إنما ينبع من الاختلافات بين الأطراف، لا من القواسم المشتركة فيما بينهم.

لنعد إلى الصراع حول إنشاء السد. فهنالك لم ينتج الحل الذي اتفق عليه المزارعون وناشطو حماية البيئة وشركة توليد الطاقة – ألا وهو بناء سد أصغر، وضمان تدفق المياه، والحفاظ على موئل الطيور – من المصالح المشتركة فيما بين الأطراف الثلاث، بل لأن كلاً منها كان له أولوياته المختلفة عن أولويات الطرفين الآخرين. وبالمثل عندما كانت مصر وإسرائيل تتفاوضان على سيناء كان موقفاهما حول ترسيم الحدود غير قابلين للتسوية.

ولكن عندما ذهب المفاوضون إلى ما وراء المواقف المتناقضة وجدوا اختلافاً مهماً بين مصالح وأولويات كل من الطرفين: لقد كان الإسرائيليون يهتمون بالأمن فيما كان المصريون مهتمين بالسيادة. وهكذا تمثل الحل بإنشاء منطقة منزوعة السلاح تحت العلم المصري. وعلى العموم من شأن الاختلافات في المصالح والأولويات أن يفتح الباب أمام آفاق جديدة للتفاوض ويمنح كل طرف ما يراه على رأس أولوياته – بأقل سعر ممكن بالنسبة للطرف الآخر.

وحتى عندما تبدو إحدى القضايا اقتصادية صرف، فإن البحث عن الاختلافات حولها قد يمنح الاتفاق الميت فرصة جديدة للحياة. لنأخذ على سبيل المثال شركة تكنولوجية صغيرة ومستثمريها الذين كانوا عالقين في مفاوضات صعبة مع إحدى شركات الاستحواذ الكبرى، وقد كانت نقطة الخلاف الأساسية هي السعر.

اقرأ أيضاً: دَع فريقك يُجري ذلك النقاش المحتدم

ولدى التحري عن الأمر ظهر أن الشركة المستحوذة كانت في الواقع راغبة في دفع السعر المطلوب لكنها كانت تخشى أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع عام في توقعات الأسعار في القطاع الذي كان ينمو بسرعة والذي كانت الشركة تخطط لإبرام المزيد من صفقات الاستحواذ فيه. ولذلك تمثل الحل بالنسبة لكلا الطرفين في الاتفاق على سعر شراء نقدي أولي متواضع يعلَن على الملأ، وفي الوقت نفسه تضمين الاتفاق ملحقات تبدو معقدة لكنها تضمن في نهاية المطاف سعراً أعلى بكثير من السعر الأولي.

ومن شأن الاختلافات في التنبؤات أن تؤدي أيضاً إلى تحقيق مكاسب مشتركة. لنفترض أن أحد رواد الأعمال المتفائلين جداً حيال مستقبل شركته التي تنمو بسرعة يتفاوض مع مشتر محتمل معجب بالشركة لكنه غير متفائل حيال تطورها المستقبلي من حيث ما يمكن أن تحققه من تدفق نقدي.

تفاوض الطرفان بصدق وبحسن نية، لكنهما في نهاية المطاف تباينا جداً في موضوع مآل الشركة المستقبلي ولم يتمكنا من الاتفاق على السعر. وبدلاً من النظر إلى هذا الاختلاف في التنبؤات بوصفه عقبة، يستطيع المفاوض المبدع الاستفادة من هذا الاختلاف في جسر هوة السعر بين الطرفين من خلال اقتراح صفقة يدفع فيها الشاري مبلغاً ثابتاً الآن ومبلغاً مكملاً لاحقاً يتحدد بأداء الشركة المستقبلي.

وهكذا قد يبدو هذا المبلغ المكمل المرتبط بالأداء، إذا ما جرت صياغته بالشكل المناسب مع الحوافز الكافية وآليات المراقبة السليمة، جذاباً بالنسبة للبائع المتفائل جداً – الذي يتوقع أن يحصل على أرباح كبيرة بفضل ما يتنبؤه من أداء مستقبلي ممتاز للشركة – وغير مكلف كثيراً بالنسبة للشاري الأقل تفاؤلاً. ولعل استعداد البائع للقبول بمثل هذه الصفقة البديلة يؤشر إلى صدق تفاؤل البائع بمستقبل شركته. وهكذا قد يجد كلا الطرفين أن هذه الصفقة بديل أفضل بكثير من إيقاف التفاوض والافتراق.

هنالك عدد كبير من الاختلافات الأخرى التي من الممكن أن تمثل المادة الأولية لتحقيق مكاسب مشتركة كبيرة. فربما يمكن للفريق الأقل نفوراً من ركوب المجازفة أن يقدم تطمينات وضمانات كافية للفريق الآخر الأكثر ميلاً إلى درء المخاطر. وقد يحصل الفريق الأقل صبراً على الجزء الأكبر من الأموال التي تجنى باكراً في حين يحصل الفريق الأكثر صبراً على مبالغ أكثر بكثير ولكن على المدى الطويل. وعلى العموم يمكن الاستفادة من الاختلافات في بنية التكاليف والإيرادات، والأوضاع الضريبية، والترتيبات القانونية الخاصة بكل فريق، وتحويلها إلى مكاسب للطرفين.

وفي الواقع فإن عملية “جرد الاختلافات” بين الطرفين المتفاوضين لا تقل أهمية من تحديد القواسم المشتركة. وفي نهاية المطاف لو كنا جميعاً نسخاً متشابهة عن بعضنا البعض، بنفس المصالح والمعتقدات والمواقف تجاه المخاطر والزمن والممتلكات وما إلى ذلك، لما بقي هنالك الكثير لنتفاوض عليه. وفيما يمكن للقواسم المشتركة أن تساعد على التقارب، فإن الاختلافات هي التي تدفع نحو عقد الصفقات. بيد أن المفاوضين الذين لا يبحثون عن الاختلافات بشكل فعال ومقصود نادراً ما يجدونها.

إهمال أفضل البدائل للاتفاق التفاوضي

يشير تعبير “أفضل البدائل للاتفاق التفاوضي” الذي ابتكره روجر فيشر وبيل يوري وبروس باتون في كتابهم “الطريق إلى كلمة نعم” (Getting to Yes) منذ سنين، إلى الإجراءات التي يتخذها فريق ما عندما يتعذر الوصول إلى الاتفاق المقترح. وقد تشمل تلك البدائل مغادرة طاولة التفاوض، أو تمديد حالة الجمود، أو البحث عن مشتر محتمل آخر، أو إنجاز العمل المطلوب داخل الشركة بدلاً من تلزيمه خارجياً، أو اللجوء إلى المحاكم بدلاً من السعي إلى الاتفاق، أو تشكيل تحالف جديد، أو إعلان الإضراب.

وهكذا تتحدد من خلال تلك البدائل العتبة – المرتبطة بجميع مصالح الفريق – التي يجب أن يتخطاها أي اتفاق مقبول بالنسبة لهذا الفريق. ولكي يكون الاتفاق مقبولاً من كلا الفريقين لا بد له من أن يكون بالنسبة لهما أفضل من أفضل البدائل للاتفاق التفاوضي. هذا يعني أن تلك البدائل تشكل حيزاً من الاتفاقات الممكنة وتحدد مواضعها بالضبط.

إن توفر بديل قوي للاتفاق التفاوضي يعد أداة مهمة للتفاوض. ومع أن الكثيرين يرون في الصبر والتحمل قدرة تفاوضية كبيرة، إلا أن إظهار الإرادة الصلبة لمغادرة طاولة المفاوضات والتوجه نحو بديل جيد للاتفاق التفاوضي كثيراً ما يكون أنجع وأكثر أهمية من التحمل والصبر. وكلما بدا البديل أفضل بالنسبة لك وللطرف الآخر، كانت مصداقيتك أكبر وأنت تهدد بمغادرة طاولة المفاوضات، وكانت إمكانية استفادتك من ذلك التهديد في تحسين شروط الصفقة أكبر وأكبر. ويعبر روجر فيشر بشكل دراماتيكي عن هذه النقطة من خلال طرح السؤال التالي: “ما هو السلاح الأمضى الذي ترغب في إخفائه خلف ظهرك وأنت تفاوض رئيسك للاتفاق على تعويضاتك: أهو بندقية رشاش أم عرض عمل لا يقاوم من قبل شركة مرغوبة تمثل في الوقت نفسه منافساً مهماً لشركتك؟”.

يرى الكثيرون في الصبر والتحمل قدرة تفاوضية كبيرة، إلا أن إظهار الإرادة الصلبة لمغادرة طاولة المفاوضات والتوجه نحو بديل جيد للاتفاق التفاوضي كثيراً ما يكون أنجع وأكثر أهمية.

ولا يكفي أن تقيم بدائلك الخاصة، بل من الأفضل التفكير جيداً ببدائل الطرف الآخر. فمن شأن ذلك أن يمثل بالنسبة لك إنذاراً مبكراً يحميك من المفاجآت غير السارة. في أحد الأمثلة على ذلك كانت إحدى الشركات البريطانية تأمل في بيع أحد أقسامها الذي لم يكن يبلي بلاءً حسناً بسعر أعلى بقليل من قيمة أصول ذلك القسم المستهلكة والبالغة 7 ملايين دولار، إلى أحد شاريين محتملين. وبعد اكتشاف البائع أن الفريقين هما منافسان شديدان في الأسواق الأخرى، خمن أن كلا الفريقين قد يكونان على استعداد لدفع سعر مبالغ فيه لكي يمنع كل منهما الطرف الآخر من الاستحواذ على ذلك القسم. وهكذا حرص البائع على أن يعلم كل طرف بأن منافسه يراقب بدقة ما يقوم به وعزز من خلال ذلك اهتمام الطرفين بالشراء. وفي نهاية المطاف بيع ذلك القسم بمبلغ 45 مليون دولار.

وعلى المفاوضين أن يحذروا التسبب عن غير قصد في تخريب بدائلهم الفضلى للاتفاق التفاوضي. ذلك ما شهدته يحدث لشركة تصنيع كيماويات كندية قررت أن تبيع قسماً كبيراً لكن غير استراتيجي من أقسامها لتحقيق زيادة ضرورية في مخزونها النقدي. وهكذا كلف رئيس الشركة التنفيذي الرجل الثاني فيها بالتفاوض لبيع القسم المعني بأعلى سعر ممكن.

كان الشاري المستهدف إحدى الشركات الأسترالية، التي كان رئيسها التنفيذي صديقاً قديماً لرئيس الشركة الكندية التنفيذي من أيام المدرسة. أخبر رئيس الشركة الأسترالية الطرف الآخر بأن شركته مهتمة بالصفقة لكن لإدارة شركته العليا أولويات أخرى في الوقت الراهن.

ولذلك طلبت الشركة الأسترالية منحها مهلة تسعة أشهر “لإثبات جدية الشركة الكندية بالبيع”، ترسل بعدها إدارتها العليا كبير موظفيها لإتمام عقد الصفقة، وقد أُبرم اتفاق مبدئي بين رئيسي الشركتين ينص على هذا المضمون. ولكن لسوء حظ الرجل الثاني في الشركة الكندية الذي كان قد كُلف بإلحاح بأن يحقق أعلى سعر ممكن في هذه الصفقة، لم يتمكن من إتمام الصفقة وفق ما يرغب لأنه ظل يطير إلى سيدني على مدار تسعة أشهر طوال دون أن يحمل في جعبته أية بدائل مهمة لما يعرض عليه الأستراليون من سعر.

كثيراً ما يغدو المفاوضون أسرى تكتيكاتهم الرامية إلى تحسين الصفقة المحتملة فيهملون بدائلهم وبدائل الطرف الآخر. لكن التفاوض الحقيقي يجب أن يكون على المفاضلة بين “عقد الصفقة واختيار أفضل بديل للاتفاق التفاوضي” بالنسبة لكل طرف، لا على خيار واحد من هذين الخيارين. وحري بك أن تستخدم الصفقة المحتملة وبديلك الأفضل للاتفاق التفاوضي كشفرتي المقص وهو يقص قطعة الورق.

عدم تصحيح الرؤية المنحرفة

قد تمتلك رؤية شديدة الوضوح حول المشكلة الحقيقية في المفاوضات، لكنك لا تستطيع حل تلك المشكلة بالشكل الصحيح ما لم تمتلك فهماً عميقاً لمصالح الطرفين وبدائلهما الأفضل وتقييماتهما والإجراءات المتاحة أمام كل منهما وما إلى ذلك. لكن كما أن رؤية الطيار للأفق في الليل أو أثناء العاصفة قد تكون غير دقيقة على الإطلاق، يمكن للحالة النفسية الإدراكية أن تدفع المفاوضين إلى ارتكاب أخطاء كبيرة.

تحيز الأدوار بما يخدم المصلحة الذاتية

يميل الناس في اللاوعي إلى تفسير المعلومات المرتبطة بهم بطريقة منحازة جداً لمصلحتهم. وتظهر التجربة التالية آلية حصول هذا الانحياز على أرض الواقع. زود باحثو “جامعة هارفارد” عدداً كبيراً من المدراء التنفيذيين بمعلومات مالية وخاصة بالقطاع حول شركتين تتفاوضان لتستحوذ إحداهما على الأخرى. وقد أسند دورا الشاري والبائع إلى المدراء في كل تجربة بشكل عشوائي في حين جرى تزويد الطرفين بنفس المعلومات. وبعد منح المشاركين الوقت الكافي لتحليل تلك المعلومات طلب منهم جميعاً أن يقدموا تقييمهم الخاص والصريح حول القيمة العادلة للشركة المستهدفة – والذي قد يختلف عن القيمة التي يفصحون عنها للطرف الآخر في عملية المفاصلة. وقد أعطى أولئك المدراء الذين أسند إليهم دور البائع قيمة وسطية أكبر بمرتين من القيمة الوسطية التي أعطاها زملاؤهم الذين أسند إليهم دور الشاري. وفي الواقع لم يكن هنالك سبب منطقي يفسر هذا التباين في التقييم سوى الانحياز للدور الذي يلعبه كل مدير والذي أسند إليه بشكل عشوائي تماماً.

لكن انحياز الدور حتى ولو كان صغيراً نسبياً قد يؤدي إلى نسف الصفقات المحتملة. لنفترض أن مدعياً يعتقد أن فرصته في ربح قضيته التي قيمتها مليون دولار أمام المحاكم هي 70%، في حين أن الدفاع يقيم تلك الفرصة بنسبة 50% فقط. ولذلك فإن قيمة أفضل بديل للاتفاق التفاوضي في مفاوضات التسوية بالنسبة للمدعي (البالغة حوالي 700,000 دولار مطروحاً منها رسوم التقاضي) أكبر من قيمة بديل الاتفاق التفاوضي بالنسبة للدفاع (البالغة حوالي 500,000 دولار مطروحاً منها رسوم التقاضي). وإذا لم يكن أي من الطرفين يميل بشدة إلى درء المخاطر فإن تباعد التقييمين سيؤدي إلى استبعاد أي اتفاق خارج المحاكم. ولعل انحياز الدور المعرفي هو الذي يمكن أن يفسر اعتماد شركة “مايكروسوفت” لهذا النهج التصادمي في معركتها الأخيرة مع وزارة العدل الأميركية.

فمن المؤكد أن الشركة تبالغ في تفاؤلها حيال تقييم فرصها في المحاكم. وبالمثل من المحتمل أن تكون شركة “آرثر أندرسون إل إل بي” مبالغة في ثقتها بنفسها حيال فرصها في ربح عملية التحكيم وفرض شروطها أثناء انفصالها عن شركة “أندرسون كونسلتينغ” (“أكسنتشر” اليوم). إن المبالغة في التمسك بوجهة نظرك والتحيز للدور الذي تلعبه هما من الأخطاء الشائعة على نطاق واسع.

التصورات المنحازة

بينما نخطئ منهجياً في معالجة وتقييم المعلومات المرتبطة بفريقنا، يكون أداؤنا أسوأ في تقييم الفريق الآخر – وبخاصة عندما نكون في حالة خصام معه. لقد وثقت أبحاث كثيرة آلية تحدث في اللاوعي تعمل على رفع قيمة الطرف الذي ننتمي إليه و”تصوره بأنه أصدق وأكثر موهبة وأكثر نزاهة مما هو عليه في الواقع”، وفي الوقت ذاته تخفض قيمة الطرف الآخر وتشوه سمعته. وهذا ما يقود في كثير من الأحيان إلى امتلاك تصورات مبالغ فيها حول مواقف الطرف الآخر والإفراط في تقييم التنازع الموضوعي بين الطرفين. وبالنسبة للمراقب الخارجي كثيراً ما يمتلك الأشخاص المرتبطون بعلاقات شراكة أو زواج مفككة، وجهات نظر مبالغ فيها عن الطرف الآخر. وقد تكون مثل هذه التصورات المنحازة أكثر حدة وفتكاً فيما بين الأشخاص الذين ينتمون إلى طرفي نقيض كالإسرائيليين والفلسطينيين، أو مسلمي البوسنة والصربيين، أو الكاثوليك والبروتستانت في إيرلاندا الشمالية.

ومن السهل أن تتحول التصورات المنحازة إلى تنبؤات ذاتية التحقق. ولعل التجارب التي تختبر تأثير توقعات الأساتذة على أداء الطلاب، وتأثير تشخيص الطبيب النفسي على المرضى النفسيين، وتأثير قادة الفصائل العسكرية على أداء أفرادها، تؤكد صحة الفكرة القائلة بأن التصورات المنحازة من شأنها أن تؤثر في تشكيل السلوك. وأثناء الجلوس على طاولة المفاوضات، يمكن لتمسك أحد الطرفين بفكرة أن الطرف الآخر عنيد أو متشدد على سبيل المثال، أن يدفع الطرف الآخر بالفعل إلى اتخاذ موقف عنيد ومتشدد، الأمر الذي يخفض بشكل كبير إمكانية الوصول إلى اتفاق بناء.

ومع تفاقم الخلافات والنزاعات يتعين على المفاوضين الحذقين أن يتوقعوا انحيازاً في تصوراتهم هم كما في تصورات الطرف الآخر. أما المفاوضون الأقل خبرة ومهارة فيتفاجؤون وينزعجون من تشدد الطرف الآخر ولا يدركون أن وجهات نظرهم الخاصة من المحتمل أن تكون متأثرة ومصبوغة بأدوارهم. كيف يمكن مواجهة هذا الانحياز والتخفيف من مفعوله؟ إن مجرد إدراك أن مثل هذه التصورات المنحازة موجودة على أرض الواقع هو أمر مساعد.

كما إن طلب آراء ووجهات نظر أشخاص خارجيين وأطراف حياديين قد يكون مفيداً أيضاً. وفضلاً عن ذلك فإن وجود أشخاص داعمين إلى جانبك يؤدون أكثر أدوار الطرف الآخر تشدداً، يشكل القاعدة الأساسية لتمارين تبادل الأدوار التي يمكن أن توفر لك رؤى قيمة تعزز قدراتك التفاوضية. لقد اقترحت على أحد عملائي قبل بضع سنوات عندما كنت أساعده لكي يحضر نفسه لخوض مفاوضات صعبة، أن يعدّ إحاطة بقضية كل طرف بالتفصيل وأن يطلب من أفضل أفراد فريقه أن يلعبوا دور الطرف الآخر لكي يتمرن على التفاوض في جو يشبه جو التفاوض الحقيقي.

كانت إحاطة طرف عميلي مطولة وبليغة ومقنعة، في حين كان لافتاً أن إحاطة الطرف الآخر لم تتخط الصفحتين ولم تتضمن إلا أسباباً وحججاً يمكن إبطالها ودحضها بسرعة من قبل الحجج الأقوى لطرف عميلي. لقد كان فريق عميلي مركزاً جل اهتمامه على مشكلته الخاصة (الخطأ رقم 1) وفوق ذلك كانت تصوراته منحازة بشكل ميؤوس منه (الخطأ رقم 6). ولتحضير نفسه بشكل فعال كان يتوجب على فريق عميلي أن يجري بحوثاً تنافسية ويستكشف مدى مطابقة رؤاه للواقع بمساعدة مراقبين خارجيين غير معنيين بقضية التفاوض.

الانتقال من التفاوض الفعال فقط إلى التفاوض الممتاز

الآن وقد أبحرت في مخاضات التفاوض الذي يكتفي بكونه فعالاً فحسب، لتحديد ومواجهة المشكلة الحقيقية في التفاوض، وركزت اهتمامك على مجموعات مصالح الأطراف كافة، لا على السعر والمواقف فقط، ونظرت إلى ما بعد القواسم المشتركة لاكتشاف الاختلافات التي تخلق قيمة مضافة، وقيمت أفضل البدائل للاتفاق التفاوضي، واتخذت خطوات فعالة لتجنب تحيز الأدوار والتصورات المنحازة. وباختصار لقد حددت مشكلتك بوضوح وسعيت لفهم مشكلة الطرف الآخر والتأثير به لكي يختار بنفسه ما تريده أنت.

هنالك الكثير من الأخطاء الأخرى التي لا تزال تنتظرك: أخطاء متعلقة بتنوع الثقافات، والقدوم إلى طاولة المفاوضات بمظهر مستفز، وإرسال إشارات غير مقصودة من عدم الاحترام وعدم الجدارة بالثقة، وسوء الفهم والتواصل، والتوقيت الخطأ، والمبالغة أو التحفظ الزائد في الكشف عن الأوراق، وتصميم جدول الأعمال بشكل سيئ، وأخطاء تسلسل مراحل وخطوات التفاوض، والتفاوض مع الشخص الخطأ على الطرف الآخر، وشخصنة القضايا وما إلى ذلك. وحتى إذا نجحت أيضاً في تفادي كل هذه الأخطاء المحتملة، يمكن أن تتعرقل عملية التفاوض إذا ما دخلتها بأفق ضيق منطلقاً من أن العدد الأكبر من عناصر المشكلة هي عناصر ثابتة لا يمكن المساس بها.

فالمفاوضون العظماء يقاربون مفاوضاتهم بخيال واسع يوظفونه في تحديد المشكلة الحقيقية والعمل على حلها. إنهم رواد مهارة تبادل الأدوار ويمتلكون حساً مرهفاً للقيمة التي يمكن توليدها أثناء المفاوضات ويسترشدون بها في جميع خطواتهم. يتخيلون التركيبة الأفضل لنتيجة المفاوضات ويتخذون الخطوات العملية اللازمة لتحقيق تلك النتيجة. ولا يكتفي أولئك المفاوضون المبدعون بإجادة اللعبة المطروحة على الطاولة، بل إنهم أفضل من يستطيع خلق لعبة التفاوض وتعديلها والذهاب بها إلى حيث تكون فرص تحقيق النتائج الأفضل أكبر ما يمكن.

وللدفع بمصالحهم نحو الأمام، يعمل المفاوضون العظماء على فهم وتشكيل خيارات الطرف الآخر – الموافقة على الصفقة مقابل رفضها – وجعله يختار بنفسه الخيار الأفضل بالنسبة لهم. وكما قال يوماً فرانسوا كاليير، أحد معلقي القرن الثامن عشر، يمتلك أسياد التفاوض “تلك الموهبة المتقدمة القادرة على جعل كل مفاوض يجلس قبالتهم يقدم لهم على طبق من فضة ما كانوا أساساً يخططون للحصول عليه”.

الأكاديميون يجلسون إلى طاولة المفاوضات

في موازاة نمو حجم المفاوضات في العالم الواقعي، عمقت أجيال متعددة من الأبحاث فهمنا لآلية التفاوض. في خمسينيات وستينيات القرن الماضي جرى عزل بعض عناصر نهج التفاوض القاسي (من النمط أربح-تخسر) وتنقيتها: مثل كيفية وضع الأهداف الهجومية، والبدء من سوية عالية، والتراجع ببطء، وتوظيف التهديدات، والخداع، والالتزام بالمواقف من دون الوصول إلى المأزق أو إلى تفاقم الخلاف. وفي بداية الثمانينيات بعد انتشار ثورة نهج أربح-تربح من خلال كتاب “الطريق إلى كلمة نعم” (Getting to Yes) (للمؤلفين روجر فيشر، وويليام يوري، وبروس باتون)، انزاح التركيز من الصراع على قطعة الكعكة إلى وسائل توسيع الكعكة من خلال اكتشاف المصالح الأساسية لكلا الطرفين والوصول إلى تسوية حولها.

وسرعان ما تجاوزت التحليلات المتقدمة للكاتب هوارد رئيفا في كتابه “فن وعلم التفاوض” (Art and Science of Negotiation) هذا النقاش المبسط الذي يكتفي بمقارنة نهج (أربح-تربح) بنهج (أربح-تخسر)، ويصل إلى نتيجة مفادها أنه يتوجب توسيع الكعكة أولاً ومن ثم تقسيمها. ومع نشر كتاب “المدير بوصفه مفاوضاً” (The Manager as Negotiator) (للكاتبين دافيد لاكس وجيمس سيبينيوس)، انبثقت توجيهات جديدة حول الإدارة الفعالة للتوتر القائم بين الإجراءات التعاونية الضرورية لخلق القيمة من جهة والإجراءات التنافسية الضرورية للمطالبة بحصة من تلك القيمة من جهة أخرى. ومع قدوم التسعينيات التي شهدت أعمالاً مثل “التفاوض بالمنطق” (Negotiating Rationally) (للكاتبين ماكس بازرمان، ومارغريت نيل)، بدأت تظهر الدراسات السلوكية للتفاوض – التي تصف عملية التفاوض من حيث سلوك المشاركين فيها – بالترافق مع النهج النظري للعب، الذي يصف كيف على الناس العقلانيين أن يتفاوضوا.

وتقدم هذه التوليفة الجديدة – صياغة أفضل نصيحة ممكنة من دون افتراض العقلانية التامة في سلوك الأفراد – رؤى غنية حول المفاوضات تتنوع بين حالات التفاوض الثنائية البسيطة التي تجري في جلسة واحدة حول قضية واحدة وحالات التفاوض المعقدة القائمة على التحالفات والتي تعالج قضايا متعددة وتمتد لفترة زمنية طويلة، تتزامن فيها المفاوضات الداخلية فيما بين الحلفاء مع المفاوضات الخارجية مع الخصوم.

ولطالما كانت دروس التفاوض التي تستكشف هذه الأفكار مرغوبة ومطلوبة في كليات ومدارس إدارة الأعمال، ولكن مع تنامي الاعتراف بأهميتها بدأت هذه الدروس تدخل ضمن المنهاج الأساسي المطلوب في برنامج الماجستير بإدارة الأعمال في كليات مثل “كلية هارفارد للأعمال”. وعوضاً من أن يكون التفاوض مجرد مهارة خاصة تساعد على عقد الصفقات الكبرى وحل النزاعات بين الأفرقاء، بات اليوم يمثل أسلوب حياة بالنسبة للمدراء التنفيذيين الفعالين.

حل المشكلة التفاوضية لـ “ثيودور (تيدي) روزفلت”:

خطط ثيودور روزفلت في نهاية حملته الانتخابية القاسية للفوز بمنصب الرئاسة عام 1912 للقيام بجولة سريعة أخيرة. وتضمنت الخطة أن يقوم روزفلت في كل محطة بضمان أصوات الجمهور من خلال توزيع كتيب أنيق مصور على غطائه صورة جدية للرئيس ويحتوي بين طياته خطاباً حماسياً بعنوان “الاعتراف بالإيمان”. وبعد طباعة أكثر من 3 ملايين نسخة من الكتيب لاحظ أحد المشاركين في الحملة سطراً صغيراً تحت الصورة مكتوباً فيه “أستوديوهات موفيت، شيكاغو”. وبما أن موفيت هو صاحب حقوق الطباعة والنشر لهذه الصورة، فإن استخدامها من دون سماح منه قد يكلف الحملة دولاراً واحداً عن كل نسخة. وفي ضوء عدم توفر الوقت اللازم لإعادة طباعة الكتيبات، كان هنالك سؤال أساسي وملح: ماذا بإمكان الحملة أن تفعل؟

إن التخلي عن استخدام الكتيبات في الحملة من شأنه أن يضر بفرص نجاح روزفلت في الانتخابات. ولكن إذا تابع القائمون على الحملة، يمكن أن تنتشر فضيحة مدوية في وقت قريب جداً من الانتخابات، وقد تكلف الحملة الانتخابية مبلغاً من المال غير قادرة على تسديده. وسرعان ما أدرك المسؤولون عن الحملة أن عليهم التفاوض مع موفيت. لكن الأبحاث التي أجراها ناشطو الحملة في شيكاغو خلصت إلى أخبار سيئة: بالرغم من أن موفيت في بداية مسيرته كمصور كان مأخوذاً بإمكانات هذا الوسط الفني الجديد، إلا أنه لم يلق النجاح والاعتراف الذي كان يصبو إليه. ولذلك بات اليوم في وضع مالي صعب ولم يعد يهمه وقد قارب سن التقاعد سوى المال

محبطين من هذه الأخبار السيئة، توجه موظفو الحملة إلى مديرها جورج بيركينز، الشريك السابق لشركة “جيه بي مورغان”، الذي لم يضيع الوقت بل استدعى كاتبه الاختزالي طالباً منه إرسال هذه الرسالة إلى “موفيت ستوديوز”: “إننا نخطط لتوزيع ملايين الكتيبات التي تحمل صورة روزفلت على غلافها. ولا شك في أن ذلك سيمثل دعاية عظيمة لأستوديو التصوير الذي أنتج هذه الصورة. كم من المال تدفعون لنا لكي نستخدم الصورة المأخوذة في أستوديوهاتكم؟ لا تتأخروا في الإجابة”. وسرعان ما أجاب موفيت: “لم نفعل ذلك من قبل، ولكن في ظل الظروف الراهنة يسرنا أن ندفع لكم 250 دولاراً”. وكما ذكرت التقارير وافق بيركينز – من دون أية مساومة.

لم يكن نهج بيركينز المضلل في المفاوضات سليماً من الناحية الأخلاقية ولا يمثل نموذجاً يحتذى به لتعزيز علاقات العمل بين الأطراف المختلفة. ومع ذلك أثارت هذه الحالة سؤالاً مثيراً للاهتمام: لماذا وجد موظفو الحملة الانتخابية فرص هذا التفاوض سيئة لهذا الحد؟ إن عدم قدرتهم على رؤية ما رآه بيركينز مباشرة، نابع عن قلقهم الشديد وتركيزهم المبالغ فيه على مشكلتهم: الأخطاء الشنيعة التي وقعوا فيها حتى الآن، والخطر الكبير المتمثل في خسارة الانتخابات، وتعرضهم لخسارة محتملة قدرها 3 ملايين دولار، وضيق الوقت المتاح أمامهم، وعدم توفر الأموال لتسديد ما قد يطالبهم به موفيت في مقابل أمر تحتاج إليه الحملة بقوة. فلو أنهم تفادوا الوقوع في الخطأ (رقم 1) من خلال التوقف لبرهة والتفكير في كيفية رؤية موفيت لهذه المشكلة، لأدركوا أن موفيت لم يعلم حتى بأن لديه مشكلة. ولقد بدت عبقرية بيركينز التكتيكية في إدراك جوهر مهمة المفاوض المركزية، ألا وهو التأثير في كيفية رؤية الطرف الآخر لمشكلته بحيث يتخذ الخيار الذي تريده أنت.

لقد شُل تفكير موظفي الحملة في مواجهة ما رأوه مصالح مالية متناقضة بشدة فيما بين الطرفين وفي ضوء البديل السيئ للاتفاق التفاوضي. فمن منظورهم كان الخيار الوحيد أمام موفيت هو استغلال وضعهم المذري وخوفهم الشديد من خسارة الانتخابات.

وعلى العكس من ذلك لم يقع بيركينز في الخطأ (رقم 5)، بل استوعب بسرعة أهمية التأثير في تصورات موفيت حول أفضل البدائل المحتملة في حال عدم التفاوض، والتي كانت سيئة بالنسبة للحملة، وجيدة بالنسبة لموفيت، وتجيير تلك التصورات لصالح الحملة. لقد تجاوز بيركينز السعر والمواقف والقواسم المشتركة (الأخطاء رقم 2 و3 و4) ووظف مصالح موفيت المختلفة عن مصالح الحملة لكي يوجه اهتمام المصور نحو “قيمة الدعاية والشهرة”. ولو أنه نظر إلى الحالة بوصفها مفاوضات نمطية تدور حول السعر الذي سيحصل عليه المصور صاحب حقوق النشر فعرض مبلغاً صغيراً كنقطة بداية، لكان وقع في خطأ مميت ولكان كرس رؤيته المغلوطة وحولها إلى تصور ذاتي التحقق.

صحيح أن تصرف بيركينز كان محفوفاً بأخطاء التفاوض وبالمخاطر ومخالفاً لقواعد الأخلاق، إلا أنه وجد نفسه أمام خيارين، إما كارثة مؤكدة وإما فرصة صغيرة لتجنب الكارثة. لا نعلم حقاً إن كان من حق موفيت المطالبة بهذا الربح المفاجئ البالغ 3 ملايين دولار، الأمر الذي كان يمكن للحملة تفاديه لو أنها اكتشفت خطأها مبكراً. غير أن هذه الحادثة التاريخية التي عرضتها بشكل مجمّل إلى حد كبير تلقي الضوء على التداخل الكبير بين أخطاء التفاوض وتكتيكاته وأخلاقياته.

اقرأ أيضاً: الأنماط الثقافية ربما تجعل منك مفاوضاً لا يتحلى بالأخلاق الكافية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

Content is protected !!