كيف تصمد الشركات المتوسطة على الرغم من الصعوبات التي تواجهها؟

6 دقائق
الشركات متوسطة الحجم
سبنسر بلات/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: الشركات متوسطة الحجم ليست الشركات الوحيدة التي تواجه التحديات العديدة التي جلبتها الجائحة، لكن العديد منها يتمتع بالقدرة على الصمود في وجه تلك الأزمة واجتيازها بنجاح. وفقاً للبيانات ربع السنوية “لمؤشر سوق الشركات المتوسطة” التابع “للمركز الوطني لسوق الشركات المتوسطة”، بلغ معدل نمو الإيرادات 6.5% ومعدل نمو العمالة 4.3% في الشركات متوسطة الحجم من عام 2012 إلى عام 2019. وهذه المعدلات التاريخية تجاوزت معدل نمو الإيرادات (3.5%) ومعدل نمو العمالة (2.3%) في الشركات الكبيرة. كما تفوق أداء الشركات المتوسطة على أداء الشركات الصغيرة فيما يتعلق بنمو العمالة. ومع ذلك، تشير التوقعات إلى شواغل تعتري الشركات متوسطة الحجم بشأن التأثير المستقبلي للجائحة. ويُعد التواصل مع العملاء من بين هذه الشواغل الأساسية. فالشركات التي تقوم باستثمارات ذكية فيما يتعلق بإعادة تصور علاقاتها مع عملائها سيكون لها الأفضلية في عام 2021.

 

لم تكن سوق الشركات الأميركية متوسطة الحجم محصنة ضد الآثار السلبية لجائحة “كوفيد-19″، مثلها مثل الاقتصادات والمؤسسات والأفراد في جميع أنحاء العالم. فهذه الشركات، التي تُعرف بأنها الشركات التي يتراوح دخلها السنوي بين 10 ملايين دولار ومليار دولار، تشكل جزءاً مهماً ولكن غالباً ما يتم تجاهله من الاقتصاد الوطني. وفي حين أن الشركات المتوسطة لا تمثل سوى 3% من جميع الشركات الأميركية، إلا أنها مسؤولة عن ثلث الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف في القطاع الخاص تقريباً. فلو كانت دولة قائمة بذاتها، ستكون خامس أكبر اقتصاد في العالم!

بناءً على بيانات استطلاع للرأي أُجري مؤخراً والتي جمعها “المركز الوطني لسوق الشركات المتوسطة” (NCMM) في “كلية فيشر للأعمال” (Fisher College of Business) بجامعة ولاية أوهايو، يعتقد ما يقرب من 40% من المسؤولين التنفيذيين في الشركات متوسطة الحجم أن عواقب الجائحة ستكون “كارثية” على شركاتهم خلال الأشهر الستة القادمة. والتأثير سيكون أكبر بكثير في بعض القطاعات عن غيرها. تُعد قصة “مطاعم كاميرون ميتشل” (Cameron Mitchell Restaurants) مثالاً نموذجياً على ذلك في قطاع الضيافة. تتخذ الشركة من مدينة كولومبوس في ولاية أوهايو مقراً لها، وقبل الجائحة كان لديها 36 مطعماً في 12 ولاية وبلغت عائداتها السنوية 300 مليون دولار وكان يعمل لديها 3 آلاف موظف. وفي ربيع عام 2020، أوقفت عملياتها وكانت تحاول بصعوبة العودة إلى العمل بكامل طاقتها في ظل القيود المختلفة التي فرضتها وزارة الصحة وتردُّد العملاء في العودة إلى تناول الطعام داخل المطاعم.

وفقاً لبيانات “مؤشر سوق الشركات المتوسطة” (MMI) التابع “للمركز الوطني لسوق الشركات المتوسطة” للربع الأخير من عام 2020 التي تم جمعها في ديسمبر/كانون الأول من عام 2020 من خلال استطلاع آراء 1,000 مسؤول تنفيذي في الشركات متوسطة الحجم، أفادت الشركات متوسطة الحجم بأن متوسط إيراداتها انخفض بنسبة -1.2% على مدار الـ 12 شهراً الماضية مع انخفاض العمالة بنسبة -2.2%. وهي نتائج سيئة بالتأكيد. ولكن بالمقارنة مع قطاعي الشركات الصغيرة والكبيرة، فإن سوق الشركات المتوسطة قامت بعمل جيد فيما يتعلق باحتواء خسائرها خلال الأزمة الحالية، خاصة بالنسبة إلى قطاع ينمو بمعدلات جيدة منذ فترة طويلة. على سبيل المقارنة، واستناداً إلى بيانات الإيرادات للشركات المدرجة في “مؤشر ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500)، خسرت الشركات المساهمة العامة الكبيرة -5.5% من إيراداتها خلال عام 2020. وبالمثل، بناءً على التقارير الشهرية لشركة “أيه دي بي” (ADP)، شهدت الشركات الصغيرة التي تضم 50 موظفاً أو أقل انخفاضاً في العمالة بنسبة -5.1%، وشهدت الشركات الكبرى انخفاضاً بنسبة -8.2% في حجم قوة العمل. هذه النتائج لا تثير الدهشة بالضرورة، فمنذ أن بدأ “المركز الوطني لسوق الشركات المتوسطة” في تتبع أداء سوق الشركات المتوسطة في عام 2012، كانت هذه السوق تتفوق باستمرار على نظرائها؛ أي أسواق الشركات الأكبر والأصغر حجماً.

دور سوق الشركات المتوسطة وفرصها

تمتلك الشركات الكبيرة موارد مالية وفيرة، كما أنها تحت الأضواء دائماً. لكن الشركات المتوسطة تستحق المزيد من اهتمامنا. ببساطة، كانت سوق الشركات المتوسطة هي المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي منذ الأزمة المالية التي حدثت ما بين عامي 2007 و2009، ويمكن أن تستمر في المضي قدماً إذا تم دعمها بشكل مناسب. خلال ما يسمى بالركود الاقتصادي الكبير، أظهرت بيانات “المركز الوطني لسوق الشركات المتوسطة” أنه في الوقت الذي تخلت فيه الشركات الكبيرة عن 3.7 مليون وظيفة، أضافت الشركات المتوسطة أكثر من 2 مليون وظيفة جديدة. وفقاً للبيانات ربع السنوية “لمؤشر سوق الشركات المتوسطة” التابع “للمركز الوطني لسوق الشركات المتوسطة”، بلغ معدل نمو الإيرادات 6.5% ومعدل نمو العمالة 4.3% في الشركات متوسطة الحجم من عام 2012 إلى عام 2019. وهذه المعدلات التاريخية تجاوزت معدل نمو الإيرادات (3.5%) ومعدل نمو العمالة (2.3%) في الشركات الكبيرة. كما تفوق أداء الشركات المتوسطة على أداء الشركات الصغيرة فيما يتعلق بنمو العمالة.

علاوة على ذلك، عادة ما تتمتع الشركات متوسطة الحجم بقدرة كبيرة على الصمود، كما يتضح من متوسط أعمارها الذي يبلغ 31 عاماً في مجال الأعمال ومن العلامات التجارية الصامدة التي أسستها. وهي تشمل شركات استهلاكية معروفة مثل “وايت كاسل” (White Castle) و”باتاغونيا” (Patagonia) و”أورانج ثيري فيتنس” (Orangetheory Fitness) و”هايلايتس فور تشيلدرن” (Highlights for Children)، إلى جانب عدد لا يحصى من أسماء الشركات الأخرى التي تعمل بوصفها روابط مهمة في سلاسل توريد شركات أخرى. على سبيل المثال، كشف تقرير أعده “معهد بروكينغز” (Brookings Institution) عام 2013 لتحديد سلسلة توريد السيارات في ولاية تينيسي عن وجود ما يقرب من 650 شركة، 3 منها فقط كانت من كبرى الشركات المصنعة للمعدات الأصلية. وغالبية سلسلة التوريد هذه تتألف من شركات متوسطة مورِّدة من المستوى الأول والثاني، ما يوضح مدى أهمية الشركات المتوسطة في تنشيط القطاع.

إلى جانب آراء مدراء الشركات المتوسطة، تكشف الإجراءات المبلغ عنها التي اتخذتها الشركات المتوسطة عن عدم ثقتها وشواغلها بشأن التأثير المستقبلي للجائحة. تُظهر توقعات “مؤشر سوق الشركات المتوسطة” لعام 2021 ما يلي: سيحتفظ 43% من قادة الشركات المتوسطة بالنقود بدلاً من استثمارها على الفور في أعمالهم (وهي زيادة عن نسبة العام الماضي التي بلغت 30%). وفي الأشهر الستة المقبلة، يتوقع 35% من قادة الشركات المتوسطة حدوث تأخير كبير في الاستثمارات المخطط لها، ويتوقع 32% حدوث نقص في المواد الخام والإمدادات، ويتوقع 31% حدوث زعزعة في العمل بشكل عام بسبب القوة العاملة عن بُعد. في الواقع، عاد 52% فقط في المتوسط من موظفي الشركات المتوسطة إلى العمل في المكاتب أو التسوق في ساحات المتاجر. وتتوقع واحدة من كل 4 شركات إجراء عمليات تسريح إضافية للموظفين، وفي حين أن معدل النمو العام للعمالة يُتوقع أن يكون إيجابياً، إلا أنه مدفوع بثلث الشركات فقط.

الحفاظ على التواصل مع العملاء هو الأمر الأكثر إلحاحاً

ما هي التحديات الكامنة وراء هذه التوقعات؟ من بين جميع المشكلات التي جرت مشاركتها مع “المركز الوطني لسوق الشركات المتوسطة” باعتبارها تحديات مستمرة، كانت مشكلة الحفاظ على التواصل مع العملاء وارتباطهم بالشركة؛ من المشكلات التي ظهرت في بداية الجائحة وما زالت مستمرة حتى اليوم. في وقت مبكر من الجائحة، عندما انقلبت الأمور رأساً على عقب في مارس/آذار عام 2020، كانت الاهتمامات الرئيسية موجهة نحو حالة عدم التيقن والتدفق النقدي وسلامة الموظفين، وهذا أمر صائب. ومع استمرار “المركز الوطني لسوق الشركات المتوسطة” في رصد الشعور السائد طوال فصل الصيف وبدء الشركات في إعادة فتح أبوابها، استمرت حالة عدم التيقن والقلق بشأن سلامة الموظفين والإنتاجية، وبدأ خطر تقلُّص العلاقات مع العملاء وارتباطهم بالشركات في الارتفاع. ونتيجة لذلك، تأثرت الإيرادات سلباً كما تَبين من تصريحات ما يقرب من ربع المسؤولين التنفيذيين الذين صرحوا بوجود خسائر كبيرة في الإيرادات الإجمالية لعام 2020.

من المفهوم أن التواصل مع العملاء أصبح مشكلة بوجه عام. ومع إيقاف الفعاليات المباشرة والمعارض التجارية والمؤتمرات وحتى الاجتماعات البسيطة التي تتم وجهاً لوجه، تحتاج الشركات المتوسطة إلى الاستثمار بشكل مدروس في طرق جديدة للتواصل مع عملائها. لنأخذ على سبيل المثال شركة “بي دي سي ماشينز” (PDC Machines) التي تقع خارج مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، وهي شركة عائلية يديرها الجيل الثاني، وتصمم أجهزة ضغط الغاز المعقدة وتصنِّعها لمجموعة متنوعة من القطاعات والعملاء في جميع أنحاء العالم. في الظروف العادية كان كبار قادة الشركة يقضون أياماً في كل مرة يسافرون فيها حول العالم في زيارة مواقع العملاء والتعاون معهم في إيجاد الحلول وبناء علاقات أعمق مع العملاء الرئيسيين. ومع استمرار توقف السفر حول العالم، قررت “بي دي سي” تعيين مصور فيديو محترف ومنتِج لإعداد سلسلة من الندوات التجريبية القصيرة عبر الإنترنت، وقد تضمنت تحليق الطائرات المسيرة (الدرون) فوق مصانعها وتقديم عروض تقنية فورية. فبسبب عدم قدرة قادة الشركة على زيارة عملائها، استخدموا التكنولوجيا لجلب هؤلاء العملاء إليها. وكانت النتائج مذهلة؛ فقد زادت إيرادات عام 2020 بنسبة 37% مقارنة بالسنة السابقة، ومن المتوقع أن ترتفع في عام 2021 بنسبة 62% مع زيادة الطلب على الطاقة النظيفة في جميع أنحاء العالم.

بغض النظر عن الاختلافات بين القطاعات، يمكننا تحديد العديد من الخصائص المشتركة الأخرى بين الشركات التي كان أداؤها جيداً في ظل هذه الظروف الصعبة. عادة ما تتمتع هذه الشركات بنقاط قوة في المجالات التالية: إمكانية الحصول على رأس المال، وقدرات في مجالي التسويق والاتصالات، واستراتيجية نمو طويلة الأجل، وإقبال على الاستثمار في نموها المستقبلي. وقد سمحت لها هذه القدرات بالتوسع على الرغم من الجائحة، وفي كثير من الحالات كانت نسبة النمو أكبر من 10% في كل من الإيرادات والعمالة على أساس سنوي. وجود علاقة رائعة مع أحد البنوك أو أي طرف آخر مقدِّم لرأس المال له فوائد عديدة أيضاً. فبالإضافة إلى نمو حجم التمويل، غالباً ما تدعم المؤسسات المالية الشركات المتوسطة الأخرى بما تملكه من سنوات خبرة، ويمكن أن تعمل بوصفها مستشاراً استراتيجياً لهذه الشركات فيما يتعلق بالتخطيط والاستثمارات. وبالمثل، فإن إسناد العمل لشريك خارجي خبير في مجالي التسويق والاتصالات يمكن أن يساعد في التعجيل بتحقيق النتائج المرجوة عندما لا تكون هذه القدرات متوفرة داخل الشركة (ويمكن أن يستغرق بناؤها بشكل فعال بعض الوقت).

الشركات متوسطة الحجم ليست الشركات الوحيدة التي تواجه التحديات العديدة التي جلبتها الجائحة، لكن العديد منها يتمتع بالقدرة على الصمود في وجه تلك الأزمة واجتيازها بنجاح. والشركات التي تتخذ خطوات لإعادة تصور الكيفية التي تتواصل بها مع عملائها سيكون لها الأفضلية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .