نحن نسعى إلى تجنّب المعلومات التي يمكن أن تساعدنا للحفاظ على ثقتنا وتقديرنا لأنفسنا

5 دقائق
الحفاظ على الثقة وتقدير النفس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

سألتْ “إيميلي هو” من جامعة “نورث ويسترن” واثنان من زملائها الباحثين أكثر من 2,300 شخص شاركوا في استطلاع للرأي ما إذا كانوا يرغبون في الحصول على أنواع مختلفة من المعلومات التي يمكن أن تكون مفيدة لهم، بما في ذلك وضع حسابات معاشاتهم التقاعدية بالمقارنة مع وضع حسابات المعاشات التقاعدية لأقرانهم، ورأي المستمعين في خطاب كانوا قد ألقوه قبل فترة قصيرة، وكيف كان تقييم زملائهم في العمل لنقاط قوتهم ونقاط ضعفهم. توصّل الفريق إلى أن المستجيبين اختاروا عدم الحصول على المعلومات في 32% من الحالات وسطياً. وكانت الخلاصة التي توصلوا إليها هي:

أستاذة هو دافعي عن بحثك العلمي

هو: تقضي الحكمة التقليدية أن يكون الناس تواقين إلى الحصول على المعلومات التي يمكن أن تفيدهم. وهذه هي الرسالة الكامنة خلف التسويق ورسائل الصحة العامة. لكننا لاحظنا وفي عدد من السيناريوهات أن ما يتراوح بين 15% وأكثر من 50% من الناس رفضوا المعلومات التي نقدمها لهم. وهذه هي الدراسة الأولى التي تتناول مدى انتشار هذه الظاهرة في سياقات عديدة. أظهرنا أن هذه المشكلة جدية، وهي لا تتعلق بشخص أو شخصين فقط يدفنان رأسيهما في الرمال.

هارفارد بزنس ريفيو: ما نوع المعلومات التي نتحدث عنها هنا بالضبط؟

اخترت أنا وزميلاي المشاركان في تأليف البحث، وهما ديفيد هاغمان من جامعة هارفارد وجورج لوستاين من جامعة كارنيغي ميلون، ثلاثة مجالات هي: الصحة، والمالية، والعلاقات الشخصية. سألنا ما إذا كان الناس يرغبون في معرفة كم عاماً سيعيشون تقريباً، والمدة الزمنية التي يقضونها متكاسلين في العمل، وحجم مدخراتهم من المعاش التقاعدي مقارنة مع حجم مدخرات الآخرين من معاشاتهم التقاعدية، وآراء تقويمية بخصوص نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم، وغير ذلك. أردنا إجراء استطلاع رأي كبير وشامل حول القرارات التي يعاني الناس في اتخاذها كل يوم. معظم الناس يذهبون إلى الطبيب، والناس كلهم يفكرون في المال. أردنا تكوين فهم أفضل عن المواقف التي يرغب الناس في الحصول على المعلومات فيها وعن المواقف التي يختارون فيها عدم الحصول على المعلومات.

هذا يعني أن النتائج التي توصلتم إليها تتعلق بكمية المعلومات التي يتجنبها الناس ونمطها أكثر من ارتباطها بعدد الناس الذين يتحاشون المعلومات ونمطهم؟

بالضبط. تجنب المعلومات هو أمر شامل ولكنه يعتمد على السياق على ما يبدو. فبعض الناس الذين لم يريدوا معرفة عمرهم المتوقع رغبوا في معرفة طبيعة أداء محفظة معاشاتهم التقاعدية، والعكس صحيح.

في أي من المواقف كان الناس أكثر ميلاً إلى رفض المعلومات التي يمكن أن تساعدهم؟

أحد العوامل التي ربما كانت تؤثر في ذلك هو القدرة المتخيلة على التصرف بناءً على الحصول على المعلومات. ففي بحث سابق وجدنا أنه إذا كان الناس يشعرون أنهم لن يكونوا قادرين على القيام بأي فعل بعد تلقيهم المعلومات التي تعطى لهم، فإنهم سيكونون أقل ميلاً إلى الرغبة في الحصول عليها. غير أن أي معلومة يمكن أن تكون مفيدة إذا نظرنا إلى الأمر من الناحية العملية، وأنت لن تستطيع أن تعرف ما إذا كانت مفيدة أم لا إذا رفضت هذه المعلومة تلقائياً. الكثير من الناس يفكرون على النحو التالي: “حسناً، إذا تلقينا تشخيصاً طبياً سيئاً، فإننا لن نكون قادرين على فعل شيء حياله”. لذلك فإنهم يفضلون عدم المعرفة. ربما ليس بوسعك تحريك ساكن حيال مرضك. لكن حصولك على تشخيص طبي ربما يساعدك على فعل شيء ما بخصوص التخطيط لمستقبلك.

ولم تكن هناك ضمانة بأن هذه المعلومة ستكون سيئة – بل كان هذا الأمر مجرد احتمال فحسب، أليس كذلك؟ هذا صحيح. كانت المحصلة غامضة ومتعلقة بتفسير الشخص للأمور. وبهذه الطريقة لم تكن النتائج متحيزة جرّاء تجنّب الشخص للخسارة. لكننا وجدنا أن الناس الذين كانوا أكثر تقبلاً للمخاطر كانوا أكثر ميلاً إلى الحصول على المعلومات، تماماً كما كان حال الأشخاص الذين لم يركزوا على الحاضر أكثر من تركيزهم على المستقبل.

هل تمكنتم من استنتاج أي شيء آخر بخصوص من هم أكثر ميلاً إلى طلب المعلومات ومن هم أكثر ميلاً إلى تجنبها؟

فوجئنا عندما اكتشفنا عدم وجود فوارق كبيرة بين الأشخاص ذوي الصفات الديموغرافية المختلفة. ففي دراستنا الأخيرة، توصّلنا إلى أن الرجال كانوا أكثر ميلاً من النساء بقليل إلى السعي للحصول على المعلومات، وإن كان الارتباط صغيراً جداً. لكن الشخصية لا تأثير لها على ما يبدو. لقد وجدنا أن الناس الأكثر حباً للاستطلاع وتقبلاً للرأي الآخر كانوا أكثر ميلاً إلى الرغبة في الحصول على المعلومات بوتيرة أعلى. وهذا أيضاً كان حال الأشخاص الأكثر حاجة إلى التفاعل الفكري مع الآخرين. لكنني أقول مجدداً إن هذه العلاقات كانت محدودة جداً، ما يدل على أن تحاشي المعلومات ليس مجرد جزء من أي من هذه الصفات، بل يظل أمراً قائماً بذاته.

استطلاعكم هذا شمل الأميركيين فقط. فهل تعتقدون أنكم ستتوصلون إلى النتائج ذاتها في دول أو ثقافات أخرى؟

أعتقد أن تجنب المعلومات هو ظاهرة قابلة للتعميم على الأرجح، ولا أعتقد أن هذه الخيارات المفضلة هي مجرد صفة يختص بها الأميركيون عن غيرهم. بيد أن من الوارد أن نكتشف فرقاً بين الثقافات ذات الطابع الجماعي وتلك ذات الطابع الفردي. في الحالة الثانية، إذا كان الناس يشعرون أن الحصول على المعلومات سيكون مفيداً للآخرين من حولهم، فإنهم قد يكونون أكثر ميلاً إلى الحصول عليها.

ما هي النصيحة التي تقدمونها إلى المدراء الذين يقرأون هذا الكلام ويدركون أن موظفيهم ربما يتحاشون معلومات مفيدة في الكثير من الأوقات؟

أولاً، يجب عليكم أن تدركوا أن الجهل الإرادي منتشر في كل مكان بما في ذلك لديكم أنتم. فعلى سبيل المثال، عندما طرحنا السؤال عن المدة الزمنية التي أمضاها المشاركون في التكاسل في العمل وتصفّح فيسبوك أو أي شيء آخر، فإن شخصين من كل خمسة أشخاص – 40% من الناس – لم يرغبوا في معرفتها. وواحد من كل خمسة أشخاص لم يكن يرغب في معرفة كيف ينظر زملاؤه في العمل إلى نقاط قوته ونقاط ضعفه. هذا أمر إشكالي! ولاسيما في حالة الشركات التي تعتمد على العمل الجماعي. أحد الأسئلة الموجهة إلى القادة هو: ما مدى فائدة استخدام نظام التقييم الشامل 360 درجة إذا كان 20% من مرؤوسيكم لن يقرؤوا النتائج؟ فمجرد وجود آليات معينة لتقديم الآراء التقييمية لا يعني أن المهمة قد أنجزت. وربما يجب عليكم التفكير بطرق أخرى لتوصيل النقد البنّاء.

هل كانت هناك مجالات يرغب معظم الناس فيها في الحصول على المعلومات في مكان العمل؟

نظرنا في موضوع التحول نحو الأتمتة من خلال طرح السؤال التالي: “هل ترغب في أن تعرف إلى أي مدى يمكن أن تكون قابلاً للاستبدال؟” ووجدنا أن 15% فقط من الموظفين قالوا إنهم لا يرغبون في معرفة الإجابة. ما استنتجه من ذلك هو أن الناس يتجنبون المعلومات عندما يكون هناك احتمال أن تؤذي صورتهم عن أنفسهم: أنا لا أريد أن أعرف مقدار الوقت الذي أهدره في العمل أو ما هو رأي زملائي الحقيقي عني. أما عندما يتعلق الأمر بالأشياء التي لها تبعات من قبيل مدى احتمال خسارتهم لوظائفهم خلال السنوات القليلة القادمة، فإن الناس يميلون إلى الرغبة في المعرفة ليكون بمقدورهم التحضير. ثمة نقطة انعطاف لكننا لا نعلم أين تقع بالضبط.

أليس من المنطقي أحياناً تجنب المعلومات التي يمكن أن تكون مفيدة لكنها قد تمنحك شعوراً سيئاً  لأن حجم ضررها يطغى على حجم فائدتها؟

هذا ما يسميه الأكاديميون العافية الذاتية التي تتأثر بما يسمى “تكلفتك المُتعية”، أي مدى تراجع درجة إمتاع شيء معين لك نتيجة معرفتك لمعلومات معينة. ودعنا نتحدث عن ذلك بمثال يحتوي على أرقام ملموسة جداً: هل سيؤدي اكتشافك لحقيقة أنك تتقاضى أجراً أقل من الأجر المستحق إلى إزعاجك للغاية أو سيُشعرك بقدر كبير من عدم السعادة إلى حد أنك ستكون مستعداً للتنازل عن 800 دولار شهرياً ربما كان بوسعك ضمان الحصول عليها من خلال استعمال تلك المعلومة للتفاوض على راتب أفضل أو الحصول على فرصة عمل مختلفة؟ ربما لا ينظر معظم الناس إلى الأمر بهذه الطريقة، لكنهم ربما يجب أن ينظروا إليه على هذا النحو.

هل أدت معرفتكم لذلك كله إلى تغيير طريقة جمعكم للمعلومات؟

هي بالتأكيد جعلتني أكثر إدراكاً للحالات التي كنت أبادر خلالها بطريقة انعكاسية إلى عدم قراءة شيء معيّن لأنني أردت حماية معتقداتي أو أناي الأعلى. لقد جعلتني أدرك أن هناك مقايضة ما بين فعل ذلك وربما اتخاذ قرار أفضل في وقت لاحق.

دعني أعطيك مثالاً من عملي: أنا أكتب الكثير، لكنني ولوقت طويل قاومت عدّادات الكلمات. كنت لا أريد مؤشراً يعد عليّ ما كنت أقوم به كل يوم فحسب. أدركت أنني كنت أخشى من أن أقرأ البيانات وأقول لنفسي إنني يجب أن أكتب المزيد. لذلك قلت لنفسي: “حسناً، إذا كان ذلك هو الشيء الوحيد الذي يكتف يدي وامتلاك المعلومات قد يساعدني في كتابة 500 كلمة إضافية يومياً، فإنني سأكف عن تجنبها”. المعلومات تمنحك الحرية!

أحد الأسئلة الموجهة إلى القادة هو: ما مدى فائدة نظام التقييم الشامل 360 درجة إذا كان 20% من مرؤوسيكم لن يقرؤوا النتائج؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .