كيف نعزز الحضور النسائي بين المناصب القيادية؟

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا تزال نسبة النساء اللواتي يشغلن مواقع قيادية ضمن مؤسساتهن منخفضة في جميع أنحاء العالم، ولكن عند المقارنة بين بلد وآخر نجد أن هناك تفاوتاً مدهشاً، فوفقاً لإحصائية حديثة، تتراوح نسبة تمثيل النساء في مجالس الإدارة بين 1 و2% في اليابان، و17% في الولايات المتحدة، بينما هي أعلى بكثير في دول مثل النرويج (بحدود 40%).

وتشير أعمالنا إلى أن هذا التفاوت مرتبط جزئياً بالاختلافات في درجات التشدد الثقافي بين الأمم، وتحديداً مدى وضوح المعايير ضمن ثقافة معينة ودرجة استعداد السلطات لتطبيق تلك المعايير عبر استعمال العقوبات، ففي الثقافات الأكثر تشدداً، قد يغرّم شخص ما لمضغ اللبان أو البصق في الشارع، لكن في الثقافات الأكثر تساهلاً وتراخياً، قد لا يتجاوز ما يحصل عليه، نظرة عدم رضا عن ذلك السلوك. وبينت البحوث أن باكستان وتركيا من بين أكثر الدول تشدداً، بينما أوكرانيا ونيوزيلاندا من بين أكثر الدول تساهلاً، أما الولايات المتحدة فهي دولة متساهلة نسبياً، بينما تعتبر فرنسا وبريطانيا وألمانيا من بين الدول التي تشهد تشدداً متزايداً.

واستناداً إلى الإحصائيات المستقاة من مصادر وطنية، والتي أصدرتها “مجموعة البنك الدولي” (World Bank Group) عام 2011، وجدنا أن أكثر الثقافات تشدداً كانت تضم عدداً أقل من النساء اللواتي يشغلن مناصب تشريعية أو تنفيذية أو إدارية، على سبيل المثال، شغلت النساء 3% فقط من المناصب القيادية في باكستان، لكن الرقم ذاته وصل إلى 38% في أوكرانيا.

ولنشرح هذه الحالة، من المهم أن نفهم كيف يظهر القادة على الساحة في المقام الأول، فوفقاً لعلماء النفس، يرتقي الناس إلى القمة عندما يُنظر إليهم على أنهم يتوافقون مع مجموعة محددة سلفاً من القيم التي يحملها الأفراد عن القيادة.

لكن المشكلة تكمن في أنه (وفي أرجاء الثقافات المختلفة)، شدد هذا النموذج المثالي الخاص بالقائد دائماً على الخصائص والسمات التي تعتبر ذكورية وليست أنثوية. والبعض يلومون الظروف التي أحاطت بالمراحل المبكرة من تاريخ البشرية، عندما كان القادة بحاجة إلى القوة الجسدية لمساعدة المجموعة على البقاء وحمايتها من التهديدات الخارجية. ومع ذلك، لا تزال هذه النماذج التقليدية سائدة اليوم. وفي غالب الأحيان، حتى المرشحات النساء أنفسهن لا يرين كيف بوسعهن التأقلم ضمن قالب القيادة.

يمكن أن يتغير الالتزام المتراخي بمثل هذه المعايير والمعتقدات الثقافية. لكن للثقافات الأكثر تشدداً مزاياها أيضاً: عندما تكون السلطات مستعدة لتطبيق ممارسات جديدة، يكون الالتزام بها سريعاً. ولنأخذ على سبيل المثال، التدابير الرامية إلى إحقاق المساواة بين الجنسين، مثل المساواة في الأجور، وتشجيع النساء على تحصيل مستوى أعلى من التعليم والمشاركة في التطوير المهني. وقد اكتشفنا أنه عندما تلتزم الأمم بمثل هذه الممارسات -فإن الأمم التي تمتلك ثقافات أكثر تشدداً- تنجح في ترقية القائدات من النساء، في حين أن الأمم ذات الثقافات الأكثر تساهلاً لا تتمتع بالقدر ذاته من النجاح.

ونتيجة لذلك، فإن هناك توصيات تخص كل نمط من أنماط الثقافات. فنظام الحصص (الكوتا) المخصصة للنساء والرجال –وهي عبارة عن نسب مئوية معينة تقترن بعقوبات تفرض على المؤسسات غير الملتزمة– يمكن أن تشكل استراتيجية واعدة جداً في الثقافات الأكثر تشدداً. ولنأخذ مثالاً على ذلك النرويج، وهي بلد متشدد نسبياً اشترط نسبة تمثيل تبلغ 40% للنساء في مجالس إدارة الشركات المدرجة في البورصة، ودعم ذلك بالتهديد بحل الشركات التي لا تلتزم بهذا الهدف. فماذا كانت النتيجة؟ لقد حصلت عملية تحول شاملة، إذ ارتفعت نسبة النساء الأعضاء في مجالس الإدارة من أقل من 10% قبل فرض نظام الحصص إلى 40% وهو الهدف المنصوص عليه قانونياً.

لكن من غير المرجح اللجوء بجدية إلى هذا النوع من السياسات القوية أو تطبيقها بنجاح في المجتمعات الأكثر تساهلاً. فمن المرجح أن تحدد السلطات في تلك المجتمعات حصصاً تقترن بعقوبات ضعيفة أو لا تقترن بأي عقوبات على الإطلاق، بينما قد يكون المواطنون أكثر مقاومة لها، مفضلين أن ترتقي النساء ذوات الكفاءة ارتقاء طبيعياً على سلم المناصب. وبالتالي، يعتمد إدخال التغيير في هذه الأمم على التأثير في المعتقدات الخاصة بالنموذج السائد للشخص القيادي – أي من خلال إظهار الدور القيادي على أنه مناسب للمرأة وأنه يمكن لها أداء الدور بل هو مرغوب بالنسبة لها، مع زيادة إبراز وإظهار الناجحات من المديرات التنفيذيات. وثمة براهين تدعم ذلك.

خلاصة القول هي ما يلي: في إطار السعي نحو تحقيق التنوع في تمثيل الرجال والنساء، ليس هناك من حل واحد يمكن تطبيقه بنجاح في جميع الدول والثقافات والسياقات. فالتدابير التي تنجح في بعض الدول، ربما تفشل في دول أخرى. فالسياق الثقافي هو عامل حاسم للغاية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .