لماذا لا تُجدي الجهود الجديدة لزيادة الإنتاجية الشخصية نفعاً؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لدينا جميعاً “أنظمة للإنتاجية”، سواء صممناها بقصد أو تركناها فحسب لتتكوّن من حولنا. نظام الإنتاجية هو ببساطة مجموعة من السلوكيات التي تتكرر باستمرار وبترتيب محدد، إلى جانب الأدوات التي تدعمها.

غالباً ما نسمع الأشخاص يقولون أشياء من قبيل “لا أمتلك نظاماً للإنتاجية، فقد يستغرق بناؤه وقتاً طويلاً للغاية. وعوضاً عن ذلك يمكنني أن أستغل هذا الوقت في إنجاز الأمور”. ولكن عادة ما يكون هذا ناتجاً عن الخلط بين إنجاز الأمور والإنتاجية.

فمن السهل أن تظل “تقوم بشيء” على الدوام؛ فمجرد “القيام بشيء” هو نظام من نوع الأنظمة التفاعلية في حد ذاته. وهو يجعلك مشغولاً باستمرار، ولكنه لا يؤدي على الدوام إلى إنجاز المهام بطريقة مناسبة.

معظم العادات المتعلقة بالإنتاجية تُكتسب بحكم الضرورة؛ أي دون قصد محدد. وهو ما قد يترك إنجاز المهام للصدفة، كما أنه أيضاً السبب وراء الاهتمام الكبير للغاية بتحسين الإنتاجية. ولكن عملية تغيير الأنظمة هي ما تجعل هذا الأمر صعباً حقاً.

من واقع تجاربنا في العمل مع مختلف العملاء، رأينا كثيراً من الأشخاص “يعودون إلى ممارسة عاداتهم القديمة”؛ فيفشلون باستمرار في اتباع نظام الإنتاجية الجديد الذين يحاولون ترسيخه، رغم أنهم يبذلون الوقت والجهد بصفة مستمرة لممارسة السلوكيات الجديدة. وبدورها سلّطت تلك التجارب الضوء على ثلاثة عوامل رئيسة تعوق – في معظم الأحيان – عملية إعادة تشكيل نظام الإنتاجية الخاص بكل فرد، وهو ما يتسبب في إعاقة قدرة الفرد على الإنجاز بطريقة مناسبة، وهذه العوامل موضحة فيما يلي:

  • حتى عندما يكون الأشخاص على علم أن نظامهم القديم غير مجد، يظلون على اقتناع بوجود عادات قديمة محددة ما زالت ضرورية لتحقيق النجاح.
  • البيئة المحيطة بالأشخاص لا تدعم العادات الجديدة التي يحاولون غرسها أو الأدوات التي يحاولون استخدامها.
  • التعرض لمستويات عالية من الضغط تجعلهم يفرطون في التفكير في نظامهم لدرجة الشعور بالاختناق من شدة الضغط.

الاقتناع بضرورة العادات السلبية

في كتاب “قوة العادات” (The Power of Habit)، يقول تشارلز دويغ إن القناعات تُعد عنصراً هاماً في تحويل العادة إلى سلوك دائم. فالاعتقاد بعدم فاعلية عادة ما، أو الاعتقاد الذي يكون في غير محله بأن عادة ما غير فعالة، قد يضللنا.

على سبيل المثال، يمر معظم الأشخاص بفترات مثمرة ومنتجة من العمل بلا انقطاع وهو ما يجعلنا نشعر بشعور عظيم إلى جانب الشعور بمتعة الإنجاز، كما أن الدراسات أكدت أن العمل على مهمة واحدة يتصف بأنه الأكثر فاعلية وكفاءة. على الرغم من ذلك هناك اعتقاد أن تبديل المهام أو أداء العديد من المهام في وقت واحد ينبغي أن يؤدي إلى إنجاز الكثير؛ فنحن نترك بريدنا الإلكتروني مفتوحاً طوال الوقت لأننا نعتقد أنها الطريقة الوحيدة لمنع تراكمه، ونتيح الإنذارات والإشعارات المستمرة لأننا نعتقد أنها الطريقة الوحيدة التي ستساعدنا على عدم تفويت أي شيء مهم. فمن الناحية النظرية يبدو أن أداء مهمة واحدة منطقياً. ولكن من واقع عملنا نميل إلى الاعتقاد أن تلك الدراسات لا تنطبق علينا. وهذا الاعتقاد الراسخ أن أداء عدة مهام في وقت واحد أمر جيد، أو على الأقل ضروري، من الصعب التغلب عليه.

من بين أسباب وجود هذه العوائق الداخلية هو أننا نقلل من قيمة الإنجاز الذي يجب أن نحققه، ونبالغ في تقدير أهمية المقاطعة والتعطيل. على سبيل المثال، جمال، وهو عميل في أحد برامجنا التدريبية، أخبرنا مؤخراً بموقف حدث معه عندما أغلق بريده الإلكتروني ليستطيع التركيز لإنهاء مشروع مهم، ونتيجة لذلك لم يرد بشكل فوري على بريد إلكتروني وارد من مديره حول مشكلة تواجه أحد العملاء. وعندما سألناه عما حدث، أخبرنا أنّ مديره حصل على هذه المعلومة من أحد زملاء جمال في العمل. ثم سألنا جمال ما إذا كان وقع في مشكلة مع مديره (وأجاب بلا)، وما إذا تمكن من إنهاء المشروع المهم (وأجاب بنعم)، وما إذا كان المشروع، من منظور الصورة الأشمل، أكثر أهمية من الرد فوراً على رسالة البريد الإلكتروني (فأجاب بنعم). ولكنه كان يعتقد أن زميله بذلك قد “تفوق عليه”، وكأن هناك مسابقة جارية حول مَن الأسرع في الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو، كما يرى جمال، “مَن هو الأكثر استجابة”. وحتى بعد أن أكد له مديره أنه اتخذ القرار الصحيح، لم يبد أنه اقتنع بذلك.

من الناحية الفكرية، تُعد الحجة الداعية إلى أداء مهمة واحدة، والدراسات التي تدعمها، منطقية للغاية، إلا أنّ المعتقدات ووجهات النظر المتأصلة داخلنا بعمق تعيق قدرتنا على أن نكون منتجين على الدوام.

البيئات المعادية للعادات الجيدة

في كتاب “التغيير الذكي” (Smart Change) يتناول الأستاذ آرت ماركمان كيف أن الإشارات البدنية والعقلية تحرك السلوكيات، فعندما نسلك سلوكاً ما بصفة مستمرة، يصبح سلوكاً “مطبَّقاً“، أي ننتهجه في ظروف وبيئات محددة. استكمالاً للمثال السابق، من الأسباب الأخرى التي تجعل من الصعب تبديل المهام هو أننا تكيَّفنا على تشتت الانتباه بسبب البيئة المحيطة بنا؛ فالهواتف الذكية في أيدينا، والحواسيب على مكاتبنا، إضافة إلى المكاتب المفتوحة التي أصبحت واسعة الانتشار في وقتنا الحالي. فقد أصبح الموظف العادي الآن مشتتاً للغاية طوال اليوم، لدرجة أنه عندما تسنح له الفرصة أن يركز على عمله يشعر بالغرابة!

وبالتالي، من الصعب للغاية تغيير أي نظام للإنتاجية دون تغيير البيئة المحيطة، والعكس بالعكس؛ فإنه من الصعب الحفاظ على نظام كان يعمل جيداً إذا تغيرت البيئة المحيطة به فجأة. على سبيل المثال، إذا انتقلتَ من العمل في مكتب إلى العمل في حجرة منفصلة، قد تجد فجأة أن “عادة” العمل لوقت طويل دون انقطاع قد حلت محل “عادة” الدردشة مع زملاء العمل.

ومن الصعب أيضاً الحفاظ على نظام جيد للإنتاجية إذا لم تكن محاطاً على الإطلاق ببيئة تتسم بالاتساق، فحينها ستكون أيامك كلها مختلفة عن بعضها البعض. وعدم وجود روتين ثابت يمكن أن يُعيق التخطيط المستمر لاكتساب عادات جديدة، وهو ما يجعل من الصعب تكوين العادات، ويُسهّل التعرض للتشتت في الوقت ذاته. وفي هذه الحالة، تحديد بعض الإشارات بصفة مستمرة قد يكون ذا فائدة. لذا، من واقع روتينك اليومي، حدد الأشياء التي تحدث باتساق نسبي واستخدمها بوصفها ركائز لتكوين سلوكيات جديدة، وهو ما سوف يقلل من احتمالية انهيار النظام الجديد.

على سبيل المثال، من بين مكونات نظام الإنتاجية الذي نُعلمه للأفراد هو إعداد قائمة بالمهام التي قيد العمل، وترتيبها حسب الأولوية، وفقاً للموعد النهائي، وبناءً على الأولويات الرئيسة التي يرغب الفرد في الوفاء بها، وليس أهداف الأفراد الآخرين. ولذا، عندما تصل إلى المكتب صباحاً فهذا هو “الركيزة”؛ أي الإشارة التي تحفز التفكير لكي نفتح قائمة المهام ونحدد أولوياتنا. لهذا، ينبغي قضاء الثلاثين دقيقة الأولى من يومنا في العمل على الوفاء بتلك الأولويات وليس تفقُّد بريدنا الإلكتروني. وعندما تكون هناك اجتماعات في الصباح الباكر، يمكنك أن تصل إلى المكتب أبكر بثلاثين دقيقة، وهو ما يضمن حصولك على هذه الثلاثين دقيقة على الدوام.

الإفراط في التفكير والضغط

بمجرد أن يتم تكوين العادة، تزول الحاجة إلى اتخاذ قرار ويصبح السلوك تلقائياً. ولكن إذا كانت إحدى الإشارات البيئية أو البدنية أو العقلية أكثر كثافة من المعتاد، قد ترسل بالخطأ إشارة إلى دماغك بأنك في موقف جديد يتطلب الكثير من التفكير المتعمد.

تتصف هذه العملية بأنها أبطأ بكثير وأقل فاعلية من الاعتماد ببساطة على عاداتك. وهو ما يطلق عليه مالكولم غلادويل “الاختناق”. فقد ذكر مالكولم في كتابه “الاستثنائيون” (Outliers) مثالاً للاعبة يانا نوفوتنا في مباراتها عام 1993 ضد شتيفي غراف، في الجولة الأخيرة من بطولة ويمبلدون للتنس. قرب ما كان ينبغي أن يكون نهاية البطولة، أصبح الضغط متصاعداً للغاية، وبدأت نوفوتنا تعاني من فرط التفكير. وبدلاً من الاعتماد على الذاكرة العضلية والعادات الذهنية التي كوّنتها خلال ساعات لا تحصى من التدريب، بدأت في انتقاد كل حركاتها. ولكن على مستوى التنافس في البطولات، انتقاد كل حركة قد يؤدي إلى نتائج كارثية.

قد نشعر بالضغط بسبب العمل، وتحت وطأة هذا الضغط قد نبدأ في التفكير بأننا ربما مارسنا عادات تحفز إنتاجيتنا، وأدت إلى تحقيقنا النجاح في السابق، ولكنها الآن تستغرق وقتاً طويلاً أو غير مناسبة للموقف الحالي. وفي هذه الحالة، قد ننزع إلى تحويل كل تصرف إلى قرار ينبغي اتخاذه. ولكن في الواقع هذا هو أنسب وقت للاعتماد على نظامك الخاص.

الإنتاجية الحقيقية هي عندما تحقق نتائج بارزة بصفة مستمرة. ولفعل ذلك، ينبغي أن تكون قادراً على صقل نظام الإنتاجية الخاص بك وضمان اعتمادك عليه باستمرار. فإذا كنتَ غير منتج بالقدر الذي ترغب أن تكون عليه، أو إذا كنتَ تحاول أن تزيد من الإنتاجية على صعيد المؤسسة ككل، فكّر أي هذه العوامل الثلاثة يُعيق طريقك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .