بحث: من غير المرجح أن يتفاوض الرجال عندما يكونون في منزلة أدنى في مكان العمل

7 دقائق
اختلافات التفاوض على الراتب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصبح التفسير الشائع للفجوة في الأجور بين الجنسين هو أنّ النساء يقل احتمال مطالبتهن بزيادة الأجور عن الرجال. وينطوي هذا التفسير على منطق جذاب؛ إذ إنه في حال كان بوسعنا جعل النساء يتفاوضن مثلما يتفاوض الرجال، فستتقلص هذه الفجوة، وهذا هو السبب جزئياً في وجود زيادة كبيرة في الدورات التدريبية الخاصة بتنمية القدرات التفاوضية لدى النساء أو المتعلقة بتفاوض الرجال في المستوى الوظيفي الأدنى على الراتب. على سبيل المثال، أطلق عمدة بوسطن، مارتي وولش، في عام 2015، شراكة مدتها خمس سنوات مع الرابطة الأميركية للنساء الجامعيات لتقديم ورشات عمل مجانية حول التفاوض بشأن الرواتب للنساء في مدينة بوسطن. وتقدَم هذه الدورات التدريبية في جميع أنحاء البلاد في الوقت الحالي.

بيد أن بحثنا والبحوث التي أجراها آخرون أظهرت أنّ عدم تفاوض النساء على الرواتب ليس بسبب عدم امتلاكهن مهارة التفاوض. وتبيّن لنا أيضاً أنه ليس كل الرجال يعتقدون أنّ بوسعهم طلب راتب أعلى. وفي الواقع، تشير البحوث التي أجريت بشأن التفاوض على الأجور إلى أن القدرة على التفاوض للحصول على أجور أعلى هي، في العادة، امتياز ينفرد به الموظفون الحاصلون على تعليم عال، بل إنه ليس جميع هؤلاء الموظفين – بمن فيهم الرجال – يتفاوضون للحصول على أجر أعلى.

أسباب تردد النساء في التفاوض على الراتب

وأوضح دليل على سبب تردد النساء أحياناً في التفاوض للحصول على رواتب أعلى هو أنهن أكثر عرضة لمواجهة رد فعل اجتماعي عكسي عند القيام بذلك. ولا يتعلق الأمر بقصور النساء في التفاوض، بل يتعلق بكيفية تعامل المجتمع مع النساء عندما يطالبن برواتب أعلى. وأظهرت العديد من الدراسات، بما في ذلك البحث الذي أجريناه، أن الأشخاص الذين يُجرون مقابلات التوظيف أفادوا أنهم أقل ميلاً للعمل مع امرأة تتفاوض للحصول على راتب أعلى مقارنة بامرأة تغاضت عن فرصة التفاوض.

والسبب في رد الفعل العكسي هذا هو أنه يُنظر إلى النساء على أنهن يخالفن التوقعات المعيارية “للحياة الجماعية”، التي تعني مراعاة الآخرين. ومن المفهوم المثالي للأنوثة أن تؤثِر المرأة الآخرين على نفسها، وغالباً ما نفضّل، إرادياً أو لا إرادياً، العمل مع النساء اللائي يُشبعِن هذه المثالية.

بيد أن إيثار الآخرين على النفس ليس توقعاً اجتماعياً للنساء فحسب؛ بل إنه وصفة اجتماعية عامة لأي شخص في منزلة أقل في المجتمع (على سبيل المثال، يمتلك ثروة أقل وسلطة أقل). إذ إننا نقدّر أكثر إسهامات الموظفين ذوي المنزلة الأدنى عندما يكونون سلسين ويخدمون المصالح الجماعية. ونتحلى بالمزيد من الصبر على الحزم والقيادة التي يُبديها الموظفون أصحاب المنزلة الأعلى.

وبطبيعة الحال، ليس كل الرجال موظفين “ذوي منزلة أعلى”. حيث تركز الدراسات التي وجدت آثاراً اجتماعية سلبية أكبر للتفاوض على النساء أكثر من الرجال على نخبة الموظفين نسبياً (وهُم، بصفة أساسية، الأشخاص ذوو البشرة البيضاء، والحاصلون على تعليم جامعي، والمرشحون الأميركيون لشغل وظائف إدارية). وعلى الرغم من أنّ هذا التوصيف لا ينطبق على جميع الموظفين، إلا أننا نميل إلى التعميم انطلاقاً من هذه الأنواع من عينات النخب الغربية التي يسهل على الباحثين الجامعيين الحصول عليها.

تفاوض الرجال على الراتب في الشركات المحلية مقابل العالمية

وقد أردنا استكشاف ما إذا كان رد الفعل العكسي المتوقع يمنع الرجال أيضاً من التفاوض للحصول على رواتب أعلى، لذا جمعنا البيانات في منطقة من العالم تتغير فيها منزلة الرجال بصفتهم موظفين بشكل كبير اعتماداً على ما إذا كانوا يبحثون عن وظيفة مع صاحب عمل “محلي” أو “عالمي”، وهي منطقة الخليج العربي. إذ ربما يكون صاحب العمل “المحلي” شركة وطنية في المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة ويمكن أن يكون صاحب العمل “العالمي” إحدى الشركات متعددة الجنسيات التي تستثمر في المنطقة. إذ غالباً ما يشغل الرجال المحليون (على سبيل المثال، المواطنون الذكور السعوديون والإماراتيون) أعلى المناصب من حيث الأجور والسلطة والتقدير الاجتماعي، مع أصحاب العمل المحليين. بيد أنّ أصحاب العمل العالميين ينظرون إلى الرجال المحليين، بصفتهم موظفين، بمنظور سلبي.

ويُبدي أصحاب العمل العالميون في الأسواق الناشئة تفضيلهم الواضح لتوظيف الموظفين الحاصلين على تعليم غربي وخبرة في العمل على المرشحين المحليين. وقد سمعنا، في المقابلات التي أجريناها مع مدراء التوظيف في الخليج العربي وأفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، تصريحات متكررة مثل “الأهمية البالغة للمنظور العالمي” أو ما يقال عن أن الوافدين “كانوا على استعداد للعمل بجدية أكبر من المواطنين المحليين”. وفي المقابل، فإن الخريجين – حتى أولئك الذين التحقوا بما يسمى بالجامعات الإصلاحية التي تعتمد التدريس باللغة الإنجليزية ويوجد بها هيئة تدريس غربية لإعداد الخريجين لعالم الأعمال العالمي – يعتبرون أنهم يُنظر إليهم بمنظور سلبي. وكما أوضح أحد الطلاب قائلاً: “عندما أذهب لإجراء مقابلة عمل، فإن أول انطباع يتكون لديهم هو أنني مواطن محلي. إذن أنا كسول، وهذه هي الصورة النمطية”.

ونظراً لأن الرجال المحليين يكونون في منزلة أقل لدى أصحاب العمل العالميين مقارنة بأصحاب العمل المحليين، فقد كنا نتوق لمعرفة ما إذا كانوا سيمتنعون أكثر ​​عن التفاوض للحصول على رواتب أعلى إذا تلقوا عرضاً من شركة عالمية مقارنة بصاحب عمل محلي. وقد طلبنا من الطلاب – رجالاً ونساء على حد سواء – في جامعة إصلاحية أن يوضحوا كيف سيستجيبون لسيناريو تلقوا فيه عرض عمل كانوا يريدونه من شركة مرموقة، بيد أنه براتب أقل مما قدمه لهم صاحب عمل آخر. وقد تلاعبنا بما إذا كان العرض جاء من شركة محلية أو عالمية.

وكما لوحظ عادة في الدراسات الأميركية، عندما جاء العرض من صاحب عمل محلي، كان الرجال أكثر ميلاً للتفاوض من النساء. بيد أنه لم يوجد فرق بين الجنسين في الميل للتفاوض عندما جاء العرض من صاحب عمل عالمي.

وفي دراسة أخرى، أردنا أن نرى كيف يمكن لطلاب الجامعات الإصلاحية أن ينظروا إلى خريج جامعي حديث تفاوض للحصول على راتب أعلى في سياق توظيف محلي بدلاً من سياق توظيف عالمي. لذا فقد قلبنا السيناريو وقرأ الطلاب عن خريج جامعي حديث كان يرد على عرض عمل يرغب به بعرض ثان ذي راتب أعلى. وأسندنا إلى المشاركين، بشكل عشوائي، القراءة بشأن خريج جامعي محلي، ذكراً كان أو أنثى، إما أنه تفاوض أو لم يتفاوض لمطابقة الراتب في العرض الأول مع الراتب في العرض الثاني.

ومجدداً، عندما جاء العرض من صاحب عمل محلي، عكست النتائج ما لوحظ عادة من نتائج في الدراسات الأميركية؛ إذ أفاد المشاركون أنهم أقل استعداداً للعمل مع امرأة تفاوضت مقارنة مع امرأة لم تتفاوض للحصول على راتب أعلى. وفي المقابل، لم يوجد أي تأثير على الرجال الذين يتفاوضون مع صاحب عمل محلي.

بيد أنه عندما جاء العرض من صاحب عمل عالمي، لم يوجد فرق بين الجنسين؛ إذ أفاد المشاركون أنهم أقل استعداداً للعمل مع المرشح الذي تفاوض بالمقارنة مع مرشح تغاضى عن فرصة التفاوض، بغض النظر عما إذا كان رجلاً أو امرأة. وتعرضت النساء لرد فعل عكسي بغض النظر عن سياق التوظيف – محلياً كان أو عالمياً – بينما لم يتعرض الرجال المحليون لرد فعل عكسي إلا في سياق التوظيف العالمي، ما يشير إلى أن المشاركين اعتقدوا أنه لا بأس أن يتفاوض رجل محلي للحصول على راتب أعلى مع صاحب عمل محلي، ولكن ليس مع صاحب عمل عالمي.

وعندما ألقينا نظرة على ما فسر رد الفعل العكسي تجاه النساء اللائي يتفاوضن للحصول على رواتب أعلى في سياقات التوظيف المحلية والعالمية وتجاه الرجال في سياق التوظيف العالمي، وجدنا نتائج متشابهة ولكنها ليست متطابقة. وكما وجدت دراسات سابقة، فإن مقياس الحياة الجماعية أو الاهتمام بالآخرين (“إعطاء الأولوية للأشخاص”) يؤدي دوراً في تفسير رد الفعل العكسي هذا. إذ لم يكن المقيمون يميلون إلى العمل مع امرأة محلية تفاوضت ومع رجل محلي تفاوض مع صاحب عمل عالمي لأنهم رأوا أنهم يفتقرون إلى مراعاة الآخرين.

بيد أننا لاحظنا تصورين آخرين يفسران رد الفعل العكسي تجاه النساء فقط. إذ كان المقيّمون أقل ميلاً إلى العمل مع امرأة محلية تفاوضت للحصول على راتب أعلى لأنها بدت أكثر جرأة ومادية. إذ يُعد الحياء ضرورة ثقافية أقوى للنساء أكثر من الرجال في الخليج العربي، ويتوقع أن يكون الرجال هم معيلو أسرهم. ويفترض أن تكون رواتب النساء من أجل استهلاكهن الشخصي بدلاً من المساهمة المجدية في دخل الأسرة.

وتعود أهمية هذه النتائج إلى سببين؛ أولاً، أنها تعزز فكرة أن التردد في التفاوض للحصول على رواتب أعلى ليس أمراً يتعلق بالنساء فحسب يلزم معالجته. إذ يتردد الرجال والنساء في بعض الأحيان في التفاوض عندما يتوقعون أن مطالبتهم بزيادة الراتب يمكن أن تؤدي إلى عواقب اجتماعية سلبية. ثانياً، تؤكد هذه الدراسات أن التفاوض للحصول على راتب أعلى هو امتياز. ويساهم منح المزيد من الحق من الناحية الاجتماعية للأشخاص ذوي المنزلة العالية لزيادة أجورهم من خلال التفاوض في عدم المساواة فحسب.

استراتيجية “أنا ونحن” (I-We)

وبالسؤال عما هي النصيحة للموظفين الذين يخشون رد فعل عكسي إذا تفاوضوا للحصول على راتب أعلى؟ فإننا لم ندرس بعد استراتيجيات التفاوض الفعالة للموظفين الرجال الذين يُنظر إليهم بمنظور سلبي، بيد أن الأمر الجيد هو أن الاستراتيجيات التي تنجح مع النساء تماثل ما ينصح به خبراء التفاوض عموماً بصفته نصائح تفاوضية جيدة.

ونقترح نهجاً نسميه استراتيجية “أنا ونحن” (I-We). إذ يتعلق الجزء “أنا” بمعرفة الأمر أكثر أهمية بالنسبة إليك، بأن تأخذ في الاعتبار ما هو أكثر من الراتب عندما تفكر في أي مفاوضات بشأن الوظيفة. على سبيل المثال، يمكن أن يكون ضمان حصولك على الأنواع الصحيحة من الخبرات في العمل أو التوجيه أو حصولك على فرص التطوير المهني أكثر أهمية بالنسبة إليك في تحقيق مكاسب في المدى الطويل من حصولك على راتب أعلى قليلاً.

بينما يتعلق الجزء “نحن” بإيجاد سبيل لتوضح ما تريده على نحو سيعتبره صاحب العمل مشروعاً ومفيداً للطرفين. وعند استعدادك للتفاوض، اسأل نفسك السؤالين التاليين: ما المعلومات أو الحجج التي من شأنها أن تساعدهم في فهم أنه من الملائم لك التفاوض؟ وكيف يمكنهم أن يروا أنه من مصلحتهم أو مصلحة المؤسسة أو أنه يتفق مع قيم الشركة الموافقة على تلبية طلبك؟

وابذل قصارى جهدك لفهم دوافع الطرف الآخر في التفاوض والقيود المفروضة عليه. إذ إنه ليس من السهل تحقيق هذا الفهم دائماً، لذا من المفيد التحدث عن حججك التفاوضية مع شخص يمكن أن يقدم لك ملاحظات صادقة ومستنيرة بشأن الحجج التي يرجح أن تكون مقنعة.

وعندما تطرح قضيتك، أوضح أنك تولي اعتباراً لوجهة نظرهم وتهتم بها. فإذا كانوا يعتقدون أن ما تطلبه هو أمر مشروع وأنك تهتم حقاً بوجهة نظرهم، فمن المرجح أن تُنهي التفاوض بحصولك على اتفاق مرض وإقامة علاقة طيبة معهم.

ولا يعني الشعور بالتردد حيال التفاوض للحصول على راتب أعلى دائماً الافتقار إلى المهارة أو الثقة. سواء تعلق الأمر بتفاوض الرجال في المستوى الوظيفي الأدنى أو بتفاوض النساء. إذ يتردد الموظفون أحياناً في التفاوض لأنهم يُقيّمون المخاطر الاجتماعية المترتبة على الظهور بمظهر الشخص الأناني أو المفرط في المطالب. ويساعد إعداد استراتيجية “أنا ونحن” كلا طرفَي التفاوص في ضمان ارتقائهم الوظيفي وتنمية العلاقات التنظيمية. وإذا كان بإمكانك القيام بالأمرين، فينبغي ألا تتردد في التفاوض للحصول على راتب أعلى.

اقرأ أيضاً: كيف تفاوض على الراتب

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .